– POSTED ON 2016/08/04
العميد الركن أحمد رحال: عندما تغضب حلب … تٌمزق كل الخرائط Do
لم تحظى معركة خلال سنوات الثورة السورية الخمس باهتمام محلي وإقليمي وعالمي أكثر مما حظيت به معركة “حلب” التي تدور رحاها الآن على جبهات وثغور القتال شمالاً وغرباً وجنوباً وداخل أحياء المدينة, وهذا الاهتمام يعكس مدى المآلات والأهداف التي يمكن أن تحدثها تلك المعركة في حال حسمها لأحد أطراف القتال فيها.
من المؤكد حالياً أن الثورة السورية تعيش لحظات مشرقة وانتصارات كبيرة تلي أسابيع عدة من خسائر وتراجعات لفصائل المعارضة شملت الجغرافية وامتدت لتطيح بآخر خطوط إمداد المعارضة, ولتخسر شريان طريق “الكاستيللو”, ولتصبح فصائل حلب وأكثر من (400) ألف مدني تحت رحمة مجرم لا يعرف إلا القتل طريقاً للحفاظ على كرسي السلطة.
المعركة التي أطلقها ثوار سورية كانت معركة فارقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, فهي معركة فارقة من حيث الإعداد اللوجيستي والقتالي والإداري وفارقة من حيث التحضير والمتابعة والخطط وفارقة من حيث حجم الحشد الذي تم رصده للمعركة وأخيراً فارقة من حيث النتائج والأهداف التي حصدتها حتى كتابة هذا المقال.
معركة حلب وبقراءة عسكرية مبدئية يتضح أن هناك تحضيراً جيداً أٌعدت من خلاله فصائل الثوار مع رصد ميداني واستطلاع حرفي نٌفذ على ساحات القتال, من الواضح أن مكامن القوة والضعف دٌرست بعناية فائقة, ومن الواضح أن خطوط التقدم ومحاور الحركة تم تحديدها بدقة متناهية عكستها التحركات الذكية لفصائل الثوار على ميادين وساحات القتال.
من حيث الأهداف وكما أعلنت غرفة عمليات الثوار فالمعركة ليست معركة عادية بعد أن وضعت هدفاً إستراتيجياً يتمثل بتحرير مدينة “حلب”, ويتفرع عن هذا الهدف عدة أهداف عملياتية يقع هدفي فك الحصار عن الأحياء المحاصرة وإحكام الطوق على ميليشيات النظام داخل المدينة كأولى الأهداف العملياتية التي أعلنتها تلك العملية العسكرية مع بدء انطلاقتها يوم الأحد الماضي, واستكمالاً لأهداف المعركة فقد وضعت عدة أهداف تكتيكية يتحقق الحصول عليها بالوصول إلى الأهداف العملياتية التي رصدتها وتحقق الهدف الاستراتيجي الذي تطمح تحقيقه.
من حيث توزيع المهام على الزمن فقد تم تقسيم المعركة إلى عدة مراحل لم يٌفصح عن عددها الثوار ولكن برزت منها حتى الآن ثلاثة مراحل تمثلت المرحلة الأولى مع انطلاقة المعركة بتحرير مدرسة الحكمة وتلة مؤتة وتلة أحد وتلة المحبة وكتيبة الصواريخ وتلة المحروقات, ولتعلن الساعة الثامنة مساءاً من انتهاء المرحلة الأولى وانطلاق المرحلة الثانية التي دعمت مواقعها بالمناطق المحررة وانطلقت لاستكمال مشوار التحرير والذي شمل السيطرة على مشروع الـ1070وتلة الشرفة وقرية المشرفة وسواتر السابقية ومعمل الزيت ومعمل الكرتون وكثير من المواقع التي أصبحت تحت سيطرة الثوار, وترافق ذلك مع تفجير نفق “العامرية” الذي أطاح بالكثير من رؤوس القيادات الأسدية والإيرانية وميليشيات حسن نصر الله التي أصبحت تحت الركام, ومع مساء يوم الثلاثاء أعلن الثوار البدء بالمرحلة الثالثة التي تشمل أهم النقاط والمعاقل قوة لنظام “الأسد” وهي أكاديمية الأسد للعلوم العسكرية, كليات المدفعية والفنية والتسليح مع دوار الراموسة, وجميعها تعتبر قلاعاً عسكرية ثابتة تحوي كتلة نارية كبيرة من راجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة والهاونات ذات الأعيرة الكبيرة والتي كانت تشكل الخطر الأكبر عند قصف واستهداف أحياء ومواقع الثوار في مدينة “حلب”, ولتسيطر فصائل المعارضة على مساحة جغرافية تصل لأكثر من 50 كم2 من ضمنها أطراف الراموسة وأطراف كلية المدفعية وقرية الحويز ولتبدأ المعارك لأول مرة من داخل أحياء “حلب” بعد أن تقدمت فصائل الأحياء المحاصرة لتشارك بالمعركة من الجانب الشرقي, تسبب كل ذلك بمصرع ما لا يقل عن “150” قتيل في صفوف حلفاء “الأسد” وأضعاف هذا الرقم من الجرحى مع أسرى كٌثر لم يتم تقدير أعدادهم وقعوا في قبضة الثوار ومن كل الجنسيات وخصوصاً من حزب الله وميليشيات إيران.
