محمد الكيالي

عمان- بالرغم من فرارهم خوفا على عائلاتهم وإحساسهم بالخوف والظروف القاسية التي يعيشها الإنسان حين يفقد الأمن والأمان في بلده ويرحل عنها مجبرا، إلا أن العائلات السورية اللاجئة الى الأردن، تقدم دروسا في العزة والكرامة والثورة على الظلم والاستبداد.
هذا ما لمسه الوفد الصحفي الذي زار مدينة الرمثا أول من أمس، للاطلاع على كيفية تقديم المساعدات الإنسانية التي وفرتها حملة "عطاؤكم يخفف معاناتهم" النقابية.
وأكد العديد من أرباب العائلات السورية، أنهم تركوا أموالهم وأراضيهم في سورية غصبا، بعد نحو تسعة أشهر من الاحتجاجات على نظام الحكم في بلادهم، والثورة عليه.
وقالوا إنهم لا يريدون أن يعاملوا كأنهم "شحاذون"، لذا فإنهم يواصلون رحلة البحث عن عمل، يوفر لهم حياة كريمة، بعيدة عن الشعور بالفقر والعوز.
الحملة التي أطلقتها لجنة الإغاثة والطوارئ في مجمع النقابات المهنية، دفعت منظمات إنسانية عربية الى التحرك الى تقديم العون للسوريين اللاجئين الى الأردن ولبنان تدريجيا.
وقامت الحملة التي تم تنظيمها بالتعاون مع جمعية المركز الإسلامي في الرمثا، بتوزيع معونات إنسانية على نحو 200 عائلة سورية لجأت إلى المدينة.
واشتملت الدفعة الأولى من المساعدات على 200 طرد غذائي وكوبونات محروقات بقيمة 5 آلاف دينار وحرامات وفرشات وملابس وأدوات كهربائية ومنزلية ومدافئ، بلغت قيمتها نحو عشرة آلاف دينار.
رئيس جمعية المركز في الرمثا عبدالمنعم الخطيب أكد أن العائلات السورية في المدينة في تزايد مطرد، وتواجههم عدة مشاكل جراء ذلك، أهمها توفير أجرة المنازل للاجئين ومصاريفهم اليومية والعلاج والتعليم، إذ قدر عدد طلبة من أبناء هذه العائلات، ممن لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس بنحو 75 طالبا.
ودعا إلى ضرورة المساهمة في التخفيف من معاناة هذه العائلات، والسماح لأبنائها الالتحاق بالمدارس الحكومية، لإكمال دراستهم، مبينا أن هناك تنسيقا بين جمعيتي المركز الإسلامي وقطر الخيرية، لإيصال كافة المساعدات المطلوبة للعائلات العينية منها أو النقدية.
منسق الحملة العربية لإغاثة الشعب السوري (كرامة) الكويتي وليد الرفاعي قال إن "اللجنة تجهز حملة عربية، لإرسال قوافل مساعدات للاجئين السوريين في الأردن ولبنان"، رغم ما تواجهه القوافل من معوقات على الحدود، إذ إن قافلة مساعدات قادمة من السعودية، تنتظر السماح لها بالعبور للأردن باتجاه سورية منذ نحو أسبوع.
وبين الرفاعي، أنه سيتم رصد معاناة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان لإيصال المساعدات والقوافل الخيرية لكسر الحصار المفروض على القرى والمدن السورية، على غرار القوافل التي تعمل على كسر الحصار عن قطاع غزة.
ونوه إلى أن "كرامة" تأسست منذ عدة أيام، وضمت اللجنة الكويتية والليبية لإغاثة الشعب السوري، مشيرا الى أن المساعدات ما تزال دون المستوى المطلوب، وأن هناك تعاونا في هذا المجال بين الأردن والكويت لإيصالها. وأثناء جولة الوفد الصحفي الذي رافق حملة النقابات المهنية لتوزيع المساعدات، سردت أسر سورية قصص لجوئها إلى الأردن، وتحدثت عن معاناتها وهربها من منازلها وتركها لأراضيها وممتلكاتها في مختلف مدن وقرى سورية، خوفا من القتل والاعتقال، وحتى الاغتصاب.
عائلة فراس من قرية نصيب، لجأت إلى المملكة منذ نحو أسبوعين، جراء ملاحقة الأمن السوري المتكررة للأب، وخلال عبورها الى الأراضي الأردنية، تدخل حرس الحدود الأردني، لمنع إصابة أي من أفراد هذه العائلة، جراء وابل من الرصاص، أطلق عليها من قبل عناصر من الجيش السوري.
وأكد فراس أنه اضطر الى ترك قريته ومنزله بعد علمه بأنه مطلوب من الجيش السوري لمشاركته في إيصال مساعدات إنسانية ونقل جرحى لمدينة درعا أثناء حصارها عند انطلاق شرارة الثورة السورية منها. ولفت الى أنه قرر اللجوء للأردن بعد أن احتجزت قوات الأمن السورية طفله لساعات، للضغط عليه لتسليم نفسه، لكن نسوة الحي الذي يقطنه تدخلن وأنقذن الطفل، فقرر بعدها الهرب، خوفا من اختطاف زوجته وابنه.
وأكد فراس أنه غادر منزله في قرية نصيب عند السادسة صباحا، باتجاه مزرعة زيتون قريبة من الحدود الأردنية السورية، مكث فيها حتى الساعة 3 عصرا، بينما اكتشف الأمن السوري وجوده في حقل الزيتون، فطالبوه بإبراز هويته، لكنه أخبرهم بأنه يعمل في أرضه، ولا ضرورة لحمل هويته المدنية حين يكون في الأرض.
وقال "عندما شعرت بأن الفرصة سانحة للهرب، حملت طفلي وركضت باتجاه الحدود مع زوجتي، حيث انتبهت العناصر الأمنية لهربي وبدأوا بملاحقتي وإطلاق النار عشوائيا نحوي"، لافتا الى "أنه وعند وصولي الحدود اقتربت مني سيارة أمن أردنية، وأنقذتني وزوجتي التي أصيبت برصاصة في ساقها، ونقلتنا إلى مستشفى إيدون (في محافظة إربد) القريب للعلاج".
وأشار فراس الى أنه في قريته نصيب بدرعا في سورية، شاهد ثلاث مقابر جماعية لمتظاهرين خطفهم الجيش السوري، مؤكدا أن كل شخص يعتقل غالبا ما يتم قتله، وقلما يعود بعض المعتقلين سالمين.
المواطن السوري محمود غزلان، أب لأربعة أطفال، قال حول هروبه من المطاردات الأمنية إنه كان مضطرا لدفع مبلغ تجاوز 50 ألف ليرة سورية، لمحقق من قسم الأمن السياسي في دمشق لتسهيل هروبه إلى الأردن، كاشفا عن تعرضه للاعتقال عدة مرات، وشهد أبشع أنواع التعذيب، وأنه في آخر مرة اعتقل من الشارع بذريعة نشاطه البارز في الثورة. وفي معرض حديثه عمن يقومون بالاعتقال من الشبيحة، قال إنهم يداهمون المنازل من وقت الى آخر ويطلقون الرصاص عشوائيا، وإن الكثير منهم يتحدثون بلغة غير عربية.