سجن النساء بدوما

جدار متوسط الارتفاع مطلي بعبارات الثورة التي يئست من محوها فراشي رجال الأمن ، وباب حديدي تناقض شبابيكه المكسرة صلابته
الظاهرة و زجاج محطم في موضع احتلته سابقاً صورة كبيرة للرئيس الأسد .
خلف هذه المشاهد تغيب معالم سجن النساء في دوما أكبر مدن الريف الثائر ضد النظام السوري …
يرجع الأهالي تاريخ هذا البناء إلى الوجود الفرنسي في سوريا ، ويذكرون اعتقال بعض الثوار فيه ، بينما يحتل ذكرى أحدث لا تقل إيلاماً
في ذاكرة معظم الناشطات السياسيات في سوريا من معتقلات ربيع دمشق المخضرمات فداء حوراني وسهير الأتاسي وناهد بدوية ، إلى
معتقلات اعتصام وزارة الداخلية خلال بدايات الثورة في آذار الماضي .
سجلت دوما دخولها في خريطة الثورة السورية مبكراً جداً منذ 25 آذار بمظاهرة كبيرة تحولت لاعتصام استمر حتى منتصف الليل حيث
تم فضه بعنف كبير وجرح عدد من المعتصمين من قبل قوات الأمن مستعينة بكتيبة حفظ النظام المتمركزة بضاحية حرستا القريبة
تبع ذلك يوم الجمعة 1 نيسان ما عرف بمجزرة دوما التي سقط ضحيتها 8 شهداء …
خلال الأشهر التالية دخلت المدينة بقوة أكثر على خط الثورة و خرجت فيها تظاهرات كبيرة قوبلت بالرصاص ، وفي عدة مرات كان المتظاهرون
يصبون غضبهم على مبنى السجن باعتباره – نظراً لموقعه في وسط المدينة – الممثل الأقرب جغرافياً للسلطة التي تقتلهم
وأصبحت جدرانه من المواقع المفضلة للظاهرة التي تسمى “الرجل البخاخ” ، ليخط العبارات المناوئة للنظام في كل مظاهرة متحدياً السلطة في رمز قوتها
صرّحت لاحقاً بعض المعتقلات عن فرحتهن الغامرة يوم سمعن – من داخل زنزانات هذا السجن – صوت أول مظاهرة خرجت في دوما ضد
النظام ، والتي مرت بجواره تماماً.
لاحقاً لجأت السلطة لنقل السجينات منه ، ثم أخلته تماماً حتى من عناصر الحراسة وهو الآن مبنى فارغ يتحرّاه المتظاهرون في كل مرة خشية وجود القناصة.

على بعد أمتار قليلة من مبنى السجن السابق، احتلّ الأمن العسكري السوري بقيادة رستم غزالة ، ومنذ خروجه من لبنان ، مبنى تابع لبناء محكمة دوما التاريخي
والذي ضم سكناً للقضاة ، واتخذ منه مقراً له في المدينة … وكان منذ ما قبل اندلاع الثورة السورية منطلقاً لعناصر
الأمن لمضايقات سجلت بحق المواطنين في الجوار ، ومقراً لاحتجاز وتعذيب المعتقلين .
مرت بجوار هذا المبنى أيضاً ، مظاهرة آذار تلك ولم يقل تأثيرها في حراسه عن تأثيرها في معتقلات الثورة رغم تناقضه التام .
وأصبح تدريجياً ، خط الدفاع الأول والأكثر شراسة وإجراماً للسلطة بحق المتظاهرين ، اذ تمترست فيه عناصر الأمن وأطلقت النار على
المظاهرات التي تتجه نحو ساحة البلدية الرئيسية في المدينة ، مارة بالشارع القريب من المبنى ووثّق الناشطون بالفيديوهات أحد الاعتداءات تلك وكان على تشييع
لأحد شهداء الثورة ،
أطلق عليه عناصر الامن النار من هذا المبنى فقتلوا شقيق الشهيد المشيَّع ، ما أثار غضب الأهالي بشكل كبير وردوا بإمطار المبنى
بالحجارة وحاولوا اقتحامه فجن جنون العناصر وبدؤوا باطلاق الرصاص بشكل عشوائي وقتلوا عدداً آخر وأحرقوا مبنى المحكمة المجاور والفارغ
ليتهموا المتظاهرين بالتخريب و يتذرعوا بذلك ليدخل الجيش والأمن مقتحماً المدينة بشكل كامل ومنتشراً في كل أحيائها في اليوم التالي واضعاً حداً
للمظاهرات الضخمة التي شهدتها دوما والتي خرجت إحداها من المدينة لتصل إلى مشارف ساحة العباسين بدمشق .
بعد انسحاب الجيش والأمن عادت المدينة للتظاهر ، وعزّز الأمن تحصيناته بجوار المبنى محولاً المنطقة بأكملها لثكنة ومغلقاً الطريق المار
بجوارها … ثم قام بعد أشهر بإخلاء المبنى، وأعاده لخدمة محكمة دوما والقضاء فيها .

فديو للسجن