بسم الله الرحمن الرحيم

... صحة التعامل مع الوارد من ثقافات الشرق و الغرب، تكون بغربلتها و تغليب الأصيل الإسلامي عليها و هذا شأنه...

أما البلادة و التسرع إلى الرفض و التجني (طريقة أبي حامد الغزالي)، أو الإنبهار و تقبل الباطل مع الصواب و الصدق (طريقة إبن رشد)، فكلاهما طريقة غير مثمرة.............. لكن البلادة و الابهار مرحلتان لا مفر منهما، و قد آن الأوان لغربلة الوراد من الثقافات قديما و حديثا.

ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ

الفصل الرابع من مقولة الكيف للحكيم أرسطو ترجمة المنبهر إبن الرشد:--

((قال: و جنس ثالث من الكيفية، و هي التي يقال لها كيفيات انفعالية و انفعالات، و أنواع ذلك الطعوم – مثل الحلاوة و المرارة— و الألوان – مثل السواد و البياض— و الملموسات – مثل الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة. فإن هذه كلها ظاهر من أمرها أنها كيفيات، إذ كان كل ما اتصف بشيء من هذه يسأل عنه بحرف كيف.

مثال أنا نقول كيف هذا العسل في حلاوته، و كيف هذا الثوب في بياضه، فيجاب بأنه شديد الحلاوة، و البياض أو غير شديدهما.

و إنما قيل في أمثال هذه كيفيات انفعالية لا من قبل أنها حدثت في الأشياء المتصفة بها عن انفعال، بل من قبل أنها تحدث في حواسنا انفعالا.

مثال ذلك أن الحلاوة في العسل و المرارة في الصبر إنما قيل فيها كيفيات إنفعالية لا من قبل انفعال حدث في العسل عن الحلاوة، و لا عن انفعال في الصبر حدث عنه المرارة، بل من قبل أنهما يحدثان انفعالا في اللسان، و كذلك الأمر في الحرارة و البرودة مع حس اللمس.

و أما النوع الثالث - الذي هو الألوان - فليس يقال فيها كيفيات انفعالية بهذه الجهة إذ كانت الألوان لا تحدث انفعالا في البصر، و إنما يقال في هذه انفعالا من قبل أن وجودها في الشيء المتصف بها إنما حدث عن انفعال. و ذلك أنه لما كان من البين أن حمرة الخجل و صفرة الفزع إنما يحدثان عن انفعال نال الدم و الروح، و جب من ذلك أن نعتقد أن من فطر من أول أمره بالطبع محمرا أو مصفر أن السبب في ذلك أن مزاج في أول الخلقة قد انفعل هذا النحو من الإنفعال الذي تتبعه الحمرة في الخجل و الصفرة في الفزع.

و ما كان من هذه العوارض ثابتا عسير الزوال، فهو الذي يسمى كيفية انفعالية و هو الذي يسأل عنه بحرف كيف في المعتاد، و ما كان سريع الحركة من هذه فليس يسمى انفعاليا، و لا جرت العادة أن يسأل عنه بحرف كيف.

و لذلك يجب أن يخص هذا الحنس باسم الإنفعال فقط لا باسم الكيفية الإنفعالية.

و مثال ذل أن الصفرة و الحمرة إذا كانت لنا بالطبع و الجبلة، قيل فيها في الشخص كيف هو. و إن كانت الحمرة عرضت من خحل و الصرفة من فزع، لم يقل في الشخص بها كيف هو، و ذلك أنه ليس يقال فيمن هذه حاله محمر و لا مصفر، و إنما يقال إجمر و إصفر فقط، و بالجملة انفعل فقط.

فيجب أن يسمى مثل هذا انفعالا فقط، و إن كانت إنما تختلف بطول البقاء و قصره.

