لم يفقد نظام القمع السوري يوما ثقته بما يفعله البطش و إرهاب الناس و
قمعهم الدموي ،لذلك كان يظن أن رفعه لمنسوب القمع في مواجهة المتظاهرين هو
الاسلوب الامثل لاسكاتهم و هزيمتهم . كلما فشلت معالجة عسكرية و قمعية
لمدينة سورية
، يعتقد النظام في قرارة نفسه ، أن الخطأ الكبير لا يكمن في نوع المعالجة
العنفية ذاتها ، بل في عدم وصول جرعتها الى الحد الذي يكفي لكي يقضي عليها ،
لم يدرك على الحقيقة بعد أن مواجهة الشعب الثائر بشكل سلمي بهذا الكم
الهائل من العنف قد بات خارج الاعراف الانسانية السياسية كلها ، تلك التي
تنظم العلاقة بين شعب و سلطة سياسية ، و أن الاحداثيات الوجودية الجديدة
للانسان التي تتحدد بموجبها فعالياته و قدراته و تفاعلاته و تعبيره عن ذاته
قد تغيرت بشكل جذري ، مع التقدم التقني الذي فاق الخيال و مع العولمة
التقنية اتي سمحت بانتقال هذه الطفرة التكنولوجية الى المنطقة ، و مع نهاية
الصراع بين قطبين متناقضين في فهمهما للقيم السياسية و الاقتصادية في
المجتمعات الانسانية .
لسان حال النظام وفقا لواقعه ، أن القتل و الارهاب و القمع و الاعتقال و
الترويع لا بد لها ان تثمر هذه المرة في حماه و دير الزور، فهذه الادوات هي
تلك التي خبرها و سلب البلاد و الناس بها طوال عقود، و بها فرض على
المجتمع الخوف و نفاه الى عالم الصمت و اليأس ، بها تحقق له نهب البلاد و
السطوة على مقدراتها و جعلها مزرعة تورث دون خوف من أي تبعة او رفض . على
أن ما حدث و ما لم يستطع فهمه و ربما لن يفهمه إلا بعد فوات الاوان ، هو ان
اقتحام حماه و قصف دير الزور بهذه الوحشية ، ان المئات من الشهداء و الاف
الجرحى و المعتقلين الحاصل بعد توحش النظام في المدينتين إنما أدخل الثورة
السلمية في سورية الى مرحلة جديدة ، مرحلة متقدمة في سيرورة اسقاط هذا
النظام . قتله لهذا العدد الكبير من أهل المدينتين و إظهاره هذا الوجه
الاكثر بشاعة من أسوأ ما تصوره العالم عن نظام سياسي يعيش في القرن الواحد
والعشرين ، قد أحكم الخناق أكثر حول عنقه . السوريون من بقية المدن أصبحوا
أكثر إصرارا من ذي قبل على السير حتى النهاية في اسقاط هذا الحكم المافيوي ،
المدن الكبرى بدأت تهتز بشكل أكبر تحت وطأة الاحتجاجات ، حلب باتت قاب
قوسين في زخم احتجاجها من المستوى الذي وصلت اليه بقية المدن السورية و
دمشق هي الاخرى زادت من خطاها على طريق الثورة و الانتفاضة ضد القمع . بعض
المثقفين السوريين من الذين أبدوا خجلا في دعم هذه الانتفاضة منذ بدايتها ،
تخلوا هم عن خجلهم و رفعوا صوتهم مطالبين باسقاط النظام . على راس هؤلاء
الحداثي الكبير ادونيس اخيرا ، الذي طالب رأس العصابة الحاكمة بالاستفالة
الفورية ، و لقي موقفه هذا صدا كبيرا، سوريا و عربيا و دوليا
أما وضع النظام بالنسبة للمجتمع الدولي فقد وصل الى اسوأ حالاته و أخطرها ،
خرج أخيرا قرار مرحب به في سوريا من قبل الثوار و المعارضة و حزب الحداثة و
الديمقراطية ، يدين عنف النظام من مجلس الامن ، حيث لم يلجأ حلفاء النظام
الدوليين الى استخدام الفيتو هذه المرة ، روسيا الاتحادية بدات تغير موقفها
بشكل واضح من الوضع في سورية ، الى درجة ان تنبأ الرئيس الروسي لرأس
النظام المستبد و القمعي بمواجهة مصير حزين ، دول الخليج و مصر ( المجلس
العسكري ) بدا و انهما يعيشان الان مرحلة تحول في مواقفهما من النظام
السوري بعد صمتهما المخزي الطويل ،القوى الكبرى الاخرى باتت اكثر وضوحا في
تعبيرها عن فقدان النظام شرعيته و هناك تقارير عديدة تفيد ببداية حديثها عن
مرحلة سورية لما بعد الاسد .
فما الذي فعله قمع النظام اذا باقتحامه حماه و قتل ابنائها ، بقصف دير
الزور و قتل العشرات من اهلها ، بغعماله المجازر في ادلب التي يستعد
لاقتحامها مع بقية المدن و المناطق الثائرة ، ما الذي أضافه هذا الاجرام
الى وضع النظام سوى التعجيل بمصيره المأساوي و ازدياد مأساويته .
تحية الى الشعب السوري الذي يقاوم ارهاب العائلة الحاكمة بقدرة اسطورية ..
تحية له في جمعة الله معنا ، التي خرج فيها يواجه الرصاص يحركه الحلم
بالحرية و العدالة و الكرامة . في اسبوع لا للخدمة في جيش يقتل شعبه ، الذي
يصر فيه على متابعة العمل على تحقيق حريته لا يحده قصف وحشي و لا قمع و لا
مجازر.
هيئة تحرير موقع الحداثة