تفريغ الجيش

(1 من 2)

مجاهد مأمون ديرانية



لو أردتم ترتيب الأجهزة التي يستعملها النظام ضد الشعب من حيث إجرامها وأذاها فكيف ترتّبونها؟ غالباً سوف تختلف الإجابات ويختلف الترتيب بين جواب وجواب، أما أنا فأرتبها على النحو التالي (من الأشد ضرراً إلى الأقل):

(1) المخبرون (العواينية). وضعتهم على الرأس لأنهم أصل بلاء الثورة، وسوف أتحدث عنهم وعن شرهم في مقالة قادمة مستقلة بإذن الله، ولي رأي شبه متطرف في الطريقة المناسبة للتعامل معهم (قد لا يرضى عنه المغرقون في السلمية الذين يعتبرونها موقفاً يمليه المبدأ لا موقفاً تمليه المصلحة كما بينت في مقالة تعريف السلمية).

(2) الشبيحة، فهؤلاء مجرمون وقَتَلة غير نظاميين، لا يتحركون فقط لحماية النظام كما تفعل أجهزة الأمن النظامية، بل أيضاً للمكاسب والأهواء الشخصية كالسرقة والانتقام. أيضاً سأتحدث عنهم في مقالة قادمة، وأيضاً لن يرضى عن رأيي فيهم دعاة السلمية المطلقة.

(3) أجهزة الأمن والمخابرات، وخبرهم معروف.

(4) القوات العسكرية المصمَّمة لحماية النظام، وهي تضم: فرقة الحرس الجمهوري، والفرقة الرابعة (وريثة سرايا الدفاع سابقاً ثم الوحدة 569 لاحقاً)، والقوات الخاصة التي تتكون من نخبة مدربة على الولاء المطلق للنظام، وهي موزعة على نحو عشرة أفواج مستقلة تتبع لقيادات الفيالق مباشرة وليس لقيادات الفرق.

(5) الجيش النظامي.

لا تستغربوا من هذا الترتيب. هل يُجبَر أحدٌ على الانضمام إلى عصابات الشبيحة وممارسة التشبيح، أو على الانتساب إلى أجهزة المخابرات والمشاركة في قمع الأبرياء؟ لا، إنما يصنعون ذلك مختارين ويمارسون القمع والإجرام بتصميم واستمتاع. بالمقابل يتكون الجيش النظامي -في معظمه- من مجنَّدين يقضون خدمتهم الإلزامية، وهم ليسوا سوى أبنائنا وإخواننا الذين لم ينضموا إلى الجيش مختارين بل مجبورين. حتى المتطوعون الذين انتسبوا إلى الجيش أو درسوا في الكلية الحربية وتخرّجوا فيها ضباطاً لا يلزم بالضرورة أن يكونوا أصحاب ولاء مطلق للعصابة الحاكمة، بل ربما تطوعوا في الجيش مدفوعين بوهم الدفاع عن الوطن… ربما باستثناء كبار الضباط الذين يصعب أن يصلوا إلى مناصب عالية إلا إذا كانوا أصحاب ولاء مطلق للنظام أو للحزب الحاكم.

لم أقدم الترتيب السابق من باب الثقافة وزيادة المعلومات، بل ليساعدنا في تصميم خطة مناسبة للعمل. عندما نفكر مثلاً في خيارات الثورة سنجد أن من بينها طلب التدخل الخارجي بصورة من الصور التي ناقشناها في المقالات السابقة وتشمل عمليات جوية واسعة أو حظراً جوياً يسبقه ضربٌ للدفاعات الأرضية ومحطات الرادار ومراكز التحكم، إلخ. عندما نفكر في تلك الخيارات سنجد أن ضحاياها هي أعداء الثورة الخمسة التي ذكرتها سابقاً، ولكن بترتيب معكوس: (1) سوف يتلقى الجيشُ النصيبَ الأكبر من الضربات فتتحطم آلته العسكرية ويسقط عدد هائل من جنوده ضحايا للقصف. (2) الفرقة الرابعة وفرقة الحرس الجمهوري ستتلقى ضربات مركزة على الأغلب، ولكنها ستُحاط بأشد الدفاعات الممكنة بحيث تكون خسائرها أقل من خسائر الجيش النظامي. (3) سوف تتلقى مراكز الأمن والمخابرات (العامة والسياسية والعسكرية والجوية) بعض الضربات ولكنّ مَن سيُصاب من مجرميها سيكون عدداً قليلاً جداً لأنهم سيهربون منها قبل وقت طويل من ضربها. (4) الشبيحة لن يصابوا بأذى يُذكر لأنهم سوف يتجنبون التجمع في مراكز ثابتة ويمكن أن يختلطوا بالمدنيين، فيصبح استهدافهم أقربَ إلى المستحيل. (5) المُخبرون والجواسيس لن يصلهم شيء لأنهم يعيشون أصلاً وسط جماعة السكان المدنيين.

