[size=18]
أولا: المقدمة
ثانيا: ثورة الشام في خارطة المشروع الإسلامي
ثالثا: ثورة الشام في خارطة النظام الدولي وتوابعه
رابعا: ثورة الشام ومؤشرات الأداء الاستراتيجي
أولا: المقدمة
إن الحمدلله تعالى قاصم الجبارين
ومذل المتكبرين وناصر المستضعفين الذين قال عز وجل فيهم: (وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعَـفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)الأعراف:137
أورد ابن كثير عن الحسن وقتادة في قوله عز وجل: (التي
باركنا فيها) يعني:الشام
والصلاة والسلام على نبي الملحمة محمد بن عبدالله
وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الإمام ابن تيمية رحمه الله لما سئل عن مدى فضل
الإقامة بالشام على غيرها من
البلاد؟ قال متمما إجابته بعد أن فصّل فيها: ولهذا كان المقام في الثغور بنية المرابطة في سبيل الله تعالى أفضل من المجاورة بالمساجد الثلاثة باتفاق العلماء.(مجموع الفتاوى)
فالأمر في أفضلية الشام متعلق من جهة بأفضلية زمنية
تدور مع دوران المصلحة العليا للأمة ومدى
قدرة المقيمين على تطبيق النموذج التعبدي الذي أمر به
الرب تباركت أسماؤه فإن انغلق عليهم الأداء التعبدي وتطبيق الشرع وجبت عليهم الهجرة، وإن تكاملت نذر الأداء الجهادي وجب عليهم التقدم للثغر مهما كانت التضحيات وهذا حكم عام لكل الأمكنة والأزمنة، وللشام أفضلية
خاصة وبركة جعلها الرب عز وجل في الشام وأخبر عن ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم، فالشام على هذا يأتي على رأس
الأمكنة التي فضلها رب العالمين وبالوقوف على الآثار
الواردة وما ذكره العلماء في هذا الباب يتضح أن من أسباب الأفضلية وقوع الشام في بؤرة خطوط التدافع البشري على بيت المقدس وتخومه طوال عمر البشرية إلى قيام الساعة حسب ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ومنه حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس، يرفع الله قلوب أقوام يقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) السلسلة الصحيحة، قال الإمام الألباني:إسناده حسن ورجاله ثقات.
وقد وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بكفالة خاصة
لأهل الشام كما ورد عنه صلى
الله عليه وسلم بقوله في جزء من حديث ابن حوالة: (عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غُدره، فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله).صححه الإمام الألباني.
ولعل مما يشغل بال كثير من الدعاة المتابعين للشأن
الكلي للأمة أنهم يتساءلون: هل
هذا هو أوان ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الفتن
بقوله: (ستصالحون الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم ، فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول ، فيرفع رجل
من أهل النصرانية الصليب فيقول : غلب الصليب ، فيغضب
رجل من المسلمين فيدقه ، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع
للملحمة)صحيح أبي داود.
ولعل الحديث ورواياته المختلفة لتؤكد على ما يلي:
ـ أزلية العداوة والحرب مع الروم إلى قيام الساعة مع
وجود هدنة مشهورة ومحدودة
نتيجة استهداف الأمة والروم عدوا مهددا للجميع مما يجعل خطورة الروم تتراجع أمام تهديد هذا العدو، فامكانية وقوع هذه الهدنة واردة
ولكنها لن تغير من طبيعة المعادلة وعلاقة العداوة والقتال
بين الأمة المسلمة والروم.
ـ تقتضي هذه الهدنة قتالا مشتركا يجمع المسلمين
والروم (لاحظ الروم الغربيين
وهم البروتستانت والكاثوليك) لعدو من وراء المسلمين، مع العلم بأن قتال الأفغان للسوفيت في الثمانينيات لم يكن مشتركا وإنما قام النصارى بتسهيل مهمة المجاهدين عبر توجيه الأنظمة التابعة لهم (باكستان والسعودية).
ـ اتضح أن النظام الدولي بعد محاولات الأمريكان
الاستفراد بالقيادة الدولية قد
آل أمره مرة أخرى إلى معسكر غربي وشرقي وأن المشروع الفارسي الشيعي
قد لعب على هذا التناقض وتجاوب في مرحلة مع الصعود الأمريكي طوال عقدين من الزمن منذ عام 1990م ثم لما اتضحت الرغبة الإيرانية بالصعود نحو التعملق الدولي عبر القوة النووية انحازت إيران إلى المعسكر الشرقي (الصين وروسيا) وتكاملت مصلحتها مع مصلحة ذلك المعسكر.
ـ المشروع الفارسي الشيعي هو الذي فرض معادلة الصراع
على الأمة المسلمة عبر ألاعيبه
ومشاركته في إسقاط كابل وبغداد وعبر محاولته فرض السيطرة النهائية
على المعادلة السياسية والعسكرية في قلب الأمة وبدعمه المطلق للنصيرية
في الشام فقد وضع الأمة المسلمة في عين الاستهداف الذي لا مفر منه.
ـ وأخيرا وليس آخرا فإن أحاديث أخرى في باب الفتن
لتؤكد أن أمام الأمة المسلمة في
مرحلتها هذه خلافة راشدة ستعم الأرض وظهور عالمي سيبلغ به الدين ما بلغ الليل والنهار ومن أهم مؤشرات هذه الخلافة أمران؟ الأول: حدوث الملاحم وهي معارك تشتعل في وقت متقارب وتعم مناطق واسعة من أراضي
المسلمين (لاحظ أفغانستان والعراق وفلسطين وليبيا
والشام وغيرها)، والأمر الثاني: سقوط المرحلة
الجبرية وكلا الأمرين قد بدأت تباشيرهما على الأرض، وهي مرحلة خلافة راشدة كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم
لكنها ليست خلافة المهدي على الأرجح فخلافة المهدي
مرتبطة بتسلسل متتابع من علامات الساعة الكبرى ونهاية
الكون والله تعالى أعلم.
فطوبى لأهل الشام وما ورثوا من المسيرة الإسلامية
سواء في مسارها الكلي وذلك من
بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة أو في ظل المرحلة الحالية
حيث تكاد الشام أن تؤول إليها المسيرة الإسلامية المعاصرة في دفعها لصولة الباطل بكل ألوانه خاصة بعد أن قام أهل أفغانستان وأهل العراق وقبلهم أهل فلسطين بأدوراهم المباركة في منازلة المشاريع الثلاثة المهيمنة على قلب الأمة تلك المتمثلة في المشروع الأمريكي والمشروع اليهودي وأخيرا وليس آخرا المشروع الفارسي الشيعي، وبعد أن ضرب الثوار العرب قلب النظام الجبري فأصابوه في مقتل في تونس ومصر وليبيا فجاءت ثورة الشام لكي يرتكز إليها المشروع الإسلامي في مسيرته نحوه التمكين والخلافة الراشدة.
وفي هذا المبحث سأبذل جهدي للوقوف بالأخوة المهتمين
على منارات المرحلة ومعالمها
الأساسية حتى لا تشغلنا تفاصيلها وضغوطها المتلاحقة عن التركيز على الرؤية الكلية وفهم المآلات الكبرى للصراع خاصة في الشام وما حولها، وكما أدار أبوبكر الصديق رضي الله عنه مرحلة حروب الردة وبعدها الفتوح
وكذا فعل عمر رضي الله عنه حتى استقامت مسيرة تلك الفتوح
في مرحلتهم والمراحل التي تلت، ولم يكن ليتأتّى
ذلك لولا أن الصحابة رضي الله عنهم عضوا بالنواجذ
على المنارات الاستراتيجية التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح لجزيرة العرب وفارس والروم بل وأبعد من ذلك فها هو قبر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في الناحية الغربية من اسطنبول ينبؤنا
بمدى استجابة ذلك الجيل رضي الله عنهم والتزامهم بتلك
الإشارات الاستراتيجية التي تركها لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم، بل إن قبر أبي أيوب ظل معلما لأجيال
الفاتحين من بعده إلى أن تطلع محمد الفاتح إلى تلك الذروة والمجد الرفيع.
ومما يتحتم ذكره في هذه المقدمة أن أشير إلى الدرس
الأبلغ في اختلاف أهل العراق
المحدثين خلال العقد الأول من الألفية الثالثة ونجاح العدو الظاهر والباطن في إيصالهم إلى حد الاقتتال وتوجيه السلاح إلى صدور بعضهم البعض وأن ذلك لم يكن ليحدث لولا غفلتهم عن منارات الأداء الكلي أو الاستراتيجي فاختلفوا على تفاصيل المرحلة حتى غاصوا في أوحالها وأصبح ذلك الاختلاف مصيدة وقع الجميع فيها وتعطل على إثر ذلك المسار العام وتبددت الآمال دون أن نقلل من شأن منارات الجهاد التي أعلاها أهل العراق وإثخانهم في الصليبية العالمية وتعاملهم المبكر مع أخطر مقدمات التمدد للمشروع الفارسي الشيعي.
ويتعلق بالأمر السابق تفصيل مهم ودقيق وهو أن قدرة
الصف المؤمن على تجنب التنازع
وضمان عدم الوقوع في الفشل الذي حذر منه الله عز وجل: (ولا تنازعوا
فتفشلوا وتذهب ريحكم)الآية، لا يتم عبر الوعظ وحده على أهميته وإنما أن يستجيب المؤمنون لكل ما أمر الله عز وجل به في نفس الآيات وهي
خمس أمور: (ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فاثبتوا
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع
الصابرين)الأنفال:45-46، فمن ضمانات عدم الوقوع في التنازع أمور كثيرة مهمة يأتي في مقدمتها أمران أساسيان أما الأول: أن لا تضيع بوصلة الولاء في خضم التزلزل والصراع وأما الأمر الثاني: فهي مسألة الاجتهاد الكلي في النظر للمرحلة وتحديد طبيعتها ومآلاتها وعندها تكون هذه الرؤية
هي إحدى معالم المسيرة الكلية والجامعة للأمر من
أطرافه وفي حال أهمل القادة هذه المقدمة اللازمة ولم
يوفروها وقع الناس في حال من التجاذب الدائم والتذبذب
بين الاستراتيجية والتكتيك أو ما بين مسائل الاجتهاد الكلي الثابت ومسائل التنفيذ المرن، وكلما أوغل الناس في مسيرة التنفيذ والأداء الميداني وهم لا يملكون الرؤية الكلية استيقظت عندهم في كل منعطف مسألة كبرى من مسائل الاجتهاد فطفقوا يتجادلون فيها وهكذا حتى تتشابك تلك النقاط تشابكا يفضي إلى التنازع الكلي ومن ثم الفشل.
فإذا لم يتقدم القادة برؤيتهم واجتهادهم للتعامل مع
المرحلة وتركوا هذه المهمة
للرويبضات يفتون في أمر العامة وقع الجميع في دائرة التذبذب والتنازع،
ومما يعطل أداء هذه المهمة اعتذار القادة المعنيون بحجج ظروف الميدان
وضغوط المتطلبات وهو عذر غير مقبول ولهذا نبه الشارع الحكيم إلى هذه المسألة الخطيرة بقوله عز وجل: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)التوبة:122
ولعل من
أهم المسائل التي يحتاج القادة أن يقفوا عليها وأن يتعمقوا في فهمها ومن ثم
تعليمها للمسلمين القائمة التالية:
· فقه المشروع الإسلامي ومساراته الكلية
· فقه الجهاد ومسائله ما عظم منها وما صغر
· فقه النظام السياسي في الإسلام
· فقه علاقة الأداء السياسي بالأداء الجهادي
· فقه معادلة الاستضعاف والتمكين
· فقه معادلات النظام الدولي وصراع المشاريع العالمية
وإن من ملامح الثورة الشامية المباركة التي تكفل الله
عز وجل بأهلها أن يتمكن
المعنيون بالشأن الإسلامي وهم يعالجون شؤون ثورة الشام المباركة من سد الثغرات الكبرى ومعالجة ما لم يمكن معالجته في أفغانستان والعراق.
