الاقتصاد السوري بعد رحيل الأسد
18/12/2011
سعود القصيبي:
فيما تتزايد فعالية الإعتصام المدني في سورية ليدخل أسبوعه الثاني, تئن حكومة الاسد من وقع آثار ممارساتها القمعية والوحشية وإرهابها المستمر حتى أصبحت تحت رحمة الإنتفاضة الشعبية السلمية وطائلة المحاسبة القانونية. وكردة فعل دولية يكثر الحديث حاليا عن أمور محتملة أكثر شدة كالتدخل العسكري, ومحاكمة أفراد النظام على جرائمه ضد الانسانية في المحاكم الأممية أوالأوروبية, وكذلك الإدانة عن طريق مجلس الأمن. ومن خلال متابعة تسارع الاحداث وتسلسلها فقد بات من الوشيك زوال النظام ورحيل الاسد أياً كانت الطريقة, ما يدعونا إلى النظر في التوجه السياسي المحتمل للدولة الجديدة وما يتبعها من توجه اقتصادي ومالي في مرحلة ما بعد الأسد ونظامه.
ففي إطار التوجه السياسي المستقبلي, تؤكد المعارضة في نظرتها لسورية الحرة, أن الرؤية السياسية الجديدة تقوم على بناء دولة ديمقراطية مدنية تعددية على أساس المواطنة من دون اقصاء, ترتكز على انتخابات حرة وتحترم حقوق الإنسان والحريات العامة, فضلا عن تأسيسهاعلى مبدأ المواطنة للجميع وعدم التمييز بين أي مواطن وآخر. كما أن هناك اتفاقا عاما بين المعارضة على إسقاط النظام بكل رموزه ومكوناته, ورفض الحوار وكل من تلوثت أيديهم بالدماء.
وفي الشأن الاقتصادي العام ومن خلال قراءة توجهات المعارضة والتي تتمثل في العودة إلى فترة الإستقلال بعد خروج الاحتلال الفرنسي وأيضا إبان فترة الحكم العثماني حيث كان الاقتصاد حرا ومن المتوقع إعادة هيكلته على نهج نفس السياسات القديمة وإلغاء النظام الاشتراكي.
ومن أهم الملفات التي يتوقع النظر فيها القضاء على الفساد وتحرير الاقتصاد. وقد يطرح إتباع النهج الاقتصادي الجديد على نسق نهج إمارة دبي أو مدينة هونغ كونغ أو حتى دولتي سنغافورة أو ماليزيا. ويعني ذلك الكثير إزدياد دخل الفرد ونمو الاقتصاد والناتج القومي إلى معدلات لم يعهدها منذ الإستقلال حسب رؤية المحللين الاقتصاديين.
وفي شأن موازنة الحكومة السورية, يتوقع في ظل إقتصاد حر بعد سقوط نظام الأسد إزدياد الموازنة بشكل كبير لأسباب عدة منها كون العائدات النفطية تشكل ثلث موازنة الدولة والتي تذهب حاليا لصالح الآلة العسكرية للمحافظة على مكتسبات عائلة الأسد السياسية والمالية. كما أن جزءاً من دخل النفط حاليا يذهب إلى أقطاب النظام الأمر الذي حتما سيتوقف. وكذلك من المتوقع أن يكون هناك تحسن ملحوظ في واردات صناعة السياحة وزيادة نسبة الإستثمار والذي يمثل الثلث الآخر من الموازنة عند عودة الإستقرار نتيجة تمنع وعزوف الكثيرمن الأفراد والمؤسسات التجارية والمالية والحكومات في ظل النظام البعثى من إتخاذ سورية كوجهة سياحية أو من الإستثمار فيها خاصة من المُهجرين السوريين في الخارج والذين يقارب تعدادهم عدد سكان الداخل السوري . أما بشأن الضرائب الداخلية والرسوم وهي الجزء الأخير من الموازنة, فمن المتوقع إرتفاعها وإنتهاء الفساد المستشري حاليا في تحصيلها من الإدارة السورية. كما يتوقع من ضمن محاسبة أقطاب النظام السابق إسترجاع الإمتيازات الممنوحة إلى عائلة الأسد وأقربائهم وأموالهم إلى خزينة وممتلكات الدولة.
وتحتاج سورية حسب تقديرات المحليين إلى ثلاث سنوات على أفضل تقدير لعودة الإستقرار الاقتصادي إليها وذلك لعدم وضوح الكيفية التي سيتم فيها إنتقال السلطة سلمياً أو عسكرياً. والمدة التي ستستغرق في إنهاء ترتيب نقل السلطة من المجلس الإنتقالي المتوقع ما بعد سقوط النظام وما يليه من انتخابات وتعديلات دستورية ومحاكمة أعوان النظام.
وللمتابعين في الشأن السوري ورغم توقع المستقبل الاقتصادي المزدهر في مرحلة ما بعد سقوط النظام, يبقى السؤال المحير في الأذهان لماذا تأخر إنضمام البعض من العائلات السورية والتي تعمل بالتجارة ولها ثقل إقتصادي كما في حلب ودمشق إلى الثورة بشكل واضح وإستمرارهم في إعتراضهم الصامت على إدارة الأسد دون المشاركة في العصيان المدني ? على الرغم من وضوح الصورة بأن سفينة الأسد غارقة لا محالة وأن لا أمل لهم في النجاة إلا أن يقفزوا من السفينة ويلحقو بركب الكرامة.
* كاتب سعودي