اليوم هو يوم الوفاء لاختنا الحرة
طل الملوحي
سوف نتظاهر من اجلك ياطل
فأنتي زهرة ثورتنا
قصة اعتقال الحرة طل
من المحيط إلى الجحيم
نصبوا المشانق من جديد
لكل فجر آت من بعيد
ولكل مشنقة مليون واحد من العبيد
فالفجر لن يشقنا
والسيف في غمد قديم
وعنق النخل ملوي
وعمر….في سفر بعيد..!
هذه الكلمات من قصيدة (القدس سيدة المدائن) نشرتها طل الملوحي على مدونتها بتاريخ السادس من أيلول (سبتمبر) 2009، قبل أن تعتقل بنحو شهرين لتغيب في سجون وطنها سورية وهي التي لم تتم العشرين من العمر بعد. طل كتبت أيضاً في قصيدة (وطن يرتجيك) تقول:
قل لي يا أخي
أحياة الإذلال تحسب عمرا؟
بئس الحياة
نباع فيها ونشرى
فمن يرتضي ذاك…فهو بالعبد أحرى
تقترب طل الملوحي في السابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) القادم من إتمام العام الأول لها، في عتمة السجون… وقد وجهت لها السلطات السورية أخيراً، تهمة التجسس لحساب السفارة الأمريكية في القاهرة… وتعتبر تهمة التجسس من التهم المفضلة لدى أجهزة المخابرات السورية، حين تريد إنهاء حالة أي تعاطف شعبي مع أي متهم لديها، وقد سبق أن وجهت للممثل السوري (مهند قطيش) ثم أفرج عنه بعد فترة وانخرط في سلك التمثيل من جديد، دون أن تنفي أجهزة الأمن التهمة عنه، أو تعتذر له عن الإساءة البالغة التي لحقت به!
كيف بدأت القصة؟
ولدت طل دوسر خالد الملوحي، وهي مدونة سورية، في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1991 في مدينة حمص السورية، ويفترض أنها طالبة بإحدى مدارس حمص الثانوية الآن، اعتقلها جهاز أمن الدولة السوري في 27 كانون الأول عام 2009 على خلفية نشرها بعض المواد "ذات الخلفية السياسية" على مدونتها، وانقطع الاتصال بها، كما تعذرت زيارة أهلها لها أو معرفة مكان احتجازها منذ ذلك التاريخ.
في سنة 2006 استدعيت طل الملوحي للأمن بسبب مناشدة وجهتها ـ عبر موقع النادي السوري ـ إلى الرئيس بشار الأسد للإسراع في عملية التحول الديمقراطي بالبلاد، قائلة إنه "كرئيس يحتم عليه منصبه وقف الفساد المستشري"، مذكرة إياه "بما قطعه من وعود". واستخدمت طل اسمها الثلاثي في هذه المناشدة، التي حذفت فيما بعد من أرشيف الموقع، وفي سنة 2007 تكرر استدعاء الأمن لطل ثلاث مرات على الأقل.
وقائع ما جرى في مصر!
وفي نهاية صيف 2007 قررت الأسرة مغادرة سوريا إلى مصر ، حيث بدأ الأب عملاً تجارياً محدوداً (محل كمبيوتر وإنترنت) بعد أن حصل على إجازة دون راتب من عمله. وفي يونيو 2008 عادت طل إلى دمشق لإتمام الامتحانات ونزلت طرف خالتها. استدعيت للأمن مرتين على الأقل (لساعات ثم سمح لها كل مرة بالمغادرة)، وعادت طل إلى القاهرة في الشهر التالي. ثم انخرطت منذ نهاية سنة 2008 وحتى أبريل 2009 في دراسة اللغة الإسبانية بمعهد ثربانتس بالقاهرة؛ إذ كانت تتطلع للدراسة بالخارج.
