إنه لشئ طيب ، وعمل جليل وعظيم ، أن ينطلق الضعفاء والمقهورون والمظلومون والمستعبدون ، فيكسروا قيود العبودية ، ويحطموا أغلال الذل والهوان ، ويمزقوا استار الخوف ، ويتحدوا طغيان الطاغوت ، واستبداده وجبروته ، ويقولوا له ولجنوده وزبانيته ، بصوت عال وبالفم الملآن ، نريد الحرية ، نريد العزة ، نريد الكرامة ، الموت ولا المذلة ، ثم يتلقى هؤلاء الأحرار ، هؤلاء الشرفاء ، هؤلاء الأبطال ، الرصاص الحي بصدور عارية ، وأيد خاوية ، لا تحمل سوى لافته الحرية ، والعزة والكرامة ، فيسقطوا مضرجين بدمائهم الطاهرة الذكية .
وأن يتكرر هذا المشهد البطولي الخارق يوما بعد يوم ، وأسبوعا بعد أسبوع ، وشهرا بعد شهر ، ولسبعة أشهر ، وشلال الدم يزداد في التدفق والجريان ، والطاغوت يزداد في الإجرام والتنكيل ، والتمثيل في أجساد الشهداء الأبرار ، ولا يرعوي ، ولا أحد في هذا العالم يأخذ على يديه ، ويوقفه عن التمادي في الإجرام ، وسفك الدماء ، والتعذيب ، والقتل ،
هذا المشهد المتكرر ، يتطلب إعادة النظر في نهج هذه الثورة السلمية ، التي إذا ما استمرت بهذا الشكل ، تصبح ثورة انتحارية .
إن الثورة السلمية مؤثرة ومفيدة ، حينما تحدث ردة فعل مناوئة للطاغوت ، من قوة محلية أو اقليمية ، أو دولية ، تضغط عليه وتجبره على الرحيل ، كما حصل في الثورة الإيرانية في عام 1979 وفي الثورة الرومانية في عام 1989 والتونسية والمصرية في عام 2011 .
وبعد إطلاعي المفصل على هذه الثورات الأربع من مصادر مختلفة ، وجدت أن أعظم ثورة ، بل هي الثورة الوحيدة ، التي نجحت في خلال أسبوع واحد فقط ، ولم يسقط فيها من الضحايا إلا ألف شخص أو يزيدون قليلا ، وأحدثت تغييرات وتحولات جذرية في المجتمع الروماني من نظام شيوعي استبدادي ، إلى نظام ديموقراطي ، وهي الثورة الوحيدة التي تمكنت من إعدام الطاغية تشاوسيسكو وزوجته فورا بعد محاكمة ميدانية سريعة ، وليس كما في مصر ، تجرى محاكمة طويلة لحسني ، وقد لايصدر حكم بالإعدام أبداً ، وأذكر في ذلك الوقت أن الأسد الأب قد استنفر كل قواته على أهبة الإستعداد ، تخوفا من انتقال شرارة الثورة إلى سورية ، غير أن هذه الشعلة سقطت في البحر المتوسط قبل أن تصل إلى سورية مع كل أسف مع أن الإحتقان ، والغضب الشديدين ، والتعبأة العامة في النفوس ، كانت قوية ، لأن مذابح حماة كانت حديثة العهد ، لم يمض عليها سوى سبع سنوات فقط ، ولكن قدر الله تعالى كان ألا يحظى جيل تلك الأيام بشرف الثورة ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من عباده .
ولمن يريد أن يمتع ناظريه ، ويشفي غليله برؤية كيفية إعدام تشاوسيسكو وزوجته ، ويحلم ويصمم ، ويصر على إعدام بشار وجميع أفراد عائلته ، صغارا وكبارا ، رجالا ونساء ، دون أي تمييز ، فالمجرم يجب أن يُستأصل هو وجميع جذوره ، ولو كانوا أطفالا ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) فكما قتلوا أطفالنا ونساءنا ، فالحكم الإلهي يقتضي القتل بالمثل ، فتقتل أطفالهم ونساؤهم ، ولو تعلقوا بأستار الكعبة ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ، والفتنة أشد من القتل ) ، قلنا لمن يريد أن يمتع ناظريه ، فليضغط على هذا الرابط
وبالمقارنة بين الثورة الرومانية والسورية ، نجد أن هناك عاملين أساسيين ، أديا إلى نجاح الثورة الرومانية بسرعة منقطعة النظير ، وبتكلفة قليلة هما:
1- خروج الشعب بأكمله في المظاهرات ، وخاصة في العاصمة بوخارست ولمدة أسبوع كامل بالرغم من أنها بدأت في مدينة تبعد عن العاصمة 350 كم تدعى تيميشوارا.
