إخوة الإسلام ما يجري هذه الأيام، والأيام التي خلت في سوريا إبادةٌ
جماعية وحرب طائفية، لا يستثنى منها النساء، ولا يُرحم الشيوخ والأطفال ،
قذيفتان في كل دقيقة على حمص، وحصار للعديد من المدن السورية حماة، وأدلب
والزيداني ودرعا، ودير الزور، وأحياء سكنية في دمشق وريفها، وحلب، وملايين
سوريين محاصرين داخل منازلهم يُمنعون الماء والكهرباء. إنها قتل لأنفس
بريئة، وتدمير لمساكن مؤهلة، واعتداءٌ على مساجد يذكر فيها اسم الله، آليات
حربية، ومدفعيات ثقيلة، وقناصة متسلطون، تخويف وإرهاب، ودماءٌ تنزف، وجثث
تتساقط.. فأي ضمير يسكت.. وبأي ذنب قُتلت وازهقت هذه الأرواح، ومن المسؤول
عن تدمير المساكن وإتلاف الممتلكات..
أي زمانٌ هذا؟وأي غُزاة أولئك؟ أيعود هولاكو؟ أم تتكرر مأساة التتر في
بلاد المسملين؟ أين ثمار الاجتماعات؟ وأين تفعيل قرارات المجالس والهيئات
والمنظمات؟ أليس بالمقدور وضع حد للمجرمين؟، والأخذ على أيدي السفهاء،
وإنهاء حرب الإبادة قبل النهاية؟ إنه وضع مأسوي يتخطى الوصف، يفرض على ضمير
العالم أن يستيقط ويتحرك وإذا كان الصلف النصيري اليوم، والتحالف الرافضي
ظاهراً في حرب الإبادة في سوريا، فالتاريخ يعيد نفسه.. وحين سقطت خلافة
المسلمين في بغداد وانتهت الدولة العباسية كان للرافضة دور فاعل مع التتر،
فالوزير ابن العلقمي هو الذي دبّر على الإسلام وأهله وأوقع من الأمر الفظيع
الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ أن بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات (كما يقول
الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 13/191).
أما نصير الدين الطوسي فيكفي من نفاقه وخبثه أن هولاكو جعله مستشاره وفي
خدمته، وابن العلقمي، ونصير الدين الطوسي هما اللذان أشارا على هولاكو
بقتل الخليفة العباسي وعدم المصالحة معه (البداية والنهاية 13/192،191).
وهذا كله يعني ان للباطنيين من الروافض وغيرهم تاريخاً أسوداً مع أهل السنة في القديم والحديث.
ولم يكن الأم قصراً على ابن العلقمي والطوسي، فقد كان هناك منافقون
آخرون ذكرتهم كتب التاريخ، يكشفون للأعداء ماخفي، ويدلونهم على عورات
المسملين وهم مغموصون في عقائدهم، منحرفون في فكرهم، وقد ذكر ابن كثير أن
المسلمين حين انتصروا في (عين جالوت) وكُبت اليهود والنصارى والمنافقون،
وظهر دين الله وهم كارهون.. قتلت العامة (من أهل السنة) وسط أحد الجوامع في
بلاد الشام شيخاً رافضياً كان مصانعاً للتتار على أموال الناس يقال
له:الفخر محمد بن يوسف الكنجي، وكان خبيث الطوية.. كما قتلوا جماعة من
المنافقين.. (البداية والنهاية 13/210)
واليوم يتكرر المشهد وإن تغيرت الوجوه، ويتكرر الحقد والإبادة وإن تباعد
الزمان.ويكثر المنافقون المنتفعون وعلى حساب المستضعفين من المسلمين.
وكما احتاج المسلمون في زمن التتر إلى قادة وأمراء صالحين، ومجاهدين
صادقين يدافعون عن أعراض المسلمين ودمائهم وبلادهم وممتلكاتهم يحتاج
المسلمون اليوم في بلاد الشام إلى قادة أمثال (المظفر قطز) كما يحتاجون إلى
علماء ناصحين يقولون بالحق وبه يعدلون ، أمثال العز بن عبدالسلام وابن
تيمية رحمهما الله ، وقيمة العالم تبرز في الأزمات، وحاجة الأمة إلى
العلماء الصادقين كمثل حاجتهم للقادة والأمراء الصالحين.
