بسم الله الرحمن الرحيم



من مقال للكاتب فارس الخشان على موقع "يقال": ((و أقنعنا نصرالله بأنه بدأ بتطبيق الأنموذج الإيراني في لبنان، فمثله مثل سيّده السيد على خامنئي، تكرّس مرشدا أعلى للجمهورية اللبنانية، بحيث يفرض توجهاته على رؤساء الجمهورية و مجلس النواب و مجلس الوزراء و الوزراء و المؤسسات العسكرية و الأمنية و السلطة القضائية، من على شاشة و هو يبتسم لـبتول تذوب ذوبانا في من استضافها طارحة للأسئلة البسيطة و التي ليس بينها إلا تلك التي وافق "المرشد" على الإجابة عنها سلفا.

و أرانا نصرالله كيف تكون الأنظمة الأوتوقراطية، فهو عبر الشاشة، يبرئ و يدين و يقيم محاكم و انظمة قضائية و يوزع الهبات و يمنع التمويل و "يبيّض" عميلا و يسوّد وطنيا.

ببساطة، فإن المتهم بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن بريء، لأنه ألقي القبض عليه و ليس معه لا مسدس و لا متفجرات، و ببساطة فكل أعداء إيران و"حزب الله" متورطون لأن قلوبهم لا تخفق لإرادته، بل هم يهيمون حبا بإسرائيل، و ببساطة فإنه ممنوع تمويل المحكمة لأن "حزب الله" يعتبرها باطلة، جملة و تفصيلا!

و قدّم لنا نصرالله نظامه المثالي، فإلى نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، هناك النظام السوري، حيث يضطر الشعب على حب القائد ألذي يتخذ مواقف لمصلحة "المقاومة"، و بناء على هذا النموذج يجد نصرالله حكومة لبنان في أبهى تجلياتها، فهو يجد في كل ما قامت به، عملا غير مسبوق، على الرغم من أن أعمالها "مسبوقة و مسبوقة و مسبوقة" ، بدءا بخطة الكهرباء المكررة المعادة وصولا الى تقديم مشروع قانون الموازنة.

ولسوء الحظ ، فإن حسن نصرالله لا يتمتع بالمصداقية، بل بالقدرة.

مصداقيته، على مستوى ما يثيره من طروحات و ما يطلقه من تهديدات معدومة، فهي سقطت مع عدم السير بأي ملاحقة قضائية بالإستناد الى وثائق ويكيليكس، و هي سقطت مع تناسي ملفات شهود الزور، و هي سقطت مع غياب الحديث عن العملاء مع انكشاف فايز كرم و "جواسيس" إسرائيل في ماكينة "حزب الله"، و هي سقطت مع اعتماد جهاز الدعاية التابع له روايات مستعارة مع فبركات الدعاية المخابراتية السورية.

و غياب المصداقية يجعل من "حزب الله" حرفا غير مقروء، فهو يتحدى في مكان و لكنه يفاوض في مكان آخر، و هو يهادن في مكان ويتآمر في مكان آخر، و هو يدّعي تعففا عن السلطة و لكنه يعمل للإمساك بكل السلطة.

وبفعل امتلاكه لوسائل تنفيذ مخططاته، فهو يحلّل لنفسه ما يحرّمه عن الآخرين. هو ، على سبيل المثال لا الحصر، يتدخل بالشأن السوري لمصلحة نظام الأسد ولكنه يربك الآخرين إن فكروا بالتدخل لمصلحة الثورة السورية ضد نظام الأسد. هو "يفلسف" وقوفه الى جانب المعارضة البحرينية، بحيث لا تعود مناصرته لها، مناصرة على قاعدة طائفية، و لكنه يتهم غيره بالفتنة الطائفية إن وقف الى جانب الأغلبية السورية. هو يفتح الحدود اللبنانية لمصلحة نظام الأسد، ولكن الويل والثبور وعظائم الأمور لمن يأوي معارضا أو ثائرا أو يقيم معه اتصالا.

قدرة نصرالله عالية، فهو، و لأنه يقود حزبا يملك وسائل التنفيذ، فإن من يخاصمه يتحوّل الى خائف، و من يهدده يصبح على لائحة الشهداء المحتملين.

لبنان مع نصرالله كهذا، لن يستفيد من أي ربيع عربي، مهما أخضر ومهما أزهر، فكلما أشرقت الشمس في مكان غيّمت عندنا، وكلما اخضرت في مكان تصحّرت عندنا، وكلما زهّرت في مكان اصفرت أوراق الشجر عندنا.

