داريا خسارة سوف تُعَضُّ عليها الأصابع ندما بعد فوات الأوان
27/ 8 / 2016
بقلم : أبو ياسر السوري
===============
لم يطاوعني قلمي على الكلام عن داريا .. لا زُهداً فيها ، وإنما حزنا عليها .. فسقوطُ داريا مختلف ، ولعله أخطرُ موقعٍ سقطَ بيد النظام حتى الآن ..
سقطت القصيرُ ، وكان سقوطُها مقدمة لسقوط حمص .. التي لم تصمد بعدها سوى زمن يسير حتى سقطت هي الأخرى ، وقد كان ذلك متوقعا لدى المتابعين للأحداث ، وقد رأينا كيف أخرج منها أبناؤها قسرا ، ليحل محلهم عناصر شيعية ، تم استقدامهم من إيران ، وغير إيران ، بهدف تغيير التركيبة السكانية في حمص ..
ثم سقطت الزبداني ، وتبعتها مضايا ، وتهاوى ما حولهما من مواقع ومرتفعات وممرات استراتيجية كانت حين كانت في يد الثوار ، أكبر تهديد حقيقي على النظام ، فهذه المواقع هي أهم المواقع في الغوطة الغربية ، وتأتي أهميتها من كونها محيطة بالقصر الجمهوري ، وحي المزة ومطاره ، والفرقة الرابعة ، وكفر سوسة .. كما يحيط السوار بالمعصم ، لذلك كان إصرار النظام وإيران وروسيا على وجوب بسط السيطرة عليها ، فهي بؤر مشتعلة لا يقر للنظام قرار ما دامت خارج سيطرته ، لهذا أصر على قضمها موقعا في إثر موقع ، حتى سقطت بيد النظام ، ولم يبق منها سوى داريا الصمود ..
ظلت داريا عصية على السقوط أكثر من 4 سنوات ، لقد صمدت فيها هذه المدينة لكل الممارسات الإجرامية ، من حصار وتجويع وقصف عشوائي لا يفرق بين كبير أو صغير ، ولا بين طفل أو شاب ، ولا بين رجل أو امرأة .. أربع سنوات لم يدخل فيها لداريا رغيف من الخبز . ولا علبة من الدواء ، ولا ضمادات طبية ولا علاج لمرضى السكر والقلب والكبد ولا شيء من حليب الأطفال ..
داريا لم يكن فيها وجود لمقاتل من غير أهلها .. فلا وجود فيها لأحد من داعش ، ولا من النصرة ، ولا من أحرار الشام .. فمقاتلو داريا هم من أبناء داريا فقط .. فلا حجة لروسيا ولا لإيران في مؤازرة النظام عليها .. داريا قربت 2300 شهيد من فلذات أكبادها .. داريا تحملت 5009 براميل من براميل الموت .. داريا لم يبق فيها بناء واحد سالم من القصف بالطيران والراجمات ومدفعية الميدان والدبابات .. داريا ما تحملت هذا كله لتستسلم ويخرج أبناؤها منها ويهيموا في أرض الله على وجوههم .. وبهذه المناسبة نسأل عصابة المجتمع الدولي الكبرى بقيادة أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين. نسأل أطراف هذه العصابة المجرمة : لماذا تجبرون السكان المدنيين من أبناء داريا على مغادرة مدينتهم .؟ لماذا تهجرونهم قسريا من بيوتهم .؟ أليس هذا مناقضا للقانون الدولي .؟ ألستم شركاء للمجرم في ارتكابه هذه الجرائم ضد الإنسانية .. سوف يلعنكم التاريخ جميعا .. وتبصق عليكم الأجيال ..
ودعونا من عصابة المجتمع الدولي .. ودعونا من الدول العربية ، خليجيها ، وغير خليجيها .. ممن وقف معنا منهم أو وقف ضدنا .. دعونا منهم فقد بحت أصواتنا ، ونحن نشرح لمن يقف ضدنا عن موقف النظام الخياني الإجرامي فلا يسمعون ، وننخى المؤيدين لقضيتنا منهم فما ينتخون .. وإذا انتخوا فما ننال منهم سوى جعجعة من غير طِحن .. دعونا من هؤلاء وأولئك .. فمن يتكئ عليهم يشبه من يتكئ على الهواء ، من فوق شفا جبل شاهق ، لا يلبث المتكئ عليهم أن يجد نفسه هاويا من القمة إلى القرار السحيق .