2- إنضمام الجيش بأكلمه إلى المتظاهرين بعد أيام قليلة من المظاهرات ، وهو الذي أصدر حكم الإعدام في تشاوسيسكو وزوجته ونفذ هذا الحكم فورا .
هذان العاملان – مع كل أسف – غير متوفرين في سورية إطلاقاً ، حيث أن أكثر من نصف الشعب لا يزال يتفرج على إخوانه يذبحون ، وهو يأكل ويشرب ، ويتمتع بالنزهات والنوادي الليلية ، والملاهي وخاصة في قلب دمشق وحلب ، اللتين تشكلان الثقل الأساسي والمفصلي في قوة الثورة ، فلو أن هذا العامل لوحده توفر للثورة السورية ، لأحدث فرقا كبيرا ، ولأسرع في انتصارها ، غير أن سبعة أشهر من المذابح والجرائم ، لم تهز قلب هذه الفصيلة من المخلوقات الخائفة المرعوبة ، الجبانة المشبعة بحياة الذل والعبودية ، وما أعتقد أن سبعة أشهر أخرى ، ستحرك فيهم ساكنا خاصة ، وأن زعيمي هاتين المدينتين البوطي وحسون ، قد طبع على قلبيهما ، فمن باب أولى أن يطبع على عامة هاتين المدينتين ، علاوة على أن معظم الجيش السوري منحاز إلى الطاغية ، وهو الذي يقوم بقتل الشعب ، وهدم البيوت على رؤوس أصحابها.
والذي يتأمل الثورات العربية الثلاث - التي قيل أنها نجحت - بتحليل دقيق ، ورؤية ثاقبة ، ونظرة عميقة ، يجد أن الثورة الليبية هي الوحيدة التي انتصرت ، بشكل كامل على الطاغوت البائد ، واقتلعته من جذوره ، وتسعى الآن ، إلى تطهير ليبيا من كل رجالاته وأعوانه ، بينما – للأسف – في تونس ومصر ، لم يُقتلع إلا الرأس ، ولكن جذوره لا تزال تنمو ، وتتكاثر وتفرخ ، ولم يتغير إلا شئ بسيط ، فلا حياة نيابية حصلت ، ولا رئاسة وزراء منتخبة حصلت ، ولا رئيس جمهورية منتخب حصل ، بالرغم من مضي أكثر من ثمانية أشهر على التغيير .
فإذا كان السوريون يطمحون ويتطلعون إلى زوال رأس النظام فقط ، مع بقاء جذوره ومخلفاته وفضلاته ، كما حصل في تونس ومصر ، فيا خسارة الدماء التي سالت ، والضحايا التي قتلت ، والمعتقلين الذين عذبوا ، ولا يزالون يعذبون ، والمهجرين الذين شردوا من ديارهم وأوطانهم ، خاصة وأن جذور النظام متشعبة ، ومتغلغلة في أعماق الأرض السورية ، أكثر بمرات عديدة مما هي في تونس ومصر .
أركان النظام:
عدد أفراد الشبيحة الذين يمارسون القتل والإجرام قد يزيد من مائة ألف ، والمخابرات بأفرعها السبعة عشر قد تزيد من مائة ألف ، وعدد المخبرين الذين يتتبعون عورات الثوار والمعارضة ، ويوصلون أسماءهم وعناوينهم إلى المخابرات ، سواء في داخل سورية أو خارجها ، يعدون بعشرات الآلاف ، وعدد أفراد الجيش النخبوي الذي يتنقل من منطقة إلى أخرى ، ويقتل ويخرب ويدمر ، ويعيث فسادا ودمارا ، حتى الحجر والحمير ، لم يسلما منه ، يقدر بعشرات الآلاف ، وشبيحة الإعلام ، وجماعة المنحبكية ، وتجار دمشق وحلب بالذات ، الداعمين للنظام ، بالأموال وتجار المخدرات ، والدعارة واللصوص والحرامية والفنانين والمثقفين المؤيدين .
جردة حساب بسيطة ، ولو تقريبية ، يطلع عندنا ، عددهم لا يقل عن بضعة مئات الألوف ، يشكلون خطراً كبيرا على مستقبل سورية الجديدة.
وتعالوا مع بعض ، نتخيل زوال رأس النظام ، وبعض المقربين إليه ، بإحدى هاتين الطريقتين :
الأولى : أن يبيت هو خطة ، أو تعد له خطة ، لأن يرحل هو وعائلته ، والمقربون منه ، ويسلم السلطة إلى نائبه الشرع ، أو رئيس الأركان .
