و ما يهمنا هنا هو تعليقه على الثورة السورية و الليبية و فكرة النضج الثوري التي يرى أنها سبب امتناع أهل دمشق و حلب عن تأييد الثورة
بشكل حاسم.

و مع ان الأستاذ هيكل يرى ان نظام الأسد هو نظام دموي فاقد للشرعية، إلا انه يحمل الأمور ما لا تحتمل عندما يطلب من أهل سوريا الوصول
إلى مرحلة نضج الثورة. و هذا النضج يحصل عندما يحصل إجماع من قوى الجيش على إسقاط النظام و تجنيب البلد ويلات التدمير، مثلما
حصل في مصر و تونس، و مثلما حصل في أوروبا الشرقية.

و إضافة إلى ذلك، فان الشيوعية، التي هي أساس الفكر الاشتراكي، تفرض السيطرة على النشاط الاقتصادي، لأنها تظن ان
النشاط الاقتصادي يسيطر على تطور المادة بشكل جدلي. كما ان الشيوعية تقسم الناس إلى تقدميين (و هم المؤيدين للشيوعية)، و إلى رجعيين (معارضين للشيوعية) ينبغي سجنهم أو حتى قتلهم.

غير ان عدداً الدول العربية، قد دخلت بطريقة متحايلة تحت عباءة الاشتراكية، ظناً منها أنها ستحقق العدالة الاجتماعية، و طلباً
للمساعدة من الاتحاد السوفيتي في قضايا التحرر من الاستعمار البريطاني و الفرنسي، و في حل قضية فلسطين. فمصر عبد
الناصر كانت زعيمة هذا التيار، و لكنها بعد ذلك سارت تدريجياً نحو الغرب، بحركة عدم الانحياز ثم بقطع العلاقات تماما مع الاتحاد
السوفيتي و تبني الفكر الغربي في عهد السادات. و انتهت الحالة الثورية التحررية في مصر بنهاية عهد عبد الناصر، إذ
دخل السادات طوعاً في ركب امريكا، و قام بتغيير وجهة الجيش المصري من حالة العداء لامريكا و الغرب.

غير ان شهوة الفكر التسلطي القهري و تعظيم القائد و تقسيم الشعب إلى موالين و إلى رجعيين خطيرين، لم تزول مع انفتاح مصر على الغرب
في عهد السادات و عهد مبارك. و ان كانت قد نقلت عداء الدولة من العدو الرجعي الموالي للغرب إلى العدو الإسلامي.

لكن هذا يخالف ما حصل في حالة القذافي، فالقذافي كان لا يزال ينظر إلى نفسه و إلى دولته أنها في حالة عداء و مواجهة مع الغرب و
قواه المتربصة بثروات شعوب أفريقيا. فلذلك كان يصف شعبه الذي ثار عليه بأوصاف الخونة و المتآمرين مع الغرب لسرقة ثروات النفط الليبي. و أنهم خونة لقضية فلسطين، و ان دم هؤلاء الخونة مستباح و بيوتهم مستباحة . كما لم يفوت القذافي محاولة مغازلة الغرب بالتخويف من التيار الاسلامي. هذا طبعاً إضافة إلى لعب القذافي على الوتر القبلي، و تعمد إيقاع الفتنة و التحاسد بشكل مستمر بين أبناء ليبيا
.

أما بالنسبة لسوريا، فنظام الأسد الأب، هو مجرد نسخة عن نظام عبد الناصر، و هو توأم لنظام القذافي. و لكن ربما كان الفرق هو ان القذافي استمر على نهجه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، و لكنه اضطر إلى التراجع بعد إعدام صدام حسين. أما نظام الاسد، فقد قام بالتقرب من إيران و ذلك في مخالفة صارخة لما كان يتشدق به من عروبة و تقدمية. .

و كلامي هذا لا يعني تسليم سوريا الى الغرب أو الي الشرق، و لكن بفضل غباء و حماقة بشار الاسد و شخصية الطفل المدلل التي يحملها، ستتحول سوريا إلى غنيمة سهلة لأي طامع، و ستكون مبررات التدخل جاهزة حتى بدون ان يطلب احد التدخل الخارجي.

فاذا سارت الامور على ما هي عليه، لن يحصل ما يتخيله هيكل من نضج ثوري، و انما سيحصل التدخل الخارجي لا محالة.

أي بعبارة اخرى، اذا استمر الموالون لنظام الاسد على ما هم عليه حتى تتفق الدول الخارجية على التدخل ( يجب ملاحظة ان روسيا تبيع

فاتقوا الله في كل ما هو جميل و عزيز عليكم، لانكم بتمسككم بالمزايا التي يعطيها لكم بشار الاسد قبل سقوطه المحتوم تكونوا قد فقدتم
كرامتكم، و افقدتم الناس القدرة على التسامح.