يا شام هل يحجز الأشواق قضبان؟***** أم يحجب الطيف أسوار وجدران
قد استوينا فكـل رهـن محبسـه*********** للظلم من حولـه سوط وسجان
لنـا إذا هبت الأنسـام لاعجـة************ من حرقة الوجد فالأكباد نيران
يغشى الأسى ناظرينا كلما ومضت ******************في الأفق بارقة تخبو وتزدان
إذا تـألق فـي عليـائهـا أمـلٌ************** هوى إليه هوىً وانساب ألحان
لا عتب أن فـرقتنا للنوى سبـل******* ********فالدهر ذو دولة والوصل ميان
وهـكـذا تنضب الأرواح نازفـة*********** بكل جرح مرارات وأشطان
لـم يبق إلا صبـابـات نجاذبهـا************ لا ترتوي فالجوى باليأس حران
نباكر الغَمَّ في الإصبـاح متقـداً**** ***********وفي العشية آهات وأشجان
تطير أرواحنا شوقاً ولـو قـدرت******** طارت إليكم مع الأرواح أبدان
أنتم ندامى الهوى ما للهوى بـدل********* منكم إذا سامر المشتاق ندمان
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت** ******عنكم صبابتنا أو ضل وجدان
نسلـو الحياة ولا نسلو تذكركـم********** وهل تداوى بغير الذكر ولهان
وحسبكم أنكم في القلب مسكنكم********* حيث الأسى راتع واليأس حيران
عـسى تراسـلُ أشـواقٍ يعللنـا************ وربما خفتت بالشوق أحزان
أواصر الحب كـلُّ الحب تجمعنـا******** رغم القيود أما قد قال حسان :
إما سألت فإنـا معشـر نـجب************ الأزد نسبتنا والماء غسان
وكل ناعورة بـالشام نـادبـة* ************عهد الوصال فهل للهيض جبران
* * *
الله أكبـر! هـذا الظلـم فرقنـا********* وللمقادير إيلاف وإظعان
كأنه لـم يكن بالـمرج مرتعنـا** **********ولم يكن في ربى جيرون جيران
ولم يكن في الثغور الغر مرصدنـا***** وفي المضائق حراس وسكان
وفي السواحـل نيـران وأربطـة********* وفي الجزيرة أحباب وإخوان
وفي المـدائـن أنسـاب مؤلفـة*********** وفي العشائر أصهار وأختان
وأعذب الحب ما كـانت موارده***** ب ـالقدس ، أواه هل للقدس نسيان
* * *
يا شام يا معقل الإسلام ما ركضت******* بلق الخيول ومد الظل أفنان
إذا تضاءل هـذا الحب عن بلـد*********** ففي مرابعكم فيء وأكنان
تالله ما الغوطة الغناء منيتنا************** وفي مسارحها للحسن غزلان
ولا رسـوم لأجداد بسـاحتكـم *************إذ كان يملكها أزد وزهران
ولا صبا بردى يسبي مشاعرنـا********** لكنما حبكم دين وإيمان
* * *
من البراق أصول الحبّ قد بزغـت***** وقد أضاءت لها بصرى وحوران
إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحراً***** يهيج بالقلب للإسراء عنوان
لله حـبٌ، رسـول الله أسسـه** *********وهل لنا غيره أس وأركان
وقـام من بعده الصديق يـورده***** والشرق والغرب نيران وصلبان
بعـزمةٍ عـقد الـرايات مـرتقباً***** بشرى الرسول وأمضى وهو عجلان
وقال: إن لم نبادرهم بـمعمعـة***** تنسي الحلومَ فلا كنا ولا كانوا
والدهر ما عزم الصديق مرتجـف***** والأرض مائدة والبحر طوفان
إذا تـحنن فالإعصـار مرحـمة***** وإن توعد فالأنسام حسبان
يعطي وليس لـمخلوق عليـه يـد***** إنفاقه حسبة، والعتق إحسان
دع ليلة الغار فالقـرآن خلـدهـا***** تقاصرت همم عنها وأزمان
* * *
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق***** فـالشام قلب وباقي الملك جثمان
حـلاوة النصـر لا زالت تـداعبهـا***** ونشوة النصر في الطغيان طغيان
لكن قلب هرقل َ واهـن وجـل***** تصارعت فيه أنوار وأوثان
لديه من سابق الأخبار عـن سـلفٍ***** من النبوات آيات وبرهان
شمس الـرسالة هـذا حين مطلعهـا***** فلتبتهج بسنا الرحمن أكوان
"ساعير " و"الطور " للإسـلام تقـدمـةٌ***** والنور تعلنه في الأرض "فاران "
والله يختـار مـما شـاء مرسلـه***** والخلق ليس لهم رأي ولا شان
والملك في فـرع إسـماعيل منتقـل***** حتماً ولو كرهت روم ويونان
ملك الختان بدا في الأفـق شـاهده***** فبان أن الملوك القلف قد بانوا
وأخمدت نار كسرى حين مشرقـه***** واهتز بالشرفات الشم إيوان
تـلا كتـاب رسـول الله في أدب***** وقال للروم والأرصاد حيطان:
هذا الرسول الـذي كنـا نؤملـه***** فالعين نائمة والقلب يقظان
وهذه الشام للمبعوث عاصمـة***** للسيف ظل وللزيتون أغصان
إن اتبعنـاه فـالدنيـا لنـا تبـع***** وسائر الناس خدام وولدان
وإن أبيـنا فـأمـر الله غـالبنـا***** وملكنا ضائع والسعي خسران
* * *
نعمْ! "هرقل ُ" لقـد أسـمعتَ ذا صمـم***** لو كان للقوم آذان وإذعان
أبت بطارقة الرومـان مـوعظـة***** وغلّ أحلامهم كبر وبهتان
والكبر ما كان في طياتـه حـسـد***** فشر وادٍ تردى فيه إنسان
إلا "ضغاطر " إن الله أكـرمـه***** وقال: يا قوم إن الحق فرقان
محمد نحن في الأسفـار نـعرفـه***** فكيف يوبقنا في الكفر نكران
تواتـرت عندنـا أنبـاء بعثـتـه***** فالخلق ينتظرون الإنس والجان
لولاه ما هاجر الأحبار واصطبـروا**** على لظى يثرب والشام أجنان
وللـنبـوة أعـلام إذا نشـرت***** أصغى وأبصرها بكم وعميان
وحي يصدق بعضاً بعضـه أبـداً***** توراة موسى وإنجيل وقرآن
والحـق أولـه مـهـد لآخـره***** جبريل ناموسه والرُّسْل إخوان
تقـدس الله أن يـدعى لـه ولـد***** أو أن يكون لـه ندٌ وأعوان
وكلكم عارف ما قلت فـاتبعـوا***** حكيمة النمل إذ وافى سليمان
فـأشعياء حكى أوصـاف طلعته***** كما حكى صورة بالرسم فنان
ودانيال فقد جاءت نبوتـه***** نصاً كما يبصر الإنسانَ إنسان
وفي المزامير يـأتي أحـمد فـإذا***** كل الجزائر والأنهار خضعان
وسـوف تُخدِمـه أقيالَهـا سبـأ**** وسـوف تتحفه بالورد لبنان
ويهرع الناس نـحو البيت عاريـة***** أطرافهم ولهم عج وألحان
تهـدى إليـه قـرابـين مقلـدة***** تسوقها حسبة مصر ومديان
وفي شـكيم لـه جـيش ذوو غـرر***** يقتص مما أراقت قبل رومان
وأرض بابل يعنو سـحرهـا هـلعـاً***** إذا ترنم بالتهليل عربان
هم أمة الحمـد والتكبير ديدنـهم***** إذا علوا شرفاً أو لاح علوان
وفي النهـار ليوث لا يسـاورهـا***** غمر وهم في ظلام الليل رهبان
هذا هو الملكوت الحق قد بـزغـت***** أنواره فالدجى المبهور وسنان
كـأنني أبصـر الأمـلاك تحملـه***** وهم صفوف لمبداه وفرقان
وذا المبارك باسـم الـرب مقدمـه***** بنوره محفل الأملاك زهوان
تمت على الحجر المـرفوض نعمتـه***** فصار تاج الذرى والدين بنيان
أيخفـض الله بنيـانـاً ونـرفعـه؟***** ويصطفي الله مختاراً ونختان
ويبتـلي الله تقـوانـا فيلـبسهـا***** من التعصب إغماط وشنآن
* * *
فمزقوه وقـد كـان الإمـام لهـم***** لكن تملكهم بغي وأضغان
كانت دمشق تـرى هـذا وتسمعـه***** كذاك أصغت لقول الحبر جولان
وكـل مؤتمـر في أي مـحتضـر***** غير السقيفة أسمارٌ وبطلان
بكى هرقل ولكن كـان ذا جلـد***** وقال قولـة نصح وهو لهفان
يا أيها الروم إن لم تسلمـوا فلنـا***** في الصلح خير وبعض المر حلوان
وملك أحمد حـد الشمس مبلغـه***** والترك من جنده والصين أقنان