العرض السابق سبب إضافي يمكننا تقديمه لإقناع الناس بالتخلي عن فكرة طلب التدخل العسكري الخارجي والضربات الجوية، ولكنه ليس هو الغرض من هذه المقالة. الفكرة التي أردت توضيحها هنا هي أن الجيش ليس عدواً بذاته، ليس عدواً أصلياً للشعب والثورة، بل هو أقرب إلى العبيد الذين كان الرومان يجنّدونهم من بلدان معينة ليحاربوا بهم بلداناً أخرى (وقد صنع الفرنسيون شيئاً قريباً من ذلك في بلادنا عندما جندوا الجزائريين -العرب المسلمين- لحربنا أثناء الثورة السورية الكبرى، وكانوا بين مُكرَه ومخدوع).

بما أن الجيش ليس عدواً لنا بالأصل، بل هو منّا وإلينا، فماذا تقترحون أن نصنع به؟ ندمره بأيدي غيرنا؟ فكرة غير حكيمة. نحاربه بأيدينا؟ لا تبدو هذه فكرة جيدة أيضاً. إذن ماذا؟ ببساطة: نسترجعه.

لقد أطلقَت صفحات الثورة قبل شهرين حملة موفَّقة عنوانها “لن نخدم في جيش يقتلنا”، ولكنها كانت حملة مؤقتة للأسف ولم تستمر، مع أن الحاجة إليها مُلِحّة، كما أنها اقتصرت على دعوة المطلوبين للتجنيد إلى عدم الاستجابة لطلب التجنيد. تعالوا نتعاون في ابتكار وسائل أخرى تساعدنا على استرجاع جيشنا، وبالطبع فلن نتوقع أن نسترجعه كله قبل سقوط النظام، بل ولا أكثره، لكن تذكروا أن أي جزء ننجح في استرجاعه منه هو مكسب عظيم للثورة، لأنه سيقلل أعداءها ويزيد أصدقاءها. سأقدم هنا ما يساعدني خيالي المحدود على تصوره من وسائل، ولا بد أن يُبدع قادةُ الثورة وجنودها في الشام أكثرَ منها وأفضل، فاعتبروها بداية وزيدوا عليها، وسوف أقسمها إلى مجموعتين: ما ينبغي توجيهه إلى أهالي المجندين، وما ينبغي توجيهه إلى المجندين أنفسهم. المجموعة الأولى سأعالجها في هذه المقالة، أما الثانية فسوف أناقشها في المقالة الآتية بإذن الله.

* * *

أولاً: الخطاب المطلوب توجيهه لأهالي المجندين

علينا أن نوصل المعاني التالية إلى أهالي المجندين وأن ننشرها على أوسع نطاق ممكن، نشراً شفهياً وتحريرياً، بالتواصل الفردي مع الأهل والأصحاب وبالنشر الكتابي في المواقع والمنتديات:

يا أهالي المجنّدين: أنتم تعلمون أن النظام أرسل أبناءكم إلى مدن بعيدة وأرسل أبناء تلك المدن إليكم، فإذا استجاب أبناؤكم للأوامر واستجاب لها أبناؤهم قتلكم أبناؤهم وقتلهم أبناؤكم. اكسروا تلك الحلقة الشريرة؛ اتصلوا بأبنائكم الذين يخدمون في الجيش، مجنَّدين كانوا أو متطوعين، أفراداً أو ضباط صف أو ضباطاً، وأبلغوهم الرسائل التالية:

(1) يا ابني (أو يا أخي): زملاؤك الجنود يحاصرون بلدتنا ويقتحمون بيوتنا لأن قادتهم أخبروهم أن فيها جماعات مسلحة تهاجم المدنيين والعسكريين. لقد أخبروكم بالأمر نفسه فيما يخص المدن والقرى التي تحاصرونها وتقتحمونها. يجب أن تعلم أن قادتكم كاذبون، فليس فينا مسلّحون، وأنت تعلم ذلك. لقد كذبوا على زملائك ليبرروا لهم الهجوم علينا كما كذبوا عليكم ليبرروا لكم الهجوم على غيرنا من أهل سوريا المدنيين الأبرياء.

(2) يا ابني (أو يا أخي): جنود الجيش يهاجموننا ويقتلوننا هنا فيما تهاجمون وتقتلون أهلهم حيث أنتم. توقفوا، تمردوا، حاولوا الهرب، وإذا فشلتم في كل شيء ولم يبقَ إلا خيار القتل فليكن الواحد منكم المقتولَ لا يكن القاتل. هذه الرسالة سيوصلها الأهالي الذين تحاصرونهم الآن وتهاجمونهم إلى أولادهم المجنّدين الذين يهاجموننا ويحاصروننا، فإذا حاصرتموهم أو اعتقلتموهم أو قتلتموهم فسوف يعجزون عن توصيل الرسالة، وبالنتيجة هم ونحن سنشترك في نفس المصير وسنكون ضحايا القمع الظالم.