الثانية : أن يحصل انقلاب عسكري بقيادة ضابط علوي – كما يشاع منذ زمن طويل ومنذ بدايات الثورة – ونخص بالذكر ضابط علوي ، لأنه هو ورفاقه من طائفته فقط ، الذين يستلمون الإدارات العليا في الجيش ، وهو المؤهل الوحيد ، لأن ينجح في الإنقلاب ، بينما الضابط السني ، بعيد عن هذه المراكز الحساسة ، وإذا ما فكر بالإنقلاب ، فإنه على الأغلب لن ينجح ، وإذا نجح ، فإنه سيكون مؤقتا ، وسيحصل اقتتال شديد بين عناصر الجيش ، المهم لنتخيل أنه حصل الإنقلاب ، واستلم الضابط العلوي السلطة .
في أي من الحالتين ، ذهب رأس النظام ، وخلف وراءه رأساً أخر ، وأطرافاً وقلباً وشرايين وأعصاباً تنبض بالحياة ، وتعيد انتاج نظام آخر ، أقل بطشاً وسفكاً للدماء ، فهل تكون الثورة قد حققت أهدافها؟؟؟ خاصة وأن الهدف الذي أعلن عقب تشكيل المجلس الوطني هو: اسقاط النظام بجميع أركانه ، رأسه وأطرافه .
كيف التخلص من جميع أركان النظام
وهنا يأتي السؤال الوجيه ، والهام جدا ، الذي يجب أن يسأله كل سوري حر شريف ، بما فيهم أعضاء المجلس الوطني : كيف ثم كيف سيتم إسقاط النظام بجميع أركانه ، وبصريح العبارة القضاء ، والتخلص من كل ما ذكر تحت عنوان أركان النظام بالخط الأحمر ، بمعنى القضاء ، والتخلص من حوالي ربع مليون كائن فاسد ، قاتل ، مصاص للدماء.
ابتداءً أنا لا أزعم ، ولا أدعي ، أن لدي الحل السحري للتخلص من جميع أركان النظام ، ولكن تعالوا أيها السوريون الشرفاء الأحرار ، إلى كلمة سواء ، نفكر كلنا بمصير بلدنا ، ومستقبل أنفسنا ، وأطفالنا ونسائنا وذرارينا ، ونحمل المسؤلية ، برجولة وشهامة .
أولاً : المظاهرات السلمية لوحدها – وكما يؤكد ذلك عدد من الثوار على الأرض ، وكما ظهر من مطالبات للثوار في جمعة الحماية الدولية – لن تسقط النظام بجميع أركانه ، ولو بقيت الدهر كله ، لأن النظام بكل بساطة ، مستعد لأن يقتل ما يشاء من الشعب ، ولو أفناه على بكرة أبيه .
ثانياً: الدول الغربية يبدو حتى الآن – وبالرغم من تصريحاتها النارية ضد نظام بشار ، وتهديداتها له بالويل والثبور – ليست مستعدة للتضحية ببشار ، والتخلي عن دعمها له ، كما تخلت عن شاه ايران ، وعن فرعون مصر ، وزين الهاربين في تونس ، لأنها بكل بساطة ، لم تعثر على البديل أو شبيهه ، في المحافظة على أمن اسرائيل .
إذن كيف سيسقط النظام بكافة أركانه ومقوماته؟؟؟؟
هناك مقولة لعبد الناصر كان يرددها دائما في خطبه الحماسية ويستثير تصفيق وهتاف ملايين الجماهير وهي ( ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة ) .
إنها قولة حق وإن صدرت من فم كذوب أفاك .
وعليه بما أن عائلة الأسد أخذت سورية كلها أرضا وشعبا بقوة السلاح ، فلا يمكن بأي شكل من الأشكال استرداد سورية منهم إلا بقوة السلاح .
هذا أمر بدهي وأساسي في علم المنطق والحياة ، وكل من يفكر بغير هذا فهو جاهل رومانسي يعيش في عالم الأحلام .
وعليه فإن الطريقة الوحيدة التي أعتقد جازماً انها ناجعة ، ومحققة للهدف الأساسي للثورة ، هي كما يلي :
1- التشجيع والتحريض بكل الوسائل ، والطرق ، لإحداث مزيد ومزيد من الإتشقاقات في الجيش السوري .
2- تأمين منطقة آمنة في أركان سورية الأربعة : في الشمال والجنوب ، والشرق والغرب ، لتجميع أفراد الجيش السوري الحر .
3- مواصلة الإتصال بالدول الغربية ، التي يمكنها تأمين الحظر الجوي للطيران العسكري السوري ، عن طريق المجلس الوطني ، وعن طريق الشخصيات المؤثرة خارج المجلس ، واقناعها بالطريقة الدبلوماسية الذكية ، أن مصلحة المنطقة العربية ، والشرق أوسطية ، مرتبطة ارتباطا عضويا مفصليا ، بتحقيق مطالب الشعب السوري ، العازم والمصمم ، على تحقيق هدفه ، مهما كان الثمن .
