صمد الشعب السوري الثائر أمام بطش ووحشية
عصابات الأسد من قوى الأمن والشبيحة وعصابات الفرقة الرابعة، وفي كل يوم
يفاجئ هذا الشعب الأبي العالم ببسالة
أبنائه وبناته الثائرين على الظلم والطغيان. من أهم ميزات الثورة السورية
بأنها ثورة أستمدت كل مقوماتها من معطيات وشروط سورية داخلية بحتة.
فالحركة الشعبية السورية إنطلقت وتوسعت حتى عمت كل الأرض السورية بفعل
عوامل داخلية بالدرجة الأساسية. وقد ساهمت الأجواء الثورية العربية التي
بدأت في تونس الخضراء وتبعتها بالنصر الحاسم في أرض الكنانة مصر الحرة في
استنهاض الهمم ورفع روح التحدي عند جماهير الأمة العربية وفي أوساط الشعب
السوري، ورفعت أحداث أيام المواجهة في تونس ومصر من درجة الأستعدادات
الشعبية للمواجهة من أجل نيل الحرية والكرامة لسوريا ومن أجل بناء غد أفضل
للأجيال القادمة. فثورة الحرية والكرامة السورية التي انطلقت من درعا في
منتصف شهر مارس عمت الأرض السورية ومضت في طريقها إلى يوم النصر المبين
بعون الله بهمة شعبها وقدرات وتضحيات أبنائها الذاتية.
فقد نضجت في سوريا كل الظروف وتوضحت كل الأسباب لدفع الجماهير السورية إلى
حمل ثورتهم المباركة إلى ساعة النصر. فظلم عصابات الحكم في سورية طالت
خلال الأربعين عاماً الماضية كل فئات المجتمع السوري،وشمل شر هذه العصابات
كل أطياف الشعب السورية على إختلاف توجهاتهم ومنظلقاتهم السياسية
والإجتماعية وعلى إختلاف إنتماءاتهم الدينية والعرقية.
إن مصدر قوة الثورة السورية يكمن في عزيمة أبناء الشعب الذي يصنعها.
فالعالم كل العالم وقف موقف المتفرج طوال الخمسة أشهر من عمر الثورة
السورية. فمنهم من كان متشكك من قدرة الشعب السوري على الصمود في وجه هؤلاء
الحكام القساة. ومنهم من تآمر ومنح الأسد وعصابته الوقت الكافي لقمع
الحراك الشعبي السوري لوأد هذه الثورة في مهدها. ومنهم من قدم يد العون
والمساعدة لعصابات الحكم المارقة لأن في بقاء هذا النظام مصلحة فؤية أو
مصلحة قومية أو مصلحة إستعمارية له، كحكام إيران والمليشيات التي دور في
فلكها، والكيان الصهيوني، والإدارة الأمريكية على سبيل المثال. حتى أن
جزءاً من أبناء الأمة العربية، وربما بحسن نية، وقع منهم في فخ أكاذيب وزيف
إدعاءات نظام الردة في دمشق وتوهم في أكذوبة "الممانعة والمقاومة" التي
يتلبسها نظام الخيانة وبائع الجولان ويدعيها. لكن الشعب حمل ثورة وسار بها
إلى الأمام وتوالت الأحداث وسال الدم السوري بغزارة على الأرض السورية
الطيبة, وسطر الشعب السوري اسطورة الفداء والتضحية المنقطعة النظير من أجل
نيل الحرية والكرامة الإنسانية. سيظل التاريخ الإنساني يذكربسالة وعزيمة
ثوار سوريا إلى ماشاء الله في مستقبل الأيام.