أيها المسلمون..مأساة المسلمين اليوم في أرض الشام مسؤولية المسلمين
جميعاً نصرةً وغوثاً، ودعاءً، ولا يجوز بحال أن تقتل الأنفس جهاراً، وتهدم
البيوت نهاراً..ولاتسلم المساجد من الأذى ، والمسلمون يتفرجون أو مجرد
حوقلة يحوقلون.. والله تعالى يقول: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”..
أما وقد اجتمع على إخواننا في سوريا قسوة العدو، وشدة البرد، وقلة
الطعام، وانقطاع الكهرباء والفقر، والمسغبة، والمرض، والتهجير، والإبادة
والمكر، ومؤازرة الباطنيين ومكر المنافقين، فلا مفرّ من العون والنصرة..
وكلٌ بقدره، لإنقاذ ما تبقى من شعب حكم عليه نظامٌ مستبدٌ بالموت!
يا عباد الله والمواساة في ديننا وحضارتنا لها شأن عظيم ونماذج رائعة..
وقد عدّ ابن القيم ـ رحمه الله ـ أنواعاً من المواساة للمؤمنين ونماذج لها
فقال: هي أنواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة،
ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار ومواساة بالتوجع
للمحتاجين .. ثم قال: وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة وكلما ضعف
الإيمان ضعفت المواساة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس
مواساةً لأصحابه بذلك، ولأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له.. ثم ذكر ابن
القيم نموذجاً لمواساة أتباع النبي صلى الله عليه وسلمفقال: دخلوا يوماً
على بشر الحافي في يوم شديد البرد، وقد تجرد وهو ينتفض، فقالوا: ماهذا يا
أبا نصر؟فقال: ذكرت الفقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم فأحببت أن أواسيهم
في بردهم (الفوائد 224 عن نضرة النعيم 8/3459).
وأبلغ من ذلك وأعظم مارواه البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود
(صاحب حاجة ومشقة وسوء عيش) فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق
ماعندي إلا ماءٌ، ثم أرسل إلى أخرى فقالت: مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك
(لا والذي بعثك بالحق ماعندي إلا ماءٌ) فقال: من يضيف هذا الليلة رحمه
الله؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يارسول الله، فانطلق به إلى رحْله
فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء،
فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى
السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى
الله عليه وسلم ، فقال: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة. (في الفتح
3798/7) م (2054).
أيها المؤمنون..نحن اليوم نملك ـ بحمد الله ـ ما نطعم به أهلنا والمحتاج
من إخواننا، والمجهدون اليوم ليس واحداً بل بالملايين، والحاجة ليست إلى
الطعام والشراب فحسب، بل إلى توفير الأمن للخائفين، والدواء للمرضى
والمعاقين، وبناء المساكن لمن هدمت مساكنهم…الخ الحاجيات الملحة. ولكم في
رسول الله أسوة حسنة.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ويطعمون الطعام على
حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً
ولا شكوراً، إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً…}.
الخطبة الثانية:
وبعد فليس هذا استكمالاً لصورة المأساة في سوريا، لكنها إلماحة يعلم
الناس أكثر منها، ولكن المهم الدروس والعبر التي تفرزها الأحداث الدامية في
سوريا، وتؤكدها مجريات الأحداث عموماً ومن أبرزها:
1.إن أهل الباطل يقفون صفاً واحداً ضد أهل الحق.. وإن التحالف العقدي
والتقارب المذهبي إن خفي في أزمان الرخاء ففي أزمان الشدائد ينكشف، وإلا
فأي علاقة عرقية وأي سبب للنسب بين النصيرية في سوريا والرافضة الفرس في
إيران.. لولا التقارب العقدي والتشابه المذهبي، والشعور بالخطر على أهدهما
إذا حوصر الآخر وحين يتحالف المبطلون فأهل الحق أولى بتذكير مستلزمات
الولاء والبراء. وأمن المنطقة سيتأثر سلباً أو ايجاباً بأحداث سوريا.
2.أما أصحاب الجوار فمؤسف أن يؤازر حزب (اللات) سفاك سوريا .. على حين
يبقى على الحياد بعض أهل السنة في دول الجوار وهم يرون ما يفعل بإخوانهم من
قتل وتشريد وإبادة وتهجير!
