الحروب لا ينتصر فيها المتفرّقون 267690_10150727951965727_420796315726_19826193_7662421_n
مجاهد مأمون ديرانية
28-1-2012


يمكن لجماعات صغيرة أو مستقلة أن تخوض معارك وأن تنتصر فيها، أما الحروب فإن من بديهيات الإستراتيجية العسكرية أنها لا تنتصر فيها إلا الجيوشُ التي تجتمع في كيان واحد وتحت قيادة مركزية، سواء أكانت حروباً نظامية أم حروبَ عصابات. قبل أن نمضي في الموضوع يجب أن ندرك الفرق بين المعركة والحرب؛ وليس الفرق بينهما في تفاوت حجم القوات المشاركة بين كبير وصغير، بل في الاقتصار على جبهة واحدة أو الانتشار على جبهات متعددة.

مثلاً المؤرخون العسكريون يعتبرون نزول الحلفاء في نورمندي في السادس من حزيران عام 1944 “معركة” (أو حملة) مع أن عدد القوات التي تم إبرارها (إنزالها إلى البر) زاد على مليون جندي بمشاركة 12 ألف طائرة وسبعة آلاف سفينة. لقد كانت معركة من أكبر معارك التاريخ، ولكنها ليست حرباً، الحرب هي التي كانت تجري على الجبهات كلها -في فرنسا وبلجيكا وأوربا الشرقية وشمال إفريقيا وبورما والصين والمحيط الهادي- وكانت معركة نورمندي جزءاً منها، وإن يكن الجزء الأكبر.

إن المعركة تدور على جبهة واحدة أو ضمن منطقة محدودة، وتقتصر مهمة القوة المشاركة فيها على الظفَر والسيطرة على تلك المنطقة تحديداً، فتستثمر فيها كل ما تملكه من قوة وإمكانيات، أما الحرب فتدور على جبهات عديدة ويكون هدفها هزيمة العدو ودفعه إلى الاستسلام، ولا تبالي قيادتُها بخسارة بعض المعارك في سبيل الانتصار في الحرب كلها؛ لذلك يمكن أن تضحي ببعض المناطق في سبيل تخفيف الضغط عن الجبهة الرئيسية، كما صنع الروس في سيباستوبول في الحرب العالمية الثانية مثلاً، حيث ضحوا بالمدينة لإعاقة الهجوم الألماني على ستالينغراد، وقد تُعرّضُ القيادة بعضَ القوات للخطر لحماية القوة الرئيسية، كما صنع الأميركان عندما انسحبوا من لوزون -بعد ضرب الأسطول في خليج اللؤلؤ (بيرل هاربر)- وركزوا دفاعاتهم اليائسة في باتان لتأخير الاكتساح الياباني وقتاً يسمح بسحب القوة الأميركية الرئيسية من الفلبين، وقد اضطر الجنرال ماك آرثر للتضحية بحامية باتان المكوّنة من بضعة وسبعين ألف جندي لتأمين ذلك الانسحاب.

إن التخطيط للحرب يحتاج إلى قيادة موحدة لأن العدو يتحرك ضمن خطة واحدة على جميع جبهات القتال، ولا بد من مواجهته على الجبهات كلها بالطريقة ذاتها. لنأخذ حالة واقعية في ثورتنا المباركة: قبل عدة أشهر هاجم النظامُ مدينةَ الرستن فاستنفر الجيشُ الحر في المنطقة كتائبَه كلها للدفاع عنها، وبعد ذلك اقتحم النظام حي بابا عمرو في حمص فانشغلت قوات الجيش الحر في حمص بمعركة بابا عمرو، وفي وقت لاحق هاجم النظام القوريّة المجاهدة الصامدة (التي لم تستوفِ ما تستحقه من اهتمام وتغطية في إعلام الثورة حتى الآن)… وهكذا يحدد النظامُ مكانَ المعركة، والجنود الأحرار لا يصنعون سوى الدفاع عن المنطقة التي تتعرض للهجوم.

عندما ينقل جيش الاحتلال الأسدي المعركة من منطقة إلى أخرى فإنه يَضطر كتائبَ الجيش الحر المحلية إلى الانشغال في معارك متفرقة. وبما أن النظام فقد السيطرة الكاملة على وحداته العسكرية وصار الانشقاق هاجساً دائماً يؤرّقه فإنه يعتمد على تحريك القوات الموالية ونقلها باستمرار، كألوية الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة وأفواج القوات الخاصة الطائفية التركيب والشديدة الولاء، ومن ثم فإنه لن يستطيع توجيه ضربات مؤثرة لكل المناطق في وقت واحد، وإنما هو يضربها على التوالي، واحدةً بعد واحدة.

