اللجوء بين مطرقة القنصلية وسندان العَوز ونوم الائتلاف
فراس السقال
لقد أضحت دكان الائتلاف الوطني السوري التي قام شعبنا العظيم بتسمية يوم من أيام جُمعه المباركة باسم "الائتلاف يمثلني" وقبلها جمعة "المجلس الوطني يمثلني" وما شابه من هذه التشجيعات والرهانات الشعبية على تأييد من يقف مع هدف شعب مناضل، وحرية أمة طالبت بعتقها ممن يستبدها. وسنوات مضت ورؤساء الائتلاف تتالت، وكراسي بُدلت ومناصب فخمت ودُجّنت، وإلى الآن لا يمتلك ذاك الائتلاف العجوز (قبل دخوله سن الطفولة) أدنى عمل يقوم به اتجاه شعبه، فبعد أكثر من خمس سنوات من الثورة السورية العظيمة أرباب البيت السوري (الائتلاف) لا يحق لهم إصدار جواز سفر، أو حق لتمديده، أو ختم موثوق، أو سند إقامة، أو إخراج قيد، أو شهادة ميلاد، ولا حتى توثيق وفاة، أظن ولا حتى إذن لختان طفل، فلم يستطع خلال تلك السنوات تأمين مرجعية صادقة لشعب يطمح بمن يخدمه لا بمن يستخدمه، فما وظيفة هذا الكيان الذي صدحت أشداقنا بتأيده؟!
نعم .. والكل يعلم تفاقم الخلل في جسم الائتلاف، وذلك لأسباب من الداخل الائتلافي المتشاحن المختلف، بالتعاون مع القوى الدولية المعادية للثورة السورية الداعمة للنظام الأسد خفية، بالتواطئ مع قوى أشد من ذلك وهي القوى الاستعمارية النفسية من حب المنصب والأنا والجاه والظهور والصدارة مما جعله قليل الحيلة ، جسماً بلا روح .
لقد باتت طوابير اللاجئين السوريين الباحثين عن الحياة بالمئات أمام مقصلة القنصلية السورية تدمي القلب، فقد أضحت حياة اللاجئ السوري مهددة بأي عمل روتيني مخالف لوجوده في البيت المضيف. وأكثر مرارة من ذلك كله أن اللاجئ المحطّم، يذهب طوعاً ومرغماً لمن شرّده وقتل أهله، ودمر بلده، ونهب ماله، واستباح حرماته، فيستجديه بل ويدفع له مئات الدولارات لقاء ختم بتمديد جوازه لتيسير وتسهيل أموره مع البلد المضيف. ومن الطبيعي جداً أن يلجئ الغريق لقشة لعلّها تُنجده، إضافة إلى قلة البدائل المتاحة.
وأما تلك اللصاقة التي يقنص قنصل بشار الأسد ثمنها (230 دولار) مقابل تمديد سنتين فقط لصلاحية جواز السفر، سواء كان حامله صغيراً أم كبيراً مطلوباً للخدمة العسكرية أم مخالفاً ذكراً أم أنثى، وتلك المدة الضئيلة للصلاحية إنما هدفها بقاء ذلك البئر لا ينضب، ومطبعة نقود لا تَكَل، فقد جعل النظام المجرم من أهله في الخارج (كما يقول أهلنا: بقرة حلّابة) وفي آخر اليوم تُجبى آلاف الدولارات وتُحوّل تلقائياً لخزانة الميليشيات البرميلية المجرمة في سوريا.
أم حال صاحبنا الائتلاف كحال الدوامة المعروفة (والمفتاح عند الحداد والحداد بدو بيضة والبيضة بقلب الجاجة ...) فالائتلاف ضعيف ومنقسم والمجتمع الدولي لا يتعاون مع هكذا كيانات ضعيفة (مع رغبة الأخير ببقاء هذا الانقسام) حتى يعطيه الصلاحيات الدولية بالعمل كممثل شرعي للشعب السوري، والضائع الخاسر في هذا اللعبة هو الشعب فقط.
