السلام عليكم و رحمة الله
ساحاول عبر سلسلة المقالات هذه ان ازود الناس بحجج واضحة للحوار مع المترددين و الخائفين و حتى الموالين للنظام المجرم.
فالناس في اي ثورة على الظلم تنقسم الى الاقسام التالية:
القسم الاول: الشرفاء الذين لا يرضون الظلم و الاجرام ، و الذين تحكمهم القيم و ليس المصالح، و الذين يضحون من اجل المبدأ بكل شيئ، و هؤلاء صنف نادر في كل زمان و مكان.
القسم الثاني: من يحبون الخير و يكرهون الشر، و يودون لو انتصر الخير على الشر، و هم مستعدون للتضحية بيعض مصالحهم من اجل الخير، و لكنهم لا يريدون مواجهة الاذى و التعرض للخطر . و هؤلاء فئة كثيرة العدد في مجتمعاتنا.
القسم الثالث: من يحبون مصالحهم فقط، و لا يهمهم كيف تتحقق تلك المصالح، و هم مع من غلب. و هؤلاء هم المترددون لانهم لا يعرفون الكفة المنتصرة حتى ينحازوا لها. و هذه فئة كبيرة العدد في مجتمعنا
القسم الرابع: هم اهل الشر و الاجرام، الذين يعتبرون الاجرام و الشر قوة، و الحق و الخير غباوة و ضعف. و هؤلاء هم قلة في كل زمان و مكان لان الانسان بطبيعته يحب الخير.
و السؤال هنا كيف يتمكن اهل الشر من تحريك المجتمع كله ناحية الشر؟
و الجواب عن هذا قد يطول و تتعدد اسبابه، و لكن ما حصل في حالة سوريا هو صرعة الانقلابات العسكرية التي استسلم لها الناس و ظنوا فيها خيراً.، و التي ترافقت مع الخطابات الرنانة و السطحية لحزب البعث و موجة القومية العربية الفارغة.
مع ان الحقيقة كانت ان كل العسكر الذين ارتدوا بزات اكبر بكثير من مقاساتهم لم يكونوا سوى ضباطا صغاراً في جيوش وهمية اقامتها بريطانيا و فرنسا في عصر الاستعمار و كانت مهمة هذه الجيوش الاولى هي المحافظة على تقسيم الاراضي المستعمرة.
و لكن ما صنع من هؤلاء الاقزام عمالقة في اعين الشعوب المغلوبة على امرها هو الاختيار بين المعسكر الغربي بقيادة امريكا و المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي.
حيث كان الاختيار للتبعية لاحد المعسكرين هو وسيلة مناسبة لتصفية الخصوم و سجن المعارضين و ترهيب الناس، مع التظاهر بالقوة في موضوع اراضي فلسطين المحتلة و المزايدة عليها و الاستعانة بالاتحاد السوفيتي في هذا الشأن.
و ارجو الا يفهم من هذا الكلام انه لم يكن هناك ضباط و جنود شرفاء و مخلصون، و لكن كانت جميع التحرشات العسكرية مع اسرائيل تتم بعد اخذ الضوء الاخضر من الاتحاد السوفيتي و باسلحته. فهي كانت حروب بالنيابة عن القوى العظمى و لم تكن حقيقة لتحرير الارض المغتصبة ، و لذلك لم ينتج عن هذه الاشتباكات اية نتائج هامة، سوى الانتصار الهزيل الذي حققه الجيش المصري و الذي ما لبث ان تحول الى تبعية العسكرية الحاكمة في مصر للمزاج الاسرائيلي طوال العقود التي تلت ذلك الانتصار الهزيل. و الاسوأ منه هو تجيير حافظ الاسد لهذا الانتصار المصري الهزيل لصالحه في موجة كاسحة من الدعاية الصاخبة.
فقبل ان نفكر في تحرير الارض، يجب ان نفكر في تحرير الانسان، و الا ما الفارق بين حافظ و رفعت و باسل و بشار و ماهر، و بين ديان و شارون و نتنياهو و ليبرمان.
فكلاهم يحملون احتقاراً و ازدراءاً لانسانية الانسان، و لا يهمهم اخلاق او عهود او مواثيق، و لا يردعهم الا غضب الدول العظمى عليهم.
و مع ذلك فقد كان لابد من العسكر الذين قفزوا الى السلطة و لم يستطيعوا ان يحققوا اي انتصار فعلي على اي عدو، كان لا بد لهم من طبول صاخبة تغطي على حقيقتهم و تصرف الناس عن التفكير في الاسباب الحقيقية لهزائمهم المتوالية.
و قد وفر حزب البعث و القومية العربية هذه الطبول الصاخبة حيث استطاعت الدعابة في الابواق الاعلامية ان تحول المعركة الحقيقية على الارض و الهزائم المدوية، الى معارك جديدة وهمية فبدلاً من ان يستذكر قادة الهزائم كيف انهم تسببوا في خسارة الارض، اصبحت الان شخوصهم التافهة و احزابهم السطحية الخرقاء هي الهدف المزعوم للمعركة مع المحتل.
فإن سلمت شخوصهم فقد سلمت البلد، و ان سادت احزابهم فقد ساد الشعب!
و لا يتسع المقام هنا ان نبين تفاهة و سماجة الفكر البعثي الذي خرج من تحت عباءة القومية العربية الفاشلة، و لكن نشير فقط انه كان مجرد تدثر و التحاف تحت عباءة الاتحاد السوفيتي و التزلف له عن طريق الفكر الاشتراكي
و الا لا استطيع ان ارى علاقة تجمع بين بين امرئ القيس و بين ماركس و لا بين المتنبي و لينين
و لكن استطاعت الاحزاب الاشتراكية العربية ان توفر الصخب اللازم للتغطية على الاقزام العسكريين المهزومين الذين قفزوا على السلطة و فرضوا حكمهم على الناس من خلال الدبابات.
