8/1/2012
حماس: كلمة حق وإنصاف
مجاهد مأمون ديرانية
لم أعلم -حين نشرت أمس رسالتي إلى الأخ خالد مشعل- أيّ غضب كان مكتوماً محبوساً وراء الباب، وكأن الرسالة فتحت ذلك الباب فتدفق الغضب كالسيل، منه ما وصلني في رسائل شخصية ومنه ما نُشر تعليقاتٍ على المقالة، بعضها أنصف وبعضها ابتعد عن الإنصاف، فبدأتُ بالجواب عليها فُرادى، ثم رأيت أن الأمر يطول ويشقّ عليّ، فأحببت أن أنشر الجواب عاماً ليقرأه من شاء كما نشرتُ المقالة الأصلية نشراً عاماً فقرأها من شاء.
بعض الإخوة الذين علّقوا على المقالة بلغ بهم الانفعال مبلغاً حملهم على ذمّ كل فريق إسلامي في كل بلد عربي على الإطلاق، ولهؤلاء أقول: أرجو أن لا يدفعنا الغضب والضيق إلى ظلم غيرنا، فكما أننا نأبى أن نُظلَم فكذلك لا ينبغي أن نَظلم؛ ما أبشعَ أن ينقلب المظلومون ظالمين!
لقد كشفت ثورةُ سوريا المباركة مواقفَ الناس وميّزت الخبيث من الطيب، فرأينا أن مَن وقف معنا في كل مكان هم الإسلاميون والإسلاميون فقط؛ أليسوا هم مَن حشد لدعم الثورة السورية الحشودَ في الأردن ولبنان؟ أليسوا هم من تصدى كتّابُهم ونقابيّوهم لشبيحة النظام الأسدي في البلدَين وفي سائر البلدان؟ مَن وقف مع الثورة السورية في الكويت والسعودية والبحرين ومصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب غيرُ الإسلاميين؟ ومَن كان المدافعون عن النظام الأسدي سوى اليساريين والشيوعيين والبعثيين والقوميين؟
لقد أثبتت هذه الثورة المباركة -كما أثبتت أحداثٌ جِسام سبقتها- أن الأمة المسلمة جسد واحد، لا يُصاب منه عضو إلا انتفض نجدةً وانتصاراً له سائرُ الجسد، وأن الإسلاميين -على اختلاف أشكالهم وانتماءاتهم- هم طليعةُ الأمة في النجدة والانتصار.
أمّا حماس فما عرفناها -منذ عرفناها- إلا جماعة مجاهدة صابرة على الحق حين انفَضّ عن الحق أكثر الخلق، وما عرفنا أحداً من أصحابها، من أبي الوليد وغيره، إلا قدّم لله ولفلسطين أكثرَ ما يستطيع أن يقدمه امرؤ لأمته فيما نحسب، والله حسيبهم. فمِن أين جاءت هذه التهمة الغريبة التي قرأتُها في غير قليل من التعليقات: أنهم من الذين باعوا آخرتهم في سبيل دنياهم أو أنهم ركبوا مركب الثورة لمكاسب ومآرب ومناصب وامتيازات؟ وأيَّ كسب جَنَوه وهم مُشَرّدون مُشتّتون وقد كانوا يملكون -لو شاؤوا- أن يستقروا في أي بلد من أفضل البلدان؟ أمَا إن المكاسب تأبى إلا أن تَمُدّ أعناقها، ودونكم رجال “السلطة”، انظروا كم يملكون من الدور والقصور والسيارات والدولارات والشركات، ثم انظروا إلى رئيس وزراء الحكومة الشرعية (ويسمّونها “المُقالة” زوراً) في غزة: أين يسكن وما هي ثروات أبنائه؟ فأما مسكنه فلا يرضاه لنفسه من قرّاء هذه المقالة تسعةٌ من كل عشرة، وأما الأولاد فمنهم من يطارده اليهود ومنهم من سكن اللحود.
إن “حماس” تجتمع مع حزب الله في المصير بعد سقوط النظام السوري، لأنها لم تجد من يؤويها -للأسف- سواه، ومع ذلك انظروا إلى الفرق الهائل بين موقفها وموقف حزب الله: الحزب دعم نظام الأسد بكل شيء وحارب الشعب السوري بكل شيء، وحماس رفضت حتى أن تسيّر مظاهرة مؤيدة للنظام في مخيمات اللاجئين، ورفضت الاستجابة للطلب الإيراني والضغط الإيراني بإعلان موقف داعم للنظام. كم بين الفريقين!