ثانيا: ثورة
الشام في خارطة المشروع الإسلامي
وقبل محاولة الإجابة على هذا السؤال: أين تقع ثورة
الشام على خارطة المشروع
الإسلامي؟ فنحن بحاجة أن نشير إلى بعض ملامح خارطة المشروع الإسلامي
تلك التي تبلورت من خلال اجتهادات الجماعات الإسلامية المختلفة ومن خلال القضايا والساحات الساخنة التي خاضتها الأمة في العقود الماضية وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة ومن خلال الدروس الكبرى التي تمخضت عنها ممارسات المجتهدين في الأمة ومن خلال معاناة الأمة المتطاولة على يد
النظام السياسي الذي يحكمها في المشرق والمغرب وهو الذي
وسمه الرسول صلى الله عليه وسلم بالنظام الجبري ومن
خلال حراك أمم الكفر على مستوى النظام الدولي والإقليمي
واتخاذهم أمة الإسلام قصعة يتنادون عليها كما هو في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله
! وما الوهن ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)صحيح أبي
داود. وكيف أذن الرب تباركت
أسماؤه بكسر النظام الدولي بسقوط الاتحاد السوفيتي الملحد تمهيدا لدخول الموحدين في ثنايا النظام الدولي ووراثته في نهاية المطاف، وكيف تقلبت أمة الإسلام على معادلة الاستضعاف والتمكين حتى أذن الله عز وجل بكسر مرحلة الاستضعاف ودخول
الموحدين إلى مرحلة التدافع.
ويلزم من يريد أن يقف على خارطة المشروع الإسلامي أن
يرجع إليها في مظانها من البحوث السابقة
وأهمها كتاب: ملامح المشروع الإسلامي للمؤلف وغير ذلك من
البحوث والدراسات.
وفيما يلي
سوف أستعرض أهم النقاط التي تحدد موقع ثورة
الشام في خارطة المشروع الإسلامي:
· إحكام مرحلة التدافع
إن ثورة الشام قد دفعت الأمة المسلمة كي تتوغل عميقا
في مرحلة التدافع حيث احتاجت
الأمة المسلمة قرابة ثلاثة عقود وهي تقاوم جاذبية مرحلة الاستضعاف
فمنذ أن افتتح المسلمون قرنهم الخامس عشر الهجري وذلك عام
1400للهجرة الذي وافق عام 1980للميلاد وهم بين جذبين
كبيرين جذب مرحلة الاستضعاف
وسننها وجذب مرحلة التدافع وسننها ولولا لطف الله عز وجل بالمسلمين
واضطرارهم خوض المعمعة تلو المعمعة لغلبهم جذب مرحلة الاستضعاف حيث كادت مقولة بني إسرائيل أن تفشوا فيهم: (قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون)المائدة:22، فلولا معركة أفغانستان الأولى في الثمانينيات ومعركة فلسطين وبقية المعارك في التسعينيات كالبوسنة وكشمير وطاجيكستان والفلبين والشيشان وغيرها والمعركتين الفاصلتين في العشرية الأولى من الألفية الثالثة وهما معركتا أفغانستان الثانية ومعركة بغداد فلولا تلك المعارك لبقي المسلمون يراوحون في متاهات مرحلة الاستضعاف والقبول بمرجعية النظام الدولي وتعليق الآمال الواهية عليه خاصة في ظل الحرب النفسية التي شنها الأمريكان عليهم تحت مسمى الإرهاب لكن الأمر استقام من خلال مسارين رئيسيين؟ المسار الأول تمثل في الإضافة المباركة بنموذج الثورة الليبية وأخيرا بنموذج الثورة الشامية، وأما المسار الثاني فهو تضعضع النظام
الدولي الذي لم يعد قادرا على إدارة العالم بنفس الكفاءة
السابقة وخاصة في ظل انتكاسة القطب الأمريكي على
يد الأفغان والعراقيين وما أنفق من أموال طائلة في الحربين
وفي ظل تنمر المشروع الفارسي الشيعي وخلطه لأوراق النظام الدولي.
وعليه فإن الثورة الشامية تدخل بالأمة إلى أعماق
مرحلة التدافع ويعول عليها أن
تسهم بزيادة معدل عولمة الأداء الإسلامي من جهة وتولي مهمة كسر المشروع الفارسي الشيعي من جهة أخرى تمهيدا لأدوار أكبر وأقوى في تعامل الأمة مع النظام الدولي، ولعل مما يحتاج القادة أن يقفوا عليه من سمات مرحلة التدافع عدم الخوف من كثرة الفراغات وتنازع الاجتهادات في خارطة الأداء الإسلامي ككل ما بين من يفضل الأداء السلمي ويعول عليه ومن يستقيم على متطلبات المرحلة فقد حدث هذا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله
واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون
عن الله والله لا يهدي القوم الظالمين)التوبة:19
· وتتعلق الثورة الشامية بأحد أهم معايير المشروع
الإسلامي وهو الدفع باتجاه كسر
آخر أطواق المرحلة السياسية الجبرية وضعضعتها بعد أن عمرت تلك المرحلة دهرا وهي تمنع الأمة من كل حراك نحو حريتها وكرامتها وتطبيق دينها ومدافعة عدوها،
خاصة وأن أطواق الجبرية قد تداخلت بشكل غريب حتى تعاون
الأعداء المتشاكسون على تثبيت
قواعدها وبينهم ما بينهم من العداء والخلاف فمع توزع النظام السياسي
العربي ما بين ملكية وجمهورية وادعاء كل طرف بأنه أحق بالملك من صاحبه واستعدادهم للذهاب في العداوة إلى آخر الأشواط لكنهم متفاهمون كل التفاهم على تثبيت أطواق الجبرية في أعناق الأمة ولذا رأيناهم يجلسون بين يدي صبي (السي آي إيه) التونسي (بن علي) مرجعهم الأمني وهم متوافقون، وزاد من العنت دخول المشروع الفارسي الشيعي على خط النظام الجبري منذ ما يقرب
من ثلاثة عقود وتكامله مع النظام السياسي العربي بل
واندفاعه لقضم أكبر حصة ممكنة من النظام السياسي في
المنطقة ونتيجة لاستظلال كلا النظامين أعني العربي
والفارسي بالمظلة الأمريكية وبقية المظلات الدولية فقد عمل الجميع ضد مصالح الأمة وقد حان أوان كسر هذه الأطواق طوقا بعد طوق بل إنه من البشريات أن يتزامن الكسر على أكثر من صعيد ومسار، ولكن الذي يعني الثورة الشامية أنها أخرجت كثير من الأوراق من أيدي اللاعبين الرئيسيين في
المنطقة ووضعتها بيد الرجال في الميدان وهي قابلة للتطور في
كل الاتجاهات وأزاحت كل أوراق التوت عن عورات
النظام الجبري وما تبقى منه في بلاد العرب.
· وتأتي ثورة الشام لكي تعيد المسائل العقدية إلى نصابها الصحيح وإلى معاييرها الدقيقة فهذه أمة سنية موحِّدة بتشديد الحاء وكسرها ولا يمكن أن يختلط أداؤها العقدي بتخليط الشيعة وتقيتهم وتماهيهم
مع النصارى في المنطقة ولا بادعاء العمائم الفارسية
تحرير المسجد الأقصى من اليهود وهم يريقون دماء
العبّاد الموحدين ويتجاوزن كل حقوقهم بل ويشاركون الصليبيين
إذلال الموحدين في أفغانستان والعراق فكيف التقى المشروع الفارسي الشيعي مع المشروع الصليبي في كلا المنطقتين وهو يزعم أنه يصادمه في فلسطين؟ فجاءت ثورة الشام لكي تميط آخر لثام عن وجه المشروع الفارسي
الشيعي البشع وتؤكد وحدة العقيدة ووحدة الأداء الميداني
للأمة.
· وتأتي ثورة الشام في خارطة المشروع الإسلامي لكي تؤكد حاجة الأمة إلى النظريات الأربع
التي تبلورت على إثر تجارب الأمة المتنوعة وخوضها
للمعارك التي غيرت وجه التاريخ والعالم وزلزلت النظام
الدولي، تلك النظريات التي توحد الرؤية وتوحد القيادة وتستثمر الأداء الكلي وترفع السقوف نحو أداء عالمي يليق بأمة الإسلام وأدوراها
التي أرادها الله لها،
وللتذكير
فالنظريات هي:
النظرية الأولى:
نظرية ألوان الطيف: وتهدف إلى جمع كلمة المجتهدين
والعاملين لنصرة هذا الدين
والتمكين له في الأرض مع فسح المجال لتعددية إسلامية تلتقي على أهداف كبرى وشاملة.
النظرية
الثانية:
نظرية الدرع والقلب: وتهدف إلى بلورة قائمة واضحة ومحددة
بأخطر أعداء المسلمين والسعي لتفكيك
هيمنتهم بكل السبل التي أحلها الله للمسلمين خاصة المشروع
الأمريكي والمشروع اليهودي وكل مشروع يعترض مسيرة الأمة المسلمة.
النظرية
الثالثة:
نظرية الظهور والعولمة: وتهدف إلى نقل آفاق الأداء
الإسلامي إلى آفاقه العالمية
حسب ما أراد الله عز وجل من ظهور لدينه وإعلاء لكلمته.
النظرية
الرابعة:نظرية
التغيير الشاملة: وتهدف إلى استخدام كافة مسارات التغيير لتحقيق الأهداف
الكبرى للأمة سواء على المستوى القطري أو الإقليمي أو
الدولي واستثمار سعة الأمة وانتشارها وقواها الكامنة وأجيالها المستجدة لتحقيق ذلك التغيير.
ومن أجزاء نظرية التغيير الشاملة ضرورة المناقلة بين
نظريات التغيير الأساسية والمجربة وهي للتذكير:
ـ نظرية الأداء السياسي الدستوري أو الديمقراطي.
ـ نظرية إدارة الأزمات والتعامل مع الانهيارات
ـ نظرية الانقلاب العسكري
ـ نظرية الجهاد ضد الكفرة الذين لا خلاف عليهم
ـ نظرية الثورة الشعبية والعصيان المدني
وأنه لا ينبغي الانغلاق والاكتفاء بنظرية واحدة أو
اثنتين،
وجاءت
الثورة الشامية لكي تكسر الحاجز النفسي الذي سعت كل القوى المناوئة
للأمة لبنائه طوال السنين وهو أن تغيير وإصلاح واقع العرب والمسلمين
لن يتم إلا من خلال المسار السياسي فقط وأن أي استخدام للقوة إنما
يصب في إطار الإرهاب والتطرف فجاءت الثورة الشامية لكي تعيد الأمر إلى نصابه، ولعل من أهم إنجازات وبركات الثورة الشامية في هذا الشأن أنها أخرجت القضية الإسلامية من ضيق الاصطلاحات والمسميات فالأمر والشأن شأن
أمة وعقيدة ومصلحة عليا لهذه الأمة وليست المسألة مسألة
إخوان مسلمين ولا تنظيم قاعدة كما سعت أجهزة الاستخبارات العربية
والعالمية أن تقنع به المسلمين طوال عقدين من الزمن.
· وتأتي ثورة الشام لكي تسهم بشكل أدق وأوضح من أي قضية أخرى في بيان منتهيات
المشروع الإسلامي وغاياته الكبرى فالموضوع ليس مجرد إسقاط نظام طاغوتي آخر من أنظمة العرب الجبرية ـ وإن كان هذا الهدف المرحلي من
الأهمية بمكان ـ بل هو مضي نحو المناطق الكلية ومن أهمها
موضوع بيت المقدس وتخليصه من أيدي اليهود وبدون استخلاص
الشام لصالح المشروع الإسلامي فلا يمكن مصاولة قلب المشروع الصليبي
المتمثل في المشروع اليهودي، ومن غايات المشروع الإسلامي
استخلاص قلب الأمة المسلمة من هيمنة وسيطرة النظام الدولي وتوابعه
خاصة تمدد المشروع الفارسي الشيعي وكذا وراثة المسيرة الجهادية المباركة في الأجنحة الثلاثة التي صاولت المشاريع المناقضة للأمة وهي أفغانستان والعراق وفلسطين.