لقد حدثت تطورات سياسية عربية ودولية كبيرة في الأيام الأخيرة تصب بمجملها
في صالح الثورة السورية. جاءت تلك التحولات العربية والدولية متتالية
ومتسارعة لتنصف الشعب السوري الثائر وتشد من أزر أبنائه، وتكشف في نفس
الوقت دموية وهمجية عصابات عائلة الأسد وشاليش ومخلوف ومن لف لفهم من شبيحة
وحرامية ومرتزقة من حثالات المجتمع السوري وتعزلهم شر عزلة. لقد انشكفت
هذه العصابات أمام العالم، وانكشف معهم الحليف الإيراني من جديد، وبدأت
القوى العربية والدولية تصطف إلى جانب الشعب السوري الثائر وكل حسب أهدافه
ومطامحه. لكن الأكيد في كل هذه التطورات السياسية المتسارعة تؤشر على قرب
نهاية حكم العصابات في دمشق. والأكيد في كل هذه التطورات أنها حصلت
وسيتبعها الكثير من المواقف العربية والدولية تحت تأثيرالصمود البطولي
للشعب السوري الباسل. لقد أراد شعبنا السوري الحياة واستجاب العالم لإرادته
الفولاذية. إرادة شعب سأم الظلم والطغيان ولم يعد قابلاً للتعايش مع نظام
العصابات وقرر أسقاطها مرة واحدة وإلى الأبد. وقد قرر الشعب السوري بناء
دولة عصرية حديثة على أنقاض هذا النظام المتهالك يتم فيها تداول السلطة حسب
نتائج صناديق الإقتراع، ويكون الناس فيها متساوون في الحقوق والواجبات
وحسب نصوص دستور عصري يعترف بحقوق الناس ويكفلها.
لقد تقهقرت كل إمكانيات النظام القمعي، وحوصر هذا النظام في أضيق الزوايا
وانكشفت ألاعيبه واحترقت أوراقه الواحدة تلو الأخرى ولم يعد يملك الكثير من
الأوراق ومجالات المناورة. فتغير الموقف الروسي لصالح الثورة السورية ذو
دلالات محلية ودولية كبيرة. والقيادة الروسية في دولة عظمى حليفة لهذا
النظام لعقود طويلة لا تغير من مواقفها السياسية تجاه هذا النظام إلا إذا
توصل قادتها إلى نتائج جديدة وحقيقية، وذات أبعاد إستراتيجية بتأثيراتها،
مفادها أن نظام عصابة الأسد آيل للسقوط لا محالة، ومن غير الممكن بعد
إمكانية استمرار هذا النظام. فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير ميدفيدف في
المقابلة التلفزيونية في 4. 8. 2011 في حديثه عن الأوضاع السياسية في سوريا
حيث قال: سيكون مصير النظام السوري محزناً إذا لم يسرع في تطبيق الإصلاحات
في البلد ويعمل بأسرع وقت على نقل النظام السياسي في سوريا إلى نظام
ديمقراطي عصري وتحقيق المصالحة مع المعارضة السورية.
في نفس الوقت تواترت تصريحات المسؤولين في البيت الأبيض الأمريكي عن فقدان
الأسد وسلطته أي شرعية، بدأت الإدارة الأمريكية التفكير بشكل جدي بفترة ما
بعد نظام الأسد. وهذا تأكيد على حتمية سقوط نظام الطاغية الصغير بشار
الأسد. وقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون أكثر من مرة في الأيام
الأخيرة عن فقدان الأسد للشرعية وأنه لأصبح غير قادر على الإصلاح وغير قادر
على إخراج سوريا من أزماتها السياسية الراهنة. وصرح أوباما في 10. 8. 2011
وقال أن سورية من غير الأسد أفضل، هذا وفي إشارة مباشرة على ضرورة تنحي
الأسد عن السلطة وترك الشعب يقرر مصيره.
وقد تصاعدت لهجة مسؤولي الحكومة التركية تجاه سلطة عصابات الأسد، وكان
آخرها تصريح لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بمنح الأسد فترة أسبوعين
لتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية في البلاد، وإلا سيكون له حديث أخر مع الأسد
وسلطته.