لنعترفْ بالحق، فالحق ينبغي أن يُجهَر به: إن صمت حماس في الشهور الماضية هو بحد ذاته موقف إيجابي، فقد أبَتْ أن تقف مع النظام لا في السرّ ولا في العلن، وأصرّت على الحياد الظاهر لأنها لا تملك أكثر منه، وكنا نتمنى فقط أن تستمر على ذلك الموقف ولا تُعلن رأياً يوحي بأن النظام والشعب متساويان في الميزان. هذا هو ما أخذناه على الأخ أبي الوليد في الأسبوع الأخير وما وددنا أن لا يقوله ولا يفعله، وهو ما نتمنى أن لا يقوله ولا يفعله من الإخوة في حماس أحدٌ منذ اليوم.
* * *
يا أيها السادة: أنا لا أتكلف الدفاع عن حماس ولست واحداً من أهلها، ويشرّفني لو كنت كذلك، ولا يربطني بها سوى ما يربط بها أكثرَ القراء: حبّ وفخر ودعاء. لا أتكلف الدفاع عنها، ولكني لا أرضى لها الظلم كما لا أرضاه لثورتنا المباركة. ثم إن من حق اليتيم على اليتيم أن يكون الواحدُ منهما رِدءاً للآخر، ونحن وحماس في اليُتم سواء، فكما تخلى العالم عنا تخلى العالم عنهم، وكما تُركنا لنواجه وحدَنا نظامَ احتلال مجرم تُركوا هم ليواجهوا وحدَهم نظامَ احتلال مجرم، فلنكن لحماس ردءاً وناصراً ولنطلب منها أن تكون لنا ردءاً وناصراً، ولنجتمع كلانا ونضع اليد في اليد في مواجهة ظلم البُعَداء وتخلّي الأقرباء والأصدقاء. هذه دعوة للطرفين معاً، لحماس وللثورة السورية، المنصورتين جميعاً بإذن الله.
إننا نستسهل لوم حماس ولوم أبي الوليد، ولا نكاد نذكر أن الأمة تخلت عنه وعن قضيته وقضيتها الكبرى، قضية فلسطين، حتى إذا مُدَّت إليهم يدٌ بمساعدة لم يستطيعوا رفض المساعدة، ليس من أجل أنفسهم ولكن من أجل شعب يموت على عين الدنيا والدنيا صامتةٌ صمتَ سكّان القبور. أترون -لو أن المسلمين كَفَوا حماس مؤونتها- أن القوم كانوا وجّهوا وجوههم شطر إيران أو شطر نظام الأسد المجرم؟ لقد تخلينا عن القضية وتخلينا عن حماس طَوال السنين، ثم جئنا نلومهم اليوم! ألا يطلب بعضُنا اليومَ النجدةَ من أميركا، وأميركا هي العدو الذي غزا ودمر البلدَ الشقيق والجار القريب، العراق العربي المسلم، وقتل وشرد من أهله المسلمين ملايين؟ أليس ثوّار سوريا أعلنوا ذات يوم استعدادهم للتحالف مع الشيطان؟ إن الغريق يتشبث بيد الشيطان لو مدّ يدَه لانتشاله من الغرق الشيطان! ليس مَن يغلي في القدور كمن يشرب الماء والعصير.
يا أيها السادة: إنما نعتب على حماس على قَدْر المحبة، ولو شئتُ لأرسلت الرسالة إلى أبي الوليد من حيث لا يقرؤها أحد سواه، ولكنْ لِيعلمَ الناس أنّا نرجو من إخوتنا ما لا نرجوه من سواهم، فإنا قد نفضنا اليدَ من أدعياء المقاومة المزيفين وبقي الأمل معقوداً على المجاهدين الصادقين من أمثالهم. ولعلهم يخطئون ويزلّون فإن دروبَ السياسة مزالقُ الحكماء، وإنا لنختلق لهم العذر في المرة بعد المرة، ولكن ما كلَّ مرة تَسلم الجرّة، لذلك ننصحهم ونذكّرهم، وندعو لهم الله أن يسدد رأيهم وأن يدلهم على منهج الحق وطريق الصواب، وأن يثبّتهم عليه ويجزل لهم الثواب.
يا أيها الإخوة في حماس: هذا ما نرجوه منكم وهذا ما نرجوه لكم. غداً سيطوي التاريخُ الأسدَ المجرم ونظامَه الملوّث بدماء الشهداء، فاعملوا لذلك اليوم منذ اليوم لِنشتركَ معاً في قطف ثمار الانتصار، وتذكروا أن الطريق إلى القدس يمر من دمشق، والطريقُ مغلَقٌ لن يفتحَه إلا زوالُ بشار وحكم بشار.
