لليرة السورية تشرف على الانهيار و«المركزي» قد لا يستطيع دعمها D8a7d984d984d98ad8b1d8a9-d8a7d984d8b3d988d8b1d98ad8a9

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
يذهب غيث جوهر، المتعامل
السوري، يوميا إلى سوق دمشق القديمة، بحثا عن تجار عملة في السوق السوداء
يختبئون في الأزقة الضيقة، فهو يبيعهم مبالغ محدودة من العملة السورية،
مقابل العملة الصعبة، التي شحت وغلا ثمنها في الأسابيع الماضية.

وقال جوهر (62 عاما) في اتصال هاتفي من متجره
الصغير لبيع الملابس في منطقة الصالحية التجارية بالعاصمة لـ«رويترز»:
«أرباحي ومدخراتي مهددة الآن. لا أجد أحدا يعطيني ما يكفي من الدولارات ومن
يعرضون علي الدولار يعرضونه بأسعار باهظة».

وتسارعت وتيرة تراجع قيمة الليرة السورية في
الأسبوع الماضي؛ إذ أثرت الانتفاضة المستمرة منذ تسعة أشهر ضد حكم الرئيس
بشار الأسد على الاقتصاد بعد شهور من الاستقرار النسبي، عندما تمكن البنك
المركزي من دعم العملة بطرح مبالغ بالعملة الصعبة.

وانخفض السعر الرسمي من 47 ليرة للدولار عند
بدء الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية في مارس (آذار) الماضي إلى نحو 54
ليرة، بعد أن خفضت السلطات السعر لتضييق الفجوة مع السوق السوداء. وفي
السوق السوداء تراجع سعر الليرة بدرجة أكبر؛ إذ يحوم الآن حول مستوى 59
ليرة للدولار. وسجل 62 ليرة للدولار لفترة وجيزة، بعد أن أعلنت جامعة الدول
العربية فرض عقوبات اقتصادية على سوريا، الشهر الماضي. وتتسبب أعمال العنف
في سوريا في انكماش الاقتصاد وتعطل الصادرات. وتفاقمت مخاوف السوريين بشأن
قيمة مدخراتهم بالعملة المحلية، بسبب الافتقار للثقة في القطاع المالي
الخاضع لقيود شديدة، حتى إن المودعين في 12 بنكا خاصا في البلاد يجدون
صعوبة في سحب أرصدتهم بالعملة الصعبة دون مواجهة رسوم سحب عالية وقيود
يفرضها البنك المركزي على التعاملات بالعملة الصعبة.

وقال مصرفي بارز في دمشق، طلب عدم نشر اسمه
بسبب حساسية الموضوع: «يريد الكثيرون الدولار لأنهم فزعون.. هناك مضاربات
والكثيرون يستغلون هذا الوضع وتجار العملة يحققون أرباحا كبيرة تزيد من
انخفاض قيمة العملة». ويقول مصرفيون في دمشق وبيروت والخليج إن تحويل مبالغ
بالعملة المحلية إلى دولارات تسارع في الأسابيع القليلة الماضية، مع بدء
حركة تمرد شملت هجمات على منشآت حكومية واجتذبت الأنظار من الاحتجاجات
المطالبة بالديمقراطية في الشوارع.

وأجبرت القيود الصارمة – التي تذكر بماضي
سوريا كاقتصاد موجه على النمط السوفياتي – الشركات على تحويل العملة الصعبة
إلى الليرة السورية بالسعر الرسمي. ومثل هذه الإجراءات تصعب على المواطن
السوري العادي والمتعامل الحصول على ما يكفي من الدولارات من البنوك. ودفعت
الرغبة في التحول إلى الأصول التي تعتبر أكثر أمانا رجال الأعمال السوريين
– وأغلب ثرواتهم في الخارج بالفعل – لإرسال المتبقي من مدخراتهم بالدولار
إلى لبنان أو الأردن، حسب ما ذكره مصرفيون في البلدين. وقال بعض المصرفيين
إن المخاوف المتعلقة باستقرار الاقتصاد والبنوك تحول البلاد ببطء إلى
اقتصاد معتمد على التعاملات النقدية، إذ يجري تكنيز المزيد من السيولة في
المنازل.