وعلى الصعيد العربي تتابعت المواقف المباشرة والصريحة التي تدين عصابات
الأسد وتدعم مطالب الشعب السوري الثائر العادلة. وقد صرح مسؤول في وزارة
الخارجية الكويتية عن إدانته لقتل المدنيين السوريين برصاص قوات الأمن
السورية. وقبل ذلك صرح سعد الحريري وجهر بإدانته لسياسات السلطات السورية
القمعية ضد المواطنين السوريين العزل. وكان أهم تلك التغيرات السياسية على
الساحة العربية هو الخطاب الذي ألقاه الملك عبدالله بن عبد العزيز حول
الأوضاع في سوريا ووضع فيه الأسد وعصابته أمام خيارين إما الإستجابة لمطالب
الشعب السوري الثائر وإما المتابعة في السير إلى الهاوية . وجاءت بعدها
سلسلة سحب السفراء من دمشق لعدد من الدول العربية الخليجية وعلى رأسها
المملكة العربية السعودية لتكون فاتحة طريق لنزع الشرعية العربية والدولية
عن نظام الأسد الإستبدادي. وانضمت مصر على لسان وزير خارجيتها محمد كامل
عمرو في تصريحات علنية متتالية في القاهرة وأنقرة وبرلين إلى الجبهة
العربية والدولية المطالبة بوقف آلة القمع والإجرام التي يقودها ماهر وبشار
الأسد ضد الشعب السوري الثائر الأعزل. وتستمر الإصطفافات العربية والدولية
وتزداد كل يوم في الوقوف إلى جانب مطالب الشعب السوري العادلة. وربما تتخذ
في الأيام القادمة بعض الدول المترددة حتى الآن والأعضاء في مجلس الأمن
الدولي مواقف صريحة في إدانة سلطة الأسد، حيث قام وفد مشترك من الهند
والبرازيل وجنوب أفريقيا في 9. 8. 2001 بزيارة دمشق وصفت بأنها تهدف لحث
النظام على وقف حمامات الدم التي ترتكبها السلطات السورية بحق الشعب السوري
الثائر.
وهناك مؤشر جديد ومهم له علاقة مباشرة في الوضع السوري ويجب رصده وله
علاقة بالحليف الوحيد لسلطة عائلة الأسد، ألا وهو الموقف الإيراني الجديد.
هذا الموقف الذي صرح به نائب رئيس البرلمان الإيراني البوجردي في القاهرة
في 10. 8. 2011 ، حيث قال أن حل المشكلة في سورية يأتي ليس من خلال الحل
الأمني بل من خلال الحوار مع كل الأطراف في المعارضة السورية، وفي تحقيق
مطالب الشعب السوري والمعارضة السورية، وعلى العالم مساعدتهم في ذلك. إن من
بين كلمات هذا المسؤول الإيراني يشتم رائحة تنصل الحكومة الإيرانية من
إلتزاماتها تجاه النظام في دمشق، واستعدادية أولية إيرانية لترك النظام
المتهالك، بعد كل هذه التطورات السياسية المحيطة في القضية السورية، ليلقى
مصيرة المحتوم لوحده. ربما أدرك الإيرانيون مؤخراً حتمية سقوط النظام
الأمني في دمشق، وأدركوا بشكل جدي عدم إمكانية إنقاذ نظام الأسد، في حين أن
الإيرانيين هم من دفعوا بأقطاب هذا النظام الأمني وشجعوهم في السير على
طريق الإجرام والعبث بحياة المواطنين السوريين، وهم من شارك عملياً في هذا
الإجرام والعبث بأرواح أبناء الشعب السوري. وربما استقر رأي حكام طهران
أخيراً على عدم ربط مصيرهم بمصير شريكهم المتهالك في دمشق، وهم أقدر الناس
على معرفة حقيقة النظام الداخلية، حيث زرعوا خلال السنين الماضية عملائهم
وجواسيسهم في كل مفاصل الدولة السورية، وفي كل قيادات الجيش والأجهزة
الأمنية السورية المختلفة.
كل هذه المواقف والتطورات السياسية العربية والدولية الأخيرة تؤشر بأن
تحولاً جذرياً قد طرأ على موقف العالم من عصابات الأمن الحاكمة في سوريا.
وأصبح العالم يدرك أن هذا النظام زائل لا محالة، ولم يعد في الإمكان
التعايش معه. فنظام عصابة الأسد لم يستطع خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من
وقف الإحتجاجات الشعبية السورية، أو حتى والتقليل من زخم الثورة السورية
المباركة. فالثورة تتصاعد بشكل مضطرد كمياً ونوعياً ووصلت إلى كل حارة
وشارع في ربوع سوريا الحبيبة،على الرغم من زج كل هذا الكم من القوى
العسكرية والأمنية، ومن عصابات المرتزقة من شذاذ الآفاق من الشبيحة
والبلطجية. لقد أدرك العالم أن كل ما فعله النظام السوري صار غير مجدي،
وفقدت السلطات السورية السيطرة على المدن والمحافظات السورية الواحدة تلو
الأخرى. ويدرك ساسة العالم اليوم بأن القمع والقتل ضد الشعب حتى وإن أخمد
مدينة أو منطقة من المناطق إلى حين فإن الثورة في سورية تتواصل وتتصاعد
بشكل مضطرد باستمرار.
