التغيير المرتقب في المنطقة
السبت, 17 ديسيمبر 2011
مها الشهري
في سورية، يبدو أن الثورة تتجه نحو تغيير حاسم بحيث أنه لم يتأثر
بالوساطات والتمديد والمهلات والخذلان العربي والدولي، فبعد تسعة أشهر من
القتل والانشقاقات والقمع والغموض الذي يكتنف كل الأطراف، لا يتوقع
الكثيرون أن النظام في سورية قادر على الصمود أكثر إذا استمر التصعيد
الثوري، وسلم الحس الشعبوي من التراخي على رغم الظروف الصعبة، هذا ما يراه
النائب وليد جنبلاط حين تحدث عن ذلك في لقائه الأخير مع الأمين العام لحزب
الله السيد حسن نصر الله، في حين أن الأخير ما زال مصّراً على العكس
تماماً، إذ أشار إلى أن بشار الأسد لا يزال قوياً وصامداً ويستطيع
الاستمرار والمقاومة، وأي من الرؤيتين سيتحقق عملياً مع أو ضد الثورة
السورية؟! هذا ما تخفيه الأيام المقبلة.
جنبلاط يعتبر أن لا شيء محسوماً في المشهد السوري حتى الآن، على رغم أنه
يميل إلى تخلخل النظام الحاكم في سورية، وقال إنه يقيس رؤيته تلك بناء على
معطيات محسوسة بوصفها «تحولات مُرتقبة»، ويبدو أن جنبلاط يلوح بالانخراط
في الحملة ضد النظام السوري كعادة رئيس جبهة النضال الوطني الذي لا يحبذ
البقاء بجوار المغلوب وهو دائماً مع من غلب!
ومن المتوقع أن نجاح الثورة السورية حتماً سيغير وجه المنطقة، ويخلط
الأوراق، ويعيد ترتبيها من جديد. فهي نقطة تقاطع التوتر الإقليمي، وبقعة
تحدها قوى تتسابق على النفوذ في الشرق الأوسط، تركيا وإيران وإسرائيل.
إسرائيل تعتبر أن بقاء النظام السوري مفيد حتى ولو كان على عداء معها،
لأن حكم الحزب الواحد يسهل التعامل معه في كل الأحوال، فمناوشة مجموعة
صغيرة متفردة بالقرار والسلطة، أسهل بكثير من التعامل مع دولة ديموقراطية
تعددية الرأي فيها شعبي، ولا يخضع لإرادة الفرد الواحد.
وإسرائيل تخشى من المجهول ومن حسابات غامضة للنظام المُرتقب، الذي لن
يكون أفضل من نظام الأسد، خصوصاً وأن إسرائيل عدو تقليدي لكل أطراف اللعبة
السياسية في سورية.
أما إيران التي تخشى خسارة حليفها الأهم بعد العراق في المنطقة العربية،
فترى أنه ليس من السهل التخلي عنه وقد خسرت إيران بسببه شعبيتها وكل
أسهمها لدى الثوار السوريين، فضلاً عن انهيار الكاريزما التي كان يتمتع بها
حلفاء إيران في سورية من أنصار حزب الله ومحبي حركة ٨ آذار، وكذلك فإن
حركة حماس ستتراجع قيمتها النضالية لدى الثوار السوريين. كما أن نجاح
الثورة السورية يقلص النفوذ الإيراني في العراق، ويخلق جبهة مناوئة على
الطرف الغربي من أرض النهرين، بعد أن كانت جبهة هادئة ومأمونة، وإن شئتم
«عميلة». وفي العراق، سيحرض نجاح الثورة أعداء إيران على الدفع باتجاه
محاربة نفوذها في بلادهم.
أما تركيا فقد تذبذبت في مواقفها كثيراً وفي مساندة الثورة السورية،
لكنها سمحت بتشكيل مجلس للثوريين السوريين على أراضيها يعتبر جناحاً
سياسياً للثورة في الداخل، سعياً منها للتمدد من جديد في الجسد العربي بعد
أن غابت عنه منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية، فهي تسعى إلى تحالف
استراتيجي من أجل حماية أمنها القومي والحيلولة دون وقوع تمرد كردي بعيد عن
سيطرة الأتراك. كما أن أي انحسار في الدور الإيراني سيؤهل تركيا لملء
الفراغ، حتى في العراق أيضاً على المدى البعيد، الفرصة الآن بيد تركيا التي
تعتبر الأقوى والأكثر قرباً من الغرب، والتي تحظى بقبول عربي لا بأس به.
الوضع في الحياة السياسية غير مستقر ويحتمل تغيير التحالفات وعودتها بين
حين وآخر. وإن قراءة المشهد العربي الجديد الذي يتشكل أمامنا يوماً بعد
يوم يتجه ببوصلة الإدارة من الأنظمة إلى الشعوب، التي فهمت أخيراً أن
علاقتها بأوطانها لا يجب أن تمر عبر الشخوص، وأن الحاجة إلى الرموز في عالم
اليوم، هي تكريس للاستبداد الذي بدأت ثقافته تتآكل ولم تعد صالحة’ وأن رأي
الشعب بدأ يمثل أهمية لدى بعض الأنظمة حتى التي لم تحدث تحت حكمها القلاقل
وذلك بشكل نسبي ومتفاوت.
إن العدل هو أساس الحكم، وقوة الأوطان تنبع من الإرادة الحرة لأفرادها.
الحرية تخلق الإبداع، والشعوب التي تعيش بكرامة وحرية لن تضيع الوقت في
صراعات تستهلك طاقتها وتعرقل التنمية وبناء الإنسان.
الاستبداد قد وضع المجتمعات رهن الإصلاحات المؤجلة، وزجّ بالناس في
أُميّة خانقة، واخترق القدرة لدى عامتهم على فهم الواقع السياسي لانعدام
الفهم العام للثقافة السياسية.
ومن جهة أخرى، فإن العقل العربي كما يبدو لا يزال غارقاً في العاطفة
أكثر من استلهام الواقع ومحاكاته، وهذا ما دفع بالدين من أفق الإيمان
المطلق والبحث عن الخلاص الأخروي - إلى التدين السياسي (الدين من أجل
السياسة أو في خدمة السياسة). نحن اليوم بحاجة إلى الوعي الذي يجب أن
يترافق مع ربيع الثورات، وتصبغ وجهها بالمعرفة والإدراك الكامل لخطورة
المرحلة، لصياغة موقف إصلاحي معاصر غير منفعل أو مجتزأ أو منتقم.