حماس: كلمة حق وإنصاف
مجاهد مأمون ديرانية
لم أعلم -حين نشرت أمس رسالتي إلى الأخ خالد مشعل- أيّ غضب كان مكتوماً محبوساً وراء الباب، وكأن الرسالة فتحت ذلك الباب فتدفق الغضب كالسيل، منه ما وصلني في رسائل شخصية ومنه ما نُشر تعليقاتٍ على المقالة، بعضها أنصف وبعضها ابتعد عن الإنصاف، فبدأتُ بالجواب عليها فُرادى، ثم رأيت أن الأمر يطول ويشقّ عليّ، فأحببت أن أنشر الجواب عاماً ليقرأه من شاء كما نشرتُ المقالة الأصلية نشراً عاماً فقرأها من شاء.
بعض الإخوة الذين علّقوا على المقالة بلغ بهم الانفعال مبلغاً حملهم على ذمّ كل فريق إسلامي في كل بلد عربي على الإطلاق، ولهؤلاء أقول: أرجو أن لا يدفعنا الغضب والضيق إلى ظلم غيرنا، فكما أننا نأبى أن نُظلَم فكذلك لا ينبغي أن نَظلم؛ ما أبشعَ أن ينقلب المظلومون ظالمين!
لقد كشفت ثورةُ سوريا المباركة مواقفَ الناس وميّزت الخبيث من الطيب، فرأينا أن مَن وقف معنا في كل مكان هم الإسلاميون والإسلاميون فقط؛ أليسوا هم مَن حشد لدعم الثورة السورية الحشودَ في الأردن ولبنان؟ أليسوا هم من تصدى كتّابُهم ونقابيّوهم لشبيحة النظام الأسدي في البلدَين وفي سائر البلدان؟ مَن وقف مع الثورة السورية في الكويت والسعودية والبحرين ومصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب غيرُ الإسلاميين؟ ومَن كان المدافعون عن النظام الأسدي سوى اليساريين والشيوعيين والبعثيين والقوميين؟
لقد أثبتت هذه الثورة المباركة -كما أثبتت أحداثٌ جِسام سبقتها- أن الأمة المسلمة جسد واحد، لا يُصاب منه عضو إلا انتفض نجدةً وانتصاراً له سائرُ الجسد، وأن الإسلاميين -على اختلاف أشكالهم وانتماءاتهم- هم طليعةُ الأمة في النجدة والانتصار.
أمّا حماس فما عرفناها -منذ عرفناها- إلا جماعة مجاهدة صابرة على الحق حين انفَضّ عن الحق أكثر الخلق، وما عرفنا أحداً من أصحابها، من أبي الوليد وغيره، إلا قدّم لله ولفلسطين أكثرَ ما يستطيع أن يقدمه امرؤ لأمته فيما نحسب، والله حسيبهم. فمِن أين جاءت هذه التهمة الغريبة التي قرأتُها في غير قليل من التعليقات: أنهم من الذين باعوا آخرتهم في سبيل دنياهم أو أنهم ركبوا مركب الثورة لمكاسب ومآرب ومناصب وامتيازات؟ وأيَّ كسب جَنَوه وهم مُشَرّدون مُشتّتون وقد كانوا يملكون -لو شاؤوا- أن يستقروا في أي بلد من أفضل البلدان؟ أمَا إن المكاسب تأبى إلا أن تَمُدّ أعناقها، ودونكم رجال “السلطة”، انظروا كم يملكون من الدور والقصور والسيارات والدولارات والشركات، ثم انظروا إلى رئيس وزراء الحكومة الشرعية (ويسمّونها “المُقالة” زوراً) في غزة: أين يسكن وما هي ثروات أبنائه؟ فأما مسكنه فلا يرضاه لنفسه من قرّاء هذه المقالة تسعةٌ من كل عشرة، وأما الأولاد فمنهم من يطارده اليهود ومنهم من سكن اللحود.
إن “حماس” تجتمع مع حزب الله في المصير بعد سقوط النظام السوري، لأنها لم تجد من يؤويها -للأسف- سواه، ومع ذلك انظروا إلى الفرق الهائل بين موقفها وموقف حزب الله: الحزب دعم نظام الأسد بكل شيء وحارب الشعب السوري بكل شيء، وحماس رفضت حتى أن تسيّر مظاهرة مؤيدة للنظام في مخيمات اللاجئين، ورفضت الاستجابة للطلب الإيراني والضغط الإيراني بإعلان موقف داعم للنظام. كم بين الفريقين!