وفي فبراير 2009 استدعيت طل إلى السفارة السورية بالقاهرة وتم التحقيق معها (دون السماح لوالدها بحضور التحقيق) يوم وسئلت عن أسماء من تعرفهم على شبكة الانترنت من سوريين بالخارج، كما حذرت من النشر أو الاتصال بمواقع إلكترونية أو صحف. وفي يوليو 2009 عادت إلى سوريا وظلت هناك حتى اعتقلت في كانون الأول (ديسمبر) 2009 ، وكان الأب قد فضل العودة إلى سوريا لاستكمال السنوات الأربع المتبقية للحصول على كامل المعاش التقاعدي، خاصة أن أرباح عمله الخاص في مصر لم تستمر (بحسب الأسرة).
كيف تم الاعتقال؟!
حسب تقارير صادرة عن مؤسسات حقوقية سورية، فإن جهاز أمن الدولة السوري أرسل استدعاء الملوحي في 26 ديسمبر 2009 للتحقيق معها حول مقال كانت قد نشرته في مدونتها، وفي صباح اليوم التالي سافرت الفتاة بمفردها ولم تعد. وفي 28 ديمسبر داهم منزل الأسرة في حمص عدد من عناصر الجهاز المذكور وصادروا جهاز الحاسوب الخاص بها وبعض الأقراص المدمجة وكتباً وأغراضاً شخصية أخرى. ومنذ ذلك التاريخ لم تعد الملوحي إلى ذويها وحرمت من المشاركة في امتحانات الشهادة الثانوية (البكالوريا)، وقوبلت زيارات الأهل لمركز الاعتقال التابع لأمن الدولة بتطمينات غامضة بأن أمورها جيدة، دون تقديم أي معلومات إليهم حول أسباب احتجازها.
وعلاوة على العديد من المحاولات المحبطة لرؤيتها في مركز اعتقال دمشق، كانت عائلة الملوحي قد تقدمت ـ بحلول نهايات أيلول (سبتمبر) 2010 بثلاثة طلبات خطية لزيارتها في مكاتب جهاز أمن الدولة وبعثت بمناشدتين على على شبكة الانترنت إلى الرئيس بشار الأسد، تهيبان به بأن يتدخل من أجل إخلاء سبيلها.
في 4 مارس2010 نشرت المنظمة الوطنية السورية لحقوق الإنسان عن اعتقال الطالبة، داعية للإفراج عنها قبيل الامتحانات، ومتسائلة إذا ما كانت الفتاة "في صحة صحية ونفسية تسمح لها بأداء الامتحانات".
وفي ابريل 2010 علمت أسرة طل أن ابنتها تعرضت للتعذيب منذ اعتقالها وحتى نهاية فبراير 2009 على الأقل، ولم يتوقف التعذيب إلا بعد تدهور حالة الفتاة الصحية. نقلت طل إلى مقر المخابرات مرة واحدة على الأقل (في يونيو 2010) ولم تعلم الأسرة بوجودها في فرع التجسس سوى في يوليو 2010
الأم تناشد الرئيس السوري بلا طائل!
في مطلع سبتمبر 2010 ناشدت والدة المدونة المحتجزة ـ في رسالة نشرها المرصد السوري لحقوق الإنسان ـ الرئيس السوري بشار الأسد التدخل للإفراج عن ابنتها المعتقلة، مؤكدة عدم صلة ابنتها "بأي تنظيم سوري معارض أو غير معارض" وأن ابنتها: "لا تفقه شيئاً في السياسة"، كما أن جدها محمد ضيا الملوحي كان أحد رجال نظام الرئيس الراحل حافظ الأسد إذ شغل منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الشعب في عهدهكما كان عضواً بمجلس الأمة الاتحادي في زمن الوحدة المصرية السورية. وكانت والدة طل الملوحي قد تلقت وعداً من "إحدى الجهات الأمنية" بأن ابنتها سوف يفرج عنها قبل شهر رمضان ولكن الشهر انتهى دون أن يتحقق هذا الوعد. وبعد أيام من نشر هذه الرسالة سربت أجهزة الأمن السورية شائعات عن مصرع طل تحت وطأة التعذيب، كنوع من الضغط النفسي على الأم التي تجرأت على مناشد رئيس الجمهورية، الذي لم ينصت بدوره لمثل هذه المناشدات الإنسانية.