يمكن تلخيص بشائر نصر الثورة السورية في عدة نقاط :
· الصمود الأسطوري للشعب السوري الباسل الثائر أمام آله القمع والإجرام الأسدية الحاقدة
· تصاعد المد الجماهير السوري المشارك في الثورة والملتف حول الثورة بشكل مستمر
· التآكل والتناقص المتسارع في قدرات وإمكانيات النظام على المستوى الأخلاقي والسياسي والإقتصادي وحتى العسكري
· تتابع إحتراق أوراق الضغط التي كان النظام يمتلكها في الساحة العربية والدولية بفعل الثورة
· تصاعد حدة الضغط العربي والدولي على النظام وأزلامه وتزايد تأثيرات هذه الضغوط يوماً بعد يوم
· تصاعد حركة التضامن الشعبية العربية والدولية مع الشعب السوري الباسل ومع أهداف ثورته.
إن إنتصار الثورة السورية مؤكد وتدعمه التغيرات الإستراتيجية الكبرى التي
حدثت في العالم خلال العقدين الأخيرين، والتي تتلخص بتوالي سقوط
الدكتاتوريات في العالم وتوسع رقعة بناء دول على أسس الديمقراطية. تلك
التطورات التي أنهت حكم الدكتاتوريات وحكم الحزب الواحد والقائد الأوحد
الملهم، وحكم العائلات وحكم عصابات الأجهزة الأمنية، التي كانت سائدة في
حقب سالفة من الزمن.
بعد موجة التغيرات الجذرية التي عمت قارة أمريكا اللاتينية دول أوروبا
الشرقية وأغلب دول أسيا وأفريقيا، حيث إنتهت جل الحكومات السلطوية
والدكتاتورية التي كانت سائدة وتحكم في أغلب دول تلكل المناطق، قد سقطت
وزالت، وحلت مكانها حكومات ديمقراطية بدساتير عصرية تحترم حرية المواطن
وتعترف بحقوقه وواجبته، وتساوي بين الناس بالمواطنة بصرف النظرعن
إنتماءاتهم العرقية والدينية. لقد إنهارت الحكومات الفاسدة، وقدم قادتها
أمام المحاكم أو تم إعدامهم من قبل الجماهير الثائرة كما حصل لشاوشيسكو
وزوجته في رومانيا. وسوهارتوا في أندونيسيا.
وصلت عاصفة التغيير إلى الوطن العربي. وبدأت الثورة على الأنظمة الفاسدة،
وأنتصر الشعب في تونس ومصر. وهناك عدد من الدول العربية مرشحة لتغييرات
سياسية وإجتماعية جذرية في المنطقة العربية. لن يستطيع أحد إيقاف هذه
التطورات الإيجابية التي تبشر بالخير لمصلحة الشعوب الثائرة. وإن سوريا هي
أحد الدول الأساسية المرشحة لهذه التغيرات الجذرية، ولقد أصبح سقوط نظام
الشبيحة الإستبدادي القائم في دمشق مسألة وقت لا غير. كل التطورات الجارية
على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي تؤكد أن نظام الأسد سائر إلى
نهايته المحتومة. كما تنبأ الرئيس الروسي ميدفيدف بأن نهاية هذا النظام
ستكون بكل تأكيد "نهاية محزنة" ونهاية محزنة لأقطابه ولمن والاهم وربط
مصيره العاثر بهم. وبعدها لن ينفع هؤلاء الندم. لقد بدأ نظام الأسد
بالتآكل، وبدأ في الترنح أمام صمود الشعب السوري الأسطوري. وبانت خيوط فجر
سوريا الحرة تتسرب من عتمة الليل البهيم وصار بزوغ الصبح ليس بالبعيد.