و على هذا المثال يقال في عوارض النفس كيفيات انفعالية لما كان بها بالطبع، و ثابتا، و انفعالات لما كان عارضا و لم يكن للإنسان بالطبع و المزاج، مثال ذلك تيه العقل و الغضب، فإنه من كان له هذان الأمران بالطبع قيل فيه أنه غضوب و أنه تائه العقل، و لذلك تسمى أمثال هذه كيفيات انفعالية، و من عرض لها الغضب عن أمر محرج طرأ عليه لم يقل فيه غضوب و لا تائه العقل، و إنما يقال فيه إنه غضب و تاه عقله، فيجب أن يقال في أمثال هذه إنفعالا، لا إنفعاليا (= كيفية انفعالية)، و ذلك أن صيغة هذه اللقظة تليق أبدا بالشيء الثابت.))
.................................... تعقيب.........................

المصادر الشرعية:--

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه و رضي عنه في تمجيد الله عز و جل: "كائن لا عن حدث، و موجود لا عدم"

و قال عليه السلام: "الكلام كله اسم و حرف و فعل"

الكينونة حدث طبيعي موهوب، مظروفة فقط بمعدن المخلوق، بينما الوجود أطوار احتراف و حال و مقام (ملكة) مكتسبة يصحبها الزمن.

و الجوهر لا يكتسب بل هو كينونة يحتمل فيها أن تستصحب العدم (الكمون) أو تنتقل إلى الوجود، كنزعة (طرفة) عرق أو بالتدريج كتنامي الزهرة التي تكون معدومة في العود في أطوار الإيراق.

المسمى هو الجوهر، و الحرف هو الكيفية طبيعية أو مكتسبة، بينما الفعل هو الأداء المشطور إلى فعل و حركة (انفعال).
... عيوب نافرة بالجملة شانت مقال أرسطو فيما يسميه كيفية انفعالية و إنفعال ...

في هذا الفصل يخلط أرسطو بين موضوعين، موضوع كان الأنسب بحثه في الكيف الطبيعي الموهوب أي الكينوني الذي تناوله في الفصل الثالث أي ما له قوة طبيعية، و الكيف المكتسب أي الوجودي الزمني و الذي تناوله في فصل الثاني و هو الحال و الملكة.

و لا يميز أرسطو في الإنفعال بين ما إخفاق و عجز و بين ما هو حركة مطاوعة لفعل تدل على القدرة و النجاح، مثال احتراق الخشب و تكلس الحجر تكسر الزجاح بفعل الحرارة في انفعال إخفاق و عجز، لكن تمدد الفلز و إشعاعه الألوان و انصهاره هو حركة ناجحة تدل على اقتدار الفلز.

يربط أرسطو بين ما يسميه بالكيفية الإنفعالية و هو في الحقيقة ليس سوى قوة طبيعية، و بين النكاح.

لسيدنا الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي قدس الله سره فكرة عنونها بعبارة: "النكاح الساري في جميع البراري" و هي أن كل حدث إنما هو نتيجة نكاح بين طرفين ذكر و أنثى. مثلا اللسان ذكر و الأذن أنثى و الصوت الذي تسمعه الأذن هو نتيجة أو وليد نكاح بين ا للسان الأذن، و الطاعة هو نتيجة نكاح بين نفسين، نفس ذكر فاعلة هي مصدر خطاب الأمر و النهي، و نفس أنثى مطيعة منفعلة أو متحركة، بداهة يستحيل على الأذن أو اللسان تبديل طبيعتهما الزوجية، لكن النفس مرة تكون ذكر و مرة تكون أنثى حسب الشخص الذي تعامله.

و يفرق أرسطو بين وقائع هي واحدة لا يصح التفريق بينها، مثل حلاوة العسل و اللون، فكلاهما مادة، الحلاوة مادة ذوقية و اللون مادة بصرية.

... ما يسميه كفيات انفعالية هي جواهر مالية ملحقة بالجوهر الأصلي ...

معادلة أرسطو الجسم=صورة*مادة.