· كما يتوقع أن تسهم الثورة الشامية في بلورة
المرجعية القيادية للأمة من خلال دفع
الرموز القيادية المستجدة والتي سوف تنتج من إدارة المعركة الجهادية
والمعركة السياسية في الشام وإحداث التوازن في المعادلة القيادية ما بين الجناح الشرقي والجناح الغربي للأمة بما تتميز به الشام من موقع وسطي وتعلق ببيت المقدس وفق ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس)
ثالثا: الشام
في خارطة النظام الدولي وتوابعه
إن مما يحتاجه المسلمون في تقويمهم للقضايا المختلفة
أن يقفوا على القواعد الكلية في الرؤية
الاستراتيجية والسياسية تلك التي تجعلهم مستقلين في
رؤاهم ومنطلقين من مبادئهم وبذلك يتمكنوا من التقدير الدقيق لأي قضية هي قيد الدرس والنظر، ومنذ أن انطلق أداء الأمة في مستوياته المتقدمة ومنذ أن تبلورت معالم الرؤية الإسلامية الكلية وتفاعلت مع حراك الأمم من حولها فقد سارت علاقة الأمة المسلمة بالنظام الدولي وفق معادلة دقيقة تحكمها المعطيات العقائدية في المقام الأول ثم ما يترتب على تلك المعطيات من
مصالح اقتصادية ونهب لخيرات الأمة أينما وجدت.
وقبل أن نقف على موقع الشام في خارطة النظام الدولي
فنحن بحاجة أن نستعرض باختصار أهم نقاط
معادلة علاقة الأمة المسلمة ككل بالنظام الدولي خلال
العقود وهي كالتالي:
· انتهك النظام الدولي محرمات الأمة المسلمة بشكل
منتظم منذ استقر العالم على
نظام الحرب الباردة وتقاسم الخمسة (الكفار) الكبار لمقدراته، وكان من
أوضح تلك الانتهاكات تحكم النظام الدولي التام بالنظام السياسي الذي يحكم المسلمين والذي انطبق عليه تعريف النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم الجبري، وانقسمت الأمة إلى جناحين الجناح الأول شرقي يتحكم في الشيوعيون (آسيا الوسطى) وجناح غربي (يمتد من إندونيسيا إلى طنجة) يتحكم فيه النظام النصراني الغربي وقد بقي زمام ذلك النظام بأيدي أولئك الكفار حتى أذن الله عز وجل بانهيار الاتحاد السوفيتي عام1990م وبانهيار النظام الجبري العربي على يد الأحرار العرب المعاصرين عام 2011م.
· وكان من أوضح انتهاكات النظام الدولي لمقومات الأمة
هو منعها من الاحتكام لشريعتها والحيلولة
دون ذلك من خلال النظام السياسي ودعمه بالاطروحات الثقافية المناقضة
لأصول الأمة واستبدال الشريعة بالقوانين الوضعية
وإجبار الأمة على الاحتكام إليها وحتى الدول التي تظاهرت بالاحتكام إلى الشريعة فقد فرغ هذا الاحتكام من محتواه في ظل موالاة النظام السياسي للكفرة واستجابته لكل إملاءاته.
· فرض النظام الدولي من خلال أدواته ومؤسساته
المختلفة مناهج الضلال المناقضة
لعقيدة الأمة كبدائل عقائدية وتطبيقية ومن نماذجها فرض النظام الشيوعي الملحد في الجزائر واليمن الجنوبي والنظام البعثي (الشيوعية المعدلة عربيا) في العراق والشام والنظام الناصري الاشتراكي في مصر، ومن الأدوات التي استخدمت في هذا السبيل تمكين ودعم الأقليات المناقضة للأمة كتمكين النصيرية في الشام وتمكين النصارى والدروز والشيعة في لبنان
والشيعة في باكستان (نظام بوتو) والنصارى في نيجيريا وكينيا
والأمثلة أكثر من أن تحصى.
· فرض النظام الدولي الدولة اليهودية في قلب الأمة (بيت
المقدس) الذي هو قلب الشام
وأمد اليهود بكل أنواع الدعم وضمان التفوق في المنطقة.
· تلاعب النظام الدولي بكافة قضايا المسلمين في أروقة
الأمم المتحدة وأجاد الفرقاء اللعب والتحريك
باتجاه تقويض تلك القضايا وإفراغها من محتواها سواء كانت تلك قضايا
العرب وعلى رأسا فلسطين أم قضايا المسلمين في مشارق
الأرض ومغاربها كقضية كشمير والبوسنة والشيشان وكوسوفا وغيرها، ولا ننس أن نذكر بالدور المباشر الذي لعبه النظام السياسي العربي في وأد تلك القضايا.
· تنكر النصارى (الشق الأول للنظام الدولي) لدور
الأمة المسلمة في إسقاط أكبر دولة
ملحدة عرفها التاريخ وتهديدها الدائم لما بات يعرف بالسلم الدولي
وتنكروا لما قدمه الأفغان خلال الثمانينيات) من تضحيات حيث زاد عدد شهدائهم عن المليون والنصف شهيد والمهجرين قرابة خمسة ملايين مهاجر، بل
وما كادت الحرب تضع أوزارها حتى سارع النصارى بالانقضاض
على الروح الجهادية التي سرت في أمة الإسلام
واتخذوا من هذه المسألة فزاعة عالمية أطلقوا عليها مصطلح (الإرهاب)
واستخدم النصارى كل مؤسسات النظام الدولي في هذه الحرب حتى خسر
المسلمون كل قضاياهم في الحراك الجهادي التي سادت في تسعينيات القرن العشرين الميلادي وعلى رأسها قضية أفغانستان نفسها حيث استخدموا المكر الاستخباراتي للإيقاع بين فصائل المجاهدين الأفغان وكذلك خسر المسلمون قضاياهم الأخرى كالبوسنة وكشمير وارتريا وكوسوفا والشيشان والفلبين وطاجيكستان والصومال وجنوب السودان وغيرها.
· دشن النصارى ألفيتهم الثالثة بشن حرب عالمية غير
مسبوقة على أضعف الأمم في
العالم تحت استراتيجية الحروب الاستباقية وأعينهم على الامبراطوريات
المهددة لقطبيتهم الأحادية وهي الصين وروسيا ولكن الضغط الحقيقي
وقع على المسلمين حيث استخدم جورج بوش صواريخه العابرة (التوما هوك وكروز ) على بيوت الطين الأفغانية وعلى بقايا الخردة العسكرية السوفيتية في النظام العراقي وقد نتج عن هذه الحرب أخطر النتائج العالمية والإقليمية وهو تمدد المشروع الشيعي الفارسي حيث منحت أمريكا العراق لإيران على طبق
من ذهب وضعضعت القوة السنية الأفغانية كما ضعضعت باكستان
لصالح إيران والهند الهندوسية على حد سواء وسمحت
تلك الحرب ولأول مرة بتشكل ما بات يعرف بالهلال الشيعي حيث اتصل
النظام الإيراني بحليفة النصيري في الشام ولبنان وامتدت
يده إلى شيعة باكستان وأفغانستان وشيعة الجزيرة العربية.
· دعم النظام الدولي النظم الديكتاتورية القمعية في
العالم العربي والإسلامي من خلال المؤسستين
الاستخباريتين cia و
kgb وتوابعهما في العالم بكل أدوات القمع ومناهجه الإدارية والإعلامية والنفسية وأمام سمع وبصر النظام الدولي وتأييده رزح المسلمون تحت نظام عبدالناصر وبومدين وسوكارنو وسوهارتو وصدام وعبدالفتاح اسماعيل وحافظ أسد والحسن الثاني والحسين بن طلال وملوك آل سعود المتتابعين وغيرهم في مشارق الأرض ومغاربها حتى ملئت السجون بالأحرار وملئت الآفاق بالمهجرين.
· هيمن النظام الدولي من خلال نظمه العسكرية
والسياسية والمالية على ثروات
المسلمين وفرض سيطرته على ممراتهم الاستراتجية وكانت أخطر سيطرة على الذهب الأسود والذي يملك المسلمون منه في أراضيهم أغلب احتياطياته
العالمية خاصة جزيرة العرب والعراق وشمال إفريقيا ونيجيريا
وغيرها، ورهنوا بذلك مستقبل المسلمين لمعادلة
التنمية التي توصف بمعادلة الشمال والجنوب ووقع المسلمون
في جنوب ذلك النظام فلم يجنوا إلا الفقر والتخلف على كل الأصعدة.
فإذا
استوعبنا تلك الوقفة المختصرة في علاقة النظام الدولي بالأمة المسلمة يمكننا
أن نقف على موقع الشام في خارطة النظام الدولي وفيها النقاط التالية:
· انعكست سياسة التوازن القائمة في مرحلة الحرب
الباردة على الوضع في الشام أيما
انعكاس فقد أجمع القطبان المؤثران في النظام الدولي على تفضيل النظام اليهودي في المنطقة وضرورة دعمه وتقويته وأجمعا على دعم نظام حافظ أسد النصيري كأحد أركان حفظ المشروع اليهودي وصيانته.
· كما انعكست سياسة التوازن الدولي على النظام
النصيري في الشام عبر جمع ذلك النظام
للمرجعية العقائدية البعثية (الشيوعية المعدلة عربيا) ومرجعيته الاستراتيجية للمظلة الأمريكية في آن واحد، فالنجمة الروسية الحمراء فوق القبعة والسجود الحقيقي يكون للصنم الأمريكي، وما ترتب على ذلك من رسم
صورة مزيفة للنظام الممانع والمناقض
للوجود اليهودي في المنطقة بينما هو أحد أهم
عناصر الحماية للمشروع اليهودي ومنفذا للسياسة الأمريكية في المنطقة.
· غض النظام الدولي طرفه عن التحالف الذي أنشأه
الخميني مع نظام حافظ أسد في
المنطقة من أول يوم وصل فيه الخميني لرأس الحكم في إيران ومع التخوف الشكلي الذي كان يبديه النظام الدولي من هذا التحالف لكنه سمح للنظامين بالاستمرار في وضع أسس البنية التحتية لمستقبل الدولة الشيعية الموسعة في المنطقة.
· كما كافأ النظام الدولي نظام حافظ أسد بجعل نظامه
أحد أهم المرجعيات لنظام الشرق
الأوسط السياسي والأمني متقاسما الكعكعة مع كل من مصر والسعودية
وإسرائيل، وعلى ضوء ذلك تم إطلاق يده في لبنان عام 1989م تحت ما يعرف باتفاق الطائف لضبط الأوضاع في لبنان باتجاه البوصلة الأمريكية واليهودية في المنطقة وعليه فقد عاثت اليد النصيرية في لبنان فسادا طوال عقد ونصف من الزمن وأشرفت على بناء النواة الشيعية الأخطر في المنطقة وهي حزب الله الشيعي.
· كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام
باستصحابه كجزء من التحالف
الدولي لإحداث التغيير في المعادلة العالمية وقيام أمريكا بتدشين النظام الدولي الجديد (نظام القطب الواحد) واتخاذ حربها ضد النظام البعثي العراقي مسارا لذلك التغيير عام 1991م وهي بذلك أعطت للمعادلة الشيعية
دفعة كبيرة من خلال ذلك الاستصحاب.
· كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام متمثلا
هذه المرة بشقه الروسي والصيني
حيث أسهمت روسيا مباشرة وأسهمت الصين من خلالها تأثيرها في كوريا
الشمالية بتدشين المشروع النووي الشيعي والمساهمة في بنائه ووضعه قيد التشغيل وقد انعكس هذا الوضع على النظام النصيري في الشام حيث قوة النظام النصيري مستمدة من قوة النظام الفارسي الشيعي.