وقال مصرفي من حلب: «الناس لم يسحبوا
مدخراتهم لكنهم الآن يفضلون سحب مصروفات الشهر دفعة واحدة، والإبقاء عليها
في البيت بدلا من السحب من رواتبهم على مدار الشهر». وأضاف أن إغلاق البنوك
لعدة أيام في مدينة حمص أثناء الاحتجاجات واسعة النطاق في يوليو (تموز)،
أثار قلق المودعين، وقوض الثقة في القطاع المصرفي. وكانت احتياطيات سوريا
بالنقد الأجنبي تقدر بأكثر من 17 مليار دولار قبل بدء الانتفاضة، ولم يتسن
الحصول على بيانات حديثة لكن المصرفيين يعتقدون أن الاحتياطيات تراجعت الآن
بعدة مليارات دولار، مما يضع البنك المركزي في مواجهة معضلة. وفي الفترة
من مارس (آذار) إلى سبتمبر (أيلول)، أتاح البنك المركزي الحصول على الدولار
بحرية نسبيا ليبقي على سعر الصرف مستقرا بدرجة كبيرة. ويقدر المصرفيون أنه
أنفق في المتوسط 500 مليون دولار شهريا. واستنفد ذلك الاحتياطيات التي إذا
انخفضت بدرجة كبيرة (ربما قياسا على ما حدث في مصر هذا العام حيث تراجعت
الاحتياطيات إلى ما يغطي واردات ثلاثة أشهر) فإن السوق قد تشعر بالقلق من
أن البنك المركزي يستنفد أمواله، مما يزيد الضغوط على العملة. ومن المتوقع
أن تبلغ التكلفة الشهرية لاستيراد السلع والخدمات في سوريا هذا العام نحو
1.9 مليار دولار، وفقا لبيان صندوق النقد الدولي. وقال مصرفي في دمشق يعمل
في وحدة تابعة لأحد البنوك الأجنبية وهو على اتصال دائم بالمسؤولين في
البنك المركزي: «هناك حدود لتدخل البنك المركزي. هناك احتياطيات لا يمكن
التضحية بها». ويقول مصرفيون إن الخطوة التي اتخذت هذا الشهر لتقريب سعر
الصرف الرسمي من السعر في السوق السوداء ترجع فيما يبدو إلى إدراك أنه لم
يعد من الممكن الاستمرار في السحب من الاحتياطيات بهذه الوتيرة لدعم
العملة.

وقال مصدر مصرفي على علم بأسلوب التفكير
السائد الآن داخل إدارة البنك المركزي: «سياسة تقريب سعر الصرف من سعر
السوق السوداء سياسة صحيحة». وتساءل: «من الذي سيعيد ملء احتياطياتنا
بالعملة الأجنبية»، وتابع: «البنك المركزي تكيف الآن مع حقيقة أنه من غير
المجدي الاستمرار في السعي للحفاظ على سعر صرف عند مستوى 50 ليرة وقرر
تركه». والآن هناك توقعات بأن يتراجع سعر الصرف في السوق السوداء بدرجة
أكبر، قرب نهاية هذا العام، وأن تخفض السلطات السعر الرسمي نتيجة لذلك.
وقال اقتصادي سوري بارز، طلب عدم نشر اسمه: «أغلبنا يتوقع إذا ساءت الأحوال
أن يصل سعر الصرف إلى مستوى 70 ليرة الذي يمثل حاجزا نفسيا، خاصة أنه ليس
هناك ضوء باد في نهاية النفق».

وقال اقتصاديون ومصرفيون آخرون إنهم ما زالوا
يتوقعون أن ينفق البنك المركزي بسخاء لمنع الوصول إلى مثل هذا المستوى،
لأسباب منها أن التراجع الكبير في قيمة العملة قد يتسبب في ارتفاع كبير في
معدل التضخم. وقال إبراهيم سيف، الاقتصادي في مركز كارنيغي لـ«الشرق
الأوسط»، وهو مركز أبحاث أميركي: «لا يمكنهم ترك السوق لأنه في اللحظة التي
ستنهار فيها العملة ستكون هذه الذروة ولن تستعاد الثقة بعدها».

نقلاً عن الشرق الأوسط