أين تقف إسرائيل من الثورة السورية؟
محمد العلي
2011-12-16


لا يعقل ولا يمكن لإسرائيل أن تنأى بنفسها عما يجري في سورية خلال الأشهر التسعة الماضية، فالثورة تريد إسقاط النظام، والثورة تريد إعادة الوطن السوري المختطف إلى أهله وذويه، وهو الشعب السوري الذي أوتي رشده، وهو شعب يزهو بروحه الوطنية والدينية، ومشحون بكراهية إسرائيل ويود لو يفتح له الطريق إلى تحرير بيت المقدس ومسجده الأقصى الأسير، لكن حيل بينه وبين أمنيته عبر عشرات السنين، والعائق هو نظام الممانعة والمقاومة نفسه! هل هذا يدعو للتعجب والدهشة؟ كلا، لا تعجب، فهذه هي الحقيقة التي يعلمها السوريون جيداً، فهذا النظام هو الجدار الذي يحمي دولة إسرائيل ومشروعها التغريبي في المنطقة، وهو جدار أقوى وأنجع بكثير من خط آلون أو بارليف ومن كل الحواجز الحديدية والجدر الإسمنتية، وهو من نجاعته وقوته بحيث لا يجرؤ سوري أن يخطر في باله بأن يمس حدود الدولة العبرية بسوء أو حتى بكلمة سوء وبمجرد يحدث نفسه أو يناجي صديقه باستباحة هذه الحدود والتفكير بصنع مقاومة تشابه تلك المتوافرة في جنوب لبنان، فإنه سيلاقي جزاء همه بالفتك به والتنكيل نعم يحاسب على نيته وما توسوس له نفسه! وهناك حوادث ووقائع جرت من هذا القبيل أدخل أصحابها غيابات السجن ولم يخرجوا بعد!
إسرائيل إذن لا بد أن تهتم بسلامة وحماية نظام الأسد بل تستنفر لهذا الغرض، وتحشد كل قوتها وأوراق ضغطها باتجاه الإبقاء على النظام السوري إلا إذا تأكد لها طبعاً استحالة بقائه فلكل حادث حديث.
وهناك لا ريب أسرار خطيرة جداً في العلاقات و التفاهمات ما بين النظام السوري من ناحية، والحكومات الإسرائيلية المتوالية من أي لون كانت، حمائم أو صقور! وهنا نستحضر التصريح الشهير المبكر لإمبراطور الاقتصاد السوري رامي مخلوف ابن خال الرئيس وقارون العائلة، الذي تحول فيما بعد إلى فاعل خير، صرح مخلوف لصحيفة 'نيويورك تايمز' الأمريكية بتاريخ 10/ 5/2011 من أن أمن إسرائيل من أمن سورية وأنه لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سورية، وأن نظام الأسد سيقاتل حتى النهاية، والاضطرابات لن تبقى محصورة في الداخل السوري بل ستنتقل إلى قلب تل أبيب.. إلخ، ومخلوف يدرك ما يقول، ويقصد توصيل رسالة، ولم تكن أبدا زلة لسان، فعلام يدل ذلك؟ وإلام يرمي رامي المذكور؟
إن هذا الربط يجعل من المصلحة اليهودية ضرورة الإبقاء على النظام السوري الحالي، وعدم شطبه من الخريطة السياسية للمنطقة. وقد تبع ذلك سماح السلطات السورية للمتظاهرين بالعبور إلى الجولان المحتل في مسيرات يوم الأرض 15 / 5 / 2011 ، كتأكيد عملي بأننا نتبع الأقوال بالأعمال.
وعلى خلفية الأحداث المحتدمة في سورية التي أخذت تزعزع عرش الأسد، وتهدد نظام حكمه جاءت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن في 20/ 5/ 2011 إبان اندلاع ثورة درعا، لتظهر تجلياتها، من خلال تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون التي أعلنت حينذاك بأن الرئيس بشار الأسد قدَّم من الإصلاحات ما لم يقدمه أي زعيم عربي آخر!
ومنذ ذلك الوقت رأينا موقفاً أمريكياً متردداً متراخياً، تجاه ما يحدث في سورية، طبع الموقف العربي والإقليمي ومنه التركي بطابعه، معلقين تذبذبهم وتراخيهم على شماعة الفيتو: الروسي والصيني في أروقة مجلس الأمن، لتسويق و تعليل مواقفهم المريبة المتأرجحة، ثم بدأت بعد اشتداد الثورة وانتشارها تخرج علينا بعقوباتها اللفظية وتهديداتها العنترية التي لا توقف آلة القتل الجهنمية التي تحصد أرواح السوريين يومياً .
لكن أخطر وأبرز تصريح إسرائيلي يدل على مدى العلاقة الحميمة والوطيدة بين الطرفين، وتفسر لغة التسويف و المماطلة والتمييع طيلة الفترة السابقة من الأسرة الدولية، رغم سقوط عشرات الآلاف من القتلى و الجرحى و الأسرى و المهجرين، هو تصريح رئيس الهيئة الأمنية و السياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد، يوم 16 / 11 / 2011 م، حيث قال بأن سقوط نظام الأسد يمثل كارثة كبيرة على إسرائيل، وأن وجود هذا النظام مصلحة عليا لإسرائيل وزواله يعني بداية النهاية لها.. وهو لا ريب تصريح خطير وضع النقاط على الحروف وكشف المستور عن العلاقة الخفية المشتركة للطرفين معا، وهذا يدعو المراقب للسطح السياسي وحرب التصريحات والشعارات النارية للدهشة، لكن تناقضات وتعقيدات منطقة الشرق الأوسط الظاهرة لا غرابة فيها كما يقول المحلل البريطاني باتريك سيل، والقول ما قالت خزامي!
محمد العلي- دمشق