· ويتحكم في موضوع التغيير وإسقاط النظام في الشام
بعوامل أساسية لدى شق الناظم
الغربي الصليبي ومن أهمها ضمان أمن إسرائيل ولولا أن محاولات النصارى
لاسترداد ولاء النصيرية قد باءت بالفشل وطوال عقد من الزمن وإلا فقد كان الأفضل والأوفر للنصارى أن يستجيب النظام النصيري للضغوط ولكن
يبدو أن الفرس كانوا قد سبقوا ولغموا ساحة النظام
النصيري بحيث لا يستطيع الفكاك من حلف الخميني حافظ
أسد ويبدو أن الابن الوريث مجرد واجهة والمتحكم الأول
والنهائي بنظام الحكم هي طهران، وعليه فإن رغبة النصارى باستبدال نظام الحكم في دمشق يقابله تخوف كبير من طبيعة النظام الذي سيرث النظام النصيري ومدى ضمانته لأمن إسرائيل وقبوله للاستظلال بمظلة النصارى الغربيين؟ وأخطر ما في الأمر أن النصارى سوف يسهمون في إطالة أمد الأزمة
في الشام
حتى يضمنوا أحد أمرين فإما أن يحدث انقلاب داخلي ضد ولاء
النظام لإيران وبالتالي يحصل حل ترقيعي
وديموقراطية مقننة تحفظ المعادلة في المنطقة وإما أن تضمن
أمريكا ضمانا كاملا أو شبه كامل لمجيء نظام موالي لهم وإن كان ببعض الصفات الإسلامية والتاريخ الإسلامي القديم.
· وفي ظل هذه الرؤية يتحرك ما بقي من نظام سياسي عربي
والذي لم يخضع لربيع الثورة العربية باتجاه
محدد في الشأن الشامي وذلك وفق الرؤية الأمريكية بل ويخدمها في
الصميم ويقوم بتمويلها ويضع كافة امكانياته السياسية
والاستخباراتية والإعلامية في هذا السبيل.
· فما
هي مسائل الاستراتيجية الأمريكية الملحة في المنطقة والمتعلقة بالشأن الشامي؟ إنها
القضايا التالية:
1ـ أولى المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: تحقيق
اختراق أمريكي في الملف
الإيراني النووي لثنيها عن صناعة السلاح النووي وأن يتم ذلك عبر تشجيع إيران لكي تقبل بدورها كقوة إقليمية مهيمنة وبلا أنياب نووية وضمن المظلة الأمريكية في المنطقة وفي حال نجح هذا الخيار فالمعادلة ستخضع
حينئذ لعملية مقايضة كبرى من أهم معالمها السماح لإيران
بالاحتفاظ بكافة المساحات المسيطرة عليها فعلا وهي العراق وسوريا
ولبنان والجزء الشمالي من اليمن وقد تعطيها أمريكا قطعا
جديدة كالبحرين وقطعا أخرى من الخليج، وفي حال عدم
نجاح هذا الخيار فسوف تبقى القضية الشامية خاضعة للمساومة واللعب الأمريكي حسب تطور الوضع بالاتجاه الذي تريده أمريكا، وهو الذي يفسر جمود القضية الشامية ومن قبلها قضية الحوثيين والبحرين وأهم منهما العراق برمته.
2 ـ ثاني المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: أن
يتوقف التهديد الإيراني ضد المنطقة الأولى
عالميا في احتياطيات النفط في جزيرة العرب وضد عنق
الزجاجة (مضيق هرمز) حيث تعتبر أمريكا المنطقة خطا أحمر غير قابل للأخذ والعطاء أو للعب في محيطه وهي مسألة تتعامل معها أمريكا بالوجود العسكري المباشر والتهديد الذي لا يقبل التفسير والتأويل خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه أوروبا وأمريكا.
3- ثالث المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: إيقاف
التردي والانهيار في
الاستراتيجية الأمريكية العالمية الموسومة بنظام القطب الواحد ومنع الصين وروسيا بتحقيق اختراق كبير ضد هذا النظام عبر استخدام الطموح الإيراني للخروج من العباءة الأمريكية في المنطقة وهو الذي يفسر الفيتو الصيني الروسي المزدوج في موضوع الشام.
4- رابع المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: مسألة
المحافظة على ما تبقى من
النظام العربي (الملكيات في الشرق والغرب) حتى لا تجتاحها حمى الثورة العربية خاصة جزيرة العرب، ومن ضمانات الحفاظ على هذا النظام سعي أمريكا لتحريكه باتجاهين، الاتجاه الأول: يتمثل في دعم وإدارة الدول الساقطة ثوريا حتى لاتخرج عن الخط الأمريكي (اليمن أنموذجا) وتقديم نموذج مخيف لتداعيات الثورة العربية (قد تكون تونس أو ليبيا وإن كنت أرجح تونس لأنه لا نفط لديها يخاف عليه الغرب)، والاتجاه الثاني: بجعل المنظومة الباقية التي لم تصلها الثورات حجر أساس في مواجهة التطورات في المنطقة وتفعيل دورها في إدارة الأزمات ومن أهمها الأزمة السورية وانتصاب هذه المنظومة كحائط صد ضد التهديد الإيراني فتتوقف الشعوب عن المطالبة
بالتغيير حفاظا على هذا الدور!
وتقتضي هذه الاستراتيجية فتح المجال للحرب الإعلامية ضد
الشيعة من جهة وفتح جزء من البوابات لتسرب
المجاهدين (الإرهابيين) إلى الشام لأنهم أي الإرهابيين
هم الأقدر على مواجهة المشروع العقائدي الشيعي على أن يبقى هؤلاء
المجاهدين ضمن دائرة السيطرة والرقابة اللصيقة ريثما ينتهوا من مهمتهم وستعاد ضدهم نفس استراتيجية الأفغان العرب أو صناعة الموت وفق قناة العربية التي صنعها جورج بوش الابن.
رابعا: ثورة
الشام ومؤشرات الأداء الاستراتيجي
وهي مؤشرات تنبع من الأبعاد العقائدية وما أفرزه
الأداء الإسلامي الكلي خلال العقود
الثلاثة الماضية والذي يمكن وصفه بالمشروع الإسلامي، وما أفرزته
المعارك الثلاث الكبرى على الساحة الإسلامية وهي معركة أفغانستان ومعركة العراق ومعركة فلسطين، كما أن هذه المؤشرات تنبع من ملاحظة معادلات الصراع بين المشاريع المتنافسة في المنطقة وفي العالم وأخطرها المشروع الأمريكي والمشروع اليهودي والمشروع الفارسي الشيعي، وكذلك ما أفرزه
الربيع العربي من تحولات هامة في معادلة الحكم الجبري حيث
دخلت الشعوب لأول مرة منذ عقود كعامل حاسم في التحولات
التي تحكم المنطقة وهو ما فاجأ جميع المراقبين وأربك حسابات
المشاريع الأخرى.
وفيما يلي
بلورة وتلخيص للمؤشرات الاستراتيجية التي أقترح أخذها بعين الحسبان في
إدارة ثورة الشام بل وبقية الملفات الجامدة التي
توشك أن تلقي ثورة الشام عليها حراكا وتفعيلا حاسما.
المؤشر الاستراتيجي الأول:
على أهل الشام أن يوازنوا بين جذب الوطن السوري
المتحرر من النظام الطاغوتي وجذب المشروع الإسلامي.
وتحكم هذا
المؤشر المعايير التالية:
1- السوريون لا يمكنهم أن يتحملوا وحدهم متطلبات
المشروع الإسلامي ولكنهم
ماضون في أداء واجبهم نحو إسقاط أحد أخطر الأنظمة الجبرية التي حكمت المنطقة العربية.
2- إسقاط النظام النصيري هدف كبير ومتكامل للمرحلة
المنظورة.
3- لا يمكن عزل المسألة السورية عن تقاطعات المشاريع
في المنطقة ولا يمكن عزلها عن
عمقها العقائدي والتاريخي.
4- لا يمكن عزل القضية السورية عن القضية العراقية
ولا القضية الفلسطينية ولا القضية
اللبنانية فهناك عوامل عقائدية وتاريخية في المقام الأول
تربط سوريا بهذه القضايا ثم تأتي العوامل الجيوسياسية والمصلحية والجوار لكي ترسم طبيعة علاقة السوريين بهذه القضايا.
5- السوريون محتاجون لكل من يلقي لهم بحبل العون
والإسناد معنويا كان أم ماديا في
هذه المرحلة بشرط أن لا يستعبدوا مجددا لأي طرف خارجي أو داخلي وأن لا يحاول أحد أن يدخل الشعب السوري في مسار ضد مبادئه واستقلاله.
6- وكما يتناصر أبناء المشاريع العالمية والإقليمية
على قضاياهم المختلفة فمن حق السوريين أن
يتقدم العرب والمسلمون لنصرتهم بكل أنواع النصرة.
7- ومن حق أبناء سوريا (العلماء والمجاهدين بالدرجة
الأولى) أن يحددوا أولويات
الصراع واتجاهاته في المرحلة المعينة بناء على اجتهادهم ورؤيتهم في ظل توزان بين الرؤية المحلية والصراع الدولي وتدرج في قيام السوريين بدورهم دون وضع المسارين في تصادم وصراع، وعلى الأخوة أصحاب الأجندات العالمية في الصراع أن لا يعطوا الفرصة لإعادة فتنة العراق للساحة السورية وليدعوا الأمور في مسارها فإنها مأمورة، وهذا يقتضي أن يعجل أهل الشام بدراسة النموذج العراقي وكيف تمكن الأمريكان والنظام الشيعي العراقي أن يفسدوا المعادلة السنية من خلال المكر والدهاء وشراء الذمم حتى توجهت البنادق إلى صدور الأخوة بدلا من العدو الظاهر الواضح!
ولعل أهل الشام يملكون مالم يملكه غيرهم ممن أداروا
القضايا الساخنة من قبل وهو
وضوح المعادلة الكلية للصراع فالأمر أمر أمة وعقيدة وتمكين ولم تعد مسألة عناوين ومصطلحات عزفت عليها الأجهزة الأمنية والإعلامية طويلا.
8- لا يمكن الانقضاض على النظام النصيري إلا بعقيدة
الموحدين ورغبتهم في الانعتاق من
سلطته ولن يتم ذلك إلا بطلب الشهادة في سبيل الله تعالى.
9- الشعب السوري مدين لكل من أخذ زمام المبادرة في
توحيد المعارضة السورية
وبلورة رؤية واضحة في مسيرة إسقاط النظام النصيري وفي آن واحد فإنه لا يمكن عزل أحد من أهل سوريا عن المشاركة في هذه المسيرة وفي إبراز القادة المناسبين لكل مرحلة ولا ينبغي التوقف عند حد معين في بلورة آفاق أداء الشعب السوري ويعتبر تحدي النظام النصيري وجبروته من جهة وما بذله السوريون من تضحيات لدفع هذا الجبروت والرغبة من جهة أخرى في بناء وطن لجميع السوريين دافعا لتشكل مظلة وطنية يلتقي تحتها الجميع.
10- يعتبر الإسلاميون حقوق جميع المقيمين بالعيش
الكريم في أي وطن منطلقا
عقائديا ولكن لا ينبغي اتخاذ هذه المسألة تكئة لرفض مرجعية الشريعة الإسلامية ورفض التقدم نحو بلورة المصلحة العليا للمجتمع المسلم في أي
زمان ومكان.
11- يحتاج الإسلاميون السوريون على اختلاف توجهاتهم
أن يحددوا رؤية للقضية
السورية تمثل تلك الرؤية حدود اجتهادهم المجمع عليه ويحتاجون سقفا يجمعهم ويخفف من اختلافاتهم وكلما بادروا بإنجاز هذين المهمتين كلما سهلت مهمتهم الكبرى في إسقاط النظام وإدارة مرحلة ما بعد النظام.
12- لا يمكن تذويب الفوراق بين الاجتهادات الإسلامية
ولا إنهائها ولكن يمكن
الاعتراف بتعددية إسلامية تؤدي للتعاون والتكامل وخدمة أهداف مشتركة وتمنع من الاختلاف المؤدي للصدام في المستقبل القريب والبعيد.
