تحيّة إلى الشعب السعودي العظيم
مجاهد مأمون ديرانية
29/2/2012
نشرتُ أمس مقالة هجوتُ فيها صحفيّاً دعيّاً كتب مقالة في جريدة “الحياة” انتصر فيها لطاغية الشام ونمرودها، هاتك الحرمات وقاتل الولدان ومخرب البلدان، صحفياً وصف نفسه (أو وصفته الجريدة) بأنه “باحث سعودي”، فوصلني من بعض الإخوة السعوديين عتب رقيق، يقولون: هلاّ أشرتَ إلى أن ذلك الأفّاك لا يمثل إلا نفسه، وأن الشعب السعودي قد اختار -في جملته- الاصطفافَ مع ثوار الشام الأحرار؟
سبحان الله؛ لقد هَزُلت -إذن- إذا اضطُررتُ أن أقيم الحجة على بياض النهار! وهل يحتاج الشعب السعودي إلى قلم ضعيف كقلمي هذا ليُنصفه ويعدّد مآثره، أو ليُثبت رجولته ومروءته ويؤكد موقفه النبيل؟ لقد وقف هذا الشعب الكريم العظيم مع الثورة كما لم يقف الشعب السوري نفسه، فإنْ يكن في سوريا عبيد للنظام فما في جزيرة العرب عبيد، وإذا كان في السوريين من خدعه النظام الخبيث عن نفسه وسَلَبه عقلَه فليس في السعوديين مخدوع مسلوب.
إنهم قد وقفوا مع الثورة السورية، عامتهم وعلماءهم على السواء، فصارت هي قضيتهم الكبرى على منابر الجوامع وفي الخطب والدروس والمحاضرات، وفتحوا لها شاشات الفضائيات وصفحات الجرائد والمجلات، وخصّوها بالنصيب الأوفر من الاهتمام والمتابعة في المواقع والمنتديات… وإني لأكاد أحس -وأنا أتابع بعض ما فيها من كتابات ومشاركات- أنهم أَغْيَرُ على سوريا من أهل سوريا، وأنهم أحرص على السوريين من حرص السوريين على أنفسهم، فلكم الشكر يا أيها الكرام.
قَدِمتُ المملكةَ أولَ مرة منذ ثلاث وثلاثين سنة وليس للسعوديين ذكر في بلاد العرب والمسلمين، وأُوشِكُ أن أغادرها وقد طار ذكرهم في الأقطار، ليس بالمال (فإن شعوباً غيرهم تملك الكثير من المال) ولكنْ بأفعال الرجال، فلا تُذكَر ساحة من ساحات الفداء ولا يُذكَر ميدان من ميادين العطاء إلا ويُذكَرون ويُشكَرون.
سمعنا بأخبارهم في سالفات الأيام، ثم رأيناها اليوم عياناً في المحنة التي تضرب أرض الشام، فإعلامهم فتح لثورتنا الصفحات والشاشات، وعلماؤهم تقدموا الصفوف ورفعوا الرايات، وعامتهم حوّلوا المواقع والمنتديات إلى ميادين جهاد وساحات… إذا ذُكر المال فهم إلى العطاء سبّاقون، ولو فُتح باب الجهاد فهم إلى الجهاد متقدّمون، قوم إذا استُمنِحوا مَنَحوا وإذا استُنفِروا نَفَروا، ما سمعوا بهَيعة في أدنى الأرض أو أقصاها إلا طاروا إليها ولا وصلهم نداء استغاثة إلا لبّوا النداء. بارك الله في قوم هذه أفعالهم، قوم المروءات والمكرمات.
وبارك الله في إخوانهم الذين نصروا ثورتنا في الكويت وقطر والبحرين والإمارات، إخوان بعضهم من بعض. وهل كان عرب الجزيرة يوماً إلا جسداً واحداً؟ وهل هم وأهل الشام إلا أبناء جَدّ واحد وإن ارتفع الجدود، وشعب واحد ولو قطّعته الحدود؟ أوَليس الأخُ في الملمّات نصيراً للأخ، يدفع عنه ويذود؟
جزاكم الله عن أمة الإسلام وعن ثورة الشام كلّ خير يا أيها الكِرام. ولا والله لا يُسَوّدُ بياضَ صفحتكم كاتبٌ دعيّ بمقالة يتيمة عرجاء، ولا عشرةٌ من أمثاله ولا عشرٌ من المقالات. وكما هجوته فقد وجب عليّ شكركم لأن من حق المحسن أن يُشكَر كما أن من حق المسيء أن يُهجى، ومَن لم يشكر الناسَ لم يشكر الله. وإنما هو شكر المُقِلّ، أما الشكر الأكبر والجزاء الأوفر فإنكم تنالونه -بإذن الله- يوم الدين، عطاءً موفوراً من رب العالمين.