رسالةٌ إلى البوق (طالب ابراهيم)
إرأفْ بِنَفْسِك، إنْ غَرُّوك مَنْ شَكَروا
هم سَخّرُوك، فأنتَ الناطقُ القَذِرُ
هم خَدَّروك، فكنتَ البوقَ ثرثرةً
والحالُ أبلَغُ مما عنه تَسْتَتِرُ
ساعاتُك اقترَبَتْ، فازْدَدْتَ في هَلَعٍ
ما كان مَأْمَنُه يُؤتى به الحَذِرُ
أكنتَ تَحْسِبُ أنّ الأرضَ ساكنةٌ
هلاّ نطقتَ، تُرى، هل ينفَعُ الحَذَرُ؟
يا أيها (الطَبْلُ) ما قد شاءَ ضارِبُه
إمّا يشاءُ، وإنْ ينهاكَ تُؤتَمَر
حتى امتطاك، فلو أدركتَ ساعتَها
مِمَّنْ هُمُ سَخِروا، ما تفْعَلُ الحُمُرُ؟
شَتْمُ الإلهِ تعالى، أنْ تطالَ له
مِن فيك مَنْقَصَةٌ يا أيها الأشِرُ
ها أنتَ مُرتَجِفٌ، هل آمنوك، وهل
مِنْ فاقدٍ سَبَباً يُعطَاه مُفتقِر؟!
إنْ حرّضوك بما يثغون خَشيَتَهم
يوماً يَجِيءُ، وإذْ بالقُطْرِ ينْدَثِر
فارغَبْ عن القوم لا تُوديكَ بُغْيَتُهم
منها تَعُبُّ، ومنها جاءك الخَطَر
كالموج مِن زَبَدٍ يعلو بقامتِه
فاجتثَّ قامتَه في البحر مُنْحَدَر
إني لأعْجَبُ مِمَّنْ رَاقَهُم دَجَلاً
ومَنْ على رَقِّ كأسِ الخمرِ قد سَكِروا
خلفَ الكواليسِ والأحداثُ شاهدةٌ
تأتي تُفَنِّدُ ما قد أَنْبَأ الخَبَرُ
ورُحْتَ تَكْذِبُ بالتأويل مُجترِحاً:
(هذا النظامُ حماه اللهُ والقدر)
والشامُ صَنعتُهم، من عَهْدِ (حافِظِها)
حتى مَشَتْ بِخُطى مَنْ فيه نفتخِرُ
يا (طالبَ) الوهمِ من أفواهِ رَاعَتِه
هذي المزاعِمُ تفنى حين تُخْتَبَر
سوداءُ صفحتُكم، ووعُودُكم دَجَلٌ
فارحلْ بها معهم، قد نابنا الضَجَر
أنا أنينُ قلوبِ الأمهاتِ صدىً
في فِلْذةٍ شَقِيَتْ، أو تلك تَحْتَضِر
وكلُّ من سَقَطوا من طفلةٍ حَلُمَتْ
يوماً لها وطنٌ، يحلو به العُمُرُ
أنا الكُهولُ أسىً، أنا الشبابُ ومَنْ
أوجاعُهم نَطَقَتْ مِنْ ذُلِّ ما قُهِرُوا
أنا المشاهدُ بالتنكيلِ شاهدةٌ
تبقى أدلَّتُها لم يَمْحُهَا العُمُرُ
أنا المآذنُ تبقى وهي داعيةٌ
إنْ طالَها القَصْفُ يبقى الشاهدُ الأثَرُ
اليومَ جِئنا، فلا يُجدِيك في جَهَدٍ
حرصُ الحريصِِ، ولا يُنْجيكَ مَنْ شَكَروا
بِتنا لكم هَلَعاً مِن وَقْعِ ثائرِنا
ما أجملَ الفجرَ حينَ الليلُ يَندحِرُ!!
ما أروعَ الكونَ حيناً تُستضاءُ به
حُرَّيةٌ وُلِدَتْ مِن عَزْمِ مَنْ صَبَروا
فاهْرُب، لك البِيْدُ يا رِعْدِيدُ مُلْتَحَفٌ
مِن حيثما النارُ مِن نَعْليْك تَسْتَعِر
واعْجَلْ ببوقِكَ، إنْ أسْعَفْك قلْ لهُمُ:
الظلمُ يُطْبِقُ حيناً ثم يَنكَسِرُ