أولا: المقدمة
ثانيا: ثورة الشام في خارطة المشروع الإسلامي
ثالثا: ثورة الشام في خارطة النظام الدولي وتوابعه
رابعا: ثورة الشام ومؤشرات الأداء الاستراتيجي
أولا: المقدمة
إن الحمدلله تعالى قاصم الجبارين
ومذل المتكبرين وناصر المستضعفين الذين قال عز وجل فيهم: (وأورثنا القوم الذين كانوا يُستضعَـفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون)الأعراف:137
أورد ابن كثير عن الحسن وقتادة في قوله عز وجل: (التي
باركنا فيها) يعني:الشام
والصلاة والسلام على نبي الملحمة محمد بن عبدالله
وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الإمام ابن تيمية رحمه الله لما سئل عن مدى فضل
الإقامة بالشام على غيرها من
البلاد؟ قال متمما إجابته بعد أن فصّل فيها: ولهذا كان المقام في الثغور بنية المرابطة في سبيل الله تعالى أفضل من المجاورة بالمساجد الثلاثة باتفاق العلماء.(مجموع الفتاوى)
فالأمر في أفضلية الشام متعلق من جهة بأفضلية زمنية
تدور مع دوران المصلحة العليا للأمة ومدى
قدرة المقيمين على تطبيق النموذج التعبدي الذي أمر به
الرب تباركت أسماؤه فإن انغلق عليهم الأداء التعبدي وتطبيق الشرع وجبت عليهم الهجرة، وإن تكاملت نذر الأداء الجهادي وجب عليهم التقدم للثغر مهما كانت التضحيات وهذا حكم عام لكل الأمكنة والأزمنة، وللشام أفضلية
خاصة وبركة جعلها الرب عز وجل في الشام وأخبر عن ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم، فالشام على هذا يأتي على رأس
الأمكنة التي فضلها رب العالمين وبالوقوف على الآثار
الواردة وما ذكره العلماء في هذا الباب يتضح أن من أسباب الأفضلية وقوع الشام في بؤرة خطوط التدافع البشري على بيت المقدس وتخومه طوال عمر البشرية إلى قيام الساعة حسب ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ومنه حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه قال: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس، يرفع الله قلوب أقوام يقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) السلسلة الصحيحة، قال الإمام الألباني:إسناده حسن ورجاله ثقات.
وقد وعد الله رسوله صلى الله عليه وسلم بكفالة خاصة
لأهل الشام كما ورد عنه صلى
الله عليه وسلم بقوله في جزء من حديث ابن حوالة: (عليكم بالشام فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق من غُدره، فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله).صححه الإمام الألباني.
ولعل مما يشغل بال كثير من الدعاة المتابعين للشأن
الكلي للأمة أنهم يتساءلون: هل
هذا هو أوان ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في باب الفتن
بقوله: (ستصالحون الروم صلحا آمنا فتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم ، فتنصرون وتغنمون وتسلمون ثم ترجعون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول ، فيرفع رجل
من أهل النصرانية الصليب فيقول : غلب الصليب ، فيغضب
رجل من المسلمين فيدقه ، فعند ذلك تغدر الروم وتجمع
للملحمة)صحيح أبي داود.
ولعل الحديث ورواياته المختلفة لتؤكد على ما يلي:
ـ أزلية العداوة والحرب مع الروم إلى قيام الساعة مع
وجود هدنة مشهورة ومحدودة
نتيجة استهداف الأمة والروم عدوا مهددا للجميع مما يجعل خطورة الروم تتراجع أمام تهديد هذا العدو، فامكانية وقوع هذه الهدنة واردة
ولكنها لن تغير من طبيعة المعادلة وعلاقة العداوة والقتال
بين الأمة المسلمة والروم.
ـ تقتضي هذه الهدنة قتالا مشتركا يجمع المسلمين
والروم (لاحظ الروم الغربيين
وهم البروتستانت والكاثوليك) لعدو من وراء المسلمين، مع العلم بأن قتال الأفغان للسوفيت في الثمانينيات لم يكن مشتركا وإنما قام النصارى بتسهيل مهمة المجاهدين عبر توجيه الأنظمة التابعة لهم (باكستان والسعودية).
ـ اتضح أن النظام الدولي بعد محاولات الأمريكان
الاستفراد بالقيادة الدولية قد
آل أمره مرة أخرى إلى معسكر غربي وشرقي وأن المشروع الفارسي الشيعي
قد لعب على هذا التناقض وتجاوب في مرحلة مع الصعود الأمريكي طوال عقدين من الزمن منذ عام 1990م ثم لما اتضحت الرغبة الإيرانية بالصعود نحو التعملق الدولي عبر القوة النووية انحازت إيران إلى المعسكر الشرقي (الصين وروسيا) وتكاملت مصلحتها مع مصلحة ذلك المعسكر.
ـ المشروع الفارسي الشيعي هو الذي فرض معادلة الصراع
على الأمة المسلمة عبر ألاعيبه
ومشاركته في إسقاط كابل وبغداد وعبر محاولته فرض السيطرة النهائية
على المعادلة السياسية والعسكرية في قلب الأمة وبدعمه المطلق للنصيرية
في الشام فقد وضع الأمة المسلمة في عين الاستهداف الذي لا مفر منه.
ـ وأخيرا وليس آخرا فإن أحاديث أخرى في باب الفتن
لتؤكد أن أمام الأمة المسلمة في
مرحلتها هذه خلافة راشدة ستعم الأرض وظهور عالمي سيبلغ به الدين ما بلغ الليل والنهار ومن أهم مؤشرات هذه الخلافة أمران؟ الأول: حدوث الملاحم وهي معارك تشتعل في وقت متقارب وتعم مناطق واسعة من أراضي
المسلمين (لاحظ أفغانستان والعراق وفلسطين وليبيا
والشام وغيرها)، والأمر الثاني: سقوط المرحلة
الجبرية وكلا الأمرين قد بدأت تباشيرهما على الأرض، وهي مرحلة خلافة راشدة كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم
لكنها ليست خلافة المهدي على الأرجح فخلافة المهدي
مرتبطة بتسلسل متتابع من علامات الساعة الكبرى ونهاية
الكون والله تعالى أعلم.
فطوبى لأهل الشام وما ورثوا من المسيرة الإسلامية
سواء في مسارها الكلي وذلك من
بعثته صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة أو في ظل المرحلة الحالية
حيث تكاد الشام أن تؤول إليها المسيرة الإسلامية المعاصرة في دفعها لصولة الباطل بكل ألوانه خاصة بعد أن قام أهل أفغانستان وأهل العراق وقبلهم أهل فلسطين بأدوراهم المباركة في منازلة المشاريع الثلاثة المهيمنة على قلب الأمة تلك المتمثلة في المشروع الأمريكي والمشروع اليهودي وأخيرا وليس آخرا المشروع الفارسي الشيعي، وبعد أن ضرب الثوار العرب قلب النظام الجبري فأصابوه في مقتل في تونس ومصر وليبيا فجاءت ثورة الشام لكي يرتكز إليها المشروع الإسلامي في مسيرته نحوه التمكين والخلافة الراشدة.
وفي هذا المبحث سأبذل جهدي للوقوف بالأخوة المهتمين
على منارات المرحلة ومعالمها
الأساسية حتى لا تشغلنا تفاصيلها وضغوطها المتلاحقة عن التركيز على الرؤية الكلية وفهم المآلات الكبرى للصراع خاصة في الشام وما حولها، وكما أدار أبوبكر الصديق رضي الله عنه مرحلة حروب الردة وبعدها الفتوح
وكذا فعل عمر رضي الله عنه حتى استقامت مسيرة تلك الفتوح
في مرحلتهم والمراحل التي تلت، ولم يكن ليتأتّى
ذلك لولا أن الصحابة رضي الله عنهم عضوا بالنواجذ
على المنارات الاستراتيجية التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتح لجزيرة العرب وفارس والروم بل وأبعد من ذلك فها هو قبر أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه في الناحية الغربية من اسطنبول ينبؤنا
بمدى استجابة ذلك الجيل رضي الله عنهم والتزامهم بتلك
الإشارات الاستراتيجية التي تركها لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم، بل إن قبر أبي أيوب ظل معلما لأجيال
الفاتحين من بعده إلى أن تطلع محمد الفاتح إلى تلك الذروة والمجد الرفيع.
ومما يتحتم ذكره في هذه المقدمة أن أشير إلى الدرس
الأبلغ في اختلاف أهل العراق
المحدثين خلال العقد الأول من الألفية الثالثة ونجاح العدو الظاهر والباطن في إيصالهم إلى حد الاقتتال وتوجيه السلاح إلى صدور بعضهم البعض وأن ذلك لم يكن ليحدث لولا غفلتهم عن منارات الأداء الكلي أو الاستراتيجي فاختلفوا على تفاصيل المرحلة حتى غاصوا في أوحالها وأصبح ذلك الاختلاف مصيدة وقع الجميع فيها وتعطل على إثر ذلك المسار العام وتبددت الآمال دون أن نقلل من شأن منارات الجهاد التي أعلاها أهل العراق وإثخانهم في الصليبية العالمية وتعاملهم المبكر مع أخطر مقدمات التمدد للمشروع الفارسي الشيعي.
ويتعلق بالأمر السابق تفصيل مهم ودقيق وهو أن قدرة
الصف المؤمن على تجنب التنازع
وضمان عدم الوقوع في الفشل الذي حذر منه الله عز وجل: (ولا تنازعوا
فتفشلوا وتذهب ريحكم)الآية، لا يتم عبر الوعظ وحده على أهميته وإنما أن يستجيب المؤمنون لكل ما أمر الله عز وجل به في نفس الآيات وهي
خمس أمور: (ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فاثبتوا
واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون، وأطيعوا الله ورسوله
ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع
الصابرين)الأنفال:45-46، فمن ضمانات عدم الوقوع في التنازع أمور كثيرة مهمة يأتي في مقدمتها أمران أساسيان أما الأول: أن لا تضيع بوصلة الولاء في خضم التزلزل والصراع وأما الأمر الثاني: فهي مسألة الاجتهاد الكلي في النظر للمرحلة وتحديد طبيعتها ومآلاتها وعندها تكون هذه الرؤية
هي إحدى معالم المسيرة الكلية والجامعة للأمر من
أطرافه وفي حال أهمل القادة هذه المقدمة اللازمة ولم
يوفروها وقع الناس في حال من التجاذب الدائم والتذبذب
بين الاستراتيجية والتكتيك أو ما بين مسائل الاجتهاد الكلي الثابت ومسائل التنفيذ المرن، وكلما أوغل الناس في مسيرة التنفيذ والأداء الميداني وهم لا يملكون الرؤية الكلية استيقظت عندهم في كل منعطف مسألة كبرى من مسائل الاجتهاد فطفقوا يتجادلون فيها وهكذا حتى تتشابك تلك النقاط تشابكا يفضي إلى التنازع الكلي ومن ثم الفشل.
فإذا لم يتقدم القادة برؤيتهم واجتهادهم للتعامل مع
المرحلة وتركوا هذه المهمة
للرويبضات يفتون في أمر العامة وقع الجميع في دائرة التذبذب والتنازع،
ومما يعطل أداء هذه المهمة اعتذار القادة المعنيون بحجج ظروف الميدان
وضغوط المتطلبات وهو عذر غير مقبول ولهذا نبه الشارع الحكيم إلى هذه المسألة الخطيرة بقوله عز وجل: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)التوبة:122
ولعل من
أهم المسائل التي يحتاج القادة أن يقفوا عليها وأن يتعمقوا في فهمها ومن ثم
تعليمها للمسلمين القائمة التالية:
· فقه المشروع الإسلامي ومساراته الكلية
· فقه الجهاد ومسائله ما عظم منها وما صغر
· فقه النظام السياسي في الإسلام
· فقه علاقة الأداء السياسي بالأداء الجهادي
· فقه معادلة الاستضعاف والتمكين
· فقه معادلات النظام الدولي وصراع المشاريع العالمية
وإن من ملامح الثورة الشامية المباركة التي تكفل الله
عز وجل بأهلها أن يتمكن
المعنيون بالشأن الإسلامي وهم يعالجون شؤون ثورة الشام المباركة من سد الثغرات الكبرى ومعالجة ما لم يمكن معالجته في أفغانستان والعراق.
