كلا إن معي ربي سيهدين
18 / 9 / 2016
بقلم : أبو ياسر السوري
===============
خرج موسى ببني إسرائيل من مصر ليلا ، هربا من فرعون وطغيانه ، وسمع فرعون بخروجهم، فأتبعهم بجيش جرار في كامل عدته وعتاده. وما إن أصبح الصباح ، وتراءى الجمعان ، حتى أصاب قوم موسى غاية الكرب ، فها هو العدو وراءهم على بُعدٍ يسير، وها هو البحر أمامهم يمنعهم من المسير . ولم يكن لديهم سلاح للدفاع عن أنفسهم . وكانت كل الدلائل والمعطيات تقول لموسى ومن معه : إنه الموت والهلاك .. حتى إن أصحاب موسى قالوا " إنا لمدركون " وإنه لا ناصر اليوم لنا ولا معين .. فقال لهم موسى " كلا إن معي ربي سيهدين * " قالها بلهجة الواثق بالله .. وحين يتجرد المؤمنون من حولهم وطولهم إلى حول الله وقوته ، تتدخل القدرة الإلهية ، وتحسم الأمر لصالح المؤمنين بالله ..
فبضربة من عصا موسى عليه السلام ، سلب الله تعالى خاصية السيلان والاستطراق من الماء ، وحوله إلى جماد ، وشقه نصفين ، كل فرق منه كالجبل العظيم .. وجعل ما بينهما طريقا يبسا في قاع البحر ، عبر منه موسى بأصحابه إلى الشاطئ الآخر .. وتبعهم فرعون وجنوده في نفس الطريق ، حتى إذا تكامل خروج موسى وصحبه من البحر .. وتكامل دخول فرعون وجيشه بين الفرقين العظيمين من الماء الجامد بقدرة الله .. أوحى الله إلى الماء أن يعود إلى السيلان والاستطراق من جديد ، فأغرق به فرعون وجنوده .. ونجى موسى ومن معه .. وهكذا كانت نجاة المؤمنين بالماء .. كما كان هلاك أعدائهم بالماء . فيد القدرة الإلهية تستخدم السبب نفسه في المتضادات . فتعمله بالمشيئة القاهرة .. أو تبطل عمله بهذه المشئية نفسها ..


وكأنها تقول : إن قدرة الله سبحانه لا يعجزها هلاك المتجبرين ، ولا يشق عليها نجاة المستضعفين .. في أي زمان وأي مكان ..
 
ولقد يقول قائل : ما نصنع وها هي أمم الأرض كلها قد تكالبت علينا ، وها هي أسباب الهلاك قد أحدقت بنا ، حتى ضاقت علينا مسالك النجاة ، وكاد يدب إلينا اليأس من الحياة ..
قد يقع مثل هذا الخاطر في بعض النفوس، التي تقيس الأمور بالمعايير المادية ، فيدب إليها الخوف من تغلب الأعداء ..
 
ولكن كلا ، فلن يمكن الله أعداءه من أوليائه ، ولن يسلط الله علينا عُبّاد الطاغوت والمجرمين من اليهود والمجوس والصليبيين .. وإنا لموقنون أنه مهما اشتد الكرب ، ووقفت الأسباب المادية ضدنا ، فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ... فليقل كل منا بثقة واطمئنان : " كلا إن معي ربي سيهدين * " وليستبشر بالنصر من الله . ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم .. ألا وإن النصر مع الصبر . وإن الفرج مع الكرب . وإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ...
***