وسوف تسجد روما وهي صـاغـرة***** مهما تقادم أجيال وأزمان
قالـوا: أندفع للأعـراب جزيتنـا***** أبناء هاجر هم للروم عبدان
فقال: يا ليتني عبدٌ لأعسفهم مُلكـاً***** ولا ملك لي فيكم ولا شان
وكنت ألثم من خير الورى قدمـاً***** يحيى بقبلتها روح ووجدان
وقـد تـمنى مسيح الله خـدمتـه***** وحمل نعليه والإنجيل برهان
* * *
ثم انثنى من وراء الـدرب مكتئبـاً***** إذ أقبلت لجنود الله فرسان
وكان ما كان مما الدهـر سجلـه***** وشاهدت آيه حمص وبيسان
ملاحـم الحق واليرمـوك رايتهـا***** فاضت بها من روابي الشام شطآن
وكلما أوقـد الرومـان ملحمـة***** هوى لنا شهب وانقض عقبان
جئنا صقوراً على شقـر مضمـرة***** وهم على الدهم يوم الروع غربان
قد انتضينا سيوف الحـق ليس لهـا***** في النقع إلا جسوم الروم أجفان
وللبطـولات أصـداء مـزلزلـة***** سارت بها في فجاج الأرض ركبان
فمـا تظـن بـجيش في ذؤابتـه***** أصحاب بدر وسيف الله أركان
مـلائك الله بالإرعـاب تنصرهـم***** لهم من الذكر أحراز وأحصان
تمضي القرون ونون الدهر عاجـزة***** عن كتب أمجادهم والسطر عيان
* * *
ودِّعْ -هرقل ُ- وداعاً لا لقاء لـه***** ضاع الهوى فقد الأحلام هيمان
ودِّعْ على حسـرة ما كنت تعشقه***** مراتع العز حيث الملك جذلان
غال الحقيقة قـوم أُترعـوا بطـراً***** كما قد اغتالها في الدير رهبان
فاقنع بمشطور ملك الروم مـا بقيت***** من البطاقة أطلال وعنوان
ومن يعظم رسـول الله يجـز بـه***** دنيا إذا فاته دين ورضوان
والحـمـد لله صـان الله ملتنـا***** من مثل ماعاث "قسطنطين " أو جان
وأورث الله أرض الأنبـيـاء لنـا***** والسيف للسيف أكفاء وأقران
والروم ما شئت من رأي ومن عدد***** لكنما الأمر توفيق وخذلان
وإنما خذل الـرحمن مـجمعهـم***** كيلا يمن على الإسلام منان
وكي يظلوا عـدواً دائمـاً أبـداً***** لا يستكين لهم حقدٌ وأضغان
* * *
والشام بالشوق قد أخفت شماتتها***** والحب يوقده للصب كتمان
يا شام قد لاحت البشرى على ظمأ***** واستشرف الفجر أكمام وسيقان
حان اللقاء فتيهي وارقصي جـذلاً***** فموكب الشوق للأعراس بستان
أبو عبيدة والتقـوى تجللـه***** هشت لملقاه آكام ووديان
وعانقته دمشق وهي غـارقـة***** في سكرة الحب والمشتاق نشوان
قالت: ألا أرتوي من مبسم سقطت***** منه فدى لرسول الله أسنان
هذا العفاف وهذا الزهد أذكـرني***** يحيى الرسول فقل لي كيف أزدان
ياحبـذا النـور نور الله يغمـرني***** وحبذا الجند جند الله من كانوا
هذا الحواري لا مـا كنت أحسبـه***** إذ للنواقيس في الأرجاء إعلان
هذا الأمين كنـوز الأرض تطلبـه***** وكم سباها من الأحبار خوان
والزهد في الفاتحين الغـر منقبـة***** ما نالها قط عربيد ودنان
سل الفتوح التي كانت شريعتهـا***** ما سار "اسكندرٌ " أو سن "ساسان "
يا من وسادتـه تـرس ومسكنـه***** خص ومزوده ملح وأشنان
ما الشام قبلك إلا مقبر خـربٌ***** تناثرت فيه أشلاء وأكفان
نور من الـرحمة المهـداة مقتبس***** أضاء والشام أدغال وغيران
إذا تزينت الـدنيـا بـكى فرقـاً***** متاعها عنده زور وبهتان
* * *
رديفه سيـد الفتيـان قـاطبـة***** من حشو بردته علم وإيمان
أغر أبيض يحكي البـرق مبسمـه***** وكل منطقه در وعقيان
الذاكر الله إن قاموا وإن هجعـوا***** الذكر روح لـه والصوم ريحان
قل يا معاذ فأبنائي تلامذة***** إذا نطقت وزهر الربع آذان
* * *
وهامت الشام شوقاً أن تـرى عمر***** هو الزعيم وهذا الصحب أعوان
يا شام قد أقبل الفاروق فابتهجـي***** فالجو من عبق الفاروق ريان
والأرض تهتـز رعباً من جلالـته***** ومن مهابته في السحب رعدان
سكينة الحق تعلـو وجهـه أبـداً***** فلا يواجهه في الدرب شيطان
وأينما سـار في مغناك مـوكبـه***** طابت بممشاه أعطاف وأردان
مـحدَّث ملهـمٌ جـمٌّ مناقبـه***** العبقرية من سيماه تزدان
أستغفر الله هـل شعري يحيط بـه***** وصفاًولو أن هذا البحر ديوان
وهو الذي طالما جادت فـراستـه***** رأياً فوافقه بالوحي قرآن
يا حظ "جابية " بالركب قـد شـرفت***** وسائر الشام إصغاء وإذعان
هنالك ارتجل الفاروق رائعـةً***** فيها من الحق دستور وتبيان
جلَّى من الخطة البيضاء منهجهـا***** هو اجتماع وإخلاص وإيقان
* * *
وفجأة ضج هذا العـرس وانقلبت* ****أفراحه مأتماً تغشاه أحزان
نادى بلال فأبكى الشام قـاطبـة***** الصوت مختنق والحلق غصان
أثار ذكرى رسول الله فـانتحبت***** وهل لذكرى رسول الله سلوان
لم يستطع لاسمه لفظاً وحـق لـه***** إذ لوعة الحزن في الأحشاء نيران
فتلك أصداؤه في الشام مـا سكنت***** السهل مستعبر والسفح حنان
من كـان في الملأ الأعلى أحبتـه***** فلا يعلله في الأرض خلان
رمضاء مكة تتلو بعـده "أَحَدٌ"***** و"الله أكبر" في الآفاق رنان
وصخرة القدس تدري أن فارسهـا***** نظير يوشع لا روم وكلدان
لما تسلمها الفاروق طهرهـا***** كما على الطهر أبقاها سليمان
* * *
يا فاتح القدس إن القدس قد سلبت***** وغالها بعدكم "ليفي " و"دايان "
وباعها الزمـرة المستسلمون كمـا***** باع الحطيم بزق الخمر "غبشان"
الله والنـاس والتاريـخ يلعنهـم***** فهم على الذل أعيار وأنتان
لا دينَ لا غيرةً لا عقلَ لا رشـداً***** العار مكسبهم والدرب غيان
على اليهود هم الأغمـار خـانعة***** لكن على قومهم عبس وذبيان
الخزي والخسر والشحناء ديدنهـم***** لا يستقيم لهم أمر ولا شان
محض العداوة للإسلام يـجمعهـم***** وهم من الكفر أصناف وألوان
ولا تراهم على خير قـد اتفقـوا***** وهم على الشر أنصار وأعوان
مما أراقوا وممـا أهـدروا وطغـوا***** ضجت إلى الله أفواه وأوطان
كل القداسات داسوها بأرجلهـم***** باسم السلام وكم ذلوا وكم هانوا
حادوا عن الرشد قصداً واستبد بهم***** في لجة التيه إيغال وإمعان
* * *
أعفّ عن ذكرهم إذ نحن في سـمر***** عن الأُلى ذكرهم روح وريحان
صحابة المصطفى خير الورى أثـراً***** ما رام منـزلهم إنس ولا جان
لهم أحاديث في الإخلاص لو قرئت***** على الجلاميد أمست وهي كثبان
لولا الرسول لمـا كانـوا أسـاتذة***** والناس من حولهم للمجد صبيان
هـم زينة الدهـر والتاريخ يلبسهم***** تاجاً يرصعه در ومرجان
لولا الرسول لمـا كانـوا عباقـرة***** فالوحي للفطرة الصماء بركان
هـم الهداة الأُلى من نـور حكمتهم***** عم الحضارة إنصاف وعرفان
* * *
إن الحضـارة روح ليس مـا نحتت***** من التماثيل يونان ورومان
أين التسامح أين العدل إن صـدقوا***** أين المواثيق هل للكفر ميزان
تلك الشعارات زيف يخدعون بـه***** وهم على الظلم والعدوان أخدان
أيـن المآذن في أرجـاء أندلس***** إذ ظل بـالشام أديار وصلبان
إنـا على العهـد لا نختان ذمتنـا***** ولا نجور وإن جاروا وإن خانوا
منّـا تعلَّمتِ الدنيـا كـرامتهـا***** إذ الفرنجة قطعان وغيلان
متى رعوا حرمة أو راقبـوا ذمـماً***** روس وصرب وإيطال وأسبان؟!!
