في
"سوريا الأسد"، ليس محرّماً فقط التعبير عن الرأي أو التظاهر، بل أيضاً
تقديم العلاج إلى المصابين، وأسوأ مكان يمكن أن ينتهي فيه الجريح السوري في
حمص هو مستشفياتها، خصوصاً العسكرية منها.
نشرت صحيفة الـ غارديان" البريطانية تقريراً عن أوضاع المصابين في سوريا،
وتحديداً المعارضين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذين يقعون ضحية
الحملة العنيفة التي تشنّها قوات الأمن.
منذ بدء الثورة الشعبية، استمر النظام السوري في شنّ حملة، لا تعرف الرحمة،
ضد أي أشخاص أو مؤسسة تستطيع تقديم المساعدة الطبية إلى ضحايا حملات القمع
وإسعاف المتظاهرين، حيث بات من الخطر على المرء أن يكون طبيباً أو
صيدلانياً، لأنهم يتعرّضون للسجن أو القتل، كما حدث مع الطبيب الوحيد في
مركز طبي في حي بابا عمرو، والذي قتل في تشرين الثاني الماضي، على يد
القوات الأمنية، بسبب معالجته ضحايا هجوم الجيش السوري في مدينة الرستن.
ونقلت الصحيفة شهادة ممرض في مستشفى حمص الوطني من حي بابا عمرو، والذي تم
احتجازه في أيلول الماضي، حيث تعرّض لأنواع مختلفة من التعذيب، فتم ضربه
بالهراوات والأسواط والصعق بالصدمات الكهربائية، وتم استخدام طريقة "الشبح"
في التعامل معه، إذ يتم تعليقه في الحائط من رسغ واحد لساعات.
وأوقفت قوات الأمن ممرضة أخرى تابعة للصليب الأحمر، فنهرها أحد الجنود قائلاً: "نحن نطلق النار عليهم، وأنتم تأتون لمساعدتهم؟".
في مدينة حمص مستشفيان اثنان، واحد مدني، والآخر عسكري، وكلاهما واقعان تحت
قبضة القوات الأمنية، حيث تم تحويل غرف المستشفى إلى غرف تعذيب، لتبقى
العيادات الخاصة هي الملاذ الأخير لهؤلاء المصابين.
لكن حتى العيادات الخاصة تتعرّض لهجوم مستمر، فالرصاص اخترق النوافذ
والأسرّة والجدران في إحدى هذه العيادات، حيث لايستطيع العاملون فيها سوى
معالجة الحالات الطارئة جداً.
كما يضطر الممرضون إلى تسريح المصابين بعد ساعات قليلة من استقبالهم، لأن
القوات الأمنية غالباً ما تداهم هذه العيادات، وتلقي القبض على كل من فيها،
وتجبر الأطباء على توقيع تعهدات بعدم معالجة أي من المتظاهرين.
أحد الجراحين المدرّبين، ويدعى "أبو حمزة"، حاول إسعاف الجرحى، الذين يصلون
إلى نقطة طوارئ في المدينة، لكنه أصيب بالإحباط، نظراً إلى قلة الموارد،
التي يمكن العمل بها، حيث لا تتوافر لديه الإمكانات البشرية واللوجستية،
فهو يحتاج أطباء تخدير وأجهزة أشعة، الأمر الذي جعله يفكر في الاستقالة من
الطب وحمل السلاح.
يتحدث أبو حمزة عن الفترة التي عمل فيها في مستشفى حمص العسكري، حيث شهد
فيه ممارسات التعذيب ضد المتظاهرين المصابين، والتي كانت تتم أحياناً من
قبل الأطباء والممرضين.
يقول "كان الجرحى يدخلون بإصابات غير مميتة، ونقوم بعلاجهم، لكن عندما نأتي
في الصباح التالي، نجد أنهم يعانون إصابات أخرى خطرة، لم يكونوا يعانونها
في اليوم السابق".
وأضاف: "بعض المرضى عانوا إصابات خطرة، لم تكن موجودة وقت دخولهم، وهذه
الأضرار كانت تؤدي إلى موتهم، منها الإصابات في الرأس والأورام الدماغية".