في 20 أيلول (سبتمبر) نشر موقع "دي برس" الإخباري السوري الذي يشرف عليه فرع المعلومات في جهاز أمن الدولة السوري، أن طل الملوحي موجودة في سجن دوما للنساء (20 كم شمال غرب دمشق) ، ولكن والدتها السيدة عهد الملوحي نفت ـ في اتصال مع مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان صحة هذا الخبر، قائلة إنها زارت سجن دوما ولكنهم أخبروها أن ابنتها لم تنقل إلى ذلك السجن.
مهزلة الاتهام بالتجسس!
في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر) 2010 نشر موقع (شام برس) الإلكتروني السوري، الذي يملكه المخبر علي جمالو، عنواناً رئيساً جاء فيه: (لغز طل الملوحي بدأ يتفكك: تجسست وتسببت بمحاولة اغتيال ضابط أمن سوري في القاهرة) وجاء في سياق الخبر الذي سربه فرع المعلومات (255) أن مصدراً سورياً (لم يسمه) قد صرح بأن الملوحي "متهمة بالتجسس لصالح دولة أجنبية أفادتها الملوحي ـ لقاء مبالغ ماليةـ بمعلومات أدت إلى الإضرار بالأمن القومي السوري، على حد قول المصدر. ونقل الموقع عن المصدر قوله إن "المعلومات ذاتها أدت إلى تعرض ضابط أمن سوري للاعتداء من قبل الجهة الأجنبية التي تجسست طل لصالحها مما أدى لإصابته بعاهة دائمة "، ولكن الكاتب علي الأحمد قال إن تسريب معلومة كهذه بعد كل هذه المدة من الاعتقال ما هو إلا محاولة للتبرير وحفظ ماء الوجه بعد تضامن العديد من العرب مع حالة "طل" التي لم يعرف لها تاريخ الديكتاتوريات في عالمنا العربي مثيلاً لها!
شاهد عيان يفند الأكاذيب!
وفي أقوى رد على ما جاء في الخبر الملفق الذي نشرته المواقع الإلكترونية السورية حول طل: كتب الكاتب السوري (ثائر الناشف) الذي عرف "طل" معرفة شخصية، مقالا بعنوان: (طل الملوحي وأكاذيب النظام السوري) على موقعه الفرعي في (الحوار المتمدن) ومما جاء في تفنيداته لمزاعم تلك الأخبار:
أولاً: لم تكن طل الملوحي خلال فترة مكوثها في مصر تتجسس لصالح دولة أجنبية معادية، بل كانت تتعلم اللغة الإسبانية في معهد سرفانتس، وهو معروف للجميع وله فروع في جميع أنحاء العالم.
ثانياً: لم تقم الملوحي بالتجسس على سفارة النظام السوري في القاهرة لصالح أي جهة أجنبية، بل أن المسئول الأمني في السفارة (سامر ربوع) هو مَن قام بالتجسس عليها، عندما دس لها صديقته الصحافية المصرية ( نجوى يونس ) مراسلة التلفزيون السوري في مصر سابقاً، لتتبع الأخيرة نشاط الملوحي عن كثب واتصالاتها مع السوريين في الداخل والخارج، ومن ثم إعلام السفارة السورية التي تقوم بوظيفة إبلاغ الأجهزة الأمنية في دمشق، بنشاطات المغتربين السوريين في دول المهجر.