لنعترفْ بالحق، فالحق ينبغي أن يُجهَر به: إن صمت حماس في الشهور الماضية هو بحد ذاته موقف إيجابي، فقد أبَتْ أن تقف مع النظام لا في السرّ ولا في العلن، وأصرّت على الحياد الظاهر لأنها لا تملك أكثر منه، وكنا نتمنى فقط أن تستمر على ذلك الموقف ولا تُعلن رأياً يوحي بأن النظام والشعب متساويان في الميزان. هذا هو ما أخذناه على الأخ أبي الوليد في الأسبوع الأخير وما وددنا أن لا يقوله ولا يفعله، وهو ما نتمنى أن لا يقوله ولا يفعله من الإخوة في حماس أحدٌ منذ اليوم.
* * *
يا أيها السادة: أنا لا أتكلف الدفاع عن حماس ولست واحداً من أهلها، ويشرّفني لو كنت كذلك، ولا يربطني بها سوى ما يربط بها أكثرَ القراء: حبّ وفخر ودعاء. لا أتكلف الدفاع عنها، ولكني لا أرضى لها الظلم كما لا أرضاه لثورتنا المباركة. ثم إن من حق اليتيم على اليتيم أن يكون الواحدُ منهما رِدءاً للآخر، ونحن وحماس في اليُتم سواء، فكما تخلى العالم عنا تخلى العالم عنهم، وكما تُركنا لنواجه وحدَنا نظامَ احتلال مجرم تُركوا هم ليواجهوا وحدَهم نظامَ احتلال مجرم، فلنكن لحماس ردءاً وناصراً ولنطلب منها أن تكون لنا ردءاً وناصراً، ولنجتمع كلانا ونضع اليد في اليد في مواجهة ظلم البُعَداء وتخلّي الأقرباء والأصدقاء. هذه دعوة للطرفين معاً، لحماس وللثورة السورية، المنصورتين جميعاً بإذن الله.
إننا نستسهل لوم حماس ولوم أبي الوليد، ولا نكاد نذكر أن الأمة تخلت عنه وعن قضيته وقضيتها الكبرى، قضية فلسطين، حتى إذا مُدَّت إليهم يدٌ بمساعدة لم يستطيعوا رفض المساعدة، ليس من أجل أنفسهم ولكن من أجل شعب يموت على عين الدنيا والدنيا صامتةٌ صمتَ سكّان القبور. أترون -لو أن المسلمين كَفَوا حماس مؤونتها- أن القوم كانوا وجّهوا وجوههم شطر إيران أو شطر نظام الأسد المجرم؟ لقد تخلينا عن القضية وتخلينا عن حماس طَوال السنين، ثم جئنا نلومهم اليوم! ألا يطلب بعضُنا اليومَ النجدةَ من أميركا، وأميركا هي العدو الذي غزا ودمر البلدَ الشقيق والجار القريب، العراق العربي المسلم، وقتل وشرد من أهله المسلمين ملايين؟ أليس ثوّار سوريا أعلنوا ذات يوم استعدادهم للتحالف مع الشيطان؟ إن الغريق يتشبث بيد الشيطان لو مدّ يدَه لانتشاله من الغرق الشيطان! ليس مَن يغلي في القدور كمن يشرب الماء والعصير.
يا أيها السادة: إنما نعتب على حماس على قَدْر المحبة، ولو شئتُ لأرسلت الرسالة إلى أبي الوليد من حيث لا يقرؤها أحد سواه، ولكنْ لِيعلمَ الناس أنّا نرجو من إخوتنا ما لا نرجوه من سواهم، فإنا قد نفضنا اليدَ من أدعياء المقاومة المزيفين وبقي الأمل معقوداً على المجاهدين الصادقين من أمثالهم. ولعلهم يخطئون ويزلّون فإن دروبَ السياسة مزالقُ الحكماء، وإنا لنختلق لهم العذر في المرة بعد المرة، ولكن ما كلَّ مرة تَسلم الجرّة، لذلك ننصحهم ونذكّرهم، وندعو لهم الله أن يسدد رأيهم وأن يدلهم على منهج الحق وطريق الصواب، وأن يثبّتهم عليه ويجزل لهم الثواب.
يا أيها الإخوة في حماس: هذا ما نرجوه منكم وهذا ما نرجوه لكم. غداً سيطوي التاريخُ الأسدَ المجرم ونظامَه الملوّث بدماء الشهداء، فاعملوا لذلك اليوم منذ اليوم لِنشتركَ معاً في قطف ثمار الانتصار، وتذكروا أن الطريق إلى القدس يمر من دمشق، والطريقُ مغلَقٌ لن يفتحَه إلا زوالُ بشار وحكم بشار.