بارجة المانية وبيشمركة كردية في البيضا وأسلحة مهربة: معادلة الفشل في الخطاب الاعلامي السوري

محمود الزيبق
\17q-0.htm

محمود الزيبقلا أجد حاجة للإغراق في كثير من تفاصيل فشل الخطاب الرسمي السوري إذ أن معالم العجز فيه أوضح من أن تستلزم تحليل مفردات هذا الخطاب ومعطياته ..تعامل النظام السوري مع الازمة منذ بدايتها بالاحجام عن التصريحات الرسمية لمسؤولي النظام مستعيضا عنها بمتحدثين ومحللين تصفهم وسائل الاعلام عادة بأنهم 'مقربون من النظام ' وهي عادة قديمة في التهرب من الشفافية ورثها بشار الأسد عن نظام أبيه الذي طالما تعامل مع الاحداث على اختلاف أحجامها بالإغفال أو سياسة التطنيش يمكننا ان نذكر هذا جيدا في مثال الأزمة مع تركيا عام 98 والتي تم اقفال ملفها بصمت سياسي سوري كبير.. في وقت كان الأتراك يفتخرون فيه بالفم الملآن عن اذعان حافظ الأسد بالسكوت عن لواء اسكندرون وتسليم عبد الله أوجلان مع ملف حزب العمال الكردستاني إلى الأبد.على ان اعتماد النظام السوري على الشح في التصريحات لم يفلح في تحصينه عن زلات السياسة التي بدت جلية في مجمل القليل الذي قدمه مسؤولو النظام .. تبدأ القصة من خطاب الأسد الأول بين التصفيق والضحك وقرض الشعر في مجلس الشعب وقد كان الزلل فيه واضح الفحش إلى درجة اضطرت الأسد إلى تحويل ظهوره الثاني في مجلس الوزراء إلى ما يشبه خطاب التأبين في الجنازات التي يمنع فيها الضحك والتصفيق أو حتى المقاطعة بشعر يجعل من الأسد قائدا للعالم أو للمجرة بكواكبها. سلسلة الفشل في خطاب السياسة هذه تنسحب إلى إلغاء وليد المعلم لأوروبا عن الخارطة وصولا الى تهديدات نقلت عن بثينة شعبان بتحويل محافظة حماة إلى قرية وكذلك ربط رامي مخلوف بين الاستقرار في سورية وإسرائيل.. قد يعترض البعض بأن رامي مخلوف ليس مسؤولا رسميا ولكن العارفين بالشأن السوري يعلمون ان تصريحات مخلوف تنتسب إلى الرسمية أكثر من تصريحات أي وزير بل وحتى رئيس الحكومة عادل سفر.اربعة عناوين للزلل الرسمي تقاسمها الأسد مع شعبان والمعلم ومخلوف ربما تغني عن الإغراق في جزئيات الخطاب الرسمي التي تحتاج إلى صفحات من تفنيد ما فيها..
حالة الارتباك هذه لا تحيط بالخطاب السياسي فحسب بل تتعداه إلى أداء الإعلام الرسمي وتطفو على سطحه كبقعة زيت أكبر مع زيادة مساحة الاتصال بالمتابعين وهو ما يجعل مساحة الفشل فيه أكبر وأظهر.. ولا ينكرها كثيرن من مؤيدي النظام بمن فيهم محللوه على الفضائيات الذين يكررون الاعتراف بها على مضض .. ووصل شيوع فشلها إلى ان يعترف الأسد نفسه به في خطابه الأخير .. وحاول ترقيع الفشل بأنه فشل في المهنية لا في المصداقية.. وانا اظن أنه أراد ان يكحلها فأعماها .. كيف والتلفزيون السوري الذي استمرت مؤسسته في العمل منذ أكثر من 50 سنة يعتبر حسب العمر جدّاً لكل القنوات الفضائية 'المتآمرة' التي لا يصل عمر أطولها عمرا إلى 15 عاما.

صحافة 'مستقلة'

