" إذا حاربت المتوحشين فاحذر أن تتوحش .. "
8 / 9 / 2016
بقلم : أبو ياسر السوري
===============
وفي مقابل هذا نقرأ المثل العربي المشهور: إنَّ الحديد بالحديد يُفلَحُ .
ونردد قول شاعرهم في الجاهلية :
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا : فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا
وقبل هذا وذاك نقرأ قوله تعالى في كتابه العزيز :" الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ "
:::::
وقد يسأل سائل : كيف يأمر القرآن بمكافأة العدوان بالعدوان .؟ ولا يأمر بدفع العدوان بالإحسان .؟
وفي الجواب على مثل هذا التساؤل يمكن أن يقال : إن القرآن حين أمر بالمماثلة في الاعتداء ، فإنما كان يقرر بذلك مبدأ العدل ، الذي شرعه الله سبحانه للفصل بين المتنازعين ، فالله عدل ويحب العدل ويقرره لإحقاق الحق وإبطال الباطل .. ومع ذلك فلو دققنا النظر في الاعتداءين المتقابلين في الآية ، لرأينا أن َ هنالك فرقا جوهريا بينهما ، فالاعتداء الأول " ظُلْمٌ " وَ الثَّانِي "عقوبَةٌ عادلة لِلظَّالِمِ " .. وإطلاق القرآن لفظ " الاعتداء " على " العقوبة العادلة " هو من باب المشاكلة اللفظية بين الاعتداءين ، لتحقيق المقابلة في التعبير . وهو أسلوب قرآني رفيع ، له أثره على النفوس . وكأنَّ الآية الكريمة تلوح للمعتدي بأن لا يعتدي ، لأن اعتداءه سيرتدُّ عليه بالمثل ، ولا يجني من ورائه سوى الخسران المذموم .. وهو أمر تأباه العقول ، وتنفر منه النفوس .
ولنرجع قليلا إلى مقولة " نيتشه " إذا حاربت المتوحشين فاحذر أن تتوحش " والتي قد يفهم منها : " إذا حاربت المتوحشين ، فكن إنسانا وعاملهم بالرفق واللين .."
ولست أدري كيف يكون الحرب رفقا ولينا ، ومدار الحروب على القتل والقهر والأسر وإزهاق الأرواح .؟
وصاحبنا " نتشه " لم يطالب المحارب بأن لا يرد على العدوان إلا بالإحسان .. ولم ينه المتحاربين عن القتل في الحروب ، لأن ذلك مناف لطبيعة الحرب ، فهي قائمة على القتل أصلا .. وإنما نهى عن الحرب على طريقة الوحوش ، التي تقتل افتراساً بكسر العنق ، أو خنقا بغرز الأنياب حول الودجين ، والضغط على مجرى النَّفَس حتى تفارق الفريسةُ الحياة .. والقتلُ على هذه الشاكلة ، سلوك تمارسه الوحوش في الغاب . ولا يليق بالإنسان الذي كرمه الله وجعله سيد المخلوقات في الأرض . أن يتصرف على طريقة الوحوش ..
وقد يقول قائل :
::::
وكأني بالفيلسوف الألماني " نيتشه " كان متمثلا هذا التعليم المحمدي حين قال : " إذا حاربت المتوحشين فاحذر أن تتوحش .. "
8 / 9 / 2016
بقلم : أبو ياسر السوري
===============
هذه العبارة التي جعلتها عنوانا للمقال ، هي من كلام الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه وهو يحذر فيها من التوحش مع المتوحشين.
:::::وفي مقابل هذا نقرأ المثل العربي المشهور: إنَّ الحديد بالحديد يُفلَحُ .
ونردد قول شاعرهم في الجاهلية :
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا : فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا
وقبل هذا وذاك نقرأ قوله تعالى في كتابه العزيز :" الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ "
:::::
وقد يسأل سائل : كيف يأمر القرآن بمكافأة العدوان بالعدوان .؟ ولا يأمر بدفع العدوان بالإحسان .؟
وفي الجواب على مثل هذا التساؤل يمكن أن يقال : إن القرآن حين أمر بالمماثلة في الاعتداء ، فإنما كان يقرر بذلك مبدأ العدل ، الذي شرعه الله سبحانه للفصل بين المتنازعين ، فالله عدل ويحب العدل ويقرره لإحقاق الحق وإبطال الباطل .. ومع ذلك فلو دققنا النظر في الاعتداءين المتقابلين في الآية ، لرأينا أن َ هنالك فرقا جوهريا بينهما ، فالاعتداء الأول " ظُلْمٌ " وَ الثَّانِي "عقوبَةٌ عادلة لِلظَّالِمِ " .. وإطلاق القرآن لفظ " الاعتداء " على " العقوبة العادلة " هو من باب المشاكلة اللفظية بين الاعتداءين ، لتحقيق المقابلة في التعبير . وهو أسلوب قرآني رفيع ، له أثره على النفوس . وكأنَّ الآية الكريمة تلوح للمعتدي بأن لا يعتدي ، لأن اعتداءه سيرتدُّ عليه بالمثل ، ولا يجني من ورائه سوى الخسران المذموم .. وهو أمر تأباه العقول ، وتنفر منه النفوس .