فيا معشر المعارضة .. هل يرضيكم هذا الوضع المزري لأهلكم خارج البلاد فضلاً عن أوضاعهم الداخلية ؟ أترضون لأهلكم بعد التشرد والعوز أن يقفوا على باب موظف عميل لسلطة جائرة ؟
أترضون لأهلكم أن يجمعوا (الحيلة والفتيلة) ما بقي معهم من المال، ومن ليس معه يستدين ليدفعه لقاتله ثمن شرعية وجوده ؟
أترضون أن توسموا بالأُجراء والعملاء والمحتالين والخونة؟
أليس منكم رجل رشيد؟
نرجو أن تكون الحياة قرينة من ننادي !!
ومع أنني لست من مناصري الائتلاف، وبنفس الوقت لست من أعدائه، فتأيدي له يتجلى بما يقدم لأبنائه، وعداوتي له في تقصيره بواجباته، وعدم احترامه لمنصبه وشعبه، وجمعه الأموال دون صرفها لصالح مستحقيها، مع العلم أن هناك الكثير من أعضائه فيهم الخير والرشد، ويسعون لجعله أكثر قوة وأكثر فاعلية ولكن للأسف أصواتهم مغمورة، لضعفهم أو مكتومة مقهورة بفعل فاعل حاقد لئيم.
ونحن نقدم مشكلة من المشكلات بغية الإصلاح، وتسليطاً للضوء على حالة مرضية للعلاج، لا للفضح والقدح والذم، أما الحلول لجميع مشاكل بيتنا السوري عموماً، تتمثل بعودة إتلافيّة راشدة، وصحوة صادقة لأعضائه، وإخلاصهم لقضيتهم ووفائهم لشعبهم وتفانيهم في عملهم، وتوحيد وجمع كلمتهم، والسعي لإصلاح حال هذا الكيان الذي دخل طور الانقراض، والحفاظ على هيبته وماء وجهه، واحترام الغرض والهدف من تأسيسه، مع العلم كل العلم أن الحل الوحيد لن يكون إلا من نَفَس وصميم شعبنا الأبي، ومن صميم ما يريده وما يطمح له، واليقين التام بأن غِربان الغرب لن تأتي إلا بمزيد تعقيد وتعكير، رغبة في إطالة هذا الصراع فالوحوش تعتاش على الدماء. أما بخصوص مشكلتنا في إصدار جوازات السفر فهذا متعلق بما بدأنا فيه من الحلول العامة إضافة، إلى ترشيح أصحاب الخبرة والنخب لتعمل في مكانها الصحيح، والتفاعل والتواصل مع الحكومات الصديقة المضيفة للشعب السوري ليبدؤوا الاعتراف بهذا الرجل المريض، فصحته في شرعيته وحمله همّ أهله فعندها سيكسد سوق قنصليات النظام المجرمة.
وما أراه حقيقة أن بلسم وترياق هذا الائتلاف، وطاقته اللازمة تكمن بعودته لأرضه ووطنه فيعيش حياة أبنائه من فرح وترح ومأساة وألم، فمصداقيته ينالها من شعبه أولاً ومن ترابه الذي يحنّ إليه ثانياً. والائتلاف يستطيع بعون الحكومة التركية وأصدقائه من الحكومات المؤيدة له أن يعود للمناطق السورية الحدودية المحررة ويثبت جدارة في بلده عنده يتعافى ويقوى ويكون له قدم صدق عند أهله بداية ثم خارجياً.
هذا حال شعبنا في الشتات، وهذه صورة من ألاف صور المآسي، ومع ذلك لا يغيب عنا نور البشرى، فالفجر آت من صلب الظلام ولن نستسلم لأحزاننا، وأملنا بربنا كبير، وبنخب صادقة تحمل هم أمتها، فتعمل جاهدة لتضع القواعد والأسس القوية لحياة حرة كريمة طيبة عادلة.
يا الله ما لنا غيرك يا الله
http://o-t.tv/nJo