الفشل في الاعلام الرسمي يعود إلى سببين رئيسين الأول منهما بنيوي .. إذ ان كثيرا من العاملين في اعلام النظام هم ممن عينتهم الوسائط والمحسوبيات ومدى التملق من النظام بل وكتابة التقارير للمخابرات والتي في أغلب الأحيان تكون المؤهل الأساسي للصعود والترقي الوظيفي وصولا الى منصب الوزارة.. ووزير الاعلام الحالي مثال على الطرق المعوجّة للوصول الى هذا المنصب حيث اخرج من التدريس في كلية الطب ورئاسة قسم الجراحة في مشفى الاسد الجامعي ليصبح وزيرا للاعلام لمجرد أنه كان يوما طبيبا شخصيا لحافظ الاسد.لا نقصد بهذا أبدا الحط من قدر العاملين في وسائل الاعلام السورية بالاجمال ففيها بلا شك الكثير من المهنيين المتميزين وكثير منهم لا يرضون بأداء مؤسساتهم مهنيا وبعضهم يكابر على ما هو فيه كما ان آخرين يعملون تحت الضغوط الصعبة ومنهم من استقال احتجاجا كفرحان مطر من التلفزيون السوري وإياد عيسى من صحيفة تشرين . نذكر أيضا ان كثيرا من المستقلين في آرائهم من الموظفين في صحف النظام ممنوعون اليوم من إدراج أي مقال في شأن الثورة. ومن الطبيعي أن نرى هذا في نظام كان منذ بداياته عدوا للاعلام والصحافة الحرة .. وقد عاشت سورية عقودا في عهد حافظ الأسد في ظل صحافة حكومية فحسب رأى الأسد الابن ان يعدلها بتطوير وتحديث يجلب إلى سورية صحافة تسمى في القانون 'مستقلة ' وفي الحقيقة يتقاسمها رامي مخلوف ومجد بهجت سليمان ومناف مصطفى طلاس وغيرهم من أبناء ضباط الجيش والاستخبارات الذين يملكون هذا الاعلام المنعوت 'بالخاص' بينما يتنافس ملاكه في أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك.في نماذج عداء الصحافة أيضا نتحدث عن قسم الاعلام في جامعة دمشق والذي تحول هذا العام إلى كلية بعد ان تبرعت دولة الإمارات ببناء مبناه الجديد ثم فوجئ الطلاب مع افتتاحها بأن معظم مدرجاتها قد استخدمت من قبل أقسام كلية الآداب وكانت أول نتائج هذا التطوير والتحديث خفض عدد المقبولين الجدد في الكلية اليتيمة إلى 125 طالبا من سورية كلها بعد ان كان القسم يستوعب سابقا بين 400 إلى 500 طالب سنويا وهي سابقة حصرية للنظام السوري بان يكون تحول القسم الذي كان له مدرّج واحد من كلية الآداب إلى كلية في مبنى مستقل كبير سببا في خفض طلابه إلى الربع!! مع تاكيدنا على ان رقم ال 500 ضئيل جدا أيضا نسبة لعدد السوريين أو نسبة للكليات والاقسام الأخرى ..
ندمان يا سيدي

إضافة إلى المشكلة البنيوية في إعلام النظام .. فإن السبب الثاني والأهم لفشل الاعلام هو ان من يقود الاعلام الرسمي ليسوا من الصحافيين وإنما من المعتمدين من أجهزة الاستخبارات والذين قد يسول لهم ذكاءهم أن أي كذبة منبعها جهلهم ببديهيات الحياة فضلا عن بديهيات الصحافة والاعلام .. يمكن تمريرها في الاعلام على انها حكاية مقنعة .. والامثلة هنا تكثر عن العدد .. لكن فيها ما بلغ حد الطرافة العامة كحكايات المطر .. والاستقرار وحركة الأسواق.. والبارجة الألمانية.. والمصور المصري.. والبيشمركة في البيضا .. وحمزة الخطيب الطفل الذي أراد سبي النساء!! .. وشحنات الأسلحة المهربة .. وأسلوب الاعترافات على طريقة علاء الدين الأيوبي 'ندمان يا سيدي' والذي يبدو ان النظام اكتشف اخيرا انه لا يقنع حتى المخابرات انفسهم فتخلوا عنه ولم نعد نرى منه الكثير.من حق هذا الزواج بين ضباط المخابرات وفساد الاعلام ومؤسساته ان ينجب مثل هذا المسخ الإعلامي الذي يقدمه النظام اليوم ليكون مصيبة مضافة إلى مصائبه.. وتبقى المشكلة الأكبر للاعلام السوري أنه إعلام عكس الواقع. إعلام الكذب الذي وصفه ممدوح عدوان قبل سنوات بقوله 'الاعلام السوري يكذب حتى في أخبار الطقس' ..دعوا هذا كله فلحقيقة الفشل في الخطاب الرسمي السوري جانب أهم .. هو بقعة الضوء المبهرة التي يتكبد شباب الثورة العناء لتصويرها بجولاتهم وإخراجها إلى النور ويموت دون هذه الحقيقة في كل يوم عشرات منهم .. ليقولوا لاعلام النظام أنت كاذب بأدلة عدساتنا .. في ظل غياب الاعلام عن سورية يحجز كل واحد من هؤلاء الأبطال دور المراسل الحربي الذي يقف مقابل الرصاصة لنقل الحقيقة للعالم .. وهي رسالة نوجهها لمنظمة 'مراسلون بلا حدود ' لتاخذ في اعتبارها تضحيات هؤلاء وموتهم دون الحقيقة .. لتضيف شهادتهم إلى شهادة غيرهم من المراسلين الذين ماتوا لإيصال الخبر للآخرين .. ولتضيف الأسد إلى قائمة 'الصيادون' التي تصنف فيها المنظمة أكثر الناس خطرا في قمع الصحافة وملاحقة الصحفيين .
' كاتب من سورية