لا لليأس، لا للسلاح، لا للتدخل الأجنبي
مجاهد مأمون ديرانية
ها هو رمضان قد انقضت أيامُه ولياليه وجاء العيد ومضى العيد، وأهلُ الشام ما يزالون يعيشون في المحنة ويعانون الكرب الشديد، فلم يودّعوا رمضان ولا ودعوا العيد إلا والآلافُ من خيرة القوم قد ذهبوا بين أسير وفقيد وشريد وشهيد، بل لقد بلغ من إجرام الطغاة البُغاة أن أوغلوا في الجُرم فقتلوا في أيام العيد الوالدَ والوليد!
لقد طال على أهل الثورة الطريق وتراكمت التضحيات حتى يئس بعضهم أو كاد. هل يُستغرَب اليأس من هؤلاء الذين يعانون في الليل والنهار منذ مئة وسبعين يوماً إلى اليوم؟ لا، ليس اليأس عليهم بغريب.
إن كنتم استيأستم اليومَ -يا ثوّارَ الشام- فقد استيأس مِن قبلكم مَن هو خيرٌ منكم، فما كان يأسُهم إلا علامةً على دنوّ ساعة نصرهم: {حتى إذا استيأس الرسلُ وظنّوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرُنا}. فلا يَحزُنكم يأسكم، فإنما هو يأس البشر الذين تعتريهم ساعات يأس كما تعتريهم ساعات أمل. هذه هي مشاعر البشر، لو نجا منها أحدٌ لنجا منها صفوةُ البشر وخيرة البشر. ولكن لا يحملَنّكم اليأسُ على تنكّب الطريق وركوب المخاطر، فتطلبوا من السُّبُل ما علمتم من قبل أنها مسالك المهالك: حمل السلاح أو الاستنجاد بالغريب.
إن السلاح في يدكم سيبقى قليلاً مهما كَثُر، وهو في يد خصمكم سيبقى كثيراً مهما قَلّ، وإن الانحدار إلى المواجهة المسلحة لَهو الانتحار. أمّا الخصم الغريب فمتى أراد الخير لكم؟ ألم يكن هو الظهرَ لعدوكم وصديقَه الحبيب إلى الأمس القريب؟ فإنْ مَدّ اليومَ إليكم يُمناه بمساعدة أو نجدة فإن يُسراه ممتدة من وراء ظهوركم بالغدر الأكيد.
يا ثوّارَ الشام الكماةُ الأبطال: إن الذي فعلتموه وحدَكم إلى اليوم ليس أقل من تحريك الجبال؛ لقد قطعتم الشوط الطويل وحققتم ما كان يبدو من المحال، فلا تستيئسوا إذا الثمنُ ارتفعَ وإذا الطريقُ طال، فإن للحرية ثمناً لا بد أن يدفعه الرجال.
لقد بلغتم هذه المرحلة من الطريق بسعيكم وحدكم وباعتمادكم على سواعدكم وعلى الله لا على أحد من الناس، لم يساعدكم العالم ولكن أنتم ساعدتم أنفسكم بثباتكم وبصبركم، وساعدكم الله من عليائه بخذلان عدوكم والربط على قلوبكم. فأما ربكم فلن يتخلى عنكم -بإذنه تعالى- بعدما وضعتم به ثقتكم واعتمدتم عليه ورجوتم نصره، وأما أنتم فأمركم في يدكم، فلا تَهِنوا ولا تيأسوا وأنتم الأعلَون الغالبون بإذن الله العليّ الكبير.
إن الأيام حُبالى بالمفاجآت الكبار وبالأحداث الجِسام، فاصبروا وعضّوا على النواجذ. لقد قطعتم من الطريق ما قطعتم فُرادى لا أحدَ في الدنيا معكم، وها هي الدنيا تصطفّ اليوم وراءكم بأمر ربكم، فإن أنتم أسقطتم الراية فلا حامل لها من بعدكم.
لقد قطعتم الشوط الأطول من الطريق ولم يبق إلا الأقل، فاصبروا وصابروا ورابطوا، وإنكم -إن شاء الله- لَمنصورون.