عصابات الأسد من قوى الأمن والشبيحة وعصابات الفرقة الرابعة، وفي كل يوم
يفاجئ هذا الشعب الأبي العالم ببسالة
أبنائه وبناته الثائرين على الظلم والطغيان. من أهم ميزات الثورة السورية
بأنها ثورة أستمدت كل مقوماتها من معطيات وشروط سورية داخلية بحتة.
فالحركة الشعبية السورية إنطلقت وتوسعت حتى عمت كل الأرض السورية بفعل
عوامل داخلية بالدرجة الأساسية. وقد ساهمت الأجواء الثورية العربية التي
بدأت في تونس الخضراء وتبعتها بالنصر الحاسم في أرض الكنانة مصر الحرة في
استنهاض الهمم ورفع روح التحدي عند جماهير الأمة العربية وفي أوساط الشعب
السوري، ورفعت أحداث أيام المواجهة في تونس ومصر من درجة الأستعدادات
الشعبية للمواجهة من أجل نيل الحرية والكرامة لسوريا ومن أجل بناء غد أفضل
للأجيال القادمة. فثورة الحرية والكرامة السورية التي انطلقت من درعا في
منتصف شهر مارس عمت الأرض السورية ومضت في طريقها إلى يوم النصر المبين
بعون الله بهمة شعبها وقدرات وتضحيات أبنائها الذاتية.
فقد نضجت في سوريا كل الظروف وتوضحت كل الأسباب لدفع الجماهير السورية إلى
حمل ثورتهم المباركة إلى ساعة النصر. فظلم عصابات الحكم في سورية طالت
خلال الأربعين عاماً الماضية كل فئات المجتمع السوري،وشمل شر هذه العصابات
كل أطياف الشعب السورية على إختلاف توجهاتهم ومنظلقاتهم السياسية
والإجتماعية وعلى إختلاف إنتماءاتهم الدينية والعرقية.
إن مصدر قوة الثورة السورية يكمن في عزيمة أبناء الشعب الذي يصنعها.
فالعالم كل العالم وقف موقف المتفرج طوال الخمسة أشهر من عمر الثورة
السورية. فمنهم من كان متشكك من قدرة الشعب السوري على الصمود في وجه هؤلاء
الحكام القساة. ومنهم من تآمر ومنح الأسد وعصابته الوقت الكافي لقمع
الحراك الشعبي السوري لوأد هذه الثورة في مهدها. ومنهم من قدم يد العون
والمساعدة لعصابات الحكم المارقة لأن في بقاء هذا النظام مصلحة فؤية أو
مصلحة قومية أو مصلحة إستعمارية له، كحكام إيران والمليشيات التي دور في
فلكها، والكيان الصهيوني، والإدارة الأمريكية على سبيل المثال. حتى أن
جزءاً من أبناء الأمة العربية، وربما بحسن نية، وقع منهم في فخ أكاذيب وزيف
إدعاءات نظام الردة في دمشق وتوهم في أكذوبة "الممانعة والمقاومة" التي
يتلبسها نظام الخيانة وبائع الجولان ويدعيها. لكن الشعب حمل ثورة وسار بها
إلى الأمام وتوالت الأحداث وسال الدم السوري بغزارة على الأرض السورية
الطيبة, وسطر الشعب السوري اسطورة الفداء والتضحية المنقطعة النظير من أجل
نيل الحرية والكرامة الإنسانية. سيظل التاريخ الإنساني يذكربسالة وعزيمة
ثوار سوريا إلى ماشاء الله في مستقبل الأيام.