العدل في القول والأحكام شرعتنـا***** إن الهوى للضمير الحي فتان
هم أمنع الناس من ظلم الملوك لهـم***** إلا علينا فإن الظلم إحسان
وإن تـر الروم فيما بينهم عدلـوا***** فهم على غيرهم بغي وعدوان
فانظر لأذنابهم في الشرق إن حكموا***** روم ولكنهم سمر وسودان
وإنمـا اقتبسوا من ضـوء سيرتنـا***** ما أيقنوا أنه للملك أركان
لـولا المساواة والشورى لما غلبـوا***** ولا استقر لهم في الأرض عمران
ونحن لمـا انحرفنا صـار حاضرنـا***** في الجاهلية حالاً كالذي كانوا
نقدس "الفـرد" أياً كـان منهجـه**** "الفرد" نصب وكل الناس سُدّان
فـدينهم دينـه والشـرع شرعتـه***** ولغوه سنّةٌ والأمر قرآن
* * *
يا شام معذرة زاغ الحديث بنـا***** والهم في النفس أشتات وأشجان
أكْـرِمْ بقوم شـروا لله أنفسهـم***** فالملك عارية والروح قربان
نالوا الشهادة إذ قـامت وسائلهـا**** بكل جنب فطاعون وطعان
في المرج رهط وفي عَمْواس طائفـة***** حُمَّ القضاء وما للقوم أكفان
ما مات قوم أبو الدرداء خَالِفُهـم***** أنسى بحكمته ما قال لقمان
سل قلعة النصر والإصرار هل بقيت***** من آل حاميم أصداء وبنيان
إذ جاء من طيبة الغراء مصحفها***** لما اعتنى بكتاب الله عثمان
الله يجزيه خيراً مـا سـمى أحـد***** وما تألق بالترتيل نعمان
لولاه كنا كأهل الديـر إن قـرأوا***** "متى " يكذبه "يوحنا " و"سمعان "
هذا الحكيم أبـو الدرداء يقـرؤه***** والناس للمشرع المورود زلفان
معلم الخيـر بالإحسـان يذكـره***** في البر نمل وفي اللجات حيتان
بكت دمشق زماناً من مواعظـه***** وفي القلوب ينابيع وصلدان
وإن ألمت به في الـرأي معضلـة***** يمده خابر الأديان "سلمان "
القول إن قـال أمثـال مصرفـة***** والفعل للمقتدي هدي وإحسان
يجلـو قلوبا يغشِّى الران رونقهـا***** ويرتقي بالتي في نورها غان
* * *
والتابعون من الآفاق قـد وفـدوا***** أزد وقيس وأنمار وخولان
فـللجـوامـع أحبـار محلقـة***** وللرباط صناديد وفرسان
حياك يا أمـة التوحيد مـا طربت***** ورق وما ثملت بالشدو أفنان
ولى هرقل وولاها معاوية***** فعلَّم الروم أن اليأس سلوان
الحلـم شيمتـه والغـزو همتـه***** أرسى السفين كأن البحر قيعان
ما بيـن شاتيـة تغـدو وصائفـة***** ما فل عزم ولا وافاه خذلان
والصافنات أبو أيوب يـزجرهـا***** وللمنايا أخاديدٌ وخلجان
يا أشرف الصحب داراً طاب مضطجعٌ***** بساحة الروم نائي الدار ضحيان
جعلته معلمـاً يـذكي عزائمنـا***** إذا تخبطها دنيا وشيطان
ثم انبرى الخثعمي الشهم يوردهـا***** أصفى الموارد عزاً وهو نهلان
لله هذا الفتى مـا كـان أعظمـه***** لانت صخور الرواسي وهو صوان
ستون عامـاً قضاهـا في مرابطـه***** لم توقد النار إلا وهو يقظان
وفـي جنـادة للأعـداء مأسـدة***** والغامدي الأبي القرم سفيان
وهل رأيت حبيبـاً حبـه لـهب***** إذا أديرت رحاها فهو طحان
يا شام سـاء صبـاح الروم قد نزلت***** بساحة الروم أهوال وشجعان
ما أصبحت بالكماة الشم مترعـة***** وعسها الليل إلا وهي جبان
* * *
وظـل ديدننـا هـذا وديدنهـم***** حتى اعترانا البلى والسعد ظعان
هنا استبدت بنور الحـق غاشيـة***** وسنة الله أن الزيغ غشيان
ومن يزيد إلى الحجاج ما فتئت***** تشكو من الظلم أنحاء وأعيان
والظلم شؤم وشر الظلم ما ولغت***** فيه الملوك وأثرى منه سلطان
والناس إن بايعوا والسيف يخفقهـم*** **فلفظهم مادح والقلب لعان
والناس تخدع من بالزيف يخدعهـا***** تطيعه صورة والسر عصيان
والكسرويـة في الإسـلام محدثـة***** أكلما مات حرب قام مروان
وفـي أميـة للإسـلام مـأثـرة***** كما لهم ثلمة والله ديان
إن كفَّر الله عنهم بعض مـاعقـدوا***** واستأثروا فبما أمضى سليمان
لكن للعـدل كَرَّاتٌ وإن نـدرت***** تذكر الناس بالشورى متى بانوا
* * *
وكان أول وعد صادق عمر***** تبارك الله عين العدل إنسان
الراشـد الماجـد الميمون طائـره***** عليه من سمة الفاروق تيجان
فاعجب له عمراً يقفو خطا عمر***** كما همى صيِّبٌ يتلوه هتان
يا واعظاً وعظ الدنيـا بسيـرتـه***** روح من الرشد لاحيف وإدهان
والظالمون لهـم يـوم سيفجؤهـم***** إذا تسربلهم نار وقطران
* * *
تـاريخنـا هكـذا حيناً عمالقـة***** غر وحيناً طواغيت وأوثان
هـذا يبيت ثقيـلاً من مـظالمهـا***** وذاك للرد والإنصاف سهران
وكـم تـوثب فينـا ثعلـب خَتِلٌ***** ودبر الملك قينات وخصيان
وكم تحكـم باسـم الدين طاغيـة***** وكم تحكم باسم العلم كَهّان
وكم رأيت دعاة الحـق يقذفـهـم بلعام ُ واستخدم الأشرافَ دهقانُ
إذا تـألـه فـرعـونٌ عـلى ملأ***** فهل يلام على الإفساد هامان ؟
وأغفلُ الناس مـن تغلـي رعيـتـه***** غيظاً ويحسب أن الصمت إذعان
والناس ينسون إلا مـن يجـرعهـم***** مرارة الظلم ما للظلم نسيان
يدسـه الجـد للأحفـاد مستعـراً***** والأم ترضعه والثدي لقان
إذا الفراعين سنـوا الظلـم فلسفـة***** تلطخت فيه أقلام وأذقان
باسم السياسة حل الظلم بل نسخت***** من الشريعة أعلام وأمتان
الـرعب يستلب الأحـلام يقظتهـا***** وبهرج الزيف للأنظار دخان
* * *
ومرَّ دهر ودنيا الشام خـاملـة***** منذ استبدت برأس الأمر بغدان
حتى اقتضت سنة الرحمن أن طرقت***** أبوابها من جيوش الكفر صلبان
ومـا الفرنجـة إلا معشـر همـج***** أخنى عليه دهور وهو وسنان
والدين للنـاس مفتـاح يحركـه***** باسم التعصب صديق وشيطان
وربما اعتذر الشيطـان -سيـدهم-***** مما افترى "بطرس " وافتات "أُربان"
* * *
والترك لما تخلى العرب قـد ورثـوا***** عبء الجهاد فما هانوا ولا لانوا
شجاعة الترك بالإسلام قـد زكيت***** ليست كما ربها خان وخاقان
هـم المغاويـر لا ريث ولا وجـل***** هم العماليق خيال وسفان
لا ترتوي من دماء الـروم أنفسهـم***** بل نابهم لهث عنها وإدمان
فـإن شككت فسل عنهم عطارفـة***** لما تعاورها روس وشيشان
هم وحدهم قد أذاقوا الروس ملحمة***** والروس للغرب كل الغرب أقران
والشام أبطالها من حاط ساحتها***** ولا تبالي متى جاءوا ومن كانوا
* * *
وهكـذا جاء نور الدين فـابتهجت***** في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
أتى إلى حلب الشهبـاء ينقذهـا***** إذ كان لطخها بالرفض رضوان
وجـاء بالسنـة الغـراء يبعثهـا***** هداً لكفر العبيديين إذ خانوا
خمسون حصناً بحد السيف حررها***** وكلها بالعلوج الشقر ملآن
قـد عاهـد الله أيمانـاً مغلظـة***** وهو الصدوق وإن لم تعط أيمان
ألا يُرى ساعة في الدهـر مبتسمـاً***** ولا يقر لـه حال ولا شان
مادام في حـوزة الكفـار مسلمـة***** يسومها الفحش دعار ومجان
ولا يظللـه سقـف ولا كـنف***** ما قام للسيف إعمال وإثخان
ما نال من بيت مـال المسلمين يداً***** وإنما رزقه بالوقف دكان
وزوجه تنسـج الأستـار صـائمةً***** نهارَها وهي للإفطار أثمان
دار الحديث بناهـا فـهي سـامقة***** والعلم أس وباقي الأمر بنيان
ألغى المكوس وأقصى من تـأولهـا**** والسحت مهما طغى غبن وخسران
والعدل والنصر مصفودان في قـرن***** ومنتهى الظلم إدبار وخذلان
شـر الملوك الذي يختـان أمتـه***** في رزقها فهو مكاس ومنان
قـل للمرائي بلا جهد ولا نـصب***** أقصر لُعنت فخير منك قزمان
* * *
وحسب محمود الأواب مفخـرة***** أن الرسول أتاه وهو نعسان
وقال: شأنـك والعلجيـن إنهمـا***** راما أذاي كما يندس ثعبان
فجاء طيبة يحدو العيس جاهـدة***** وأحبط المكر فوراً وهو غيران
وحاط أطهر رمسٍ من قـواعـده***** فالردم من آنك والقطر أركان
تباً لـروما فقد شابت ذرى أحدٍ***** لمكرها واقشعرت منه لبنان
* * *
واعجب وإن شئت قل لي كله عجب***** لمنبر صاغه تقوى وإيمان
عشرون عاماً ونور الدين يحملـه***** وللمهندس تجديد وإتقان
من العراق إلى الأعماق يصحبه***** وما رقاه -على الإطلاق- سحبان
والجيش يسأل هذا مـا يـراد به؟***** إذ جاز في الشرع للإحسان إعلان
وإنمـا كان نـذراً لا يبـوح بـه للقدس ، أواه هل للقدس جيران
قد رام أمراً فكان الموت سـابـقه***** ونية الخير بالإنجاز صنوان
وهذه الأمـة العصماء مـا شهدت***** إلا بحق وفي الأخبار تبيان
باسم الشهيد لـنور الدين قد لهجت***** وللكرامات في الأرواح وجدان
ومن أتى الله بالإخـلاص أورثـه***** لسان صدق وعقبى الذكر رضوان
* * *
مرحى فهذا صلاح الدين ينجـزه***** نعم الخليفة للإسلام معوان
أقام حطين في التاريخ ملحمـة***** يشدو بها في فضاء الدهر أكوان
يا فارس القدس أرض الفتح تُقْطِعُها***** وما لنفسك مثل الجند بستان؟
كم مات من هو أدنى منك مملكـة***** وكنـزه العين أحمال وأطنان
وأنت ترحل لا كنـز ولا نـشب***** ولا عقار ولا قصر ولا خان
المال كالعمر في درب الجهاد مضى***** فيء ووقف وأنفال وسلبان
نفسي فداء يمين منك قـد فـلقت***** بالسيف "أرناط " والمنذور عطشان
لو افتدى بكنوز الأرض مـا قُبلت***** إن نال عرض رسول الله فتان
أسرت أقيـال أوروبا وتعتقهـم***** فشأنك الدهر غلاب ومنان
أخلاقكم هـزمتهم قـبل رايتكـم***** فهل تزكى بريطان و ألمان
لا يُبعد الله عكا إنها شهدت***** أن الوفاء مع الأنذال خسران؟
* * *
إذا قدرنا فـإن الصفـح شيمتنـا***** وهم إذا قدروا غدر وختلان
وحيثما لاح في أرجـائها ذهـب***** أو أبصروا النفط فالقديس قرصان
"غورو " و"ريموند " و"اللنبي " وصاحبـه**** كلٌّ على الغي سفاح وخوان
قوم تراهم وحوش الحرب ما غلبوا***** وهم إذا عجزوا للسلم حملان
ألا تراهم وقـد قـامت قيامتهـم***** لما تطلع للإسلام بلقان
خاطوا الأحابيل باسم السلم واجتمعت**** رغم العداوات أحلاف وأديان
لا دين للغـرب إلا حـرب ملتنـا***** وما عدا ذاك لا تسأل بما دانوا
يأبى السلاح ويعطي القوت تعميـة***** فالقوم صنفان جزار وتبان
وهيئة الأمم النكـراء مسرحهـم***** ومن وراء خيال الظل أرسان
ونحن نشكو إلى الجزار خـادمـه***** كيلا يقال " أصوليون" "أفغان"!!