و هذه المعادلة هي قاصرة عند علماء الفلك الذين يرون أن الكوكب مركب من جرم و صورة فلكية و نفس، و هي قاصرة أكثر بالنسبة للحديث الأهلي الشريف، الذي يلحظ أربع طبقات في المخلوق و هي العقل و النفس و الصور النفسية الجزئية و المال الكينوني الطبيعي الموهوب أو المال الوجودي المكتسب مع الزمن.

لكن لتسهيل التمهيد لتوضيح العيوب التي شابت مقال أرسطو في هذا الفصل يصير الإعتماد على معادلة أرسطو المنقوصة.

الجسم ليس فقط هو الشجرة و الكوكب و المنزل و ما شابه..

يمكن اعتبار الثوب جسما باعتبار أن القماشة مادة، و التصميم صورة.

و أغلب المحسوسات هي أجسام، أي يجتمع فيها المادة و الصورة.. بلحظ أن القهوة المرة هي صورة، بينما الحلاوة المضافة إليها هي مادة، و يمكن اعتبار المرارة غياب للمادة، مثلما أن الصورة المرسومة بالفحم الأسود، هي صورة فقط، بدون مادة الألوان.

ما هي المادة و ما هي الصورة في مذاق العسل و في المرسوم شجرة، أي ما هي المادة و الصورة في الرؤية المتعارف عليها أنها صورة شجرة أو صورة سمكة، و ليس الشجرة نفسها أو السمكة نفسها.؟

يمكن رسم صورة الشجرة بالفحم أو قلم الرصاص، هذه صورة، لكن بعد ذلك نستعمل موادا من ألوان البني و الأخضر و الأصفر أو الأحمر لتلوين الساق و الورق و الثمار.

إذا الصورة المنظورة أو المحسوسة بحاسة العين هي جسم و ليس صورة فقط،

و بالمثل الأذواق و المشام و الروائح و الأصوات جميعها أجسام، لكنها أجسام مالية مملوكة للحواس.

1. جسم المنظور= واحدة من الصور الفحمية التي لا تحصى عددا* مادة أو أكثر من المواد اللونية التي هي حصرا أربعة أنواع الأحمر و الأصفر و الأخضر و الأزرق.

2. جسم الصوت=واحدة من الأصوات التوافقية الكثيرة*مادة واحدة أو أكثر من الأصوات التي لا تزيد أنواعها على أربعة أو سبعة باعتبار الكيفيات الطبيعية من فخامة و شدة.

3. جسم المشموم= واحدة من الصور الشمية التي لا تحصى عددا*مادة أو أكثر من المواد الشمية المحصورة بأربعة أنواع أو سبعة، و هل الطيب، و النفاذة و الكريهة و المشهية.

4. جسم المذاق=واحدة من صور المذاقات أو الطعوم الكثيرة*واحدة أو أكثر من مواد الذوق الأربع أو السبعة و هي الحلاوة و المرارة و الملوحة و الحموضة.

5. جسم الملموس= واحدة من صور اللمسية الكثيرة التي تتفاعل مع الجلد*مادة واحدة أو أكثر من مواد الوخز و الألم و البرودة و الحرارة.

كيف هذا العسل في حلاوته؟

هو سؤال عن مادة، و هي مادة الحلاوة، و هي مادة مشتركة بين الأطعمة، أما صورة المذاق العسلي، فهي صورة فريدة خاصة بالعسل، كما أن لثمرة الليمون صورة مذاقية فريدة يمكن بها التمييز أن المأكول هو الليمون، و لو كان مادته الحلاوة، باعتبار أن معظم أصناف الليمون مادتها الحموضة، أو كان صورته البصرية تشبه صورة البرتقال البصرية.

أما السؤال عن صورة العسل اللسانية أي قوتها من حيث الغنى أو التفاهة فيكون مثلا كيف هذا العسل في طعمه.

بعد هذا الشرح يتبين بوضوح أن حلاوة العسل لا تختلف عن لون العسل من حيث أن كلاهما هو مادة، الحلاوة مادة ذوقية، و اللون مادة بصرية.

... بالنسبة للإحساس لا يختلف في التأثير من كان المادة أو الصورة الصادرة عنه بسبب قوة طبيعية (كيفية إنفعالية) أو انفعال ...