(3) يا ابني (أو يا أخي): إن الجنود الذين يحاصرون بلدتنا ويقتحمونها ليسوا سيئين ولا يقتلون الأبرياء ولا يسرقون الممتلكات، ولكنهم يوفّرون الحماية والدعم لأجهزة الأمن التي تقوم بذلك وتقوم بما هو أسوأ من ذلك، ولا شك أنكم تعملون الشيء نفسه حيث أنتم، ولذلك فلا شك أنكم تعرفون الكثير عن جرائم عصابات الأمن. إن الجنود الذين يشاركون في الحملة علينا شركاء في الجريمة لأنهم يساعدون المجرمين على تنفيذ جريمتهم، وأنتم أيضاً شركاء في الجريمة إذا شاركتم المجرمين الذين يهاجمون المدنيين الأبرياء.

(4) لذلك فإننا نرجوكم أن تتخلوا عن مساعدة العصابات المجرمة وأن تتمردوا أو تفروا من القطعات العسكرية، ونرجوكم أن ترجوا أهالي المدن التي تقتحمونها أن يرجوا أبناءهم المجندين الذين يخدمون في المناطق الأخرى أن يفعلوا كما تفعلون، فإذا استجبتم أنتم لرجائنا واستجاب الجنود الذين يحاصرون بلدتنا لرجاء أهاليهم فسوف يرتفع ضغط كبير عن الشعب المسكين ويزداد الضغط على عصابات الأمن والشبيحة من المجرمين.

ثانياً: العمل المطلوب من أهالي المجندين

(1) امنعوا أولادكم من الالتحاق بمراكز التجنيد. عليكم -ببساطة- أن تتجاهلوا كل نداءات وطلبات التجنيد، ولا تخشوا العواقب لأن أجهزة النظام مشغولة في هذه الأيام بحيث لن تجد الوقت الكافي للبحث عن أبنائكم وجرّهم إلى الجيش. علمت أن الدفعة الجديدة سوف تُستدعى إلى الخدمة في أول تشرين، أي بعد أسبوع، فإياكم أن تستجيبوا لأي نداء استدعاء يا أيها الأحرار. إن متوسط عدد المجندين في الدفعة الواحدة هو 128 ألف عنصر تقريباً، وهذا هو العدد الذي سيكسبه النظام ويستعين به على قمع أهل سوريا الأحرار لو أنكم سمحتم لأولادكم بالالتحاق بالخدمة العسكرية الآن. أكرر: إياكم أن تستجيبوا لنداء التجنيد يا أيها الشرفاء الأحرار.

(2) القاعدة نفسها تنطبق على إعلان التعبئة الذي أطلقه الرئيس المخلوع مؤخراً (ولم يحدد موعد تنفيذه بعد). امتنعوا عن تلبية النداء، لا تلتحقوا بقطعاتكم العسكرية. رجائي هذا موجَّه إلى كل عناصر الاحتياط من ضباط وجنود، وإلى إخوانهم وأخواتهم وأمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم وأولادهم… أيُّما واحد من هؤلاء له عنصر من عناصر الاحتياط (ابن أو أخ أو زوج أو أب) عليه أن يضغط عليه وأن يمنعه من الاستجابة للتعبئة. فكروا: هل يخوض الجيش الآن حرباً ضد أعداء الوطن أم أن الاحتياط سيوجَّه لضرب أبناء الوطن؟ التخلف والعقوبة على التخلف (لو وقعت) أهون من تحويلكم إلى قَتَلة لحساب زعيم العصابة. لا تستهينوا بهذا الرجاء بل ادعموه وانشروه، فإن استجابة عناصر الاحتياط لطلب التعبئة العامة سوف يضع في يد النظام 343 ألف عنصر جديد سيستعملهم في قمع الثورة!

(3) اسحبوا أولادكم من الجيش. إذا زاركم ابنكم المجند في إجازة فامنعوه من العودة، وإذا تواصلتم معه بأي طريقة وهو في قطعته فأقنعوه بالهروب. لا تخافوا، فإن فرص القبض على الهاربين تتضاءل مع ازدياد أعدادهم. إن الأمن العسكري لا يستطيع تعقب عشرات الآلاف من الهاربين من الخدمة، وهو يواجه أصلاً مشكلة مع أكثر من اثنَي عشر ألف هارب إلى اليوم، حيث تحمل عناصر الأمن العسكري بطاقات بحث عنهم وتتعقبهم منذ شهور ولم تنجح في الوصول إلاّ إلى أقل القليل منهم. هذا أولاً، وثانياً وهو الأهم: إن عقوبة الهرب من الخدمة هي الحبس وتمديد فترة الخدمة، وربما بعض الإهانات والبهدلة، وهذا كله لا يقارَن بمصير الجندي الذي يرفض تنفيذ الأوامر. إن العصيان في ساحة الحرب يمنح الضابط المسؤول الحق في محاكمة ميدانية وإعدام فوري، وهذا هو ما يحصل باستمرار حيث استُشهد حتى الآن مئات من المجندين الشرفاء لأنهم رفضوا تنفيذ أوامر قادتهم بإطلاق النار على المدنيين. أكرر: اسحبوا أولادكم من الجيش قبل أن يتحولوا إلى قَتَلة أو إلى مقتولين.