ثم قام هؤلاء الاقزام العسكريين بحملة لمصادرة اراضي و ممتلكات الشعب و كانت بمثابة سرقة بالاكراه، و كل من يعترض كان يوصف بانه خائن و عميل للامبرايالية و للصهونية و ما الى ذلك من شعارات صاخبة تخفي وراءها حكم المافيا.
و المشكلة انه على الرغم من الفقر و التهميش الذي كانت تعاني منه بعض المناطق، الا ان الحل لا يكون بسرقة و مصادرة ممتلكات الناس و اعطاء بعضها للمحرومين و الاستيلاء على بعضها الاخر. بل كان يمكن وضع طريقة لتنمية الموارد و تحفيز الاقتصاد على مستوى البلد كلها.
فخذ سنغافورة كمثال، فهي استطاعت ان تخرج من فقر مدقع الى نجاح اقتصادي باهر بدون ان يقوم العسكر فيها بسرقة ممتلكات الشعب.
و لكن في نظر الاقزام العسكريين، كان الاستيلاء و سلب الاموال من الناس هو اسهل بكثير من العمل الجاد على انعاش الاقتصاد و ادماج جميع مناطق البلد فيه.
ثم انهم استطاعوا من خلال عملية السلب و توزيع المنهوبات على الناس لشراء ولاؤهم، الايقاع بين الناس و تسليط بعضهم على بعض.
و كان هذا الحال عندما كان الاتحاد السوفيتي في قوته، ثم عندما سقط الاتحاد السوفيتي، و تحولت روسيا و الصين الي الاتجاه الرأسمالي، و تهاوت الامجاد الزائفة للقومية العربية التي كانت متلحفة بعباءة الاشتراكية، و زالت صرعة الحرب مع اسرائيل بسبب زوال الغطاء السوفيتي، انكشفت الدكتاتوريات العسكرية امام حقيقتها. فهي ليست قادرة على قيادة الناس كما انها غير قادرة على الدخول في حرب مع اسرائيل.
و لكن ما اعطى بعض الرمق لبعض الديكتوريات العسكرية هو النموذج الصيني في السيطرة على الاقتصاد و توجيهه و السيطرة على وسائل الاعلام. فتظاهر النظام السوري بانه يعمل على الطريقة الصينية
و لكن ما فات على النظام السوري، هو ان الحكومة الصينية لا تقوم على تقسيم البلد على الحاكم و افراد عائلته، و ان الرئيس الصيني يتغير كل فترة، و الاهم من ذلك كله هو ان الحزب الشيوعي الصيني لا يتردد في اعدام من يثبت تورطه بالفساد.
كما ان الصين لا تقوم المخابرات و الشرطة فيها بمضايقة اصحاب المحلات و الشركات للحصول منهم على رشاوى و اتاوات، و لا يقوم كبار المسؤلين فيها باجبار الناس على التخلي عن قسم من شركاتهم لحساب المسؤول.
و لكن النظام القمعي السوري قام على السرقة بالاكراه، و تقسيم الغنائم على الاقارب و المحسوبين. فهو ليس اكثر من عصابة جمعتها السرقة و الاجرام. فحتى بشار نفسه لا يستطيع تفكيك هذه العصابة، لان العصابة هي الني اتت به الى السلطة و ليس هو رئيس العصابة
و هذه العصابة الاجرامية لن تشبع و لن تتوقف عن السرقة.
فابن الحرامي هو حرامي، و اخ الحرامي هو حرامي، و ابن عم الحرامي هو حرامي، و كذلك جميع الاقرباء الذين يستفيدون من السرقة
فهل يتوقع احد ان ينقص عدد الحرامية في يوم من الايام؟
فالمواطن المسكين هو من سيتحمل ابن الحرامي الذي فشل في الدراسة و الذي لا يريد ان يعمل في صنعة او في محل يتكسب رزقة بشرف، فإبن الحرامي يريد ان يسرق مثل ابيه، و يعيش في قصر فاخر هو و زوجته.
و طبعاً يجب ان يكرم الحرامي صهره من مال الشعب... و هكذا .
، فمن كان يظن ان عصابة الاجرام سيأخذها الحنان و الشفقة على الشعب المسكين الذي يعاني ابناؤه انعدام المستقبل، فلينتظر دوره بعد زوجة الحرامي و اخو الحرامي و ابن الحرامي و بنت الحرامي و جميع ابناء الخيلان و الخالات و الاعمام و العمات و الاصهار و الاحفاد
و جميع القصور و الفلل الفاخرة و المنتجعات و اليخوت و المزارع و السيارات....
و من كان يظن ان النظام السوري قادر على ان يتغير و يصلح اخطائه بعدما سفك الدماء و انتهك الاعراض فهو واهم
فكان يمكن لبشار ان يعتذر لاهالي اطفال درعا و يسجن المسؤولين عن تعذيبهم و لكنه لا يستطيع فالعصابة التي اجلسته على الكرسي هي اقوى من ان يحاسبها او يسائلها.
و العصابة لن تتوقف، بل ستضم اليها ما استطاعت من مجرمين جدد و تعطيهم المزيد من اموال الشعب و المجرمين الجدد سيوزعوها على زوجاتهم و اخوانهم و اقاربهم و هكذا
فالزمن لن يحل المشكلة
و لن يتحمل اي شعب مهما كان ان تقوم عصابة اجرامية بافتراسه
فمن يراهن على بقاء النظام السوري فهو قد راهن على الحصان الخاسر