الاستعمار الخشن والاستعمار الناعم :
9 / 10 / 2017
بقلم : أبو ياسر السوري
================
1 - (الاستعمار) كلمة مستحدثة في عكس معناها اللغوي ؛ فهي تُطلق ويُراد بها قيام دولة كبرى باستعباد دولة صغرى ، لامتصاص خيراتها ، ونهب ثرواتها ، والاستئثار بكل ما فيها من نافع مفيد، مع حرمان سكانها الأصليين من التمتع بحقوقهم في الحرية والكرامة والعدل والمساواة ، وعدم معاملتهم إياهم إلا كما يعامل السادة العبيد .. ومع بشاعة هذا الظلم الذي يصبه الأقوياء على المستضعفين ، فقد فرضوا بقوتهم تسمية استخرابهم ( استعمارا ) ..
2 – ولهذا الاستعمار صور مختلفة ، فمنه الخشن ، ومنه الناعم .. وقد كان في الماضي خشنا ، لأنه كان يكون عقيب الحروب بين الدول ، وما ينتج عنها من استسلام الضعفاء للأقوياء ، ورضوخهم لشروط الغالب على المغلوب . وكان أصحاب البلد المغلوب يعيشون تحت سلطة الدولة الغالبة ، كرعايا من الدرجة الخامسة بعد الأمراء والأشراف ورجال الدين وملاك الأرض بحسب التقسيم الطبقي الذي كان سائدا في أوربا .. أو بعد الطبقة الرابعة في التقسيم الطبقي الذي تبنته أمريكا مع السود فجعلتهم في المرتبة الخامسة بعد أربع طبقات اجتماعية هي : الطبقة العليا والطبقة الوسطى، والطبقة العاملة، والطبقة الدنيا. . فكان السود يحسبون في مرتبة خامسة ، ويصنفون مع الكلاب والحيوانات ، فلا يسمح لهم أن يجلسوا مع الطبقات العليا في مكان عام ، ولا أن يدخلوا من الأبواب الرئيسية إلى الدوائر أو الفنادق أو المطارات ، وإنما تخصص الأبواب الخلفية لهم وللكلاب .. لقد سمح المستعمرون الأمريكان لأنفسهم أن يقتلوا 15 مليونا من السكان الأصليين في بلاد أمريكا من الهنود الحمر .. واستعبدوا السود بعد ذلك شر استعباد .. بل سلبوهم كل الحقوق الإنسانية ، وبكل بجاحة يرفعون أكبر تمثال للحرية ، ويقيمون في عاصمتهم أكبر منظمة دولية لرعاية حقوق الإنسان . وهم الذين أقاموا أبراجهم وناطحات سحابهم على جثث الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين .. وعمروا أمريكا لأنفسهم هم ..
وكذلك فعلت روسيا مع الدول الإسلامية التي استعمرتها وضمتها إلى ما كان يسمى سابقا بـ ( الاتحاد السوفياتي ) كالشيشان وأوزباكستان وتركمانستان وكازاخستان وداغستان وجورجا وأذربيجان .. وقتلت ملايين المسلمين وأبادتهم ومحت الهوية الإسلامية عن تلك الأقاليم بالقهر وفرضت عليها سلطتها بالقوة .. وكانت تزعم أنها تستعمر تلك البلاد ، وتعمل على رقيها ، مع أنها أهلكت الحرث والنسل ..
3 – أما الاستعمار الناعم ، فهو ما كان باستخدام القوة الناعمة ، التي تتمثل بالشركات الأجنبية ، التي تقوم عادة بالتنقيب عن المعادن والبترول ، في الدول الضعيفة ، أو عن طريق القروض التجارية للدول الفقيرة ، وإغراقها بالقروض ، ثم التحكم بعد ذلك في موارد تلك الدول المستدينة وصادراتها ، بل وسائر شؤونها الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية .. كما هو حال الدول الضعيفة اليوم ، التي لا تملك لنفسها أي قرار ، وإنما تتصرف وفق ما يريد الكبار ..
ومن هذا الاستعمار النموذج البريطاني ، الذي استخدمته بريطانيا في أغلب مستعمراتها التي ما كانت تغيب عنها الشمس .. ثم استيقظت الشعوب فناضلت حتى تحررت ، وخرجت من تحت عباءة بريطانيا ، التي لم تخرج في الغالب إلا بعدما وضعت وكلاء لها من أبناء ذلك البلد المستعمر ، ينوبون عنها في إدارة تلك الأقاليم .. ولا ينسون أن يقدموا الإتاوة لمن أجلسهم على كرسي الحكم ، وهو قادر على الإطاحة بهم متى شاء ..