لدينا ما يكفي من البرابرة
21/2/2012
خالد المحاميد
صحفي، كاتب وشاعر سوري
على العكس من الاستدعاء المتخيل للبرابرة في قصيدة الشاعر السكندري اليوناني قسطنطين كفافيس في قصيدته " في انتظار البرابرة" كي ينهوا البؤس ببؤس مثله، يبدو أننا في سوريا لا نحاج إلى ذلك لأن البرابرة يعيشون بيننا.
كتب كفافيس قصيدته مصورا سكان المدينة وإمبراطورهم ووزرائه وقضاته وخدمه وقد احتشدوا جميعا في السوق أوفي الساحة، لماذا ؟ لأن البرابرة قادمون!
يردد الشاعر هذه العبارة المشحونة بالدلالات كلازمة تبعث في روح القصيدة شعورا مريرا بما ينتظره سكان المدينة من البرابرة، فهؤلاء المتوحشون انخلعوا من الضمير الإنساني وحين يتخلى الكائن البشري عن ضميره الإنساني يعود إلى بدائيته، إلى مرحلة توحشه ، فالضمير حسب مارك توين ينمو بشكل تراكمي من خلال خبرات مكتسبة من البيئة الإجتماعية والأخلاقية، فما هي هذه البيئة الإجتماعية والأخلاقية التي اكتسب منها برابرة سوريا أخلاقهم؟
يسأل كفافيس في قصيدته:
لماذا يجلس الشيوخ اليوم ولا يسنون القوانين
لأن البرابرة قادمون!
لماذا يصحو الإمبراطور مبكرا هذا اليوم
ويجلس على بوابة المدينة واضعا تاجه بأبهة
لأن البرابرة قادمون!
لماذا ترك القناصل والقضاة أعمالهم
وجاؤوا يرتدون الثياب القرمزية المطرزة
لأن البرابرة قادمون
لماذا توقف الخطباء عن الخطابة كعادتهم
لأن البرابرة قادمون
من المنطقي ان نفكر، أنه حيث يحل البرابرة يحل الخراب، لكن الشاعر لم يستدرجنا إلى هذا المعنى الساذج، بل قادنا إلى تخيل الخلاص من الاستبداد والظلم والعبودية على يد البرابرة، وحين يكون البرابرة مخلصون، " بتشديد اللام وكسرها" فذاك يعني أن العذاب الذي يعانية الشعب علي أيدي حكامه، هو أشد مرارة من الموت والخراب الذي يلقاه على أيدي البرابرة.
البشرية عرفت المخلصين، وانتظرتهم من أجل خلاص الإنسانية من الظلم والاضطهاد فصورتهم المخيلة البشرية أنبياء وصديقين أطهار يدفعون الظلم ويقفون إلى جانب المظلومين ويرسخون العدالة والمساواة، لكن ان يكون المخلص بربريا فهذه هي المفارقة التي تتكئ عليها قصيدة كفافيس ويتمثلها الواقع السوري الآن.
تعود كلمة " برابرة " إلى اليونان، وكانت تعني في البدء " الآخر " أي آخر غير يوناني ثم تطورت الكلمة مع تطور الفلسفة اليونانية حين بدا أن في الآخر أيضا شيئا من الإنسانية، لتنتقل فيما بعد إلى الآخر من الأعداء ، لكن حتى هذا الآخر العدو، لم يعدم الإنسانية أيضا، إلى أن انتهت الكلمة إلى التعبير عن الوحشية في الآخر، الآخر الذي يفتقر إلى الضمير، والذي يعتبر غيره اقل شأنا ومكانة منه.
يقول تزفيتان تودروف (إن البرابرة هم أولئك الذين لا يعترفون بأن الآخرين هم كائنات بشرية مثلهم) البرابرة يقطعون رؤوس أعداءهم ويعلقونها في رقاب أحصنتهم، كما صورهم ابن طفيل، ليس لأنهم يجهلون أنهم بشر مثلهم على حد تعبير تودروف، بل لأنهم يرفضون أن يعاملونهم كبشر مثلهم) القتل والتمثيل بالجثث، التعذيب حتى الموت، قطع الأعضاء، وسلخ الجلد وهم أحياء، وثقب رؤوسهم بالمثاقب الكهربائية وهم أحياء، أو حرقهم وهم أحياء، هي ممارسات بربرية، لأن الهدف منها نزع الشرعية الإنسانية عن الإنسان ورميه خارج الإطار البشري، انه لا يتساوى معنا، اقل منا إنسانية، ليس له حقوق مثلنا، ليس له أهمية ولا اعتبار، لا قيمة له، هكذا يفكر البربري.