3.وحي تعِد الجامعة العربية بإيجاد قوة عسكرية لحماية المدنيين العزّل
في سوريا فمتى يرى هذا القرار النور؟ وهل يتأخر حتى تزداد حجم الخسائر،
وتزهق المزيد من الأرواح؟
4.وماذا عن الإغاثة دولياً وإسلامياً وعربياً لشعب سوريا وهم يفقدون أهم ضرورات الحياة من الماء والدواء والطعام والمسكن!
5.وماذا كذلك عن الإغاثة الشعبية وفتح المجال أمام أهل الإحسان ليحسنوا
إلى من به حاجة للإحسان، لا سيما وقد أعلنت بعض الهيئات الإسلامية
استقبالها للتبرعات للسوريين اللاجئين، كالندوة العالمية للشباب الإسلامي.
6.ومما يدعو إلى التسريع بالإغاثة والنجدة من قبل المسلمين، أن المجتمع
الدولي ـ ورغم الوعود ـ لا يزال تاركاً للنظام البعثي الفرصة كي يقتل ويدمر
ويمعن في الإبادة، ولا يبدو أن كلفة الدم وقد ناهزت العشرة آلاف قتيل،
وأضعافها من الجرحى، قد بلغت الحد الذي يدفع المجتمع الدولي إلى تحرك
استثنائي وعاجل لوقف كارثة مخيفة ومعلنة.. (الحياة 24/3/1433هـ).
وحين يطرح الغرب اليوم مسار (الممرات الدافئة)كمشروع مساعدة للشعب السوري فأين مشروع الإغاثة (الإسلامية) من قبل العالم الإسلامي؟
7.وحين لم يغب النثر المتوجع لمأساة سوريا ومدنها وشعبها، فلم يغب
الشِعر كذلك..وتلك أبيات من توجع الشعر على حمص يقول فحلها العشماوي:
معركة في شامنا حزينة قوّادها بحقدهم تشبّعوا
معركة تلفها عمامة سوداء فيها الضلال موضع
إني أقول والقوافي كلها لكل ما أقوله ترجّع
لا سلّم الله حروف شاعر تلهو وأمن شامنا تُزعزعُ
(جريدة الجزيرة 24/3/1433هـ)
8.أيها المسلمون ورغم الجراح والألم ونزيف الدم والتهجير فالثقة بنصر
الله وعد غير مكذوب، فالله لا يهدي كيد الخائنين ولا يصلح عمل المفسدين،
ولينصرن الله من ينصره، وكما أفلت أنظمة ظالمة وسقط جبارون فلا بد من جريان
السنّة الربانية في سوريا ولم يعد سراً أن تعلن عدد من الدوائر الغربية أن
أيام نظام الأسد في عدها التنازلي، وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون.
9.ولا بد هنا من الإشادة بصبر الشعب السوري، ولابد من إكبار المقاومة ضد
النصيريين، رغم القلة الذاتية، والخذلان، والجبروت والطغيان فللشعب السوري
منا تحية، وللمقاومين للبغي، علينا الدعاء والتسديد والنصرة
10.وكشفت الأحداث عن سقوط الأقنعة وانكشاف المنافقين، وغلِظ أكبادٍ لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وما تخفي صدورهم أكبر..
ولئن غاب الإيمان … فقد غاب حنان الإنسانية.. ولف الكون ظلم غاشم،
(وانتقائية) في التدخل أو التفرج، (وفيتوا) يقف إلى الظلم، ويشارك في
المأساة.. وكل هذا وذاك امتحان للمواقف، وتمييز للصفوف ليهلك من هلك عن
بينة ويحيى من حي عن بينة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وعسى الله أن يعجل
بالفرج من عنده، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء..
اللهم انصر دينك وعبادك المؤمنين، اللهم ارحم المتسضعفين في سوريا، وكن
لهم عوناً ونصيراً وانزع الملك من جبابرتها المعتدين، واجعل تدبيرهم
تدميراً عليهم ياحي ياقيوم.