لقد حدثت تطورات سياسية عربية ودولية كبيرة في الأيام الأخيرة تصب بمجملها
في صالح الثورة السورية. جاءت تلك التحولات العربية والدولية متتالية
ومتسارعة لتنصف الشعب السوري الثائر وتشد من أزر أبنائه، وتكشف في نفس
الوقت دموية وهمجية عصابات عائلة الأسد وشاليش ومخلوف ومن لف لفهم من شبيحة
وحرامية ومرتزقة من حثالات المجتمع السوري وتعزلهم شر عزلة. لقد انشكفت
هذه العصابات أمام العالم، وانكشف معهم الحليف الإيراني من جديد، وبدأت
القوى العربية والدولية تصطف إلى جانب الشعب السوري الثائر وكل حسب أهدافه
ومطامحه. لكن الأكيد في كل هذه التطورات السياسية المتسارعة تؤشر على قرب
نهاية حكم العصابات في دمشق. والأكيد في كل هذه التطورات أنها حصلت
وسيتبعها الكثير من المواقف العربية والدولية تحت تأثيرالصمود البطولي
للشعب السوري الباسل. لقد أراد شعبنا السوري الحياة واستجاب العالم لإرادته
الفولاذية. إرادة شعب سأم الظلم والطغيان ولم يعد قابلاً للتعايش مع نظام
العصابات وقرر أسقاطها مرة واحدة وإلى الأبد. وقد قرر الشعب السوري بناء
دولة عصرية حديثة على أنقاض هذا النظام المتهالك يتم فيها تداول السلطة حسب
نتائج صناديق الإقتراع، ويكون الناس فيها متساوون في الحقوق والواجبات
وحسب نصوص دستور عصري يعترف بحقوق الناس ويكفلها.
لقد تقهقرت كل إمكانيات النظام القمعي، وحوصر هذا النظام في أضيق الزوايا
وانكشفت ألاعيبه واحترقت أوراقه الواحدة تلو الأخرى ولم يعد يملك الكثير من
الأوراق ومجالات المناورة. فتغير الموقف الروسي لصالح الثورة السورية ذو
دلالات محلية ودولية كبيرة. والقيادة الروسية في دولة عظمى حليفة لهذا
النظام لعقود طويلة لا تغير من مواقفها السياسية تجاه هذا النظام إلا إذا
توصل قادتها إلى نتائج جديدة وحقيقية، وذات أبعاد إستراتيجية بتأثيراتها،
مفادها أن نظام عصابة الأسد آيل للسقوط لا محالة، ومن غير الممكن بعد
إمكانية استمرار هذا النظام. فقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير ميدفيدف في
المقابلة التلفزيونية في 4. 8. 2011 في حديثه عن الأوضاع السياسية في سوريا
حيث قال: سيكون مصير النظام السوري محزناً إذا لم يسرع في تطبيق الإصلاحات
في البلد ويعمل بأسرع وقت على نقل النظام السياسي في سوريا إلى نظام
ديمقراطي عصري وتحقيق المصالحة مع المعارضة السورية.
في نفس الوقت تواترت تصريحات المسؤولين في البيت الأبيض الأمريكي عن فقدان
الأسد وسلطته أي شرعية، بدأت الإدارة الأمريكية التفكير بشكل جدي بفترة ما
بعد نظام الأسد. وهذا تأكيد على حتمية سقوط نظام الطاغية الصغير بشار
الأسد. وقد صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون أكثر من مرة في الأيام
الأخيرة عن فقدان الأسد للشرعية وأنه لأصبح غير قادر على الإصلاح وغير قادر
على إخراج سوريا من أزماتها السياسية الراهنة. وصرح أوباما في 10. 8. 2011
وقال أن سورية من غير الأسد أفضل، هذا وفي إشارة مباشرة على ضرورة تنحي
الأسد عن السلطة وترك الشعب يقرر مصيره.
وقد تصاعدت لهجة مسؤولي الحكومة التركية تجاه سلطة عصابات الأسد، وكان
آخرها تصريح لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بمنح الأسد فترة أسبوعين
لتحقيق إصلاحات سياسية حقيقية في البلاد، وإلا سيكون له حديث أخر مع الأسد
وسلطته.