كنت سأكتب متسقا مع النص كما فعل محمود درويش، وكما كتب الروائي الجنوب افريقي ج. م. كوتزي روايته " في انتظار البرابرة" أو كما هي قصيدة كفافيس نفسها.
يصف كافافيس لحظة الخيبة التي حلت بالناس حين فقدوا الأمل بقدوم البرابرة، فبعد الانتظار الطويل وقد بدأ الليل يرخي ظلاله على المكان، بدا الناس يعودون إلى بيوتهم صامتين ، لماذا؟
لأنه لم يأت البرابرة.
ياللخيبة.. يتساءل الشاعر بنوع من السخرية المريرة.
ماذا سنفعل الآن من دون برابرة ؟
لقد كانوا نوعا من الحل !
فكرت بأن البرابرة القادمون والذين نحن بانتظارهم، هم مقاتلوا حلف الناتو، الأتراك، العرب، أي برابرة يمكن ان يخلصونا من الإمبراطور، لكن هذا التصور عن برابرة يأتون من الخارج سيبدو مستهجنا، لأن ما قد يفعله البرابرة الخارجيون، لن يكون بأي حال من الأحوال أكثر دموية ووحشية من ما تفعله عصابات آل الأسد، فالبرابرة الحقيقيون يعيشون بيننا، وهم نظريا أبناء جلدتنا، جزء من شعبنا، مواطنون سوريون، ليسوا آخر بالمعطى الوطني، بل هم كما يفترض جزء من كينونتا الوطنية، والمدهش إننا لم نكتشف بربريتهم طوال ما يزيد على أربعين عاما، مع أننا كنا نرى مظاهر هذه البربرية، ونلمس حضورها بشكل يومي في كل فصل من فصول حياتنا، مع ذلك لم نصدق، كان مدهشا أن يكشف البرابرة عن وجودهم بكل هذا الوضوح والبشاعة في وقت وجيز لا يعتد به تاريخا، حيث لا تراكم زمني في مستوى الكراهية والحقد، فبالأمس كنا نتناول طعام الإفطار في المطعم نفسه وعلى طاولة واحدة، كل منا كان يلقي على الآخر تحية الصباح، ونقرا الصحيفة نفسها ونتحدث في المواضيع نفسها، ونظن أننا نحمل الهموم نفسها، بل أكثر من ذلك كنا نتزاور، نفتح بوابات بيوتنا مرحبين ببعضنا البعض، نجلس في الشرفات وأمامنا كؤوس المتة والشاي بالنعناع ونتبادل النكات من دون حرج.
صحيح أنه كانت لدينا شكوك، كنا نستشعر ان ثمة خلل ما في هذه العلاقة، شيء لا ندري كنهه على وجه التحديد، شيء يتردد صداه في نفوسنا، نستشعره في الوظيفة ، في السوق، في الشارع ، أمام أفران الخبز، في الابتزاز والرشوة، والإهانات اليومية، والإعتقال التعسفي، وفي نوع المعاملة وطبيعتها، صحيح كل هذا كنا نراه ونحسه ونتألم لوجوده، لكن لم يكن هذا كله يدفعنا إلى الحقد والكراهية، فمن كثرة تكراره، انتقل من مستوى الشذوذ إلى مستوى العادة، فتقبلناه كأحد أمراضنا التاريخية المزمنة التي يجب أن نتعايش معها.
ثم فجأة وفي لحظة إشراق تاريخية نهز رؤوسنا ونفرك بظاهر أيادينا أعيننا الحائرة المرتبكة، ثم نكتشف مندهشين أننا طوال ما يزيد على أربعين عاما كنا نعيش مع البرابرة.
هاهم إذن بيننا ... والمدهش إننا نعرفهم ونعرف أسماءهم بل وأكثر من ذلك نعرف ماذا يطبخون اليوم لغداء أبنائهم.
والآن مالحل..؟
لن ننتظر البرابرة، فلدينا فائض كبير منهم، إنهم الآن في الشارع يحملون بنادقهم وسواطيرهم، أو يختفون في بطون آلياتهم العسكرية، ويطلقون على بيوتنا قذائف الدبابات، وحين نعجز عن المقاومة ويستبيحون أحياءنا يدخلون البيوت، يذبحون الرجال والأطفال ويغتصبون النساء ويسرقون ما يستطيعون حمله ثم يضرمون النار بما تبقى من أحياء وأثاث.
لن ننتظر أحدا ... فالبرابرة بيننا .. ، وجوههم غاضبة وأياديهم ملطخة بالدماء يمسكون بالفؤوس والسواطير ويخلعون الأبواب برفسة من أقدام مدربة، ثم يقتلوننا باسم الوطن.
الوطنية أخر سلاح الأنذال كما قال فولتير، وحين نقتل باسم الوطنية فنحن نقتل على يد الأنذال، الحثالات الوطنية، البرابرة، الذين يحتكرون الوطن ويحولونه إلى دولارات وشركات ومواني للتهريب .
البرابرة درجات، منهم من يحمل الساطور ويقطع أعضاء الأطفال، ومنهم من يتسلم منصب رئيس جمهورية، وبين هذا وذاك طوائف شتى، إعلاميون ومثقفون، مهنيون رجال أعمال، فنانون، وغيرهم، جميعهم برابرة بدرجة ما، هؤلاء الذين يخرجون إلى الشوارع نصرة لرئيس البرابرة، هم برابرة صغار، وهم مسؤولون عن دمائنا على قدم المساواة مع من يحمل الساطور، فالذي يشحذ سيف الإمبراطور المعنوي هو قاتل مثله، الذي يصف للإمبراطور مستهينا بدمائنا هو قاتل أيضا، مشارك بكل نقطة دم تنزف على أرض الوطن.
لا نحتاج على برابرة من الخارج فلدينا فائض منهم، والإمبراطور يهدد من حوله من الدول، أصمتوا أو أرسلت لكم فيلقا من البرابرة، يهدد بأنه سيضرب في الخليج وتركيا وفلسطين، فلديه فائض من البرابرة أعدهم إعدادا جيدا لذبحنا، وتدمير كل من يرفع صوته مطالبا بالحرية.
دولة للبرابرة، هذه هي سوريا اليوم، إذن ماذا ننتظر، أن نتحول إلى برابرة مثلهم؟! هناك حكاية، حين انتهت أحد المعارك بانتصار اليونانيين على الفرس، قال أحد الجنود لقائده، سيدي: لقد كان الفرس يرفعون رؤوس جنودنا على رماحهم، فلننتقم ونفعل مثلما فعلوا بنا، نظر القائد إلى الجندي نظرة معاتبه، وقال : لن نفعل، فنحن لسنا برابرة مثلهم!!
21/2/2012
خالد المحاميد
صحفي، كاتب وشاعر سوري
على العكس من الاستدعاء المتخيل للبرابرة في قصيدة الشاعر السكندري اليوناني قسطنطين كفافيس في قصيدته " في انتظار البرابرة" كي ينهوا البؤس ببؤس مثله، يبدو أننا في سوريا لا نحاج إلى ذلك لأن البرابرة يعيشون بيننا.
كتب كفافيس قصيدته مصورا سكان المدينة وإمبراطورهم ووزرائه وقضاته وخدمه وقد احتشدوا جميعا في السوق أوفي الساحة، لماذا ؟ لأن البرابرة قادمون!
يردد الشاعر هذه العبارة المشحونة بالدلالات كلازمة تبعث في روح القصيدة شعورا مريرا بما ينتظره سكان المدينة من البرابرة، فهؤلاء المتوحشون انخلعوا من الضمير الإنساني وحين يتخلى الكائن البشري عن ضميره الإنساني يعود إلى بدائيته، إلى مرحلة توحشه ، فالضمير حسب مارك توين ينمو بشكل تراكمي من خلال خبرات مكتسبة من البيئة الإجتماعية والأخلاقية، فما هي هذه البيئة الإجتماعية والأخلاقية التي اكتسب منها برابرة سوريا أخلاقهم؟
يسأل كفافيس في قصيدته:
لماذا يجلس الشيوخ اليوم ولا يسنون القوانين
لأن البرابرة قادمون!
لماذا يصحو الإمبراطور مبكرا هذا اليوم
ويجلس على بوابة المدينة واضعا تاجه بأبهة
لأن البرابرة قادمون!
لماذا ترك القناصل والقضاة أعمالهم
وجاؤوا يرتدون الثياب القرمزية المطرزة
لأن البرابرة قادمون
لماذا توقف الخطباء عن الخطابة كعادتهم
لأن البرابرة قادمون
من المنطقي ان نفكر، أنه حيث يحل البرابرة يحل الخراب، لكن الشاعر لم يستدرجنا إلى هذا المعنى الساذج، بل قادنا إلى تخيل الخلاص من الاستبداد والظلم والعبودية على يد البرابرة، وحين يكون البرابرة مخلصون، " بتشديد اللام وكسرها" فذاك يعني أن العذاب الذي يعانية الشعب علي أيدي حكامه، هو أشد مرارة من الموت والخراب الذي يلقاه على أيدي البرابرة.
البشرية عرفت المخلصين، وانتظرتهم من أجل خلاص الإنسانية من الظلم والاضطهاد فصورتهم المخيلة البشرية أنبياء وصديقين أطهار يدفعون الظلم ويقفون إلى جانب المظلومين ويرسخون العدالة والمساواة، لكن ان يكون المخلص بربريا فهذه هي المفارقة التي تتكئ عليها قصيدة كفافيس ويتمثلها الواقع السوري الآن.
تعود كلمة " برابرة " إلى اليونان، وكانت تعني في البدء " الآخر " أي آخر غير يوناني ثم تطورت الكلمة مع تطور الفلسفة اليونانية حين بدا أن في الآخر أيضا شيئا من الإنسانية، لتنتقل فيما بعد إلى الآخر من الأعداء ، لكن حتى هذا الآخر العدو، لم يعدم الإنسانية أيضا، إلى أن انتهت الكلمة إلى التعبير عن الوحشية في الآخر، الآخر الذي يفتقر إلى الضمير، والذي يعتبر غيره اقل شأنا ومكانة منه.
يقول تزفيتان تودروف (إن البرابرة هم أولئك الذين لا يعترفون بأن الآخرين هم كائنات بشرية مثلهم) البرابرة يقطعون رؤوس أعداءهم ويعلقونها في رقاب أحصنتهم، كما صورهم ابن طفيل، ليس لأنهم يجهلون أنهم بشر مثلهم على حد تعبير تودروف، بل لأنهم يرفضون أن يعاملونهم كبشر مثلهم) القتل والتمثيل بالجثث، التعذيب حتى الموت، قطع الأعضاء، وسلخ الجلد وهم أحياء، وثقب رؤوسهم بالمثاقب الكهربائية وهم أحياء، أو حرقهم وهم أحياء، هي ممارسات بربرية، لأن الهدف منها نزع الشرعية الإنسانية عن الإنسان ورميه خارج الإطار البشري، انه لا يتساوى معنا، اقل منا إنسانية، ليس له حقوق مثلنا، ليس له أهمية ولا اعتبار، لا قيمة له، هكذا يفكر البربري.
كنت سأكتب متسقا مع النص كما فعل محمود درويش، وكما كتب الروائي الجنوب افريقي ج. م. كوتزي روايته " في انتظار البرابرة" أو كما هي قصيدة كفافيس نفسها.
يصف كافافيس لحظة الخيبة التي حلت بالناس حين فقدوا الأمل بقدوم البرابرة، فبعد الانتظار الطويل وقد بدأ الليل يرخي ظلاله على المكان، بدا الناس يعودون إلى بيوتهم صامتين ، لماذا؟
لأنه لم يأت البرابرة.
ياللخيبة.. يتساءل الشاعر بنوع من السخرية المريرة.
ماذا سنفعل الآن من دون برابرة ؟
لقد كانوا نوعا من الحل !
فكرت بأن البرابرة القادمون والذين نحن بانتظارهم، هم مقاتلوا حلف الناتو، الأتراك، العرب، أي برابرة يمكن ان يخلصونا من الإمبراطور، لكن هذا التصور عن برابرة يأتون من الخارج سيبدو مستهجنا، لأن ما قد يفعله البرابرة الخارجيون، لن يكون بأي حال من الأحوال أكثر دموية ووحشية من ما تفعله عصابات آل الأسد، فالبرابرة الحقيقيون يعيشون بيننا، وهم نظريا أبناء جلدتنا، جزء من شعبنا، مواطنون سوريون، ليسوا آخر بالمعطى الوطني، بل هم كما يفترض جزء من كينونتا الوطنية، والمدهش إننا لم نكتشف بربريتهم طوال ما يزيد على أربعين عاما، مع أننا كنا نرى مظاهر هذه البربرية، ونلمس حضورها بشكل يومي في كل فصل من فصول حياتنا، مع ذلك لم نصدق، كان مدهشا أن يكشف البرابرة عن وجودهم بكل هذا الوضوح والبشاعة في وقت وجيز لا يعتد به تاريخا، حيث لا تراكم زمني في مستوى الكراهية والحقد، فبالأمس كنا نتناول طعام الإفطار في المطعم نفسه وعلى طاولة واحدة، كل منا كان يلقي على الآخر تحية الصباح، ونقرا الصحيفة نفسها ونتحدث في المواضيع نفسها، ونظن أننا نحمل الهموم نفسها، بل أكثر من ذلك كنا نتزاور، نفتح بوابات بيوتنا مرحبين ببعضنا البعض، نجلس في الشرفات وأمامنا كؤوس المتة والشاي بالنعناع ونتبادل النكات من دون حرج.
صحيح أنه كانت لدينا شكوك، كنا نستشعر ان ثمة خلل ما في هذه العلاقة، شيء لا ندري كنهه على وجه التحديد، شيء يتردد صداه في نفوسنا، نستشعره في الوظيفة ، في السوق، في الشارع ، أمام أفران الخبز، في الابتزاز والرشوة، والإهانات اليومية، والإعتقال التعسفي، وفي نوع المعاملة وطبيعتها، صحيح كل هذا كنا نراه ونحسه ونتألم لوجوده، لكن لم يكن هذا كله يدفعنا إلى الحقد والكراهية، فمن كثرة تكراره، انتقل من مستوى الشذوذ إلى مستوى العادة، فتقبلناه كأحد أمراضنا التاريخية المزمنة التي يجب أن نتعايش معها.
ثم فجأة وفي لحظة إشراق تاريخية نهز رؤوسنا ونفرك بظاهر أيادينا أعيننا الحائرة المرتبكة، ثم نكتشف مندهشين أننا طوال ما يزيد على أربعين عاما كنا نعيش مع البرابرة.
هاهم إذن بيننا ... والمدهش إننا نعرفهم ونعرف أسماءهم بل وأكثر من ذلك نعرف ماذا يطبخون اليوم لغداء أبنائهم.
والآن مالحل..؟
لن ننتظر البرابرة، فلدينا فائض كبير منهم، إنهم الآن في الشارع يحملون بنادقهم وسواطيرهم، أو يختفون في بطون آلياتهم العسكرية، ويطلقون على بيوتنا قذائف الدبابات، وحين نعجز عن المقاومة ويستبيحون أحياءنا يدخلون البيوت، يذبحون الرجال والأطفال ويغتصبون النساء ويسرقون ما يستطيعون حمله ثم يضرمون النار بما تبقى من أحياء وأثاث.
لن ننتظر أحدا ... فالبرابرة بيننا .. ، وجوههم غاضبة وأياديهم ملطخة بالدماء يمسكون بالفؤوس والسواطير ويخلعون الأبواب برفسة من أقدام مدربة، ثم يقتلوننا باسم الوطن.
الوطنية أخر سلاح الأنذال كما قال فولتير، وحين نقتل باسم الوطنية فنحن نقتل على يد الأنذال، الحثالات الوطنية، البرابرة، الذين يحتكرون الوطن ويحولونه إلى دولارات وشركات ومواني للتهريب .
البرابرة درجات، منهم من يحمل الساطور ويقطع أعضاء الأطفال، ومنهم من يتسلم منصب رئيس جمهورية، وبين هذا وذاك طوائف شتى، إعلاميون ومثقفون، مهنيون رجال أعمال، فنانون، وغيرهم، جميعهم برابرة بدرجة ما، هؤلاء الذين يخرجون إلى الشوارع نصرة لرئيس البرابرة، هم برابرة صغار، وهم مسؤولون عن دمائنا على قدم المساواة مع من يحمل الساطور، فالذي يشحذ سيف الإمبراطور المعنوي هو قاتل مثله، الذي يصف للإمبراطور مستهينا بدمائنا هو قاتل أيضا، مشارك بكل نقطة دم تنزف على أرض الوطن.
لا نحتاج على برابرة من الخارج فلدينا فائض منهم، والإمبراطور يهدد من حوله من الدول، أصمتوا أو أرسلت لكم فيلقا من البرابرة، يهدد بأنه سيضرب في الخليج وتركيا وفلسطين، فلديه فائض من البرابرة أعدهم إعدادا جيدا لذبحنا، وتدمير كل من يرفع صوته مطالبا بالحرية.
دولة للبرابرة، هذه هي سوريا اليوم، إذن ماذا ننتظر، أن نتحول إلى برابرة مثلهم؟! هناك حكاية، حين انتهت أحد المعارك بانتصار اليونانيين على الفرس، قال أحد الجنود لقائده، سيدي: لقد كان الفرس يرفعون رؤوس جنودنا على رماحهم، فلننتقم ونفعل مثلما فعلوا بنا، نظر القائد إلى الجندي نظرة معاتبه، وقال : لن نفعل، فنحن لسنا برابرة مثلهم!!