معركة حلب تأتي على خلفية قصف ودمار لم تتوقف فيها كل طائرات وفوهات النيران الروسية والأسدية والإيرانية وميليشيات حزب الله والتي وجدت من قصف المدنيين في قرى وأرياف حلب وإدلب والساحل كوسيلة للانتقام من الخسائر الفادحة التي وقعت فيها خلال ثلاثة أيام فقط من بدء معركة حلب, ويأتي هذا الدمار على أعقاب هجمة بربرية شرسة طالت مدينة حلب تلقت فيها أحياء المدينة في شهر تموز فقط لا أقل من 800 برميل متفجر ألقته حوامات روسيا والأسد وأكثر من 330 قنبلة عنقودية طالت المدنيين مع إحصاء ما لا يقل عن 2500 صاروخ مدمر وفراغي أطلقته راجمات الصواريخ والطائرات والبارجات البحرية الروسية ومنصات صواريخ أرض-أرض في اللواء 155 المتوضع في منطقة “حفير” على المداخل الشمالية لمدينة دمشق ويصل مدى تلك الصواريخ لأكثر من 400 كم, سببت الكثير من الدمار شمل كل المرافق الحيوية والمشافي ومراكز الدفاع المدني ودمر أجزاءً كبيرة من أحياء حلب, وذهب ضحية تلك الهجمات مئات الأرواح من النساء والأطفال والشيوخ المدنيين داخل المدينة وفي ريفها.
معركة حلب من المؤكد أنها لم تفاجئ ميليشيات “الأسد” وحلفائه من حيث التوقيت, بل فاجأتهم من حيث المكان والحجم, فكل تحضيرات وتحشدات ميليشيات إيران وحزب الله ولواء القدس الفلسطيني وحركة الطيران الروسي التي شكلت مظلة جوية دائمة في سماء حلب, كلها كانت تتوقع هجوماً شمالياً في محيط طريق “الكاستيللو” وعلى مجنباته وهذا الإخفاق في تقدير وكشف تحركات الثوار يعكس مدى الضعف ومدى الاستهتار التي تعاني منه غرف عمليات حلفاء “الأسد”.
أيضاً الثوار في معركة الريف الجنوبي لـ “حلب” فوٌجئوا بأكثر من أمر:
المفاجأة الأولى: التي برزت أمامهم مع اللحظات الأولى لبدء القتال تمثلت بهشاشة الخطوط الدفاعية لميليشيات “الأسد” وحلفائه وانهيارها أمام ضربات الثوار, وأن المرحلة الأولى تم اختصارها لأقل من ثمانية ساعات وهي المرحلة التي كانت مخططاً لها أن تستمر لأيام.