ولنرجع قليلا إلى مقولة " نيتشه " إذا حاربت المتوحشين فاحذر أن تتوحش " والتي قد يفهم منها : " إذا حاربت المتوحشين ، فكن إنسانا وعاملهم بالرفق واللين .."
ولست أدري كيف يكون الحرب رفقا ولينا ، ومدار الحروب على القتل والقهر والأسر وإزهاق الأرواح .؟
وصاحبنا " نتشه " لم يطالب المحارب بأن لا يرد على العدوان إلا بالإحسان .. ولم ينه المتحاربين عن القتل في الحروب ، لأن ذلك مناف لطبيعة الحرب ، فهي قائمة على القتل أصلا .. وإنما نهى عن الحرب على طريقة الوحوش ، التي تقتل افتراساً بكسر العنق ، أو خنقا بغرز الأنياب حول الودجين ، والضغط على مجرى النَّفَس حتى تفارق الفريسةُ الحياة .. والقتلُ على هذه الشاكلة ، سلوك تمارسه الوحوش في الغاب . ولا يليق بالإنسان الذي كرمه الله وجعله سيد المخلوقات في الأرض . أن يتصرف على طريقة الوحوش ..
وقد يقول قائل :
أليس السلام خيراً من الحرب .؟ فلماذا كانت الحروب .؟ ولماذا اختارها الإنسان ، ولماذا سمحت بها الأديان .؟ ولماذا تكون لعبة الموت أمرا مشروعا بين البشر .؟ وإلى متى يظل تنازع البقاء المفني هدفا بين أبناء الإنسانية الواحدة .؟
وإذا كانت الحرب خيارا استراتيجيا لدى بقية الملل والنحل ، فهل يسوغ أن تكون الحرب كذلك لدى المسلمين .؟ وكيف يتفق هذا مع قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " أي رحمة للمسلمين وغير المسلمين .؟؟
الحقيقة ، إن الإسلام غير مسؤول عن وقوع الحروب ، التي يثيرها التنازع على الحقوق ، أو اختلاف العقائد بين الأمم ، أو تنازع المصالح .. وإذا لم يُردع المعتدي عمَّ الفسادُ وهَلَكَ العباد .. لهذا شُرِعَت الحربُ في سائر الأديان . قال تعالى : " وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * " وقال تعالى " الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * "
وبهذا الاعتبار نجد أن مشروعية الحرب في الإسلام لم تكن شرا ، وإنما كانت خيراً عاما على البشرية . ولكنَّ الحربَ لم تُطلب لذاتها ، وإنما كانت علاجا لعرض أو مرض لا يُدفع إلا بها .. ومن هنا كانت الدعوة إلى السلم أصلا في الإسلام ، وكان السلم مقدماً في الوجود على الحرب . وكان الصلح خيراً من الخصومة .. قال تعالى " والصلح خير " وقال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * "
وقبل أن نختم الموضوع ، أحب أن نرجع قليلا إلى " تنظيم داعش " الذي تبنى " سياسة التوحش " وأصدر فيها مؤلفات ، وجعل التوحش سبيله المفضل في الحياة .. فهو يدعو إلى القتل والتمثيل بمنتهى العنف والوحشية .. يقتلُ الطفل والمرأة والشيخ والعابد والمسالم والمحارب ، يقتل ذبحا وحرقا ورميا من شاهق .. وربما قطع أعضاء الأسرى وهم أحياء ، وربما دهسهم فطحن عظامهم تحت جنازير الدبابات والمصفحات .. وكل ذلك موثق بالصوت والصورة .. ويزعم أصحاب هذا التنظيم أنهم يطبقون بذلك أحكام الإسلام .!!
والحقيقة ، إن ما يفعله الدواعش في واد ، وما جاء به الإسلام في واد آخر .. قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته " رواه مسلم .::::
وكأني بالفيلسوف الألماني " نيتشه " كان متمثلا هذا التعليم المحمدي حين قال : " إذا حاربت المتوحشين فاحذر أن تتوحش .. "