بعد هذه المشاهدات، قام الطبيب أبو حمزة بشراء كاميرا خفية على شكل قلم
لتسجيل تلك الإنتهاكات في المستشفى، حيث صوّر مرضى معصوبي الأعين، ومربوطين
بالأسرّة، وتظهر عليهم علامات حديثة تشير إلى تعرّضهم للجَلد باستخدام
أدوات تم تصويرها أيضاً، مثل الأشرطة المطاطية التي تم اقتطاعها من إطارات
السيارات وأسلاك كهربائية.
كما استطاع الطبيب أن يصوّر ممارسات التعذيب الأخرى بحق المرضى، مثل غلق
القساطر الخاصة، التي تساعدهم على تصريف البول، أو تنظيف الكلى، مما تسبب
في دخول البعض في غيبوبة أو الموت نتيجة الفشل الكلوي.
ونقلت صحيفة الـ "غارديان" عن أحد المصابين بسبب سقوط قذيفة مدفعية قرب
منزله، ما تسبب في انفصال نصف قدمه عن جسده، إضافة إلى ابن أخيه، الذي أدى
الانفجار إلى فصل ذراعه، التي بقيت معلقة بأشلائه، أثناء نقلهما للعيادة
الخاصة، أوقفتهما دورية قبل نقطة أمنية، ورفضت السماح لهما بالمرور لتلقي
العلاج في العيادة، بل تم إلقاء القبض عليهما، وإرسالهما إلى المستشفى
العسكري.
في المستشفى العسكري، تعرّض المصابان لشتى أنواع العذاب، حيث تم تقييد
الرجل بالسرير معصوب العينين، وتعذيبه لمدة 8 ساعات، تم ضربه فيها بأواني
الطعام، وربط رجله المصابة بالحبال، وجذبها في كل الاتجاهات، ما أسفر عن
بتر ساقه، وعانى الألم والعذاب، إلى أن وصل إلى الموت، فتم الإفراج عنه بعد
ذلك.
وفقاً للصحيفة، هذه الحالات بعيدة من أن تكون حالات فردية، يقوم بها أشخاص
ساديون، "بل إنها على العكس تماماً، تعتبر ممارسات منظمة ومقننة بإجراءات
عدة قبل اندلاع شرارة الثورة بكثير".
وتأكيداً على هذا الأمر، نقلت الصحيفة شهادة طبيب سابق في المخابرات
السورية، انضم إلى المعارضة السورية، حيث قال إن مهمة أطباء المخابرات هي:
"أولاً الإبقاء على الشخص الذي يتم التحقيق معه حياً بعد التعذيب، ليتم
استجوابه لأطول فترة ممكنة. ثانياً، وفي حال فقدانه الوعي يجب على الطبيب
أن يعمل على إفاقته".
وثالثاً، يشرف الطبيب على استخدام الأدوية التي "تؤثر على العقل، حيث يتم استخدام أدوية لمعالجة انفصام الشخصية ومهدئات قوية".
رابعاً، من مهمات طبيب المخابرات "مراقبة حالة المريض ومدى قدرته على الاحتمال، ليقرر مدى العذاب الذي باستطاعته تحمّله".
يشار إلى أن الطبيب في المخابرات السورية لا يتدخل فوراً لوقف التعذيب، بل
يقوم بتقديم طلب خطي ورسمي للضباط، يتحدث فيه عن تعرّض المعتقل لخطر الموت
الوشيك حتى يتم البتّ في القرار، وفقاً للطبيب السابق.
واختتمت الصحيفة بالقول إنه "وفقاً لشهادة طبيب المخابرات، فإنه قبل الثورة
السورية كانت تتم الموافقة على كل طلبات الأطباء بنقل المعتقلين المصابين
بإصابات خطرة والذين يواجهون خطر الموت إلى المستشفيات لتتم معالجتهم.
أما اليوم، وبعد اندلاع الثورة، فإن المعتقلين المهمّين فقط هم من يتم نقلهم. أما الغالبية فتترك وحيدة لتواجه الموت".