النصرة وبناء الدولة الإسلامية . والسر في تعجيل البيعة لأبي بكر :
1 / 2 / 2017
بقلم : أبو ياسر السوري
=================
1 / 2 / 2017
بقلم : أبو ياسر السوري
=================
السؤال :
نظرا لكون حزب التحريرالإسلامي ، هو من أشد الأحزاب عناية بأمر الخلافة ، والدعوة إليها ، فقد سأل سائل بعض قادته وأحد مفكريه : أصحيح أننا لسنا ملزمين بطريقة الرسول عليه الصلاة والسلام في الوصول إلى الحكم و بناء دولة .؟؟
فأجاب التحريري بقوله :
[ بحسب ما جاء في سيرته صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرض أمره على زعماء القبائل العربية التي كانت تقدم لموسم الحج في مكة ، ويطلب منهم حمايته ونصرته لإبلاغ رسالة ربه ؟ وقد استمر على ذلك أحد عشر عاما ، فعرض نفسه على بني شيبان وبني عامر ، إلى أن بايعه الأنصار عليها أخيرا .
وكونه صلى الله عليه وسلم استمر في طلب النصرة كل هذه المدة ، ولم يفكر في طريقة أخرى ، يرجح أن النصرة هي الطريقة الوحيدة لإقامة الدولة الإسلامية ، وأنها فرض لا يصار إلى غيره . فقد قال علماء الأصول : " إذا تكرار الطلب نفسه مع المشقة فإن ذلك يقوم قرينة على أن هذا المطلوب بعينه هو فرض لا يقوم غيره مقامه ". ]. انتهى كلامه
::::::::
مناقشة الدليل :
1 – إن الدعوة إلى الإسلام أمر أعمُّ من الدعوة إلى دولة إسلامية .. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يَطلب النصرة لإقامة دولة ، وإنما طلبها لتبليغ رسالة ربه .. وهذا يعني أن الحديث عنه صلى الله عليه وسلم في هذه القضية، ليس نصا قاطعا في محل النزاع، وإنما هو من الاستدلال بالظاهر، الذي يحتمل أكثر من وجه ، ولا يقوم به دليل قاطع على الإلزام بأن النصرة هي الطريقة الوحيدة لبناء الدولة الإسلامية ، لكونه ظني الدلالة .
2 – والنصرة التي طلبها النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن بقصد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون في حماية الأنصار وتحت سلطانهم . وقد اشترط عليه بنو عامر أن يكون لهم الأمر من بعده ، فأبى النبي أن يجيبهم إلى ذلك ، وقال لهم : الأمر في هذا لله سبحانه وتعالى ، يضعه حيث يشاء ..
ونحن نرى أن جبهة النصرة مثلا ، تحاول اليوم الاستيلاء على من جاءت لنصرتهم ، وتصر على أن تستلم مقاليد الأمور في سوريا بعد سقوط النظام، وهذا مخالف لطبيعة النصرة ، ومناقض لأصل ما شرعت له.
3 – ما هي النصرة التي إذا تحققت ، صلحت لأن يقام في ظلها دولة إسلامية .؟ لا شك أن الأنصار إن كانوا ضعافا ، ولا يستطيعون الدفع عن المسلمين ودولتهم ، فلا ينبغي أن تعلن دولة في ظلهم ، بل يجب أن يكونوا من القوة بحيث يتحقق بهم التمكين في الأرض ، ويأمن المسلمون بهم من الهزيمة وكسر الشوكة .. وهذا ما تحقق للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين في المدينة المنورة بعد الهجرة . فقد شكل المسلمون المهاجرون منهم والأنصار، قوة ضاربة ، لها الغلبة والسلطان بقيادته صلى الله عليه وسلم . لذلك لما نقض اليهود عهدهم مع النبي حاصرهم صلى الله عليه وسلم ، وحاربهم ، وأجلاهم عن المدينة .. ولو لم تكن لديه قوة وتمكين لما استطاع أن يفعل ذلك .