جماعية وحرب طائفية، لا يستثنى منها النساء، ولا يُرحم الشيوخ والأطفال ،
قذيفتان في كل دقيقة على حمص، وحصار للعديد من المدن السورية حماة، وأدلب
والزيداني ودرعا، ودير الزور، وأحياء سكنية في دمشق وريفها، وحلب، وملايين
سوريين محاصرين داخل منازلهم يُمنعون الماء والكهرباء. إنها قتل لأنفس
بريئة، وتدمير لمساكن مؤهلة، واعتداءٌ على مساجد يذكر فيها اسم الله، آليات
حربية، ومدفعيات ثقيلة، وقناصة متسلطون، تخويف وإرهاب، ودماءٌ تنزف، وجثث
تتساقط.. فأي ضمير يسكت.. وبأي ذنب قُتلت وازهقت هذه الأرواح، ومن المسؤول
عن تدمير المساكن وإتلاف الممتلكات..
أي زمانٌ هذا؟وأي غُزاة أولئك؟ أيعود هولاكو؟ أم تتكرر مأساة التتر في
بلاد المسملين؟ أين ثمار الاجتماعات؟ وأين تفعيل قرارات المجالس والهيئات
والمنظمات؟ أليس بالمقدور وضع حد للمجرمين؟، والأخذ على أيدي السفهاء،
وإنهاء حرب الإبادة قبل النهاية؟ إنه وضع مأسوي يتخطى الوصف، يفرض على ضمير
العالم أن يستيقط ويتحرك وإذا كان الصلف النصيري اليوم، والتحالف الرافضي
ظاهراً في حرب الإبادة في سوريا، فالتاريخ يعيد نفسه.. وحين سقطت خلافة
المسلمين في بغداد وانتهت الدولة العباسية كان للرافضة دور فاعل مع التتر،
فالوزير ابن العلقمي هو الذي دبّر على الإسلام وأهله وأوقع من الأمر الفظيع
الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ أن بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات (كما يقول
الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية 13/191).
أما نصير الدين الطوسي فيكفي من نفاقه وخبثه أن هولاكو جعله مستشاره وفي
خدمته، وابن العلقمي، ونصير الدين الطوسي هما اللذان أشارا على هولاكو
بقتل الخليفة العباسي وعدم المصالحة معه (البداية والنهاية 13/192،191).
وهذا كله يعني ان للباطنيين من الروافض وغيرهم تاريخاً أسوداً مع أهل السنة في القديم والحديث.
ولم يكن الأم قصراً على ابن العلقمي والطوسي، فقد كان هناك منافقون
آخرون ذكرتهم كتب التاريخ، يكشفون للأعداء ماخفي، ويدلونهم على عورات
المسملين وهم مغموصون في عقائدهم، منحرفون في فكرهم، وقد ذكر ابن كثير أن
المسلمين حين انتصروا في (عين جالوت) وكُبت اليهود والنصارى والمنافقون،
وظهر دين الله وهم كارهون.. قتلت العامة (من أهل السنة) وسط أحد الجوامع في
بلاد الشام شيخاً رافضياً كان مصانعاً للتتار على أموال الناس يقال
له:الفخر محمد بن يوسف الكنجي، وكان خبيث الطوية.. كما قتلوا جماعة من
المنافقين.. (البداية والنهاية 13/210)
واليوم يتكرر المشهد وإن تغيرت الوجوه، ويتكرر الحقد والإبادة وإن تباعد
الزمان.ويكثر المنافقون المنتفعون وعلى حساب المستضعفين من المسلمين.
وكما احتاج المسلمون في زمن التتر إلى قادة وأمراء صالحين، ومجاهدين
صادقين يدافعون عن أعراض المسلمين ودمائهم وبلادهم وممتلكاتهم يحتاج
المسلمون اليوم في بلاد الشام إلى قادة أمثال (المظفر قطز) كما يحتاجون إلى
علماء ناصحين يقولون بالحق وبه يعدلون ، أمثال العز بن عبدالسلام وابن
تيمية رحمهما الله ، وقيمة العالم تبرز في الأزمات، وحاجة الأمة إلى
العلماء الصادقين كمثل حاجتهم للقادة والأمراء الصالحين.
أيها المسلمون..مأساة المسلمين اليوم في أرض الشام مسؤولية المسلمين
جميعاً نصرةً وغوثاً، ودعاءً، ولا يجوز بحال أن تقتل الأنفس جهاراً، وتهدم
البيوت نهاراً..ولاتسلم المساجد من الأذى ، والمسلمون يتفرجون أو مجرد
حوقلة يحوقلون.. والله تعالى يقول: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”..
أما وقد اجتمع على إخواننا في سوريا قسوة العدو، وشدة البرد، وقلة
الطعام، وانقطاع الكهرباء والفقر، والمسغبة، والمرض، والتهجير، والإبادة
والمكر، ومؤازرة الباطنيين ومكر المنافقين، فلا مفرّ من العون والنصرة..
وكلٌ بقدره، لإنقاذ ما تبقى من شعب حكم عليه نظامٌ مستبدٌ بالموت!
يا عباد الله والمواساة في ديننا وحضارتنا لها شأن عظيم ونماذج رائعة..
وقد عدّ ابن القيم ـ رحمه الله ـ أنواعاً من المواساة للمؤمنين ونماذج لها
فقال: هي أنواع: مواساة بالمال، ومواساة بالجاه، ومواساة بالبدن والخدمة،
ومواساة بالنصيحة والإرشاد، ومواساة بالدعاء والاستغفار ومواساة بالتوجع
للمحتاجين .. ثم قال: وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة وكلما ضعف
الإيمان ضعفت المواساة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس
مواساةً لأصحابه بذلك، ولأتباعه من المواساة بحسب اتباعهم له.. ثم ذكر ابن
القيم نموذجاً لمواساة أتباع النبي صلى الله عليه وسلمفقال: دخلوا يوماً
على بشر الحافي في يوم شديد البرد، وقد تجرد وهو ينتفض، فقالوا: ماهذا يا
أبا نصر؟فقال: ذكرت الفقراء وبردهم وليس لي ما أواسيهم فأحببت أن أواسيهم
في بردهم (الفوائد 224 عن نضرة النعيم 8/3459).
وأبلغ من ذلك وأعظم مارواه البخاري ومسلم واللفظ له عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني مجهود
(صاحب حاجة ومشقة وسوء عيش) فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق
ماعندي إلا ماءٌ، ثم أرسل إلى أخرى فقالت: مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك
(لا والذي بعثك بالحق ماعندي إلا ماءٌ) فقال: من يضيف هذا الليلة رحمه
الله؟ فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يارسول الله، فانطلق به إلى رحْله
فقال لامرأته هل عندك شيء؟ قالت: لا إلا قوت صبياني، قال: فعلليهم بشيء،
فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى
السراج حتى تطفئيه، قال: فقعدوا وأكل الضيف، فلما أصبح غدا على النبي صلى
الله عليه وسلم ، فقال: قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة. (في الفتح
3798/7) م (2054).
أيها المؤمنون..نحن اليوم نملك ـ بحمد الله ـ ما نطعم به أهلنا والمحتاج
من إخواننا، والمجهدون اليوم ليس واحداً بل بالملايين، والحاجة ليست إلى
الطعام والشراب فحسب، بل إلى توفير الأمن للخائفين، والدواء للمرضى
والمعاقين، وبناء المساكن لمن هدمت مساكنهم…الخ الحاجيات الملحة. ولكم في
رسول الله أسوة حسنة.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ويطعمون الطعام على
حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً
ولا شكوراً، إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً…}.
الخطبة الثانية:
وبعد فليس هذا استكمالاً لصورة المأساة في سوريا، لكنها إلماحة يعلم
الناس أكثر منها، ولكن المهم الدروس والعبر التي تفرزها الأحداث الدامية في
سوريا، وتؤكدها مجريات الأحداث عموماً ومن أبرزها:
1.إن أهل الباطل يقفون صفاً واحداً ضد أهل الحق.. وإن التحالف العقدي
والتقارب المذهبي إن خفي في أزمان الرخاء ففي أزمان الشدائد ينكشف، وإلا
فأي علاقة عرقية وأي سبب للنسب بين النصيرية في سوريا والرافضة الفرس في
إيران.. لولا التقارب العقدي والتشابه المذهبي، والشعور بالخطر على أهدهما
إذا حوصر الآخر وحين يتحالف المبطلون فأهل الحق أولى بتذكير مستلزمات
الولاء والبراء. وأمن المنطقة سيتأثر سلباً أو ايجاباً بأحداث سوريا.