ثانيا: ثورة
الشام في خارطة المشروع الإسلامي
وقبل محاولة الإجابة على هذا السؤال: أين تقع ثورة
الشام على خارطة المشروع
الإسلامي؟ فنحن بحاجة أن نشير إلى بعض ملامح خارطة المشروع الإسلامي
تلك التي تبلورت من خلال اجتهادات الجماعات الإسلامية المختلفة ومن خلال القضايا والساحات الساخنة التي خاضتها الأمة في العقود الماضية وخاصة في العقود الثلاثة الأخيرة ومن خلال الدروس الكبرى التي تمخضت عنها ممارسات المجتهدين في الأمة ومن خلال معاناة الأمة المتطاولة على يد
النظام السياسي الذي يحكمها في المشرق والمغرب وهو الذي
وسمه الرسول صلى الله عليه وسلم بالنظام الجبري ومن
خلال حراك أمم الكفر على مستوى النظام الدولي والإقليمي
واتخاذهم أمة الإسلام قصعة يتنادون عليها كما هو في حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن . فقال قائل : يا رسول الله
! وما الوهن ؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)صحيح أبي
داود. وكيف أذن الرب تباركت
أسماؤه بكسر النظام الدولي بسقوط الاتحاد السوفيتي الملحد تمهيدا لدخول الموحدين في ثنايا النظام الدولي ووراثته في نهاية المطاف، وكيف تقلبت أمة الإسلام على معادلة الاستضعاف والتمكين حتى أذن الله عز وجل بكسر مرحلة الاستضعاف ودخول
الموحدين إلى مرحلة التدافع.
ويلزم من يريد أن يقف على خارطة المشروع الإسلامي أن
يرجع إليها في مظانها من البحوث السابقة
وأهمها كتاب: ملامح المشروع الإسلامي للمؤلف وغير ذلك من
البحوث والدراسات.
وفيما يلي
سوف أستعرض أهم النقاط التي تحدد موقع ثورة
الشام في خارطة المشروع الإسلامي:
· إحكام مرحلة التدافع
إن ثورة الشام قد دفعت الأمة المسلمة كي تتوغل عميقا
في مرحلة التدافع حيث احتاجت
الأمة المسلمة قرابة ثلاثة عقود وهي تقاوم جاذبية مرحلة الاستضعاف
فمنذ أن افتتح المسلمون قرنهم الخامس عشر الهجري وذلك عام
1400للهجرة الذي وافق عام 1980للميلاد وهم بين جذبين
كبيرين جذب مرحلة الاستضعاف
وسننها وجذب مرحلة التدافع وسننها ولولا لطف الله عز وجل بالمسلمين
واضطرارهم خوض المعمعة تلو المعمعة لغلبهم جذب مرحلة الاستضعاف حيث كادت مقولة بني إسرائيل أن تفشوا فيهم: (قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون)المائدة:22، فلولا معركة أفغانستان الأولى في الثمانينيات ومعركة فلسطين وبقية المعارك في التسعينيات كالبوسنة وكشمير وطاجيكستان والفلبين والشيشان وغيرها والمعركتين الفاصلتين في العشرية الأولى من الألفية الثالثة وهما معركتا أفغانستان الثانية ومعركة بغداد فلولا تلك المعارك لبقي المسلمون يراوحون في متاهات مرحلة الاستضعاف والقبول بمرجعية النظام الدولي وتعليق الآمال الواهية عليه خاصة في ظل الحرب النفسية التي شنها الأمريكان عليهم تحت مسمى الإرهاب لكن الأمر استقام من خلال مسارين رئيسيين؟ المسار الأول تمثل في الإضافة المباركة بنموذج الثورة الليبية وأخيرا بنموذج الثورة الشامية، وأما المسار الثاني فهو تضعضع النظام
الدولي الذي لم يعد قادرا على إدارة العالم بنفس الكفاءة
السابقة وخاصة في ظل انتكاسة القطب الأمريكي على
يد الأفغان والعراقيين وما أنفق من أموال طائلة في الحربين
وفي ظل تنمر المشروع الفارسي الشيعي وخلطه لأوراق النظام الدولي.
وعليه فإن الثورة الشامية تدخل بالأمة إلى أعماق
مرحلة التدافع ويعول عليها أن
تسهم بزيادة معدل عولمة الأداء الإسلامي من جهة وتولي مهمة كسر المشروع الفارسي الشيعي من جهة أخرى تمهيدا لأدوار أكبر وأقوى في تعامل الأمة مع النظام الدولي، ولعل مما يحتاج القادة أن يقفوا عليه من سمات مرحلة التدافع عدم الخوف من كثرة الفراغات وتنازع الاجتهادات في خارطة الأداء الإسلامي ككل ما بين من يفضل الأداء السلمي ويعول عليه ومن يستقيم على متطلبات المرحلة فقد حدث هذا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله
واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستون
عن الله والله لا يهدي القوم الظالمين)التوبة:19
· وتتعلق الثورة الشامية بأحد أهم معايير المشروع
الإسلامي وهو الدفع باتجاه كسر
آخر أطواق المرحلة السياسية الجبرية وضعضعتها بعد أن عمرت تلك المرحلة دهرا وهي تمنع الأمة من كل حراك نحو حريتها وكرامتها وتطبيق دينها ومدافعة عدوها،
خاصة وأن أطواق الجبرية قد تداخلت بشكل غريب حتى تعاون
الأعداء المتشاكسون على تثبيت
قواعدها وبينهم ما بينهم من العداء والخلاف فمع توزع النظام السياسي
العربي ما بين ملكية وجمهورية وادعاء كل طرف بأنه أحق بالملك من صاحبه واستعدادهم للذهاب في العداوة إلى آخر الأشواط لكنهم متفاهمون كل التفاهم على تثبيت أطواق الجبرية في أعناق الأمة ولذا رأيناهم يجلسون بين يدي صبي (السي آي إيه) التونسي (بن علي) مرجعهم الأمني وهم متوافقون، وزاد من العنت دخول المشروع الفارسي الشيعي على خط النظام الجبري منذ ما يقرب
من ثلاثة عقود وتكامله مع النظام السياسي العربي بل
واندفاعه لقضم أكبر حصة ممكنة من النظام السياسي في
المنطقة ونتيجة لاستظلال كلا النظامين أعني العربي
والفارسي بالمظلة الأمريكية وبقية المظلات الدولية فقد عمل الجميع ضد مصالح الأمة وقد حان أوان كسر هذه الأطواق طوقا بعد طوق بل إنه من البشريات أن يتزامن الكسر على أكثر من صعيد ومسار، ولكن الذي يعني الثورة الشامية أنها أخرجت كثير من الأوراق من أيدي اللاعبين الرئيسيين في
المنطقة ووضعتها بيد الرجال في الميدان وهي قابلة للتطور في
كل الاتجاهات وأزاحت كل أوراق التوت عن عورات
النظام الجبري وما تبقى منه في بلاد العرب.
· وتأتي ثورة الشام لكي تعيد المسائل العقدية إلى نصابها الصحيح وإلى معاييرها الدقيقة فهذه أمة سنية موحِّدة بتشديد الحاء وكسرها ولا يمكن أن يختلط أداؤها العقدي بتخليط الشيعة وتقيتهم وتماهيهم
مع النصارى في المنطقة ولا بادعاء العمائم الفارسية
تحرير المسجد الأقصى من اليهود وهم يريقون دماء
العبّاد الموحدين ويتجاوزن كل حقوقهم بل ويشاركون الصليبيين
إذلال الموحدين في أفغانستان والعراق فكيف التقى المشروع الفارسي الشيعي مع المشروع الصليبي في كلا المنطقتين وهو يزعم أنه يصادمه في فلسطين؟ فجاءت ثورة الشام لكي تميط آخر لثام عن وجه المشروع الفارسي
الشيعي البشع وتؤكد وحدة العقيدة ووحدة الأداء الميداني
للأمة.
· وتأتي ثورة الشام في خارطة المشروع الإسلامي لكي تؤكد حاجة الأمة إلى النظريات الأربع
التي تبلورت على إثر تجارب الأمة المتنوعة وخوضها
للمعارك التي غيرت وجه التاريخ والعالم وزلزلت النظام
الدولي، تلك النظريات التي توحد الرؤية وتوحد القيادة وتستثمر الأداء الكلي وترفع السقوف نحو أداء عالمي يليق بأمة الإسلام وأدوراها
التي أرادها الله لها،
وللتذكير
فالنظريات هي:
النظرية الأولى:
نظرية ألوان الطيف: وتهدف إلى جمع كلمة المجتهدين
والعاملين لنصرة هذا الدين
والتمكين له في الأرض مع فسح المجال لتعددية إسلامية تلتقي على أهداف كبرى وشاملة.
النظرية
الثانية:
نظرية الدرع والقلب: وتهدف إلى بلورة قائمة واضحة ومحددة
بأخطر أعداء المسلمين والسعي لتفكيك
هيمنتهم بكل السبل التي أحلها الله للمسلمين خاصة المشروع
الأمريكي والمشروع اليهودي وكل مشروع يعترض مسيرة الأمة المسلمة.
النظرية
الثالثة:
نظرية الظهور والعولمة: وتهدف إلى نقل آفاق الأداء
الإسلامي إلى آفاقه العالمية
حسب ما أراد الله عز وجل من ظهور لدينه وإعلاء لكلمته.
النظرية
الرابعة:نظرية
التغيير الشاملة: وتهدف إلى استخدام كافة مسارات التغيير لتحقيق الأهداف
الكبرى للأمة سواء على المستوى القطري أو الإقليمي أو
الدولي واستثمار سعة الأمة وانتشارها وقواها الكامنة وأجيالها المستجدة لتحقيق ذلك التغيير.
ومن أجزاء نظرية التغيير الشاملة ضرورة المناقلة بين
نظريات التغيير الأساسية والمجربة وهي للتذكير:
ـ نظرية الأداء السياسي الدستوري أو الديمقراطي.
ـ نظرية إدارة الأزمات والتعامل مع الانهيارات
ـ نظرية الانقلاب العسكري
ـ نظرية الجهاد ضد الكفرة الذين لا خلاف عليهم
ـ نظرية الثورة الشعبية والعصيان المدني
وأنه لا ينبغي الانغلاق والاكتفاء بنظرية واحدة أو
اثنتين،
وجاءت
الثورة الشامية لكي تكسر الحاجز النفسي الذي سعت كل القوى المناوئة
للأمة لبنائه طوال السنين وهو أن تغيير وإصلاح واقع العرب والمسلمين
لن يتم إلا من خلال المسار السياسي فقط وأن أي استخدام للقوة إنما
يصب في إطار الإرهاب والتطرف فجاءت الثورة الشامية لكي تعيد الأمر إلى نصابه، ولعل من أهم إنجازات وبركات الثورة الشامية في هذا الشأن أنها أخرجت القضية الإسلامية من ضيق الاصطلاحات والمسميات فالأمر والشأن شأن
أمة وعقيدة ومصلحة عليا لهذه الأمة وليست المسألة مسألة
إخوان مسلمين ولا تنظيم قاعدة كما سعت أجهزة الاستخبارات العربية
والعالمية أن تقنع به المسلمين طوال عقدين من الزمن.
· وتأتي ثورة الشام لكي تسهم بشكل أدق وأوضح من أي قضية أخرى في بيان منتهيات
المشروع الإسلامي وغاياته الكبرى فالموضوع ليس مجرد إسقاط نظام طاغوتي آخر من أنظمة العرب الجبرية ـ وإن كان هذا الهدف المرحلي من
الأهمية بمكان ـ بل هو مضي نحو المناطق الكلية ومن أهمها
موضوع بيت المقدس وتخليصه من أيدي اليهود وبدون استخلاص
الشام لصالح المشروع الإسلامي فلا يمكن مصاولة قلب المشروع الصليبي
المتمثل في المشروع اليهودي، ومن غايات المشروع الإسلامي
استخلاص قلب الأمة المسلمة من هيمنة وسيطرة النظام الدولي وتوابعه
خاصة تمدد المشروع الفارسي الشيعي وكذا وراثة المسيرة الجهادية المباركة في الأجنحة الثلاثة التي صاولت المشاريع المناقضة للأمة وهي أفغانستان والعراق وفلسطين.