* * *
الشام أكثـر أرض الله معرفـة***** بغدرهم إذ غزاها منه غزوان
ومثلهم ما تغشى الشام من محن***** لما تجبر هولاكو وقازان
وأقبل الجحفل الجـرار مـن تـتر***** كأنما أُشعلت في الأرض نيران
ولم تر الشام من يحمي محارمهـا***** بل فر بالخزي نواب وسلطان
فقام بالأمر حبـر الدهـر أجمعـه دمشق مَدْرَجُهُ والأم حرَّان
قام ابن تيمية في نصر ملتنا***** كصاحب الغار والردات ألوان
ما شاءت الشام من سيف ومن قلم***** ما يشتهي المجد مغوار وميزان
الجهبذ البـارع الماضـي مـهنده***** لمنهج الوحي حفاظ وصوان
الفلسفات تهـاوت عند صولتـه***** كما تهاوى أمام الضيغم الضان
وحطـم المنطق المفتـون ناظـره***** وكل ما أسست للشرك يونان
وللنصـارى صراخ عند جولتـه***** وللروافض نوَّاح وأنَّان
وللتصوف أرصاد مسننة***** مثل الشهاب إذا ما ند شيطان
إذا تأنـق في المنقـول مـجتهـد***** وإن تعمق في المعقول ربان
كم جاء من بعده في العلم من علم**** فلم يقاربه فيما رام إنسان
والكل من بحره الزخـار مغـترف***** تفيض منه الروايا وهو ملآن
"درء التعارض " و"المنهاج " شاهدة***** وفي "الجواب " أعاجيب وبرهان
وفي الفتاوى كنوز طاب معدنها***** وفي "البيان" على التعطيل بركان
وفهمـه فـي كتاب الله معجـزة**** تحيّر العقل تأويل وتبيان
والفقه بالحجـة البيضـاء حـرره**** فقولـه الفصل والمعيار قبّان
مـاذا تُعدِّد مـن جُلَّـى مناقبـه***** وهل يقوم لموج البحر حسبان
* * *
وهكذا الشام ما شاخت ولا عقمت***** إذا تدفق بالإسلام شريان
عهدي بها وعرى التوحيد تجمعهـا***** وشأنها اليوم أحزاب وأديان
فللـنصارى حكومات وألـويـة***** وللـقرامطة الأنتان سلطان
وللـدروز بـروز في محافلهـا***** وللـروافض نواب وأعيان
أما اليهود فقـل عنهم ولا حـرج***** الدهر يعجب والتاريخ سكران
لولا حجارة أرض الطهر ما عرفوا***** طعم العقاب ولا أصغوا ولا هانوا
ثـارت تزمـجر والتكبير يرفعهـا***** وهز نخوتها قهر وعدوان
هَبْ الحكومات بالإرهاب تخنقهـا***** أليس في صمتنا للرفض عنوان
ربائب الروم بـالقومية استتـروا***** خانوا الشعوب وهم لله خوان
يشكون بالذل مما سامهم "نـتـن"***** وهم من الأصل أعيار وأنتان
كم أضجر الناس عهد الشجب كم لعنوا***** أبواق من نددوا باللفظ أو دانوا
وللبيانـات أسـجـاع مـكـررة***** يقيء منها على الإعلام أذهان
ثم انتكسنا فلا شجب ولا أمـل فـي***** الشجب فالأمر تهويد وإذعان
أستغفـر الله بـل شجب وولولـة***** إذا تخبط "رابين " و"كاهان "
وأصبح الهيكل المـوهوم كـعبتهـم***** وشيكل النحس للبترول أثمان
والبعث لا بعث بل خسف ومهلكـة***** بئس الشعارات إلحاد وكفران
الكفـر محكمـة التفتيش تحرسـه***** والناس صنفان ثوار وثيران
قامت على نحلـة التثليث دعوتهـم***** فللأقانيم أشكال وألوان
سـودٌ خيانتهـم حمـرٌ جنايتهـم***** وحسبهم أن إحداها "حزيران"
فروا وهم في ذرى الجولان -يا عجباً-***** من اليهود وهم في السهل ما بانوا
وأعلنوا أنهـا في يومهـا سقطت***** والساقطون هم الحكام إذ خانوا
لم يسكتوا وضباب الرعب يغمرهم***** عند النـزال ولاهم للحمى صانوا
وللعمائـم تطبيـل وبـهـرجـة***** يغار إبليس منها وهو فتان
وربما أخَّر الدجال مخرجه***** إذ لا مكان لـه والقوم جيران
* * *
أهذه الشام أم عيناك زائغة***** وربما زاغ طرف وهو يقظان
وشْيٌ بديـع كسونـاه حضارتنـا***** كيف انطوى فهو أطمار وخلقان
فانفض يديك من الدنيـا وزينتهـا***** فإنما هي أطياف وأطيان
واتل الرثـاء على الأطـلال مفتتحاً***** (لكل شيء إذا ما تم نقصان
مهما غلا الدمع فالمأساة تـرخصـه***** أو لم تجد فاستدن فالصب يدّان
أهـل الصبابـة دعواهـم مُزَوَّقـة***** لولا المدامع ما بروا ولا مانوا
واعجب لنا كيف صار الضيم يجمعنا***** فنحن في القيد أقران وإخوان
وانظر إلى مـوطن الأبدال مـرتهناً***** يلهو بمغناه دجال وزفان
يقول يـارب هـذا الليل أثقلنـي***** فهل لـه آخر بالفجر مزدان
وهـل إلى رمـق بالبشـر مـعتنق***** يزفه مورد بالعز ريان
أو تنقضي هـذه الأحشـاء ذاويـة***** وتنضب الروح والمشتاق ولهان
* * *
لا، ليس لليأس درب في مشاعرنـا***** مهما تناوب للأرزاء حدثان
بقية السيف بالأبطـال مـمرعـة********* والثأر جرح فإعصار فطوفان
وللبطـولـة عشـق لا يـبـدده*** *********وصل ولا يعتريه الدهر سلوان
وللعـقيـدة آســـاد مشمـرة*************** لكن تكنفها قهر وطغيان
هم الأحبـة إن زاروا وإن هجـروا***** هم الأخلاء إن حلوا وإن بانوا
أرض البطولات يا أسـمى معاقلنـا***** إذا ألـمَّ بدين الله عدوان
ذات القرون إذا حانت مـلاحمهـا******* ففي رحابك فسطاط وميدان
نجوز تيه الفيافـي كـي ننازلهـا********* ونمتطي البحر نصواً وهو هيجان
ونركب الخيل عريا وهي حانقـة****** وللمنايا كلاليب وأشطان
نقارع الموت والأهـوال محدقـة****** ونعتلي الريح والأجواء نيران
أتعجبيـن لأن الكفـر أوثقنــا******* ****حيناً وقد شهدت بالنصر أحيان
أم تجزعيـن لأن الظلـم فـرقنـا******** أللمشاعر حراس وخزان؟!
