هزتني للأعماق أخبار قصف القوات البحرية السوريةللشاطئ السوري بما في ذلك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين هناك
ليس فقط لأنني عشت في هذا المخيم في العام الماضي ، على هذه الجبهةالمائية,عندما ماطل الديكتاتور حسني مبارك بالسماح لقافلة "تحيا فلسطين 5" بالابحار الى قطاع غزة (بعد أكثر من أسبوعين من كرم الضيافة السورية أبحرت القافلة على الرغم من أنني أنا شخصيا لم يسمح لي بذلك) أهل اللاذقية ، المنتجع الجميل على البحر, كانوا كرماء معي و لا أستطيع أن أبقى صامتا حيال معاناتهم الآن.
الأهم من ذلك أن الخبر كان صادما من حيث اظهاره لمدى اقارابنا الآن من حرب أهلية واسعة النطاق في "آخر بلد عربي" ، كما قد كنت وصفت سورية في خطاب ألقيته في مكتبة الأسد قبل خمس سنوات ، بعد صد الهجوم الاسرائيلي على لبنان من قبل المقاومة -بقيادة حزب الله - المدعومة من سوريا.
تاريخيا ، لم أكن على مقربة من النظام السوري ، وأنا أكتب هذا النص الآن من بيتي الذي أسميه "تل الزعتر" تيمنا بمخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي تعرض لمجزرة وطأ لها أسد آخر قبل ثلاثين عاما مضت ، ونفذت من قبل حلفائه من الكتائب
كنت مع ياسر عرفات في كفاحه الطويل للحفاظ على منظمة التحرير الفلسطينية مستقلة عن اليد الدموية لحزب البعث السوري. وقفت مع العراق عندما حاولت ٢٩ بلدا تدميره في حرب العراق الأولى في عام 1991 ..احدى تلك الدول كانت سوريا الاسد.
ولكن في أرض العميان يصير الأعور ملكا, وبحلول عام 2006 بشار الاسد كان آخر زعيم عربي صامد: سورية ليست مكروهة بسبب ما فعلته من سيئات بل بسبب ما فعلته من حسنات -قلت في تلك الليلة في مكتبة الأسد- لأن سوريا رفضت التوقيع على سلام استسلامي مع إسرائيل ، و رفضت التخلي عن أراضيها في الجولان المحتلة بشمل غير مشروع ورفضت التخلي عن المقاومة الفلسطينية ، وواصلت تقديم ملاذ آمن للقادة والمقاتلين -عمليا-لكل منظمات المقاومة وتصر سوريا على دعم المقاومة اللبنانية ، ورفضت السماح باستخدام أراضيها كقاعدة ضد المقاومة في العراق وهكذا دواليك.. كان كل شيء صحيحا بالطبع لكنها ليست الحقيقة كاملة.
الجانب المظلم للنظام السوري بطابعه الشمولي ، و عقلية الدولة البوليسية وقبل كل شيء الفساد العميق الجذور والذي في تفاقم خيالي عن طريق التحول الليبرالي الجديد مع الخصخصة المصاحبة له ، واستبدال ملكية الدولة بالملكية الخاصة التي تذهب لفئة بعينها مرتبطة بالنظام ، كان هذا الجزء من الحقيقة مخفيا جزئيا بالطابع المعادي للإمبريالية بالقومية العربية للشعب السوري وحكومته وهذه هي التجربة المعاشة لمعظم السوريين لأكثر من أربعين عاما..هذا ظلام كثيف
من الممكن أن يحكم على سوريا بالنظر إلى طبيعة أعدائها: إسرائيل والولايات المتحدة والإمبريالية البريطانية والفرنسية ، والرجعيين العرب ، والمتعصبين من السلفيين الطائفيين. هذا كان ممكنا ما دام الشعب السوري يؤيد أو يهادن الى حد كبير النظام حتى لو كان لمجرد الخوف مما هو أسوأ, و ما دام الرئيس السوري بشار الأسد يوفر أملا ياصلاح حقيقي نحو الديموقراطية المفتوحة ووضع حد للفساد المستشري الذي يتركز في محيط عائلته والمقربين منه. هذا الأمل بات يتدلى بخيط رفيع.
وصف الانتفاضة ذات الشعبية في سوريا ، التي تستمر يوما بعد يوم منذ أشهر مع ارتفاع مستمر بالثمن الذي يدفع بالدماء بأنها أعمال "الارهابيين" و "مسلحين" هو تشويه جسيم للواقع, النظام نفسه هو من يظهر أكثر قأكثر كالإرهابي..وهو صاحب العتاصر المسلحة بالتأكيد. الانتفاضة شعبية حقيقية حتى لو كان مخترقة من قبل كل أعداء سوريا_أعداء العرب جميعا من وجهة نظري
المشكلة الأكبر هي أنه كلما توسع نطاق القتال كلما صار أكثر احتمالا لهؤلاء الأعداءالتوصل إلى نتيجة ترضيهم وهي أن تأخذ سوريا من المعسكر الوطني التقليدي إلى معسكر الانهيار و الطائفية والاستسلام والمهانة
انها مهلة خمس دقائق في سورية بالنسبة بعد سنوات تحدث فيها الرئيس عن الاصلاحات بينما كانت تزداد باضطراد مكاسب أقاربه غير المشروعة
وقد تحدث عن رفع حالة الطوارئ في حين يرأس (واحدة من أسوأها) تحدث عن إنهاء الاحتكار الدستوري لحزب البعث ك "قوة رائدة" في البلاد لكنه لا يزال موجودا ، على الورق على الأقل إن لم يكن في الشوارع. و تحدث عن الانتخابات لكن ليس هناك ما يدل عليها..وكيف يمكن أن يكون هناك وسط المذبحة؟
خطر التدخل الإمبريالي في هذه الحالة يزيد كل ساعة من قبل أعداء الفلسطينيين والعرب جميعا، لسوريوم الذين كانوا دائما في قلب القومية العربية لا يرغبون في هكذا تدخل،يجب تجنب هكذا تدخل بأي ثمن.
على النظام السوري إبرام اتفاق عاجل للشروع في الانتخابات ، و السماح بالإعلام الحر ، والمعارضة السياسية والقانونية ووضع حد للمجزرة ، الدولة ستنهار تحت وطأة سفك الدماء وسط أنقاض ذلك ، فإن ردود الفعل ، والكراهية الطائفية والخيانة ستجد مرتعا لها ومكانا للعمل