رسالة إلى المحيسني
إلى الابن الفاضل عبد الله المحيسني (واسمح لي أن أخاطبك بخطاب البُنُوّة لأنك أصغر من اثنين من أولادي ببضع سنين):
لقد بلوناك فوجدناك شجاعاً جريئاً مقداماً، وأرجو أيضاً أنك مخلص صادق النيّة، ولا أزكيك على الله، فلا يعلم خافية الصدور سواه. ولكن الشجاعة والإخلاص ليسا سبباً وحدَهما للنجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة، فرُبّ مخلص شجاع كان مصيره إلى النار، ولنا في كثير من خوارج العصر الأول ودواعش العصر الأخير عبرة.
إن النجاح في الدنيا والنجاة في الآخرة يأتيان من اجتماع الشجاعة مع الحكمة والإخلاص مع الصواب، وأنت ما زلت شاباً فتيّاً لم تستكمل طلب العلم ولم تصقلك التجربة الطويلة، ولو كنتَ أسنّ لعلمت وخبرت، فخذ العلم ممّن علم واستفد من تجربة السابقين المجرّبين.
* * *
لقد عثرتَ من قبلُ عَثْرَة بحجم جبل أحُد، وأقالك منها أهل الشام لأنهم أصحاب قلوب رضيّة ونفوس هنيّة، لكنْ هل تراهم سيقيلونك من عَثرة أخرى مثلها لو أنك مضيت فيما أنت فيه غيرَ عابئ بنصح ولا تذكير؟
إنْ نسي بعض الناس دورك في الدعاية لداعش وترويج مشروعها في الشام وجمع الأموال لها وتجنيد المقاتلين ليقاتلوا في صفوفها فإن أكثر الناس لم ينسوا، إنهم ما زالوا يذكرون، ولكنهم يتناسَون ويتغافلون. أفلا ترى من الوفاء لهم ورد الجميل أن لا تكرر التجربة المُرّة ولا توردهم المهالك التي أوردتَهم أولَ مرة؟ إن كنت أدركت خطأك بعدما تجاهلت نصح الناصحين زماناً وبعدما هلك من كرام أهل الشام آلافٌ وآلاف، فما بالك تمشي على خطاك القديمة وتصرّ على تكرار الخطأ نفسه من جديد؟
إنك ما تزال مجتهداً -منذ وطئت قدماك أرض الشام- في ترويج منهج ذاقت منه الأمةُ الويلات، وما زلتَ تقدّم أصحابَ ذلك المنهج وتصدّرهم وتجتهد في الدعاية لهم، وهم الذين فتك إخوانُهم بجهاد أهل السنة في العدد من بلدان المسلمين وأوردوها موارد الهلاك. فهل يسرّك أن يكرر القومُ في الشام تجاربَهم الفاشلة، وأن تكون سوريا ضحيتَهم الجديدة بعد الجزائر وأفغانستان والصومال والعراق؟
إن كنت تصنع ذلك وأنت جاهل بعواقبه فاعلم ودع ما أنت فيه، وإن كنت تصنعه وأنت عالم فاتركه واستغفر الله.
* * *
لقد أكدت استقلالك عن الفصائل كلها غيرَ مرة، لكن واقع الحال يناقض نصّ المقال، فقد غدوتَ موظفاً لدى فصيل بعينه، وباتت جهودك في خدمة أميره وترويج مشروعه بين الفصائل محلَّ انتقاد من الجميع. إن الناس لا يحبون أن يُخدَعوا ولا أن يُستغفَلوا، وأنت جريء شجاع، فلماذا لا تصارحهم وتقول: نعم، أنا لا أثق بأحد في سوريا إلا بهذا الفصيل ولا أحب من القادة سوى هذا الأمير، وسوف أدفعكم إلى الدخول في طاعته وسلطانه حبّاً إن أحببتم، وإن لم تحبّوا فبالتغلّب والإكراه؟
وماذا عن سفاح الجزائر الذي ما زال دأبك منذ دهر أن تتزلف إليه وتنشر كتاباته المضلِّلة بين مجاهدي الشام؟ أيسرّك أن يلعنك الناس ذات يوم كما يلعنه اليومَ ملايين المسلمين؟ أتحب أن تُحشَر معه يوم القيامة وفي رقبته ما لا يحصيه العادّون من الأنفس والدماء البريئة؟ لو أن في الدنيا عدلاً لقُطع رأس هذا المجرم ألفَ مرة جزاء ما اقترفت يداه، لكنْ أنَّى والدنيا دارُ ظلم ونقص وابتلاء؟
لقد وكَلْنا هذا السفاحَ للواحد الديّان وإنا ننتظر حكم الله فيه يوم الحساب، أما في هذه الدنيا فإننا لن نسمح له بأن يسطو على جهاد سوريا كما سطا على جهاد الجزائر، ولن نقبل أن يدمر -هو ورفيقُه الآخر وشيعتهما وبطانتهما الضالة- جهادَنا وثورتنا. وكل من لحق بهما فحكمُه حكمهما وهو عندنا عدو منبوذ.
* * *
هذه رسالتي إليك أكتبها قياماً بحق الله عليّ في البلاغ، فإن أحببتَ أن تسمع وتستجيب فخيرٌ وفّقك الله إليه، وله الحمد، وإن أعرضت وأبيت إلا أن تمضي فيما أنت فيه فالموعد بينك وبين أهل الشام قريب؛ لك ولهم وقفة بين يدي الله فيرفعون إليه مَظلمتهم ويقولون: ربَّنا هذا أفسد جهادنا وأراق دماءنا بتعصبه لمنهج أعوج أحبّه فأعماه. يومئذ يوفَّى الحساب.
الكاتب : مجاهد مأمون ديرانية