· كما يتوقع أن تسهم الثورة الشامية في بلورة
المرجعية القيادية للأمة من خلال دفع
الرموز القيادية المستجدة والتي سوف تنتج من إدارة المعركة الجهادية
والمعركة السياسية في الشام وإحداث التوازن في المعادلة القيادية ما بين الجناح الشرقي والجناح الغربي للأمة بما تتميز به الشام من موقع وسطي وتعلق ببيت المقدس وفق ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس)
ثالثا: الشام
في خارطة النظام الدولي وتوابعه
إن مما يحتاجه المسلمون في تقويمهم للقضايا المختلفة
أن يقفوا على القواعد الكلية في الرؤية
الاستراتيجية والسياسية تلك التي تجعلهم مستقلين في
رؤاهم ومنطلقين من مبادئهم وبذلك يتمكنوا من التقدير الدقيق لأي قضية هي قيد الدرس والنظر، ومنذ أن انطلق أداء الأمة في مستوياته المتقدمة ومنذ أن تبلورت معالم الرؤية الإسلامية الكلية وتفاعلت مع حراك الأمم من حولها فقد سارت علاقة الأمة المسلمة بالنظام الدولي وفق معادلة دقيقة تحكمها المعطيات العقائدية في المقام الأول ثم ما يترتب على تلك المعطيات من
مصالح اقتصادية ونهب لخيرات الأمة أينما وجدت.
وقبل أن نقف على موقع الشام في خارطة النظام الدولي
فنحن بحاجة أن نستعرض باختصار أهم نقاط
معادلة علاقة الأمة المسلمة ككل بالنظام الدولي خلال
العقود وهي كالتالي:
· انتهك النظام الدولي محرمات الأمة المسلمة بشكل
منتظم منذ استقر العالم على
نظام الحرب الباردة وتقاسم الخمسة (الكفار) الكبار لمقدراته، وكان من
أوضح تلك الانتهاكات تحكم النظام الدولي التام بالنظام السياسي الذي يحكم المسلمين والذي انطبق عليه تعريف النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم الجبري، وانقسمت الأمة إلى جناحين الجناح الأول شرقي يتحكم في الشيوعيون (آسيا الوسطى) وجناح غربي (يمتد من إندونيسيا إلى طنجة) يتحكم فيه النظام النصراني الغربي وقد بقي زمام ذلك النظام بأيدي أولئك الكفار حتى أذن الله عز وجل بانهيار الاتحاد السوفيتي عام1990م وبانهيار النظام الجبري العربي على يد الأحرار العرب المعاصرين عام 2011م.
· وكان من أوضح انتهاكات النظام الدولي لمقومات الأمة
هو منعها من الاحتكام لشريعتها والحيلولة
دون ذلك من خلال النظام السياسي ودعمه بالاطروحات الثقافية المناقضة
لأصول الأمة واستبدال الشريعة بالقوانين الوضعية
وإجبار الأمة على الاحتكام إليها وحتى الدول التي تظاهرت بالاحتكام إلى الشريعة فقد فرغ هذا الاحتكام من محتواه في ظل موالاة النظام السياسي للكفرة واستجابته لكل إملاءاته.
· فرض النظام الدولي من خلال أدواته ومؤسساته
المختلفة مناهج الضلال المناقضة
لعقيدة الأمة كبدائل عقائدية وتطبيقية ومن نماذجها فرض النظام الشيوعي الملحد في الجزائر واليمن الجنوبي والنظام البعثي (الشيوعية المعدلة عربيا) في العراق والشام والنظام الناصري الاشتراكي في مصر، ومن الأدوات التي استخدمت في هذا السبيل تمكين ودعم الأقليات المناقضة للأمة كتمكين النصيرية في الشام وتمكين النصارى والدروز والشيعة في لبنان
والشيعة في باكستان (نظام بوتو) والنصارى في نيجيريا وكينيا
والأمثلة أكثر من أن تحصى.
· فرض النظام الدولي الدولة اليهودية في قلب الأمة (بيت
المقدس) الذي هو قلب الشام
وأمد اليهود بكل أنواع الدعم وضمان التفوق في المنطقة.
· تلاعب النظام الدولي بكافة قضايا المسلمين في أروقة
الأمم المتحدة وأجاد الفرقاء اللعب والتحريك
باتجاه تقويض تلك القضايا وإفراغها من محتواها سواء كانت تلك قضايا
العرب وعلى رأسا فلسطين أم قضايا المسلمين في مشارق
الأرض ومغاربها كقضية كشمير والبوسنة والشيشان وكوسوفا وغيرها، ولا ننس أن نذكر بالدور المباشر الذي لعبه النظام السياسي العربي في وأد تلك القضايا.
· تنكر النصارى (الشق الأول للنظام الدولي) لدور
الأمة المسلمة في إسقاط أكبر دولة
ملحدة عرفها التاريخ وتهديدها الدائم لما بات يعرف بالسلم الدولي
وتنكروا لما قدمه الأفغان خلال الثمانينيات) من تضحيات حيث زاد عدد شهدائهم عن المليون والنصف شهيد والمهجرين قرابة خمسة ملايين مهاجر، بل
وما كادت الحرب تضع أوزارها حتى سارع النصارى بالانقضاض
على الروح الجهادية التي سرت في أمة الإسلام
واتخذوا من هذه المسألة فزاعة عالمية أطلقوا عليها مصطلح (الإرهاب)
واستخدم النصارى كل مؤسسات النظام الدولي في هذه الحرب حتى خسر
المسلمون كل قضاياهم في الحراك الجهادي التي سادت في تسعينيات القرن العشرين الميلادي وعلى رأسها قضية أفغانستان نفسها حيث استخدموا المكر الاستخباراتي للإيقاع بين فصائل المجاهدين الأفغان وكذلك خسر المسلمون قضاياهم الأخرى كالبوسنة وكشمير وارتريا وكوسوفا والشيشان والفلبين وطاجيكستان والصومال وجنوب السودان وغيرها.
· دشن النصارى ألفيتهم الثالثة بشن حرب عالمية غير
مسبوقة على أضعف الأمم في
العالم تحت استراتيجية الحروب الاستباقية وأعينهم على الامبراطوريات
المهددة لقطبيتهم الأحادية وهي الصين وروسيا ولكن الضغط الحقيقي
وقع على المسلمين حيث استخدم جورج بوش صواريخه العابرة (التوما هوك وكروز ) على بيوت الطين الأفغانية وعلى بقايا الخردة العسكرية السوفيتية في النظام العراقي وقد نتج عن هذه الحرب أخطر النتائج العالمية والإقليمية وهو تمدد المشروع الشيعي الفارسي حيث منحت أمريكا العراق لإيران على طبق
من ذهب وضعضعت القوة السنية الأفغانية كما ضعضعت باكستان
لصالح إيران والهند الهندوسية على حد سواء وسمحت
تلك الحرب ولأول مرة بتشكل ما بات يعرف بالهلال الشيعي حيث اتصل
النظام الإيراني بحليفة النصيري في الشام ولبنان وامتدت
يده إلى شيعة باكستان وأفغانستان وشيعة الجزيرة العربية.
· دعم النظام الدولي النظم الديكتاتورية القمعية في
العالم العربي والإسلامي من خلال المؤسستين
الاستخباريتين cia و
kgb وتوابعهما في العالم بكل أدوات القمع ومناهجه الإدارية والإعلامية والنفسية وأمام سمع وبصر النظام الدولي وتأييده رزح المسلمون تحت نظام عبدالناصر وبومدين وسوكارنو وسوهارتو وصدام وعبدالفتاح اسماعيل وحافظ أسد والحسن الثاني والحسين بن طلال وملوك آل سعود المتتابعين وغيرهم في مشارق الأرض ومغاربها حتى ملئت السجون بالأحرار وملئت الآفاق بالمهجرين.
· هيمن النظام الدولي من خلال نظمه العسكرية
والسياسية والمالية على ثروات
المسلمين وفرض سيطرته على ممراتهم الاستراتجية وكانت أخطر سيطرة على الذهب الأسود والذي يملك المسلمون منه في أراضيهم أغلب احتياطياته
العالمية خاصة جزيرة العرب والعراق وشمال إفريقيا ونيجيريا
وغيرها، ورهنوا بذلك مستقبل المسلمين لمعادلة
التنمية التي توصف بمعادلة الشمال والجنوب ووقع المسلمون
في جنوب ذلك النظام فلم يجنوا إلا الفقر والتخلف على كل الأصعدة.
فإذا
استوعبنا تلك الوقفة المختصرة في علاقة النظام الدولي بالأمة المسلمة يمكننا
أن نقف على موقع الشام في خارطة النظام الدولي وفيها النقاط التالية:
· انعكست سياسة التوازن القائمة في مرحلة الحرب
الباردة على الوضع في الشام أيما
انعكاس فقد أجمع القطبان المؤثران في النظام الدولي على تفضيل النظام اليهودي في المنطقة وضرورة دعمه وتقويته وأجمعا على دعم نظام حافظ أسد النصيري كأحد أركان حفظ المشروع اليهودي وصيانته.
· كما انعكست سياسة التوازن الدولي على النظام
النصيري في الشام عبر جمع ذلك النظام
للمرجعية العقائدية البعثية (الشيوعية المعدلة عربيا) ومرجعيته الاستراتيجية للمظلة الأمريكية في آن واحد، فالنجمة الروسية الحمراء فوق القبعة والسجود الحقيقي يكون للصنم الأمريكي، وما ترتب على ذلك من رسم
صورة مزيفة للنظام الممانع والمناقض
للوجود اليهودي في المنطقة بينما هو أحد أهم
عناصر الحماية للمشروع اليهودي ومنفذا للسياسة الأمريكية في المنطقة.
· غض النظام الدولي طرفه عن التحالف الذي أنشأه
الخميني مع نظام حافظ أسد في
المنطقة من أول يوم وصل فيه الخميني لرأس الحكم في إيران ومع التخوف الشكلي الذي كان يبديه النظام الدولي من هذا التحالف لكنه سمح للنظامين بالاستمرار في وضع أسس البنية التحتية لمستقبل الدولة الشيعية الموسعة في المنطقة.
· كما كافأ النظام الدولي نظام حافظ أسد بجعل نظامه
أحد أهم المرجعيات لنظام الشرق
الأوسط السياسي والأمني متقاسما الكعكعة مع كل من مصر والسعودية
وإسرائيل، وعلى ضوء ذلك تم إطلاق يده في لبنان عام 1989م تحت ما يعرف باتفاق الطائف لضبط الأوضاع في لبنان باتجاه البوصلة الأمريكية واليهودية في المنطقة وعليه فقد عاثت اليد النصيرية في لبنان فسادا طوال عقد ونصف من الزمن وأشرفت على بناء النواة الشيعية الأخطر في المنطقة وهي حزب الله الشيعي.
· كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام
باستصحابه كجزء من التحالف
الدولي لإحداث التغيير في المعادلة العالمية وقيام أمريكا بتدشين النظام الدولي الجديد (نظام القطب الواحد) واتخاذ حربها ضد النظام البعثي العراقي مسارا لذلك التغيير عام 1991م وهي بذلك أعطت للمعادلة الشيعية
دفعة كبيرة من خلال ذلك الاستصحاب.
· كافأ النظام الدولي النظام النصيري في الشام متمثلا
هذه المرة بشقه الروسي والصيني
حيث أسهمت روسيا مباشرة وأسهمت الصين من خلالها تأثيرها في كوريا
الشمالية بتدشين المشروع النووي الشيعي والمساهمة في بنائه ووضعه قيد التشغيل وقد انعكس هذا الوضع على النظام النصيري في الشام حيث قوة النظام النصيري مستمدة من قوة النظام الفارسي الشيعي.
