دائماً نحن محصورون بين ثنائية 'المذابح الوطنية'، و'التدخل الغربي' في بلداننا العربية التي تشهد طغياناً وجبروتاً تمارسه النظم العميلة للغرب على شعوبها المسلمة، ولا أحد يطرح فرضية التدخل الإسلامي أو العربي في بلدان عربية 'فاشلة' بالمعنى النظامي، نحت باتجاه الميليشياوية والبلطجة في تعاطيها مع الانتفاضات الشعبية.
ولهذه الثنائية الإجبارية أسبابها التي تجعل الطغاة ينفردون بشعوبهم تقتيلاً وتعذيباً وتشريداً وسجناً وتضييقاً في المعيشة إن هي تطلعت لنيل كرامتها وحريتها، في مقدمتها عدم توافر الإرادة لدى معظم الدول الإسلامية والعربية لاشتراكها في السلوك ذاته مع الجبابرة والطغاة في تلك البلدان 'الفاشلة'، ومنها أن هذه الدول قد ارتضت بإرادة جمعية منذ عقود خلت إذعاناً لاتفاقات الإذعان مع 'المستعمرين القدامى ـ ثم وفت مع الجدد ـ على أن تخرج من التاريخ، وتخضع لنظام أممي تتحكم فيه مجموعة من الدول 'الاستعمارية' الكبرى، وتفرض فيه حدوداً ومعايير للتدخل فيما يسمى بشؤون البلدان الداخلية الأخرى، وفرغت معها كل المنظمات الدولية الإسلامية، والإقليمية العربية، وغيرها من أي سلطة استثنائية تتحرر من قيود مجلس الأمن وقراراته الفاصلة التي تستخدمها الدول الكبرى حال تدخلها العسكري في بلدان معينة، وتحول بين التدخل العسكري الواجب من جهات أخرى لا تتسق في استراتيجياتها مع المجلس الدولي، من هنا؛ فإن منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية على افتراض موافقتهما ـ جدلاً ـ على تدخل عسكري في سوريا أو ليبيا أو اليمن، وسعيهما لإنفاذه، تكونان قد خرجتا عن النظام الدولي ذاته ويستوجب كبحهما دولياً.. هذا كله على افتراض صدق نوايا نظم دول المؤسستين، وهو افتراض واهم جداً.
ومنها أن دول تلك المجموعتين ليست على قلب واحد، ولديها تناقضات هائلة ستفرز اصطفافاً إقليمياً بديهياً؛ فعربياً مثلاً لا يفترض تدخل خليجي/مصري في سوريا من دون أن يستدعي ذلك تدخلاً عراقياً ولبنانياً إلى جانب النظام السوري الموالي لإيران، و'إسلامياً' لا يتصور غزو تركي دون تحرك إيراني واشتراك مباشر في الحرب إلى جوار بشار ونظامه، بل سيحدث تلقائياً تداخل بين هذا وذاك فوراً.
ومن ثم؛ فإن التدخل الإسلامي أو العربي يبدو مستبعداً إلا إذا فرضه توافق دولي يستحيل ألا يأخذ تداعيات ذلك في حسابه، ويجير النتائج باتجاهه هو، وحينئذ لا يبقى للدول الإسلامية والعربية إلا زيادة حجم مشاركتها في الجهود العسكرية ضماناً لترتيب جديد يضعها كلاعب رئيسي في المنطقة، وهذا أيضاً محفوف بمحددات دولية صارمة.
وتبقى الخيارات العسكرية الأخرى المتاحة محدودة بدعم المعارضة إذا ما لجأت لحمل السلاح، وهو ما تلوح به تركيا الآن عبر بعض خبرائها الاستراتيجيين القريبين من الحكومة، أو إقامة منطقة عازلة بين تركيا وسوريا داخل الأراضي السورية يمكن أن تكون منطلقاً أو معقلاً للمنشقين في الجيش السوري مثلما هو الحال وفقاً لبعض التقديرات التركية، وهو ما يمكن أن يكون أحد أكثر الاحتمالات توقعاً في تلك المرحلة.
لكن إذا لم يكن للعرب وشعوبهم المكلومة من سبيل الآن لتصحيح الأوضاع بدرجة حاسمة، وإذا كانت بعض الدول العربية والإسلامية متخوفة كثيراً من الخيار العسكري، ولا تضعه في أجندتها، فلا أقل من التدخل الاقتصادي والإعلامي والسياسي لتلك الدول، وعزل نظام سوريا سياسياً، وحصاره اقتصادياً، بطرد السفراء وإيقاف التبادل التجاري، ومنع السياحة، وملاحقته دولياً، وفرض عقوبات قاسية عليه، ودعم الثوار سياسياً وإعلامياً، وهي إجراءات لا تبدو الدول الإسلامية والعربية أيضاً متحمسة لها!!