هذي الحدود رماح في محاجـرنـا***** فليزعموا أن هذا القلب أوطان
من وقعوا "سايكس بيكو"وإخوتها***** متى اعترفنا بهم؟! هل نحن قطعان
الحمـد لله حبـل الله يـجمعنـا******* ****فلا تفرقنا قيس وقحطان
أم تعتبين فبعض الصفـح موجـدة***** للمستهام وبعض العتب غفران
والله لا نستقيل الحب مـا برحـت***** منا على البعد أكباد وأجفان
فليكتب الأرز ولتملل ضمـائـرنـا***** ما شئت من موثق وليشهد البان
قد استوينا فكـل رهـن محبسـه*********** للظلم من حولـه سوط وسجان
لنـا إذا هبت الأنسـام لاعجـة************ من حرقة الوجد فالأكباد نيران
يغشى الأسى ناظرينا كلما ومضت ******************في الأفق بارقة تخبو وتزدان
إذا تـألق فـي عليـائهـا أمـلٌ************** هوى إليه هوىً وانساب ألحان
لا عتب أن فـرقتنا للنوى سبـل******* ********فالدهر ذو دولة والوصل ميان
وهـكـذا تنضب الأرواح نازفـة*********** بكل جرح مرارات وأشطان
لـم يبق إلا صبـابـات نجاذبهـا************ لا ترتوي فالجوى باليأس حران
نباكر الغَمَّ في الإصبـاح متقـداً**** ***********وفي العشية آهات وأشجان
تطير أرواحنا شوقاً ولـو قـدرت******** طارت إليكم مع الأرواح أبدان
أنتم ندامى الهوى ما للهوى بـدل********* منكم إذا سامر المشتاق ندمان
لسنا من الحب في شيء لو انصرفت** ******عنكم صبابتنا أو ضل وجدان
نسلـو الحياة ولا نسلو تذكركـم********** وهل تداوى بغير الذكر ولهان
وحسبكم أنكم في القلب مسكنكم********* حيث الأسى راتع واليأس حيران
عـسى تراسـلُ أشـواقٍ يعللنـا************ وربما خفتت بالشوق أحزان
أواصر الحب كـلُّ الحب تجمعنـا******** رغم القيود أما قد قال حسان :
إما سألت فإنـا معشـر نـجب************ الأزد نسبتنا والماء غسان
وكل ناعورة بـالشام نـادبـة* ************عهد الوصال فهل للهيض جبران
* * *
الله أكبـر! هـذا الظلـم فرقنـا********* وللمقادير إيلاف وإظعان
كأنه لـم يكن بالـمرج مرتعنـا** **********ولم يكن في ربى جيرون جيران
ولم يكن في الثغور الغر مرصدنـا***** وفي المضائق حراس وسكان
وفي السواحـل نيـران وأربطـة********* وفي الجزيرة أحباب وإخوان
وفي المـدائـن أنسـاب مؤلفـة*********** وفي العشائر أصهار وأختان
وأعذب الحب ما كـانت موارده***** ب ـالقدس ، أواه هل للقدس نسيان
* * *
يا شام يا معقل الإسلام ما ركضت******* بلق الخيول ومد الظل أفنان
إذا تضاءل هـذا الحب عن بلـد*********** ففي مرابعكم فيء وأكنان
تالله ما الغوطة الغناء منيتنا************** وفي مسارحها للحسن غزلان
ولا رسـوم لأجداد بسـاحتكـم *************إذ كان يملكها أزد وزهران
ولا صبا بردى يسبي مشاعرنـا********** لكنما حبكم دين وإيمان
* * *
من البراق أصول الحبّ قد بزغـت***** وقد أضاءت لها بصرى وحوران
إذا سرى الطيف منكم وانثنى سحراً***** يهيج بالقلب للإسراء عنوان
لله حـبٌ، رسـول الله أسسـه** *********وهل لنا غيره أس وأركان
وقـام من بعده الصديق يـورده***** والشرق والغرب نيران وصلبان
بعـزمةٍ عـقد الـرايات مـرتقباً***** بشرى الرسول وأمضى وهو عجلان
وقال: إن لم نبادرهم بـمعمعـة***** تنسي الحلومَ فلا كنا ولا كانوا
والدهر ما عزم الصديق مرتجـف***** والأرض مائدة والبحر طوفان
إذا تـحنن فالإعصـار مرحـمة***** وإن توعد فالأنسام حسبان
يعطي وليس لـمخلوق عليـه يـد***** إنفاقه حسبة، والعتق إحسان
دع ليلة الغار فالقـرآن خلـدهـا***** تقاصرت همم عنها وأزمان
* * *
والروم قد أثخنت في الفرس عن حنق***** فـالشام قلب وباقي الملك جثمان
حـلاوة النصـر لا زالت تـداعبهـا***** ونشوة النصر في الطغيان طغيان
لكن قلب هرقل َ واهـن وجـل***** تصارعت فيه أنوار وأوثان
لديه من سابق الأخبار عـن سـلفٍ***** من النبوات آيات وبرهان
شمس الـرسالة هـذا حين مطلعهـا***** فلتبتهج بسنا الرحمن أكوان
"ساعير " و"الطور " للإسـلام تقـدمـةٌ***** والنور تعلنه في الأرض "فاران "
والله يختـار مـما شـاء مرسلـه***** والخلق ليس لهم رأي ولا شان
والملك في فـرع إسـماعيل منتقـل***** حتماً ولو كرهت روم ويونان
ملك الختان بدا في الأفـق شـاهده***** فبان أن الملوك القلف قد بانوا
وأخمدت نار كسرى حين مشرقـه***** واهتز بالشرفات الشم إيوان
تـلا كتـاب رسـول الله في أدب***** وقال للروم والأرصاد حيطان:
هذا الرسول الـذي كنـا نؤملـه***** فالعين نائمة والقلب يقظان
وهذه الشام للمبعوث عاصمـة***** للسيف ظل وللزيتون أغصان
إن اتبعنـاه فـالدنيـا لنـا تبـع***** وسائر الناس خدام وولدان
وإن أبيـنا فـأمـر الله غـالبنـا***** وملكنا ضائع والسعي خسران
* * *
نعمْ! "هرقل ُ" لقـد أسـمعتَ ذا صمـم***** لو كان للقوم آذان وإذعان
أبت بطارقة الرومـان مـوعظـة***** وغلّ أحلامهم كبر وبهتان
والكبر ما كان في طياتـه حـسـد***** فشر وادٍ تردى فيه إنسان
إلا "ضغاطر " إن الله أكـرمـه***** وقال: يا قوم إن الحق فرقان
محمد نحن في الأسفـار نـعرفـه***** فكيف يوبقنا في الكفر نكران
تواتـرت عندنـا أنبـاء بعثـتـه***** فالخلق ينتظرون الإنس والجان
لولاه ما هاجر الأحبار واصطبـروا**** على لظى يثرب والشام أجنان
وللـنبـوة أعـلام إذا نشـرت***** أصغى وأبصرها بكم وعميان
وحي يصدق بعضاً بعضـه أبـداً***** توراة موسى وإنجيل وقرآن
والحـق أولـه مـهـد لآخـره***** جبريل ناموسه والرُّسْل إخوان
تقـدس الله أن يـدعى لـه ولـد***** أو أن يكون لـه ندٌ وأعوان
وكلكم عارف ما قلت فـاتبعـوا***** حكيمة النمل إذ وافى سليمان
فـأشعياء حكى أوصـاف طلعته***** كما حكى صورة بالرسم فنان
ودانيال فقد جاءت نبوتـه***** نصاً كما يبصر الإنسانَ إنسان
وفي المزامير يـأتي أحـمد فـإذا***** كل الجزائر والأنهار خضعان
وسـوف تُخدِمـه أقيالَهـا سبـأ**** وسـوف تتحفه بالورد لبنان
ويهرع الناس نـحو البيت عاريـة***** أطرافهم ولهم عج وألحان
تهـدى إليـه قـرابـين مقلـدة***** تسوقها حسبة مصر ومديان
وفي شـكيم لـه جـيش ذوو غـرر***** يقتص مما أراقت قبل رومان
وأرض بابل يعنو سـحرهـا هـلعـاً***** إذا ترنم بالتهليل عربان
هم أمة الحمـد والتكبير ديدنـهم***** إذا علوا شرفاً أو لاح علوان
وفي النهـار ليوث لا يسـاورهـا***** غمر وهم في ظلام الليل رهبان
هذا هو الملكوت الحق قد بـزغـت***** أنواره فالدجى المبهور وسنان
كـأنني أبصـر الأمـلاك تحملـه***** وهم صفوف لمبداه وفرقان
وذا المبارك باسـم الـرب مقدمـه***** بنوره محفل الأملاك زهوان
تمت على الحجر المـرفوض نعمتـه***** فصار تاج الذرى والدين بنيان
أيخفـض الله بنيـانـاً ونـرفعـه؟***** ويصطفي الله مختاراً ونختان
ويبتـلي الله تقـوانـا فيلـبسهـا***** من التعصب إغماط وشنآن
* * *
فمزقوه وقـد كـان الإمـام لهـم***** لكن تملكهم بغي وأضغان
كانت دمشق تـرى هـذا وتسمعـه***** كذاك أصغت لقول الحبر جولان
وكـل مؤتمـر في أي مـحتضـر***** غير السقيفة أسمارٌ وبطلان
بكى هرقل ولكن كـان ذا جلـد***** وقال قولـة نصح وهو لهفان