· ويتحكم في موضوع التغيير وإسقاط النظام في الشام
بعوامل أساسية لدى شق الناظم
الغربي الصليبي ومن أهمها ضمان أمن إسرائيل ولولا أن محاولات النصارى
لاسترداد ولاء النصيرية قد باءت بالفشل وطوال عقد من الزمن وإلا فقد كان الأفضل والأوفر للنصارى أن يستجيب النظام النصيري للضغوط ولكن
يبدو أن الفرس كانوا قد سبقوا ولغموا ساحة النظام
النصيري بحيث لا يستطيع الفكاك من حلف الخميني حافظ
أسد ويبدو أن الابن الوريث مجرد واجهة والمتحكم الأول
والنهائي بنظام الحكم هي طهران، وعليه فإن رغبة النصارى باستبدال نظام الحكم في دمشق يقابله تخوف كبير من طبيعة النظام الذي سيرث النظام النصيري ومدى ضمانته لأمن إسرائيل وقبوله للاستظلال بمظلة النصارى الغربيين؟ وأخطر ما في الأمر أن النصارى سوف يسهمون في إطالة أمد الأزمة
في الشام
حتى يضمنوا أحد أمرين فإما أن يحدث انقلاب داخلي ضد ولاء
النظام لإيران وبالتالي يحصل حل ترقيعي
وديموقراطية مقننة تحفظ المعادلة في المنطقة وإما أن تضمن
أمريكا ضمانا كاملا أو شبه كامل لمجيء نظام موالي لهم وإن كان ببعض الصفات الإسلامية والتاريخ الإسلامي القديم.
· وفي ظل هذه الرؤية يتحرك ما بقي من نظام سياسي عربي
والذي لم يخضع لربيع الثورة العربية باتجاه
محدد في الشأن الشامي وذلك وفق الرؤية الأمريكية بل ويخدمها في
الصميم ويقوم بتمويلها ويضع كافة امكانياته السياسية
والاستخباراتية والإعلامية في هذا السبيل.
· فما
هي مسائل الاستراتيجية الأمريكية الملحة في المنطقة والمتعلقة بالشأن الشامي؟ إنها
القضايا التالية:
1ـ أولى المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: تحقيق
اختراق أمريكي في الملف
الإيراني النووي لثنيها عن صناعة السلاح النووي وأن يتم ذلك عبر تشجيع إيران لكي تقبل بدورها كقوة إقليمية مهيمنة وبلا أنياب نووية وضمن المظلة الأمريكية في المنطقة وفي حال نجح هذا الخيار فالمعادلة ستخضع
حينئذ لعملية مقايضة كبرى من أهم معالمها السماح لإيران
بالاحتفاظ بكافة المساحات المسيطرة عليها فعلا وهي العراق وسوريا
ولبنان والجزء الشمالي من اليمن وقد تعطيها أمريكا قطعا
جديدة كالبحرين وقطعا أخرى من الخليج، وفي حال عدم
نجاح هذا الخيار فسوف تبقى القضية الشامية خاضعة للمساومة واللعب الأمريكي حسب تطور الوضع بالاتجاه الذي تريده أمريكا، وهو الذي يفسر جمود القضية الشامية ومن قبلها قضية الحوثيين والبحرين وأهم منهما العراق برمته.
2 ـ ثاني المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: أن
يتوقف التهديد الإيراني ضد المنطقة الأولى
عالميا في احتياطيات النفط في جزيرة العرب وضد عنق
الزجاجة (مضيق هرمز) حيث تعتبر أمريكا المنطقة خطا أحمر غير قابل للأخذ والعطاء أو للعب في محيطه وهي مسألة تتعامل معها أمريكا بالوجود العسكري المباشر والتهديد الذي لا يقبل التفسير والتأويل خاصة في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه أوروبا وأمريكا.
3- ثالث المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: إيقاف
التردي والانهيار في
الاستراتيجية الأمريكية العالمية الموسومة بنظام القطب الواحد ومنع الصين وروسيا بتحقيق اختراق كبير ضد هذا النظام عبر استخدام الطموح الإيراني للخروج من العباءة الأمريكية في المنطقة وهو الذي يفسر الفيتو الصيني الروسي المزدوج في موضوع الشام.
4- رابع المسائل الاستراتيجية الملحة أمريكيا: مسألة
المحافظة على ما تبقى من
النظام العربي (الملكيات في الشرق والغرب) حتى لا تجتاحها حمى الثورة العربية خاصة جزيرة العرب، ومن ضمانات الحفاظ على هذا النظام سعي أمريكا لتحريكه باتجاهين، الاتجاه الأول: يتمثل في دعم وإدارة الدول الساقطة ثوريا حتى لاتخرج عن الخط الأمريكي (اليمن أنموذجا) وتقديم نموذج مخيف لتداعيات الثورة العربية (قد تكون تونس أو ليبيا وإن كنت أرجح تونس لأنه لا نفط لديها يخاف عليه الغرب)، والاتجاه الثاني: بجعل المنظومة الباقية التي لم تصلها الثورات حجر أساس في مواجهة التطورات في المنطقة وتفعيل دورها في إدارة الأزمات ومن أهمها الأزمة السورية وانتصاب هذه المنظومة كحائط صد ضد التهديد الإيراني فتتوقف الشعوب عن المطالبة
بالتغيير حفاظا على هذا الدور!
وتقتضي هذه الاستراتيجية فتح المجال للحرب الإعلامية ضد
الشيعة من جهة وفتح جزء من البوابات لتسرب
المجاهدين (الإرهابيين) إلى الشام لأنهم أي الإرهابيين
هم الأقدر على مواجهة المشروع العقائدي الشيعي على أن يبقى هؤلاء
المجاهدين ضمن دائرة السيطرة والرقابة اللصيقة ريثما ينتهوا من مهمتهم وستعاد ضدهم نفس استراتيجية الأفغان العرب أو صناعة الموت وفق قناة العربية التي صنعها جورج بوش الابن.
رابعا: ثورة
الشام ومؤشرات الأداء الاستراتيجي
وهي مؤشرات تنبع من الأبعاد العقائدية وما أفرزه
الأداء الإسلامي الكلي خلال العقود
الثلاثة الماضية والذي يمكن وصفه بالمشروع الإسلامي، وما أفرزته
المعارك الثلاث الكبرى على الساحة الإسلامية وهي معركة أفغانستان ومعركة العراق ومعركة فلسطين، كما أن هذه المؤشرات تنبع من ملاحظة معادلات الصراع بين المشاريع المتنافسة في المنطقة وفي العالم وأخطرها المشروع الأمريكي والمشروع اليهودي والمشروع الفارسي الشيعي، وكذلك ما أفرزه
الربيع العربي من تحولات هامة في معادلة الحكم الجبري حيث
دخلت الشعوب لأول مرة منذ عقود كعامل حاسم في التحولات
التي تحكم المنطقة وهو ما فاجأ جميع المراقبين وأربك حسابات
المشاريع الأخرى.
وفيما يلي
بلورة وتلخيص للمؤشرات الاستراتيجية التي أقترح أخذها بعين الحسبان في
إدارة ثورة الشام بل وبقية الملفات الجامدة التي
توشك أن تلقي ثورة الشام عليها حراكا وتفعيلا حاسما.
المؤشر الاستراتيجي الأول:
على أهل الشام أن يوازنوا بين جذب الوطن السوري
المتحرر من النظام الطاغوتي وجذب المشروع الإسلامي.
وتحكم هذا
المؤشر المعايير التالية:
1- السوريون لا يمكنهم أن يتحملوا وحدهم متطلبات
المشروع الإسلامي ولكنهم
ماضون في أداء واجبهم نحو إسقاط أحد أخطر الأنظمة الجبرية التي حكمت المنطقة العربية.
2- إسقاط النظام النصيري هدف كبير ومتكامل للمرحلة
المنظورة.
3- لا يمكن عزل المسألة السورية عن تقاطعات المشاريع
في المنطقة ولا يمكن عزلها عن
عمقها العقائدي والتاريخي.
4- لا يمكن عزل القضية السورية عن القضية العراقية
ولا القضية الفلسطينية ولا القضية
اللبنانية فهناك عوامل عقائدية وتاريخية في المقام الأول
تربط سوريا بهذه القضايا ثم تأتي العوامل الجيوسياسية والمصلحية والجوار لكي ترسم طبيعة علاقة السوريين بهذه القضايا.
5- السوريون محتاجون لكل من يلقي لهم بحبل العون
والإسناد معنويا كان أم ماديا في
هذه المرحلة بشرط أن لا يستعبدوا مجددا لأي طرف خارجي أو داخلي وأن لا يحاول أحد أن يدخل الشعب السوري في مسار ضد مبادئه واستقلاله.
6- وكما يتناصر أبناء المشاريع العالمية والإقليمية
على قضاياهم المختلفة فمن حق السوريين أن
يتقدم العرب والمسلمون لنصرتهم بكل أنواع النصرة.
7- ومن حق أبناء سوريا (العلماء والمجاهدين بالدرجة
الأولى) أن يحددوا أولويات
الصراع واتجاهاته في المرحلة المعينة بناء على اجتهادهم ورؤيتهم في ظل توزان بين الرؤية المحلية والصراع الدولي وتدرج في قيام السوريين بدورهم دون وضع المسارين في تصادم وصراع، وعلى الأخوة أصحاب الأجندات العالمية في الصراع أن لا يعطوا الفرصة لإعادة فتنة العراق للساحة السورية وليدعوا الأمور في مسارها فإنها مأمورة، وهذا يقتضي أن يعجل أهل الشام بدراسة النموذج العراقي وكيف تمكن الأمريكان والنظام الشيعي العراقي أن يفسدوا المعادلة السنية من خلال المكر والدهاء وشراء الذمم حتى توجهت البنادق إلى صدور الأخوة بدلا من العدو الظاهر الواضح!
ولعل أهل الشام يملكون مالم يملكه غيرهم ممن أداروا
القضايا الساخنة من قبل وهو
وضوح المعادلة الكلية للصراع فالأمر أمر أمة وعقيدة وتمكين ولم تعد مسألة عناوين ومصطلحات عزفت عليها الأجهزة الأمنية والإعلامية طويلا.
8- لا يمكن الانقضاض على النظام النصيري إلا بعقيدة
الموحدين ورغبتهم في الانعتاق من
سلطته ولن يتم ذلك إلا بطلب الشهادة في سبيل الله تعالى.
9- الشعب السوري مدين لكل من أخذ زمام المبادرة في
توحيد المعارضة السورية
وبلورة رؤية واضحة في مسيرة إسقاط النظام النصيري وفي آن واحد فإنه لا يمكن عزل أحد من أهل سوريا عن المشاركة في هذه المسيرة وفي إبراز القادة المناسبين لكل مرحلة ولا ينبغي التوقف عند حد معين في بلورة آفاق أداء الشعب السوري ويعتبر تحدي النظام النصيري وجبروته من جهة وما بذله السوريون من تضحيات لدفع هذا الجبروت والرغبة من جهة أخرى في بناء وطن لجميع السوريين دافعا لتشكل مظلة وطنية يلتقي تحتها الجميع.
10- يعتبر الإسلاميون حقوق جميع المقيمين بالعيش
الكريم في أي وطن منطلقا
عقائديا ولكن لا ينبغي اتخاذ هذه المسألة تكئة لرفض مرجعية الشريعة الإسلامية ورفض التقدم نحو بلورة المصلحة العليا للمجتمع المسلم في أي
زمان ومكان.
11- يحتاج الإسلاميون السوريون على اختلاف توجهاتهم
أن يحددوا رؤية للقضية
السورية تمثل تلك الرؤية حدود اجتهادهم المجمع عليه ويحتاجون سقفا يجمعهم ويخفف من اختلافاتهم وكلما بادروا بإنجاز هذين المهمتين كلما سهلت مهمتهم الكبرى في إسقاط النظام وإدارة مرحلة ما بعد النظام.
12- لا يمكن تذويب الفوراق بين الاجتهادات الإسلامية
ولا إنهائها ولكن يمكن
الاعتراف بتعددية إسلامية تؤدي للتعاون والتكامل وخدمة أهداف مشتركة وتمنع من الاختلاف المؤدي للصدام في المستقبل القريب والبعيد.