في غياب القيادة الموحدة لكتائب الجيش الحر كان رد فعل تلك الكتائب متوقّعاً وطبيعياً، حيث قامت فقط بالدفاع عن المناطق التي تتعرض للهجوم، أما لو كانت كلها ضمن كيان موحد وقيادة واحدة فإن القيادة كانت ستحرك عدة جبهات في وقت واحد لشغل العدو وتشتيته، ففي حالة الهجوم على الرستن -على سبيل المثال- يمكن ترك حامية صغيرة للمشاغلة هناك وشن هجوم كبير على الكتائب الأسدية في حماة لتحريرها بالكامل، مع شن هجمات مركّزة وخاطفة في مناطق متفرقة من حوران وريف دمشق وريف حلب وإدلب مثلاً، على أن تكون العمليات كلها في الوقت نفسه لإرباك العدو وإجباره على إعادة توزيع قواته.

مثال آخر على ضرورة وجود القيادة الموحدة هو الحاجة الملحّة والقيمة الإستراتيجية لضرب خطوط إمداد قوات النظام. حتى الآن ما زال العدو قادراً على نقل قواته ونقل الإمدادات اللازمة لها بلا أي إزعاج يُذكَر، مع أن من بديهيات الحرب أن تُقطَّع قوات العدو إلى أوصال منفصلٍ بعضُها عن بعض وأن تُعطَّل خطوط إمداده لحرمانه من تعويض ما ينقص من الذخائر اللازمة للقتال، والوقود اللازم لسير المركبات، والغذاء اللازم لقدرة الأفراد على البقاء، أما بقاء خطوط الإمداد سليمة كما هي الآن فإنه يمنح قوات العدو قدرة على القتال إلى الأبد.

إلى الآن ما تزال الطرق الدولية في سوريا سليمة وآمنة، وكذلك أكثر الطرق الفرعية بين المحافظات، وأيضاً الشريان الواصل بين الموانئ الرئيسية وساحات الحرب، وكل ذلك يتيح للعدو نقل قواته بسرعة وسهولة ومدّها بما يساعدها على القتال، ويتيح له تلقّي المدد عن طريق البحر وتوزيعه على ساحات الحرب، وهي مشكلة ستُحَلّ حينما تكون العمليات العسكرية صادرة كلها عن جهة واحدة وضمن تخطيط مركزي، حيث ستوضَع خطط لتخريب تلك الخطوط وقطع الاتصال بين القطع العسكرية وشل قدرتها على الحركة جزئياً أو كلياً.

* * *

الخلاصة: عندما يتولى جيشٌ موحد المسؤوليةَ عن كافة الأعمال القتالية فإنه سيخوض ضد النظام حرباً واسعة شاملة بدلاً من معارك صغيرة متفرقة، حيث ستقوم قيادته العامة بالمهمات التالية:

(1) تحديد إستراتيجية المعركة ووضع خططها العامة، وتوزيع الخطط التكتيكية على المناطق لكي تنفّذها الوحداتُ المقاتلة الفرعية، حيث تنفذ كلُ وحدة في منطقتها ما يخصّها من خطة الحرب الإجمالية.

(2) توزيع القوات على المناطق المختلفة، ويمكن للقيادة أن تتخذ القرار اللازم بنقل بعض الوحدات من منطقة إلى أخرى (مع اعترافنا بصعوبة انتقال القوات في الظروف الراهنة).

(3) توزيع الموارد بما يتناسب وطبيعة المعركة، وهذه الموارد تشمل المال والسلاح والذخائر والأجهزة الطبية والأدوية والأطعمة والألبسة ووسائل النقل، مع أخذ أعداد المقاتلين ولزوم المعارك بعين الاعتبار.

(4) تشكيل الأسلحة الموحّدة التي تستفيد منها كافةُ الوحدات المقاتلة في المناطق، وهي أسلحة الإشارة والاتصالات، والتموين والنقل، والهندسة (المتفجرات والألغام)، بالإضافة إلى خدمات الاستخبارات والتجنيد والتدريب.

(5) تطبيق قواعد الانضباط العسكري وحماية العمل العسكري من تسلل العصابات التي أطلق النظام سراحَ مجرميها من السجون حديثاً، وحمايته من اختراق أجهزة المخابرات، وهاتان النقطتان ستبحثهما بالتفصيل المقالتان الآتيتان إن شاء الله.