4- فتح باب التطوع على مصراعيه ، للشعب السوري ، ليكون له شرف تحرير بلده ، مع الإنتباه والحذر والتدقيق ، مع كل المتطوعين ، كي لا ينضم أناس من النظام ، يعملون كجواسيس له ، وأعتقد أن هناك عشرات الألوف ، بل مئات الألوف – وأنا واحد منهم - تنتظر هذه الفرصة التاريخية ، الثمينة الذهبية ، للفوز بهذا الشرف العظيم ، وليسجل اسمه في سجل الخالدين ، إما النصر ، أو الشهادة في سبيل الله .
5- الإستفادة من خبرات الثورة الليبية ، ومن مهارات كبار الضباط ، في العالم العربي والإسلامي ، لإحكام الخطة الذكية ، للهجوم في وقت واحد ، أو في أوقات متزامنة ، على مركز العصابة الأسدية ، للقضاء عليها ، وعلى مؤيديها ، قضاء مبرما ، وتطهير الأرض ، من شرورهم ، ولو بلغ عدد القتلى مئات الألوف ، لأن سورية لن تصلح ، إلا بما صلحت فيه أول مرة ، حينما حُررت من الرومان ، أثناء الفتح الإسلامي ، وطُهرت من رجسهم ودنسهم ، وهذه العصابة الأسدية ، أشر وأوسخ ، من الرومان بملايين المرات .
6- الإستمرار في المظاهرات السلمية ، مع تغيير الطريقة ، بأن يرافقها عدد من أفراد الجيش السوري الحر ، ليدافع ويذود عنهم ، ويحميهم من القتل ومن الإعتقال .
7- على الذين يُطلبون للإعتقال ، سواء من بيوتهم أو من أي مكان آخر ، ألا يسلموا أنفسهم طواعية ورخيصة ، بل يقاوموهم بأي نوع من السلاح ، ويقتلوهم ، فهذا حق طبيعي وقانوني وشرعي ، أن يدافع كل إنسان عن نفسه ، وماله وعرضه ، ولو اقتضى الأمر ، أن يُقتل ، خير له من أن يؤخذ للتعذيب ، وقد يُقتل تحت التعذيب ، وقد قرأت قبل أكثر من عشرين سنة ، حوارا لأحد قادة جبهة مورو الفليبينية الإسلامية يقول فيه : أنه يرفض رفضا باتا ، أن يُعتقل ، ويحمل سلاحه دائما معه ، ويفضل أن يُقتل ، ولا يُعتقل ، وهكذا دائما مبدأ الرجال ، الشجعان أن ينتصر ، أو يُقتل .
وقد يعترض أحدهم قائلاً أن هذه الطريقة مكلفة وغالية في الأنفس والبنية العمرانية ، للنظرة الأولى السطحية الطفولية قد تكون صحيحة ، ولكن بالنظر إلى ما وراء هذه الطريقة وما ينتج عنها فإنها أرخص بكثير من الإعتماد الوحيد على الثورة السلمية ، وأسرع في التحقيق والإنجاز ، وتضمن التخلص من أركان النظام برمته وتطهير الأرض من المجرمين ومن الجبناء الرعديدين والخائفين المهازيل ، وهذا الهدف لوحده لو دفع في سبيل تحقيقه مال سورية ومال السوريين كلهم وأصبحوا لايملكون شئ لما كان غالياً ، لأن السوريين بهمتهم العالية ، وشطارتهم الفائقة ، وابداعاتهم المتميزة ، وكفاءاتهم الخارقة ، التي لا ينافسها أي شعب عربي آخر ، يستطيعون في خلال بضع سنوات أن يعيدوا بناء سورية وأن تكون في قمة الدول العربية بما فيها الدول الغنية التي تملك الذهب الأسود والأحمر .
ونختم هذا الكلام بقول شاعر تونس العظيم حقا الشابي :
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
إن صعود الجبال تكتنفه المخاطر والمهالك ، والآلام والجراح ، وهو في حد ذاته مغامرة ومجازفة قد يفقد الإنسان حياته ، ولكن الذي يعزم ويصمم ، يصل إلى القمة ، ويستنشق الهواء النقي الصافي المنعش ، ويثبت أنه هو الإنسان الحقيقي الذي يستحق الحياة ، بينما الذي يخاف ويرتجف من صعود الجبال ، فإنه سيعيش في الجحور والمستنقعات والأنفاق وبين الأحجار خاملا ذليلا مهيناً .