وعلى الصعيد العربي تتابعت المواقف المباشرة والصريحة التي تدين عصابات
الأسد وتدعم مطالب الشعب السوري الثائر العادلة. وقد صرح مسؤول في وزارة
الخارجية الكويتية عن إدانته لقتل المدنيين السوريين برصاص قوات الأمن
السورية. وقبل ذلك صرح سعد الحريري وجهر بإدانته لسياسات السلطات السورية
القمعية ضد المواطنين السوريين العزل. وكان أهم تلك التغيرات السياسية على
الساحة العربية هو الخطاب الذي ألقاه الملك عبدالله بن عبد العزيز حول
الأوضاع في سوريا ووضع فيه الأسد وعصابته أمام خيارين إما الإستجابة لمطالب
الشعب السوري الثائر وإما المتابعة في السير إلى الهاوية . وجاءت بعدها
سلسلة سحب السفراء من دمشق لعدد من الدول العربية الخليجية وعلى رأسها
المملكة العربية السعودية لتكون فاتحة طريق لنزع الشرعية العربية والدولية
عن نظام الأسد الإستبدادي. وانضمت مصر على لسان وزير خارجيتها محمد كامل
عمرو في تصريحات علنية متتالية في القاهرة وأنقرة وبرلين إلى الجبهة
العربية والدولية المطالبة بوقف آلة القمع والإجرام التي يقودها ماهر وبشار
الأسد ضد الشعب السوري الثائر الأعزل. وتستمر الإصطفافات العربية والدولية
وتزداد كل يوم في الوقوف إلى جانب مطالب الشعب السوري العادلة. وربما تتخذ
في الأيام القادمة بعض الدول المترددة حتى الآن والأعضاء في مجلس الأمن
الدولي مواقف صريحة في إدانة سلطة الأسد، حيث قام وفد مشترك من الهند
والبرازيل وجنوب أفريقيا في 9. 8. 2001 بزيارة دمشق وصفت بأنها تهدف لحث
النظام على وقف حمامات الدم التي ترتكبها السلطات السورية بحق الشعب السوري
الثائر.
وهناك مؤشر جديد ومهم له علاقة مباشرة في الوضع السوري ويجب رصده وله
علاقة بالحليف الوحيد لسلطة عائلة الأسد، ألا وهو الموقف الإيراني الجديد.
هذا الموقف الذي صرح به نائب رئيس البرلمان الإيراني البوجردي في القاهرة
في 10. 8. 2011 ، حيث قال أن حل المشكلة في سورية يأتي ليس من خلال الحل
الأمني بل من خلال الحوار مع كل الأطراف في المعارضة السورية، وفي تحقيق
مطالب الشعب السوري والمعارضة السورية، وعلى العالم مساعدتهم في ذلك. إن من
بين كلمات هذا المسؤول الإيراني يشتم رائحة تنصل الحكومة الإيرانية من
إلتزاماتها تجاه النظام في دمشق، واستعدادية أولية إيرانية لترك النظام
المتهالك، بعد كل هذه التطورات السياسية المحيطة في القضية السورية، ليلقى
مصيرة المحتوم لوحده. ربما أدرك الإيرانيون مؤخراً حتمية سقوط النظام
الأمني في دمشق، وأدركوا بشكل جدي عدم إمكانية إنقاذ نظام الأسد، في حين أن
الإيرانيين هم من دفعوا بأقطاب هذا النظام الأمني وشجعوهم في السير على
طريق الإجرام والعبث بحياة المواطنين السوريين، وهم من شارك عملياً في هذا
الإجرام والعبث بأرواح أبناء الشعب السوري. وربما استقر رأي حكام طهران
أخيراً على عدم ربط مصيرهم بمصير شريكهم المتهالك في دمشق، وهم أقدر الناس
على معرفة حقيقة النظام الداخلية، حيث زرعوا خلال السنين الماضية عملائهم
وجواسيسهم في كل مفاصل الدولة السورية، وفي كل قيادات الجيش والأجهزة
الأمنية السورية المختلفة.
كل هذه المواقف والتطورات السياسية العربية والدولية الأخيرة تؤشر بأن
تحولاً جذرياً قد طرأ على موقف العالم من عصابات الأمن الحاكمة في سوريا.
وأصبح العالم يدرك أن هذا النظام زائل لا محالة، ولم يعد في الإمكان
التعايش معه. فنظام عصابة الأسد لم يستطع خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من
وقف الإحتجاجات الشعبية السورية، أو حتى والتقليل من زخم الثورة السورية
المباركة. فالثورة تتصاعد بشكل مضطرد كمياً ونوعياً ووصلت إلى كل حارة
وشارع في ربوع سوريا الحبيبة،على الرغم من زج كل هذا الكم من القوى
العسكرية والأمنية، ومن عصابات المرتزقة من شذاذ الآفاق من الشبيحة
والبلطجية. لقد أدرك العالم أن كل ما فعله النظام السوري صار غير مجدي،
وفقدت السلطات السورية السيطرة على المدن والمحافظات السورية الواحدة تلو
الأخرى. ويدرك ساسة العالم اليوم بأن القمع والقتل ضد الشعب حتى وإن أخمد
مدينة أو منطقة من المناطق إلى حين فإن الثورة في سورية تتواصل وتتصاعد
بشكل مضطرد باستمرار.