يا أيها الروم إن لم تسلمـوا فلنـا***** في الصلح خير وبعض المر حلوان
وملك أحمد حـد الشمس مبلغـه***** والترك من جنده والصين أقنان
وسوف تسجد روما وهي صـاغـرة***** مهما تقادم أجيال وأزمان
قالـوا: أندفع للأعـراب جزيتنـا***** أبناء هاجر هم للروم عبدان
فقال: يا ليتني عبدٌ لأعسفهم مُلكـاً***** ولا ملك لي فيكم ولا شان
وكنت ألثم من خير الورى قدمـاً***** يحيى بقبلتها روح ووجدان
وقـد تـمنى مسيح الله خـدمتـه***** وحمل نعليه والإنجيل برهان
* * *
ثم انثنى من وراء الـدرب مكتئبـاً***** إذ أقبلت لجنود الله فرسان
وكان ما كان مما الدهـر سجلـه***** وشاهدت آيه حمص وبيسان
ملاحـم الحق واليرمـوك رايتهـا***** فاضت بها من روابي الشام شطآن
وكلما أوقـد الرومـان ملحمـة***** هوى لنا شهب وانقض عقبان
جئنا صقوراً على شقـر مضمـرة***** وهم على الدهم يوم الروع غربان
قد انتضينا سيوف الحـق ليس لهـا***** في النقع إلا جسوم الروم أجفان
وللبطـولات أصـداء مـزلزلـة***** سارت بها في فجاج الأرض ركبان
فمـا تظـن بـجيش في ذؤابتـه***** أصحاب بدر وسيف الله أركان
مـلائك الله بالإرعـاب تنصرهـم***** لهم من الذكر أحراز وأحصان
تمضي القرون ونون الدهر عاجـزة***** عن كتب أمجادهم والسطر عيان
* * *
ودِّعْ -هرقل ُ- وداعاً لا لقاء لـه***** ضاع الهوى فقد الأحلام هيمان
ودِّعْ على حسـرة ما كنت تعشقه***** مراتع العز حيث الملك جذلان
غال الحقيقة قـوم أُترعـوا بطـراً***** كما قد اغتالها في الدير رهبان
فاقنع بمشطور ملك الروم مـا بقيت***** من البطاقة أطلال وعنوان
ومن يعظم رسـول الله يجـز بـه***** دنيا إذا فاته دين ورضوان
والحـمـد لله صـان الله ملتنـا***** من مثل ماعاث "قسطنطين " أو جان
وأورث الله أرض الأنبـيـاء لنـا***** والسيف للسيف أكفاء وأقران
والروم ما شئت من رأي ومن عدد***** لكنما الأمر توفيق وخذلان
وإنما خذل الـرحمن مـجمعهـم***** كيلا يمن على الإسلام منان
وكي يظلوا عـدواً دائمـاً أبـداً***** لا يستكين لهم حقدٌ وأضغان
* * *
والشام بالشوق قد أخفت شماتتها***** والحب يوقده للصب كتمان
يا شام قد لاحت البشرى على ظمأ***** واستشرف الفجر أكمام وسيقان
حان اللقاء فتيهي وارقصي جـذلاً***** فموكب الشوق للأعراس بستان
أبو عبيدة والتقـوى تجللـه***** هشت لملقاه آكام ووديان
وعانقته دمشق وهي غـارقـة***** في سكرة الحب والمشتاق نشوان
قالت: ألا أرتوي من مبسم سقطت***** منه فدى لرسول الله أسنان
هذا العفاف وهذا الزهد أذكـرني***** يحيى الرسول فقل لي كيف أزدان
ياحبـذا النـور نور الله يغمـرني***** وحبذا الجند جند الله من كانوا
هذا الحواري لا مـا كنت أحسبـه***** إذ للنواقيس في الأرجاء إعلان
هذا الأمين كنـوز الأرض تطلبـه***** وكم سباها من الأحبار خوان
والزهد في الفاتحين الغـر منقبـة***** ما نالها قط عربيد ودنان
سل الفتوح التي كانت شريعتهـا***** ما سار "اسكندرٌ " أو سن "ساسان "
يا من وسادتـه تـرس ومسكنـه***** خص ومزوده ملح وأشنان
ما الشام قبلك إلا مقبر خـربٌ***** تناثرت فيه أشلاء وأكفان
نور من الـرحمة المهـداة مقتبس***** أضاء والشام أدغال وغيران
إذا تزينت الـدنيـا بـكى فرقـاً***** متاعها عنده زور وبهتان
* * *
رديفه سيـد الفتيـان قـاطبـة***** من حشو بردته علم وإيمان
أغر أبيض يحكي البـرق مبسمـه***** وكل منطقه در وعقيان
الذاكر الله إن قاموا وإن هجعـوا***** الذكر روح لـه والصوم ريحان
قل يا معاذ فأبنائي تلامذة***** إذا نطقت وزهر الربع آذان
* * *
وهامت الشام شوقاً أن تـرى عمر***** هو الزعيم وهذا الصحب أعوان
يا شام قد أقبل الفاروق فابتهجـي***** فالجو من عبق الفاروق ريان
والأرض تهتـز رعباً من جلالـته***** ومن مهابته في السحب رعدان
سكينة الحق تعلـو وجهـه أبـداً***** فلا يواجهه في الدرب شيطان
وأينما سـار في مغناك مـوكبـه***** طابت بممشاه أعطاف وأردان
مـحدَّث ملهـمٌ جـمٌّ مناقبـه***** العبقرية من سيماه تزدان
أستغفر الله هـل شعري يحيط بـه***** وصفاًولو أن هذا البحر ديوان
وهو الذي طالما جادت فـراستـه***** رأياً فوافقه بالوحي قرآن
يا حظ "جابية " بالركب قـد شـرفت***** وسائر الشام إصغاء وإذعان
هنالك ارتجل الفاروق رائعـةً***** فيها من الحق دستور وتبيان
جلَّى من الخطة البيضاء منهجهـا***** هو اجتماع وإخلاص وإيقان
* * *
وفجأة ضج هذا العـرس وانقلبت* ****أفراحه مأتماً تغشاه أحزان
نادى بلال فأبكى الشام قـاطبـة***** الصوت مختنق والحلق غصان
أثار ذكرى رسول الله فـانتحبت***** وهل لذكرى رسول الله سلوان
لم يستطع لاسمه لفظاً وحـق لـه***** إذ لوعة الحزن في الأحشاء نيران
فتلك أصداؤه في الشام مـا سكنت***** السهل مستعبر والسفح حنان
من كـان في الملأ الأعلى أحبتـه***** فلا يعلله في الأرض خلان
رمضاء مكة تتلو بعـده "أَحَدٌ"***** و"الله أكبر" في الآفاق رنان
وصخرة القدس تدري أن فارسهـا***** نظير يوشع لا روم وكلدان
لما تسلمها الفاروق طهرهـا***** كما على الطهر أبقاها سليمان
* * *
يا فاتح القدس إن القدس قد سلبت***** وغالها بعدكم "ليفي " و"دايان "
وباعها الزمـرة المستسلمون كمـا***** باع الحطيم بزق الخمر "غبشان"
الله والنـاس والتاريـخ يلعنهـم***** فهم على الذل أعيار وأنتان
لا دينَ لا غيرةً لا عقلَ لا رشـداً***** العار مكسبهم والدرب غيان
على اليهود هم الأغمـار خـانعة***** لكن على قومهم عبس وذبيان
الخزي والخسر والشحناء ديدنهـم***** لا يستقيم لهم أمر ولا شان
محض العداوة للإسلام يـجمعهـم***** وهم من الكفر أصناف وألوان
ولا تراهم على خير قـد اتفقـوا***** وهم على الشر أنصار وأعوان
مما أراقوا وممـا أهـدروا وطغـوا***** ضجت إلى الله أفواه وأوطان
كل القداسات داسوها بأرجلهـم***** باسم السلام وكم ذلوا وكم هانوا
حادوا عن الرشد قصداً واستبد بهم***** في لجة التيه إيغال وإمعان
* * *
أعفّ عن ذكرهم إذ نحن في سـمر***** عن الأُلى ذكرهم روح وريحان
صحابة المصطفى خير الورى أثـراً***** ما رام منـزلهم إنس ولا جان
لهم أحاديث في الإخلاص لو قرئت***** على الجلاميد أمست وهي كثبان
لولا الرسول لمـا كانـوا أسـاتذة***** والناس من حولهم للمجد صبيان
هـم زينة الدهـر والتاريخ يلبسهم***** تاجاً يرصعه در ومرجان
لولا الرسول لمـا كانـوا عباقـرة***** فالوحي للفطرة الصماء بركان
هـم الهداة الأُلى من نـور حكمتهم***** عم الحضارة إنصاف وعرفان
* * *
إن الحضـارة روح ليس مـا نحتت***** من التماثيل يونان ورومان
أين التسامح أين العدل إن صـدقوا***** أين المواثيق هل للكفر ميزان
تلك الشعارات زيف يخدعون بـه***** وهم على الظلم والعدوان أخدان
أيـن المآذن في أرجـاء أندلس***** إذ ظل بـالشام أديار وصلبان
إنـا على العهـد لا نختان ذمتنـا***** ولا نجور وإن جاروا وإن خانوا
منّـا تعلَّمتِ الدنيـا كـرامتهـا***** إذ الفرنجة قطعان وغيلان
متى رعوا حرمة أو راقبـوا ذمـماً***** روس وصرب وإيطال وأسبان؟!!
العدل في القول والأحكام شرعتنـا***** إن الهوى للضمير الحي فتان
هم أمنع الناس من ظلم الملوك لهـم***** إلا علينا فإن الظلم إحسان
وإن تـر الروم فيما بينهم عدلـوا***** فهم على غيرهم بغي وعدوان
فانظر لأذنابهم في الشرق إن حكموا***** روم ولكنهم سمر وسودان
وإنمـا اقتبسوا من ضـوء سيرتنـا***** ما أيقنوا أنه للملك أركان
لـولا المساواة والشورى لما غلبـوا***** ولا استقر لهم في الأرض عمران
ونحن لمـا انحرفنا صـار حاضرنـا***** في الجاهلية حالاً كالذي كانوا
نقدس "الفـرد" أياً كـان منهجـه**** "الفرد" نصب وكل الناس سُدّان
فـدينهم دينـه والشـرع شرعتـه***** ولغوه سنّةٌ والأمر قرآن
* * *
يا شام معذرة زاغ الحديث بنـا***** والهم في النفس أشتات وأشجان
أكْـرِمْ بقوم شـروا لله أنفسهـم***** فالملك عارية والروح قربان
نالوا الشهادة إذ قـامت وسائلهـا**** بكل جنب فطاعون وطعان
في المرج رهط وفي عَمْواس طائفـة***** حُمَّ القضاء وما للقوم أكفان
ما مات قوم أبو الدرداء خَالِفُهـم***** أنسى بحكمته ما قال لقمان
سل قلعة النصر والإصرار هل بقيت***** من آل حاميم أصداء وبنيان
إذ جاء من طيبة الغراء مصحفها***** لما اعتنى بكتاب الله عثمان
الله يجزيه خيراً مـا سـمى أحـد***** وما تألق بالترتيل نعمان
لولاه كنا كأهل الديـر إن قـرأوا***** "متى " يكذبه "يوحنا " و"سمعان "
هذا الحكيم أبـو الدرداء يقـرؤه***** والناس للمشرع المورود زلفان
معلم الخيـر بالإحسـان يذكـره***** في البر نمل وفي اللجات حيتان
بكت دمشق زماناً من مواعظـه***** وفي القلوب ينابيع وصلدان
وإن ألمت به في الـرأي معضلـة***** يمده خابر الأديان "سلمان "
القول إن قـال أمثـال مصرفـة***** والفعل للمقتدي هدي وإحسان
يجلـو قلوبا يغشِّى الران رونقهـا***** ويرتقي بالتي في نورها غان
* * *
والتابعون من الآفاق قـد وفـدوا***** أزد وقيس وأنمار وخولان
فـللجـوامـع أحبـار محلقـة***** وللرباط صناديد وفرسان
حياك يا أمـة التوحيد مـا طربت***** ورق وما ثملت بالشدو أفنان
ولى هرقل وولاها معاوية***** فعلَّم الروم أن اليأس سلوان
الحلـم شيمتـه والغـزو همتـه***** أرسى السفين كأن البحر قيعان
ما بيـن شاتيـة تغـدو وصائفـة***** ما فل عزم ولا وافاه خذلان
والصافنات أبو أيوب يـزجرهـا***** وللمنايا أخاديدٌ وخلجان
يا أشرف الصحب داراً طاب مضطجعٌ***** بساحة الروم نائي الدار ضحيان
جعلته معلمـاً يـذكي عزائمنـا***** إذا تخبطها دنيا وشيطان
ثم انبرى الخثعمي الشهم يوردهـا***** أصفى الموارد عزاً وهو نهلان
لله هذا الفتى مـا كـان أعظمـه***** لانت صخور الرواسي وهو صوان
ستون عامـاً قضاهـا في مرابطـه***** لم توقد النار إلا وهو يقظان
وفـي جنـادة للأعـداء مأسـدة***** والغامدي الأبي القرم سفيان
وهل رأيت حبيبـاً حبـه لـهب***** إذا أديرت رحاها فهو طحان
يا شام سـاء صبـاح الروم قد نزلت***** بساحة الروم أهوال وشجعان
ما أصبحت بالكماة الشم مترعـة***** وعسها الليل إلا وهي جبان
* * *
وظـل ديدننـا هـذا وديدنهـم***** حتى اعترانا البلى والسعد ظعان
هنا استبدت بنور الحـق غاشيـة***** وسنة الله أن الزيغ غشيان
ومن يزيد إلى الحجاج ما فتئت***** تشكو من الظلم أنحاء وأعيان
والظلم شؤم وشر الظلم ما ولغت***** فيه الملوك وأثرى منه سلطان
والناس إن بايعوا والسيف يخفقهـم*** **فلفظهم مادح والقلب لعان
والناس تخدع من بالزيف يخدعهـا***** تطيعه صورة والسر عصيان
والكسرويـة في الإسـلام محدثـة***** أكلما مات حرب قام مروان
وفـي أميـة للإسـلام مـأثـرة***** كما لهم ثلمة والله ديان
إن كفَّر الله عنهم بعض مـاعقـدوا***** واستأثروا فبما أمضى سليمان
لكن للعـدل كَرَّاتٌ وإن نـدرت***** تذكر الناس بالشورى متى بانوا
* * *
وكان أول وعد صادق عمر***** تبارك الله عين العدل إنسان
الراشـد الماجـد الميمون طائـره***** عليه من سمة الفاروق تيجان
فاعجب له عمراً يقفو خطا عمر***** كما همى صيِّبٌ يتلوه هتان
يا واعظاً وعظ الدنيـا بسيـرتـه***** روح من الرشد لاحيف وإدهان
والظالمون لهـم يـوم سيفجؤهـم***** إذا تسربلهم نار وقطران
* * *
تـاريخنـا هكـذا حيناً عمالقـة***** غر وحيناً طواغيت وأوثان
هـذا يبيت ثقيـلاً من مـظالمهـا***** وذاك للرد والإنصاف سهران
وكـم تـوثب فينـا ثعلـب خَتِلٌ***** ودبر الملك قينات وخصيان
وكم تحكـم باسـم الدين طاغيـة***** وكم تحكم باسم العلم كَهّان
وكم رأيت دعاة الحـق يقذفـهـم بلعام ُ واستخدم الأشرافَ دهقانُ
إذا تـألـه فـرعـونٌ عـلى ملأ***** فهل يلام على الإفساد هامان ؟
وأغفلُ الناس مـن تغلـي رعيـتـه***** غيظاً ويحسب أن الصمت إذعان
والناس ينسون إلا مـن يجـرعهـم***** مرارة الظلم ما للظلم نسيان
يدسـه الجـد للأحفـاد مستعـراً***** والأم ترضعه والثدي لقان
إذا الفراعين سنـوا الظلـم فلسفـة***** تلطخت فيه أقلام وأذقان
باسم السياسة حل الظلم بل نسخت***** من الشريعة أعلام وأمتان
الـرعب يستلب الأحـلام يقظتهـا***** وبهرج الزيف للأنظار دخان
* * *
ومرَّ دهر ودنيا الشام خـاملـة***** منذ استبدت برأس الأمر بغدان
حتى اقتضت سنة الرحمن أن طرقت***** أبوابها من جيوش الكفر صلبان
ومـا الفرنجـة إلا معشـر همـج***** أخنى عليه دهور وهو وسنان
والدين للنـاس مفتـاح يحركـه***** باسم التعصب صديق وشيطان
وربما اعتذر الشيطـان -سيـدهم-***** مما افترى "بطرس " وافتات "أُربان"
* * *
والترك لما تخلى العرب قـد ورثـوا***** عبء الجهاد فما هانوا ولا لانوا
شجاعة الترك بالإسلام قـد زكيت***** ليست كما ربها خان وخاقان
هـم المغاويـر لا ريث ولا وجـل***** هم العماليق خيال وسفان
لا ترتوي من دماء الـروم أنفسهـم***** بل نابهم لهث عنها وإدمان
فـإن شككت فسل عنهم عطارفـة***** لما تعاورها روس وشيشان
هم وحدهم قد أذاقوا الروس ملحمة***** والروس للغرب كل الغرب أقران
والشام أبطالها من حاط ساحتها***** ولا تبالي متى جاءوا ومن كانوا
* * *
وهكـذا جاء نور الدين فـابتهجت***** في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
أتى إلى حلب الشهبـاء ينقذهـا***** إذ كان لطخها بالرفض رضوان
وجـاء بالسنـة الغـراء يبعثهـا***** هداً لكفر العبيديين إذ خانوا
خمسون حصناً بحد السيف حررها***** وكلها بالعلوج الشقر ملآن
قـد عاهـد الله أيمانـاً مغلظـة***** وهو الصدوق وإن لم تعط أيمان
ألا يُرى ساعة في الدهـر مبتسمـاً***** ولا يقر لـه حال ولا شان
مادام في حـوزة الكفـار مسلمـة***** يسومها الفحش دعار ومجان
ولا يظللـه سقـف ولا كـنف***** ما قام للسيف إعمال وإثخان
ما نال من بيت مـال المسلمين يداً***** وإنما رزقه بالوقف دكان
وزوجه تنسـج الأستـار صـائمةً***** نهارَها وهي للإفطار أثمان
دار الحديث بناهـا فـهي سـامقة***** والعلم أس وباقي الأمر بنيان
ألغى المكوس وأقصى من تـأولهـا**** والسحت مهما طغى غبن وخسران
والعدل والنصر مصفودان في قـرن***** ومنتهى الظلم إدبار وخذلان
شـر الملوك الذي يختـان أمتـه***** في رزقها فهو مكاس ومنان
قـل للمرائي بلا جهد ولا نـصب***** أقصر لُعنت فخير منك قزمان
* * *
وحسب محمود الأواب مفخـرة***** أن الرسول أتاه وهو نعسان
وقال: شأنـك والعلجيـن إنهمـا***** راما أذاي كما يندس ثعبان
فجاء طيبة يحدو العيس جاهـدة***** وأحبط المكر فوراً وهو غيران
وحاط أطهر رمسٍ من قـواعـده***** فالردم من آنك والقطر أركان
تباً لـروما فقد شابت ذرى أحدٍ***** لمكرها واقشعرت منه لبنان
* * *
واعجب وإن شئت قل لي كله عجب***** لمنبر صاغه تقوى وإيمان
عشرون عاماً ونور الدين يحملـه***** وللمهندس تجديد وإتقان
من العراق إلى الأعماق يصحبه***** وما رقاه -على الإطلاق- سحبان
والجيش يسأل هذا مـا يـراد به؟***** إذ جاز في الشرع للإحسان إعلان
وإنمـا كان نـذراً لا يبـوح بـه للقدس ، أواه هل للقدس جيران
قد رام أمراً فكان الموت سـابـقه***** ونية الخير بالإنجاز صنوان
وهذه الأمـة العصماء مـا شهدت***** إلا بحق وفي الأخبار تبيان
باسم الشهيد لـنور الدين قد لهجت***** وللكرامات في الأرواح وجدان
ومن أتى الله بالإخـلاص أورثـه***** لسان صدق وعقبى الذكر رضوان
* * *
مرحى فهذا صلاح الدين ينجـزه***** نعم الخليفة للإسلام معوان
أقام حطين في التاريخ ملحمـة***** يشدو بها في فضاء الدهر أكوان
يا فارس القدس أرض الفتح تُقْطِعُها***** وما لنفسك مثل الجند بستان؟
كم مات من هو أدنى منك مملكـة***** وكنـزه العين أحمال وأطنان
وأنت ترحل لا كنـز ولا نـشب***** ولا عقار ولا قصر ولا خان
المال كالعمر في درب الجهاد مضى***** فيء ووقف وأنفال وسلبان
نفسي فداء يمين منك قـد فـلقت***** بالسيف "أرناط " والمنذور عطشان
لو افتدى بكنوز الأرض مـا قُبلت***** إن نال عرض رسول الله فتان
أسرت أقيـال أوروبا وتعتقهـم***** فشأنك الدهر غلاب ومنان
أخلاقكم هـزمتهم قـبل رايتكـم***** فهل تزكى بريطان و ألمان
لا يُبعد الله عكا إنها شهدت***** أن الوفاء مع الأنذال خسران؟
* * *
إذا قدرنا فـإن الصفـح شيمتنـا***** وهم إذا قدروا غدر وختلان
وحيثما لاح في أرجـائها ذهـب***** أو أبصروا النفط فالقديس قرصان
"غورو " و"ريموند " و"اللنبي " وصاحبـه**** كلٌّ على الغي سفاح وخوان
قوم تراهم وحوش الحرب ما غلبوا***** وهم إذا عجزوا للسلم حملان
ألا تراهم وقـد قـامت قيامتهـم***** لما تطلع للإسلام بلقان
خاطوا الأحابيل باسم السلم واجتمعت**** رغم العداوات أحلاف وأديان
لا دين للغـرب إلا حـرب ملتنـا***** وما عدا ذاك لا تسأل بما دانوا
يأبى السلاح ويعطي القوت تعميـة***** فالقوم صنفان جزار وتبان
وهيئة الأمم النكـراء مسرحهـم***** ومن وراء خيال الظل أرسان
ونحن نشكو إلى الجزار خـادمـه***** كيلا يقال " أصوليون" "أفغان"!!
* * *
الشام أكثـر أرض الله معرفـة***** بغدرهم إذ غزاها منه غزوان
ومثلهم ما تغشى الشام من محن***** لما تجبر هولاكو وقازان
وأقبل الجحفل الجـرار مـن تـتر***** كأنما أُشعلت في الأرض نيران
ولم تر الشام من يحمي محارمهـا***** بل فر بالخزي نواب وسلطان
فقام بالأمر حبـر الدهـر أجمعـه دمشق مَدْرَجُهُ والأم حرَّان
قام ابن تيمية في نصر ملتنا***** كصاحب الغار والردات ألوان
ما شاءت الشام من سيف ومن قلم***** ما يشتهي المجد مغوار وميزان
الجهبذ البـارع الماضـي مـهنده***** لمنهج الوحي حفاظ وصوان
الفلسفات تهـاوت عند صولتـه***** كما تهاوى أمام الضيغم الضان
وحطـم المنطق المفتـون ناظـره***** وكل ما أسست للشرك يونان
وللنصـارى صراخ عند جولتـه***** وللروافض نوَّاح وأنَّان
وللتصوف أرصاد مسننة***** مثل الشهاب إذا ما ند شيطان
إذا تأنـق في المنقـول مـجتهـد***** وإن تعمق في المعقول ربان
كم جاء من بعده في العلم من علم**** فلم يقاربه فيما رام إنسان
والكل من بحره الزخـار مغـترف***** تفيض منه الروايا وهو ملآن
"درء التعارض " و"المنهاج " شاهدة***** وفي "الجواب " أعاجيب وبرهان
وفي الفتاوى كنوز طاب معدنها***** وفي "البيان" على التعطيل بركان
وفهمـه فـي كتاب الله معجـزة**** تحيّر العقل تأويل وتبيان
والفقه بالحجـة البيضـاء حـرره**** فقولـه الفصل والمعيار قبّان
مـاذا تُعدِّد مـن جُلَّـى مناقبـه***** وهل يقوم لموج البحر حسبان
* * *
وهكذا الشام ما شاخت ولا عقمت***** إذا تدفق بالإسلام شريان
عهدي بها وعرى التوحيد تجمعهـا***** وشأنها اليوم أحزاب وأديان
فللـنصارى حكومات وألـويـة***** وللـقرامطة الأنتان سلطان
وللـدروز بـروز في محافلهـا***** وللـروافض نواب وأعيان
أما اليهود فقـل عنهم ولا حـرج***** الدهر يعجب والتاريخ سكران
لولا حجارة أرض الطهر ما عرفوا***** طعم العقاب ولا أصغوا ولا هانوا
ثـارت تزمـجر والتكبير يرفعهـا***** وهز نخوتها قهر وعدوان
هَبْ الحكومات بالإرهاب تخنقهـا***** أليس في صمتنا للرفض عنوان
ربائب الروم بـالقومية استتـروا***** خانوا الشعوب وهم لله خوان
يشكون بالذل مما سامهم "نـتـن"***** وهم من الأصل أعيار وأنتان
كم أضجر الناس عهد الشجب كم لعنوا***** أبواق من نددوا باللفظ أو دانوا
وللبيانـات أسـجـاع مـكـررة***** يقيء منها على الإعلام أذهان
ثم انتكسنا فلا شجب ولا أمـل فـي***** الشجب فالأمر تهويد وإذعان
أستغفـر الله بـل شجب وولولـة***** إذا تخبط "رابين " و"كاهان "
وأصبح الهيكل المـوهوم كـعبتهـم***** وشيكل النحس للبترول أثمان
والبعث لا بعث بل خسف ومهلكـة***** بئس الشعارات إلحاد وكفران
الكفـر محكمـة التفتيش تحرسـه***** والناس صنفان ثوار وثيران
قامت على نحلـة التثليث دعوتهـم***** فللأقانيم أشكال وألوان
سـودٌ خيانتهـم حمـرٌ جنايتهـم***** وحسبهم أن إحداها "حزيران"
فروا وهم في ذرى الجولان -يا عجباً-***** من اليهود وهم في السهل ما بانوا
وأعلنوا أنهـا في يومهـا سقطت***** والساقطون هم الحكام إذ خانوا
لم يسكتوا وضباب الرعب يغمرهم***** عند النـزال ولاهم للحمى صانوا
وللعمائـم تطبيـل وبـهـرجـة***** يغار إبليس منها وهو فتان
وربما أخَّر الدجال مخرجه***** إذ لا مكان لـه والقوم جيران
* * *
أهذه الشام أم عيناك زائغة***** وربما زاغ طرف وهو يقظان
وشْيٌ بديـع كسونـاه حضارتنـا***** كيف انطوى فهو أطمار وخلقان
فانفض يديك من الدنيـا وزينتهـا***** فإنما هي أطياف وأطيان
واتل الرثـاء على الأطـلال مفتتحاً***** (لكل شيء إذا ما تم نقصان
مهما غلا الدمع فالمأساة تـرخصـه***** أو لم تجد فاستدن فالصب يدّان
أهـل الصبابـة دعواهـم مُزَوَّقـة***** لولا المدامع ما بروا ولا مانوا
واعجب لنا كيف صار الضيم يجمعنا***** فنحن في القيد أقران وإخوان
وانظر إلى مـوطن الأبدال مـرتهناً***** يلهو بمغناه دجال وزفان
يقول يـارب هـذا الليل أثقلنـي***** فهل لـه آخر بالفجر مزدان
وهـل إلى رمـق بالبشـر مـعتنق***** يزفه مورد بالعز ريان
أو تنقضي هـذه الأحشـاء ذاويـة***** وتنضب الروح والمشتاق ولهان
* * *
لا، ليس لليأس درب في مشاعرنـا***** مهما تناوب للأرزاء حدثان
بقية السيف بالأبطـال مـمرعـة********* والثأر جرح فإعصار فطوفان
وللبطـولـة عشـق لا يـبـدده*** *********وصل ولا يعتريه الدهر سلوان
وللعـقيـدة آســـاد مشمـرة*************** لكن تكنفها قهر وطغيان
هم الأحبـة إن زاروا وإن هجـروا***** هم الأخلاء إن حلوا وإن بانوا
أرض البطولات يا أسـمى معاقلنـا***** إذا ألـمَّ بدين الله عدوان
ذات القرون إذا حانت مـلاحمهـا******* ففي رحابك فسطاط وميدان
نجوز تيه الفيافـي كـي ننازلهـا********* ونمتطي البحر نصواً وهو هيجان
ونركب الخيل عريا وهي حانقـة****** وللمنايا كلاليب وأشطان
نقارع الموت والأهـوال محدقـة****** ونعتلي الريح والأجواء نيران
أتعجبيـن لأن الكفـر أوثقنــا******* ****حيناً وقد شهدت بالنصر أحيان
أم تجزعيـن لأن الظلـم فـرقنـا******** أللمشاعر حراس وخزان؟!
هذي الحدود رماح في محاجـرنـا***** فليزعموا أن هذا القلب أوطان
من وقعوا "سايكس بيكو"وإخوتها***** متى اعترفنا بهم؟! هل نحن قطعان
الحمـد لله حبـل الله يـجمعنـا******* ****فلا تفرقنا قيس وقحطان
أم تعتبين فبعض الصفـح موجـدة***** للمستهام وبعض العتب غفران
والله لا نستقيل الحب مـا برحـت***** منا على البعد أكباد وأجفان
فليكتب الأرز ولتملل ضمـائـرنـا***** ما شئت من موثق وليشهد البان