المفاجأة الثانية: تمثلت بالانهيار السريع لمنظومة القيادة والسيطرة لدى غرف قيادة عمليات النظام وغرف عمليات الارتباط بين كل ميليشيات المرتزقة التي استقدمها “الأسد” لقتل الشعب السوري, وبرز هذا الأمر من خلال التخبطات والقرارات العشوائية التي تم اتخاذها, ومن خلال برقية صدرت عن غرفة القيادة الرئيسية والتي تطالب كل ميليشياتهم بالتصرف وفق ما يرونه مناسباً ووفقاً لمستجدات المعركة بعيداً عن أي قرار مركزي لقيادة معركة الدفاع, وهذا الأمر يعكس مدى التشتت ومدى الضياع وضعف منظومة الاستطلاع وعدم القدرة على اتخاذ القرارات.
المفاجأة الثالثة: وتمثلت بما قام به أطفال حلب وما سٌمي مجازاً “كتيبة الدفاع الجوي” والتي تمثلت بمجموعات من الأطفال الذين استطاعوا أن يصنعوا حظراً جوياً فوق مدينة “حلب” وأريافها بعد قيامهم بإشعال الإطارات البالية في مناطق متعددة جعلت من مدينة “حلب” ترزح تحت ستارة من الدخان أعمت الرصد الجوي وشتت قدرة طياري الأسد وروسيا على تحديد أهدافهم بل وأوقعتهم أكثر من مرة بقصف مواقع صديقة لهم منها لحزب الله ومنها لبعض ميليشيات الأسد.
المعركة ما تزال فصولها تتوالى على جبهات العز في حلب, وأخبار الانتصارات ما زالت تٌطرب الحاضنة الشعبية في كل سورية, ومع تلك المعركة برزت عدة رسائل:
رسالة عسكرية تقول: أن فصائل الثورة ورغم إمكانياتها المتواضعة قياساً مع ما يمتلكه نظام القتل الأسدي وحلفائه فهي قادرة على استنباط الطرق التكتيكية وإيجاد الوسائل الجديدة وخلق الظروف الموضوعية والتغلب على كل مستجدات المعركة وكل الحشود التي استقدمها “الأسد” لقتل وإرضاخ جمهور الثورة.
رسالة شعبية تقول: أن حاضنة الثورة لم ولن تٌغير من مواقفها وصيحات الجرذ “شويغو” الذي يختبئ في أقبية وزارة الدفاع الروسية والدعوة لممرات “آمنة” أو استسلامية كما قرأها الثوار, لم ولن تكون يوماً من ضمن خيارات جمهور الثورة, وأن الحصار يزيد الحاضنة الشعبية تمسكاً والتصاقاً مع فصائلها ولا يفرقها, وأن ما خرجت من أجله لن تعود من دونه, وأن إسقاط نظام “الأسد” هو أول أهدافها ولن تحيد عنه.
رسالة سياسية تقول: أن الإخلال بموازين القوة العسكرية على الأرض وتغيير التموضعات الجغرافية بقوة الآلة العسكرية لحلفاء “الأسد” وبتخاذل من بعض الدول الغربية والتي تهدف لخلق وقائع تفرض شروطها على طاولة المفاوضات وتجبر الثوار على القبول بحلول “معلبة” تجلب العار وتٌفرض تحت ضغط الحصار أو بعد خسارة بعض المواقع, كل ذلك لن يجدي نفعاً ولن يٌجبر الفصائل والثوار على القبول بما رفضوه, وأن سوء الأوضاع عسكرياً ومدنياً يزيد الثورة إصراراً وعنفواناً ويزيد من عزيمتهم على قلب الوقائع وإعادة فرض أهداف الثورة, شاء من شاء وأبى من أبى.
في حلب الثورة قالت كلمتها, وتناغمت معها معظم الجبهات من الساحل إلى ريف حماه إلى ريف حمص الشمالي إلى كل المؤازرات التي قَدمت إلى جبهات حلب, والمعارك وأصوات الرصاص والانفجارات ما زالت تدوي على ميادين القتال, وتسارع عواصم موسكو وطهران وواشنطن للدعوة لوقف القتال الذي غاب عندما حٌوصرت حلب لن يفيد الآن.
الحل واضح وجلي, والقرار 2118 الذي يٌخرج عصابة الأسد من السلطة ويهيئ لسلام يعيد الاستقرار للسوريين هو الحل الأوحد الذي يمكن أن يوقف القتال.
فهل هناك من أمل؟؟؟
كلنا في حالة انتظار ….
العميد الركن أحمد رحال
محلل عسكري واستراتيجي