دعونا منهم ، وتعالوا بنا نخاطب من خذلوا داريا وأسلموها لهذا المصير الأسود .. دعونا نسألهم فنقول : أما علمتم أن النظام لن يكتفي بقضم داريا ، ويكفَّ عنكم ، وإنما سوف يقضم القرى والمدن والمواقع شيئا فشيئا ، إلى أن يقولَ كلُّ من خذل داريا غدا : " أُكلتُ يوم أُكِلَ الثورُ الأبيض " ..
يا ثوار درعا ، يا من فجرتم الثورة السورية ، يا من قدمتم الشهداء حمزة الخطيب ومحمد الشرع .. لماذا سمحتم بسقوط داريا .؟ ألم تعلموا أنها كانت السور المنيع الذي يحول بين النظام وبين مسيره إليكم .؟ لقد سقط هذا السور ، وها أنتم الآن مكشوفون للنظام ..!!
يا ثوار الغوطة الشرقية ، يا من جيشتم الجيوش ، ودربتم عشرات الآلاف من المقاتلين ، يا من فاخرتم بجيش الإسلام وقائده علوش ، يا من وحدتم المجاهدين فيما سمي بالجبهة الإسلامية .. لماذا سمحتم بسقوط داريا . وأنتم من القوة بمكان ؟ لماذا ساومتم على هذا الثغر ، ورضختم لرغبة المموِّلين الذين لم يسمحوا لكم باقتحام دمشق ، وأبقوكم مكبلين بقيود الترغيب والترهيب .؟؟ حتى سقطت داريا ، ودوركم في السقوط بعدها غير بعيد ..؟؟
يا قادة جيش الفتح .. ويا قادة أحرار الشام .. ويا جبهة النصرة .. يا من خرجتم للقتال في سبيل الله فيما تدعون .. لماذا سمحتم بسقوط داريا .؟؟ لماذا تركتم نبل والزهراء بين أحضاننا ، لتفتح علينا من قبلهم أبواب جهنم ، وأنتم قادرون على اقتحام هاتين القريتين ، وإخماد شرهما إلى الأبد .؟ ولو فعلتم لما سقطت داريا ..
أما علمتم يا ثوار سوريا جميعا أن داريا هي بمثابة الرأس لكم .. وأنه إذا قطع الرأس فلا حياة للجسد .؟ أما علمتم أن الـ 700 مقاتل الذين كانوا يرابطون في داريا ، ليسوا كبقية الرجال ، وأنه لا يغني غناءهم أحد .. لقد سمعنا أنه كان لدى العرب فرسان ، يُعدُّ الواحدُ منهم بألف فارس .؟ وإن كنتم تجهلون ، فلتعلموا أن كل واحد من أبناء داريا ، يُقوَّمُ بألف فارس إذا حمي الوطيس .. لهذا كان التفريط بهم مما سوف يعقبه ندم حيث لا ينفع الندم ..
ثوارنا الذين سبق أن خذلتموهم في حمص ، ما كانوا يقلون عن ثوار داريا بطولة ورجولة وجرأة وثباتا وصمودا.. ففرطتم بهم من قبل، وخرجوا من حمص ولم يعودوا إليها، ولم تتمكنوا من استعادتها من غاصبيها . ولو ساندتموهم قليلا لما خرجوا .. ولما ضاعت حمص ..
أما شعرتم بتأنيب الضمير بعد حمص .؟ أما تشعرون الآن بالخزي والعار لتسليم داريا .؟؟
مَنْ يَهُنْ يَسهُلِ الهوانُ عليهِ : ما لـــجُــــرحٍ بـمـيِّـــــتٍ إيــــــــــلامُ
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الأحد أغسطس 28, 2016 1:49 am عدل 1 مرات