يقول أرسطو:--

" يقال في عوارض النفس كيفيات انفعالية لما كان بها بالطبع، و ثابتا، و انفعالات لما كان عارضا و لم يكن للإنسان بالطبع و المزاج،"

"الألوان لا تحدث انفعالا في البصر، و إنما يقال في هذه انفعالا من قبل أن وجودها في الشيء المتصف بها إنما حدث عن انفعال."

" و إنما قيل في أمثال هذه كيفيات انفعالية لا من قبل أنها حدثت في الأشياء المتصفة بها عن انفعال، بل من قبل أنها تحدث في حواسنا انفعالا."

واضح هنا التكثير المجاني المربك، إذ لا فرق بين معنى ما له قوة طبيعية و بين معنى كيفية انفعالية، باعتبار أن كلاهما كائن بالطبع و المزاج، و ليس مكتسب وجوده بعد عدم، أي بالصيرورة من من الإحتراف (طليعة الكسب) ثم التجدد (حال) ثم الرسوخ كمقام (ملكة)

و أيضا واضح التخليط بين المواضيع المختلفة، بالنسبة لحاسة البصر الأمر سيان بين من كان لونه أسمر خلقة، و بين من اكتسب لونه الأسمر بسبب تعرضه للشمس أو حتى صبغ جلده، و سواء من استمر لونه الأسمر، أو زال بسبب تعرضه للشمس لساعات، باحتجابه عن الشمس لأيام.

في جميع هذه الأحوال لون الجلد الأسمر يحدث نفس التأثير في البصر، أي ينتج عنه و عن ضوء العين لونا أسمرا وليدا.

... الكينونة و الوجود،،، لا يحتمل في الجوهر غير وهب الكينونة، بينما يحتمل في الكيفية و الفعل الوهب أو اكتساب الوجود ...

الأبجديةمن الجواهر، و هي كائنات عريقة قديمة تحدث في مخارج الكلام من القم، هي قديمة بمعنى أن متعالية على الزمان، فلا يجوز بعد اعتماد جملة حروف الأبجدية الإدخال عليها حرفا زيادة مثل الجيم المصرية (G) رغم أن كثير من العرب حتى في الجزيرة العربية يعتمدونها في الكلام بدلا من الجيم العربية.

و لا يجوز حتى إدخال الحروف المتعتة بكيفيات طبيعية مثل الفاء اللاتينية الخفيفة (V) أو حرب الباء المشدد (P).

حرف اللامألف (لا) هو الحرف الوحيد في الأبجدية العربية الذي موهوب له كينونة فعلية مستقيمة مديدة أو بعيدة المرمى، لكن فئة أخرى من حرف اللام تكتسب الحركة المستقيمة القريبة و المتوسطة، كما في كلمة "ليلى"، و هذه الحركات {لَ، لى}، هي حركات وجودية بمعنى أنها تكتسب باستعمال الحرف، في ظرف الزمان.

في العربية خمسة أحرف تتمتع بحرف (كيفية) الفخامة و هي {ق، ط، ظ، ص، ض}، و هي فخامة عريقة قديمة كينونية، بينما فخامة اللام في القسم "و الله"، هي فخامة وجودية زمنية مكتسبة، لكنها فخامة راسخة مستمرة أي يصدق عليها وصف مقام (ملكة) الفخامة، باعتبار أن تفخيم اللام في القسم المسبوق بحرف الواو أو التاء "تالله" هو من عرف اللغة العربية، و الناطق الذي لا يفخم يكون مجافيا للصواب.

في اللهجات العربية يوحد تفخيم لبعض الأحرف لكن يحسب من طور الحال و ليس المقام (ملكة) بسبب أن العرف الموجود في اللغة الفصيحة هو المعتبر فقط.

..............................

محمد إبن رجب الشافعي

الجيش اللبناني الفلسفي الثوري

الأحد 23\10\2011مـــــــــــــ