لبنان مع نصرالله كهذا، سيبقى بعكس السير عن العرب. يوم كانوا بلا حريات كنا نعيش فائض حرية، و يوم تصلهم الحرية ستختنق الحرية عندنا. و يوم كانوا بلا انتخابات كنا نمارس حق الإقتراع و نتفنّن بقوانين الإنتخاب، و يوم ينتخبون ، فإننا سنذهب الى نظام الإستفتاء لمصلحة سلاح "حزب الله". و يوم كانوا يختنقون اقتصاديا وخدماتيا، كنا ننتعش، ومع انفتاحهم على العالم، سوف نختنق.

اللبنانيون مع نصرالله كهذا، لا خيارات كثيرة أمامهم. الثرثرات لا تنفع، فهو ثرثار أكثر من كل الزعماء، والمنابر لا تغيّر مصابا فهو منبري أكثر منهم، و الكاريزما لا تصنع التحوّلات، فالكاريزما عنده أقوى من التي عندهم.

خيارات اللبنانيين للحد من خطر مخطط نصرالله محدودة. مواجهته تحتاج الى انضمام لبنان الى الربيع العربي، ولو كانت الكلفة كتلك التي يدفعها ثوار العرب. ثورة الأرز هي ثورة جرى إجهاضها، بالتسويات و التحالفات والشوق الى السلطة و الحاجة الى النفوذ و الإستسلام للمخدرات اللفظية. ثمة حاجة الى ثورة جديدة.

ثورة لن يصنعها السياسيون بل الشعب التوّاق الى هذا اللبنان الذي يحلم به.

ثورة لا يخاف فيها المسالمون من "البلطجية" و "الشبيحة" و "القبضايات" و "الزعران"، قيتراجعوا، كما تراجع هؤلاء الذين نزلوا مرتين الى الشارع لدعم الثورة السورية و اندثروا.

ثورة لا تكون بالنيابة عن غيرنا بل بالأصالة عن أنفسنا لمصلحة أحلامنا. السوري لم يتثورن من أجل اليمني، واليمني لم يتثورن من أجل المصري و المصري لم يتثورن من أجل التونسي، و"الغاضبون" في وول ستريت و850 مدينة في العالم لم يتثورنوا من أجل حق المرأة السعودية بالترشح والإقتراع وقيادة السيارة، و الليبي لم يتثورن من أجل حقوق البحريني، و لبنان لا يتثورن من أجل السوريين بل من أجل إنقاذ ذاته، من سطوة السلاح على الحريات و على الأرواح و على القرار السياسي و على سلامة المجتمع.

الربيع العربي ينادينا. لا يستطيع اللبنانيون، و حالتهم مزرية، أن يكتفوا بالإفتخار بثورة الأرز التي أجهضت و طواها الزمن، تماما كما يفتخرون في عصر الثورة الإلكترونية و الإبداع الفني باكتشاف الفينيقيين للحرف و اللون الأرجواني.

الربيع العربي ينادي اللبنانيين ، لأنه دون ذلك، فإن نصرالله و أمثال نصرالله، سيقضون عليهم، و يتحولون الى بقعة مصحّرة في الحديقة العربية، تماما كما كانوا يوما واحة في الصحراء العربية!))



ثورة لا تكون بالنيابة عن غيرنا بل بالأصالة عن أنفسنا لمصلحة أحلامنا.

لا أحد يثور بالنيابة عن أحد، مهما بلغ التعاطف و التأثر، بل كل شعب إنما يثور لمصلحته من أجل تحقيق فكرته، تحركه أشواقه و تهديه أحلامه، لكن في لبنان مستعصب إن لم يكن مستحيل الثورة التلقائية أي باعتماد الشعب على نفسه، بسبب توزع الشعب اللبناني على عصبيات أو قوميات ليست فقط متنافرة، بل الأهم أنها متكافئة في القوة، و التغير في لبنان عبارة عن تكثر عصبية و تقلل عصبية، و لا يحصل الثورة أي صيرورة عصبية أكثرية متسلطة إلا بدعم ناصر خارجي، و لا تصير عصبية أقلية مهزومة إلا بخذلان الخارج لها و تركها مستضعفة.

فشل الثورة في سوريا لا سمح الله هو هزيمة كبرى عامة للمشروع القومي العربي، و انتصار للمشروع الفارسي المجوسي، و هزيمة كبرى بالأخص لشعب لبنان، فلا يعود له من أمل في تحرير لبنان و تخليصه من حزب الشيطان نير المجوس، انتصار الثورة السورية بإذنه تعالى و حوله و قوته، ليس بسواها ينتعش شعب لبنان و تتقوى ثقته في نفسه و يتعزز أمله بجدوى استئناف ثورة الأرز المبتورة، عندها يستهين بالتضحيات بالدم و المال في طريق تجديدها.