2.أما أصحاب الجوار فمؤسف أن يؤازر حزب (اللات) سفاك سوريا .. على حين
يبقى على الحياد بعض أهل السنة في دول الجوار وهم يرون ما يفعل بإخوانهم من
قتل وتشريد وإبادة وتهجير!
3.وحي تعِد الجامعة العربية بإيجاد قوة عسكرية لحماية المدنيين العزّل
في سوريا فمتى يرى هذا القرار النور؟ وهل يتأخر حتى تزداد حجم الخسائر،
وتزهق المزيد من الأرواح؟
4.وماذا عن الإغاثة دولياً وإسلامياً وعربياً لشعب سوريا وهم يفقدون أهم ضرورات الحياة من الماء والدواء والطعام والمسكن!
5.وماذا كذلك عن الإغاثة الشعبية وفتح المجال أمام أهل الإحسان ليحسنوا
إلى من به حاجة للإحسان، لا سيما وقد أعلنت بعض الهيئات الإسلامية
استقبالها للتبرعات للسوريين اللاجئين، كالندوة العالمية للشباب الإسلامي.
6.ومما يدعو إلى التسريع بالإغاثة والنجدة من قبل المسلمين، أن المجتمع
الدولي ـ ورغم الوعود ـ لا يزال تاركاً للنظام البعثي الفرصة كي يقتل ويدمر
ويمعن في الإبادة، ولا يبدو أن كلفة الدم وقد ناهزت العشرة آلاف قتيل،
وأضعافها من الجرحى، قد بلغت الحد الذي يدفع المجتمع الدولي إلى تحرك
استثنائي وعاجل لوقف كارثة مخيفة ومعلنة.. (الحياة 24/3/1433هـ).
وحين يطرح الغرب اليوم مسار (الممرات الدافئة)كمشروع مساعدة للشعب السوري فأين مشروع الإغاثة (الإسلامية) من قبل العالم الإسلامي؟
7.وحين لم يغب النثر المتوجع لمأساة سوريا ومدنها وشعبها، فلم يغب
الشِعر كذلك..وتلك أبيات من توجع الشعر على حمص يقول فحلها العشماوي:
معركة في شامنا حزينة قوّادها بحقدهم تشبّعوا
معركة تلفها عمامة سوداء فيها الضلال موضع
إني أقول والقوافي كلها لكل ما أقوله ترجّع
لا سلّم الله حروف شاعر تلهو وأمن شامنا تُزعزعُ
(جريدة الجزيرة 24/3/1433هـ)
8.أيها المسلمون ورغم الجراح والألم ونزيف الدم والتهجير فالثقة بنصر
الله وعد غير مكذوب، فالله لا يهدي كيد الخائنين ولا يصلح عمل المفسدين،
ولينصرن الله من ينصره، وكما أفلت أنظمة ظالمة وسقط جبارون فلا بد من جريان
السنّة الربانية في سوريا ولم يعد سراً أن تعلن عدد من الدوائر الغربية أن
أيام نظام الأسد في عدها التنازلي، وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون.
9.ولا بد هنا من الإشادة بصبر الشعب السوري، ولابد من إكبار المقاومة ضد
النصيريين، رغم القلة الذاتية، والخذلان، والجبروت والطغيان فللشعب السوري
منا تحية، وللمقاومين للبغي، علينا الدعاء والتسديد والنصرة
10.وكشفت الأحداث عن سقوط الأقنعة وانكشاف المنافقين، وغلِظ أكبادٍ لم يتمكن الإيمان من قلوبهم، وما تخفي صدورهم أكبر..
ولئن غاب الإيمان … فقد غاب حنان الإنسانية.. ولف الكون ظلم غاشم،
(وانتقائية) في التدخل أو التفرج، (وفيتوا) يقف إلى الظلم، ويشارك في
المأساة.. وكل هذا وذاك امتحان للمواقف، وتمييز للصفوف ليهلك من هلك عن
بينة ويحيى من حي عن بينة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد، وعسى الله أن يعجل
بالفرج من عنده، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء..
اللهم انصر دينك وعبادك المؤمنين، اللهم ارحم المتسضعفين في سوريا، وكن
لهم عوناً ونصيراً وانزع الملك من جبابرتها المعتدين، واجعل تدبيرهم
تدميراً عليهم ياحي ياقيوم.