يمكن تلخيص بشائر نصر الثورة السورية في عدة نقاط :
· الصمود الأسطوري للشعب السوري الباسل الثائر أمام آله القمع والإجرام الأسدية الحاقدة
· تصاعد المد الجماهير السوري المشارك في الثورة والملتف حول الثورة بشكل مستمر
· التآكل والتناقص المتسارع في قدرات وإمكانيات النظام على المستوى الأخلاقي والسياسي والإقتصادي وحتى العسكري
· تتابع إحتراق أوراق الضغط التي كان النظام يمتلكها في الساحة العربية والدولية بفعل الثورة
· تصاعد حدة الضغط العربي والدولي على النظام وأزلامه وتزايد تأثيرات هذه الضغوط يوماً بعد يوم
· تصاعد حركة التضامن الشعبية العربية والدولية مع الشعب السوري الباسل ومع أهداف ثورته.
إن إنتصار الثورة السورية مؤكد وتدعمه التغيرات الإستراتيجية الكبرى التي
حدثت في العالم خلال العقدين الأخيرين، والتي تتلخص بتوالي سقوط
الدكتاتوريات في العالم وتوسع رقعة بناء دول على أسس الديمقراطية. تلك
التطورات التي أنهت حكم الدكتاتوريات وحكم الحزب الواحد والقائد الأوحد
الملهم، وحكم العائلات وحكم عصابات الأجهزة الأمنية، التي كانت سائدة في
حقب سالفة من الزمن.
بعد موجة التغيرات الجذرية التي عمت قارة أمريكا اللاتينية دول أوروبا
الشرقية وأغلب دول أسيا وأفريقيا، حيث إنتهت جل الحكومات السلطوية
والدكتاتورية التي كانت سائدة وتحكم في أغلب دول تلكل المناطق، قد سقطت
وزالت، وحلت مكانها حكومات ديمقراطية بدساتير عصرية تحترم حرية المواطن
وتعترف بحقوقه وواجبته، وتساوي بين الناس بالمواطنة بصرف النظرعن
إنتماءاتهم العرقية والدينية. لقد إنهارت الحكومات الفاسدة، وقدم قادتها
أمام المحاكم أو تم إعدامهم من قبل الجماهير الثائرة كما حصل لشاوشيسكو
وزوجته في رومانيا. وسوهارتوا في أندونيسيا.
وصلت عاصفة التغيير إلى الوطن العربي. وبدأت الثورة على الأنظمة الفاسدة،
وأنتصر الشعب في تونس ومصر. وهناك عدد من الدول العربية مرشحة لتغييرات
سياسية وإجتماعية جذرية في المنطقة العربية. لن يستطيع أحد إيقاف هذه
التطورات الإيجابية التي تبشر بالخير لمصلحة الشعوب الثائرة. وإن سوريا هي
أحد الدول الأساسية المرشحة لهذه التغيرات الجذرية، ولقد أصبح سقوط نظام
الشبيحة الإستبدادي القائم في دمشق مسألة وقت لا غير. كل التطورات الجارية
على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي تؤكد أن نظام الأسد سائر إلى
نهايته المحتومة. كما تنبأ الرئيس الروسي ميدفيدف بأن نهاية هذا النظام
ستكون بكل تأكيد "نهاية محزنة" ونهاية محزنة لأقطابه ولمن والاهم وربط
مصيره العاثر بهم. وبعدها لن ينفع هؤلاء الندم. لقد بدأ نظام الأسد
بالتآكل، وبدأ في الترنح أمام صمود الشعب السوري الأسطوري. وبانت خيوط فجر
سوريا الحرة تتسرب من عتمة الليل البهيم وصار بزوغ الصبح ليس بالبعيد.