ثالثاً: إذا كان المقصود بالدول الأجنبية المعادية (أميركا ) فطل لم تطأ قدمها حرم السفارة الأميركية لا في دمشق ولا في القاهرة، والأمر المستغرب كيف تتهمها أبواق النظام السوري بالعمالة لأميركا، بالوقت الذي ينبطح النظام السوري أمام أبواب الإدارة الأميركية ، لترفع العقوبات عنه، وترسل إليه سفيرها. فإذا كان مقالها (الملوحي) الذي كتبته للرئيس باراك أوباما، ونشرته على مدونتها، عشية زيارة أوباما للقاهرة في شهر يونيو 2009 وإلقاءه خطاباً للعالم الإسلامي، لا يعني البتة أنها على علاقة مع الأميركيان، وإلا فإن أي كاتب أو صحافي قد يتهم بعلاقة ما مع أي دولة يكتب عنها سلباً أو إيجاباً .
رابعاً: إن محاولة موقع "دي برس" الربط بين تجسس طل لدولة أجنبية ( أميركا ) وبين الاعتداء على ضابط أمن دولة - مخابرات ( سامر ربوع ) هي محاولة مفضوحة لا تنطلي على عقول الصغار، لأن الوقائع تفند أخبارهم الملفقة.
والوقائع تقول: إن المقدم في فرع أمن الدولة الخارجي ( سامر ربوع ) هو ذات الشخص الذي حقق معها في السفارة السورية بالقاهرة وحاول ابتزازها وترهيبها ، لكنه فشل لأنها واجهته بقوة إرادتها وشخصيتها ، حيث كان ( ربوع) يقيم في مصر بصفة غير ديبلوماسية ، وهذه مخالفة قانونية تسجل ضد النظام السوري الذي انتدبه لهذه المهمة التجسسية، وكان (ربوع) قد تعرض للضرب المبرح من قبل حراس سيدة أميركية في القاهرة ، وذلك بسبب مضايقاته وتحرشاته الجنسية الوضيعة ، وقد عاد على إثرها إلى سورية بناء على طلب فرع أمن الدولة الخارجي ، بعدما تزعزع كيانه وتلطخت سمعته بين المصريين والسوريين ، والشيء المجزوم بصحته أن ( ربوع ) معروف لدى كل السوريين في مصر، ولكونه أعزب، بعلاقاته غير الشرعية مع الجنس الآخر ، وقد نال جزاءه العادل من أحد الحراس الأميركيين عندما حاول التحرش بهم .
والملاحظ ، أن طل الملوحي طوال فترة إخفاءها القسري، كانت ضحية تلفيق الأجهزة الأمنية ، التي لم تتحرك لإهانة أحد ضباطها في الخارج ، إلا في هذا الوقت ، أي بعد مرور 10 أشهر ، فالمأزق الذي وضع فيه النظام السوري نفسه ، بعد أن تصاعدت مطالب الحملة العالمية ، والتي وصلت حتى باكستان مروراً بأوروبا وأميركا ، وعواصم عربية كالقاهرة وصنعاء وغزة ، دفع بأبواقه الأمنية ، لتتصدى يائسة ، في محاولة منها لإنقاذ ما تبقى من ماء وجهها أمام الرأي العام العالمي).
أخيراً: إن مدونة (سوري يا نيالي) ومن قبلها عشرات المقالات والمظاهرات التي خرجت مطالبة بحرية أصغر معتقلة في سجون الرأي في العالم، تتوج طل الملوحي علماً مضيئاً من أعلام الحرية في هذه الحقبة من تاريخ سورية المظلم… إنها زهرة الحرية الجريحة في هذا الشتاء السوري الذي لا ينجلي… إنها جان دارك سورية… وشرف سورية الذي لا يموت… إنها أمل سورية في أن تلد أرحام الأمهات أحراراً مثلها: نساء أو رجال… ولعل "طل" فضحت رجولة الكثير منا في هذا الزمن المر!
المصدر
سوري يا نيالي