لكيلا يحكمَنا دكتاتورٌ جديد
مجاهد مأمون ديرانية
يا أيها الأحرار، يا ثوار سوريا العظماء: لقد خضتم في بحار الدماء وقدمتم القوافلَ الطويلةَ من الشهداء بسبب داء واحد هو من أفتك وأسوأ الأدواء: داء الاستبداد. فأعلنوها على كل منبر وارفعوا بها الصوت عالياً حتى يسمعَه كل قريب ويسمعه كل بعيد: لا استبداد بعد اليوم، لا طغيان بعد اليوم، نموت ولا نسمح أن يحكمنا طاغيةٌ مستبدّ بعد اليوم.
إن الاستبداد داء يبدأ صغيراً ككل داء، فإذا أدركتم المستبِدّ صغيراً غلبتموه، وإذا تركتموه حتى يكبر أوشك أن يُعجِز أمة كاملة من الأمم ذوات الملايين، وانظروا إلى سوريا، ففي سوريا الدليل.
إن الشجرة العملاقة منشؤها بذرة لا تكاد تَبين، ثم هي نبتة صغيرة طريّة الساق يقتلعها الطفل الصغير لو جذبها من الأرض طفلٌ صغير، فإذا تُركت استحالت شجرةً عملاقة تمتدّ جذورُها في الأرض وتضرب أغصانُها في السماء، فيستعصي قلعُها حتى على العصابة من الأشداء الأقوياء.
وإن لكل مرض علامة، فارقبوا علامتين هما من أظهر وأدلّ العلامات التي تكشف مَن أصابه داء الاستبداد: انفراداً بالرأي وتشبثاً بالرئاسة. فإنه لا يتفرّد برأيه ويفرضه على سواه إلا مُستَبِدّ، ولا يتشبث بالكرسيّ ويحرص على السلطان إلا مُستَبِدّ.
ألا أن السلطة هي مصيدة الأشرار ومفسدة الأخيار، فأما الأوّلون فيتهافتون عليها تهافت الفراش على النور لأنهم يجدون فيها السبيل إلى إشباع رغبات الاستبداد الكامنة في نفوسهم، وهؤلاء شرّ مَحضٌ لا يصلح له إلا القلع والخلع والإبعاد. وأما الآخرون فيقعون ضحية المنصب، يبدؤون أخياراً طيّبين، ثم ما يزالون يَكبُرون في عيون أنفسهم لكبر المنصب ولإكبار الناس لهم حتى تفسد نفوسهم، ولا حل لهذه العلّة إلا بتداول السلطة وتبادل الأدوار بين رئيس ومرؤوس.
يا أيها الناس: سأقص عليكم قصة قصيرة، فاسمعوها ولا تقولوا ليس هذا وقت قصص، فإن ربنا -تبارك وتعالى- قصّ علينا أحسن القصص ثم عقّب فقال: {لقد كان في قصصهم عبرة}، لمن يا ربنا؟ قال: {لأولي الألباب}. ما أحوجَنا إلى أن نكون من أولي الألباب!
في يوم من الأيام سطت عصابةٌ من المغامرين على الجيش وعلى الحكم في بلد من البلاد، وكان من بينهم دكتاتور صغير لم يلتفت إليه في أول الأمر أحد، ثم بدت عليه علامات الاستبداد المبكّرة فاستكان القوم ولم يَقْدِروا الكارثةَ حقّ قدرها، وسكتوا وسكت الناس جميعاً، وما زال ذلك الدكتاتور يَكبُر وهم يصغرون، حتى جاء يوم ابتلعهم فيه جميعاً ولم يبقَ إلا هو، ثم بلع البلد ومَن فيها من والد وولد، ثم نَسَل نَسْلاً مثله في الطغيان والاستبداد وملّكهم ما مَلَك، فلما انتبه الناس أخيراً وأرادوا أن يتحرروا من أسر الطغيان لم يبلغوا غايتهم بأقلّ من عشرة آلاف شهيد ومئة ألف معذّب ومصاب، وبصراع طويل مرير عانى منه الملايين. هل أخبركم باسم هذا البلد أم تعرفون الجواب؟
يا أيها العقلاء: اقلعوا نبتة الاستبداد الطرية قبل أن تنمو وتصبح شجرة عملاقة؛ لا تسمحوا لمُستبد صغير أن يكبر بعد اليوم.