وبناء على هذا ، فيمكن القول بأن داعش ارتكبت خطأ فادحا حين تنطحت لإقامة الخلافة الإسلامية ، قبل أن يكون لديها قوة ، تحقق لها التمكين في الأرض .. وهي الآن مهددة بالهزيمة النكراء . وإبادة خيرة شباب المسلمين دون طائل ..
4 – حال المسلمين اليوم هي أشبه بحالهم في العهد المكي ، فلم يكن لهم قوة على مجابهة قريش ، لذلك لم يؤذن للمسلمين بقتال . وبقي النبي صلى الله عليه وسلم 13 سنة في مكة ولم يعلن عن قيام دولة إسلامية ، بل وقد جرت الحكمة الإلهية على أن لا يتنزل عليه صلى الله عليه وسلم شيء من آيات الأحكام أو الحدود أو تنظيم العلاقات الاجتماعية والدولية ، أو أحكام الحرب والسلام والمعاهدات والصلح .. وقد أرجئ ذلك كله إلى أن مكن الله لنبيه والمسلمين في المدينة المنورة .. وصار المسلمون فيها بمأمن من الإبادة والهلاك الجماعي ..
5 – أما ما يحتج به الدواعش اليوم ، على وجوب إقامة الخلافة دون تأخير ، بما جرى في سقيفة بني ساعدة ، وأن الصحابة سارعوا إلى مبايعة أبي بكر قبل أن يوارى النبي في قبره الشريف .. أما استدلالهم بهذا على وجوب إقامة الخلافة ، وتقديمها على كل ما عداها من فروض وواجبات .. فنعمْ لقد كان الأمر كذلك ، مراعاة لدواعي الحال ، ولأنه حدث ما يدعو إلى الإسراع في عقد الخلافة قبل وقوع أمر لا تحمد عقباه ..
فما إن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع الأنصار في السقيفة ، وهموا باستخلاف سعد بن عبادة .. فجاء من أخبر أبا بكر وعمر بذلك .. فسارعوا إلى السقيفة ، لإخماد الفتنة ، والبت في تلك القضية .. فتكلم أبو بكر ، فبين للأنصار أن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ، كما بين لهم فضل المهاجرين على الأنصار، وأن الله سبحانه وتعالى قدمهم عليهم في الذكر في سورة الحشر ، وشهد لهم سبحانه بالصدق فقال " وأولئك هم الصادقون " ثم ذكَّرهم أبو بكر بقوله صلى الله عليه وسلم " الأئمة من قريش " .. واقترح عليهم أن يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح أو عمر بن الخطاب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وهو راض عنهما .. فبادر عمر فبايع أبا بكر ، وتسارع الناس إلى مبايعته رضي الله عنه ، ولم يتخلف عن ذلك أحد .. وهكذا أبرم الله أمر الخلافة لأبي بكر ، وكانت فلتة وقى الله شرها ، لأن أبا بكر لا يختلف عليه اثنان ، لا من المهاجرين ولا من الأنصار..
وهكذا كان التعجيل بعقد الخلافة درءاً للخلاف ، وقطعا لدابر النزاع . وليس صحيحا أن تأخير دفن النبي صلى الله عليه وسلم كان بسبب انشغال المسلمين عنه بعقد الخلافة .. فهذا ما لم أسمعه إلا من الدواعش .. لأن تأخير دفنه صلى الله عليه وسلم ، إنما كان بقصد أن يجيء إلى المدينة أكبر عدد ممكن من المسلمين للصلاة على نبيهم ، ووداعه صلى الله عليه وسلم قبل مصيره إلى مثواه الأخير.. وليشهد مكان قبره الشريف أكبرُ عدد من المسلمين ، لأن الله تعالى أراد لهذا القبر الشريف أن يكون معروفا بيقين ، دون قبور سائر الأنبياء والمرسلين ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين ..