وقفات حول الخلافة الإسلامية 
الوقفة الثامنة : الذين بايعوا البغدادي ليسوا " أهل الحل والعقد " 
27 / 4 / 2016 
أبو ياسر
=============
علمنا مما سبق من وقفات حول الخلافة الإسلامية ، أنها فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الطلب بها عن الباقين .. وأن هذا البعض المطالب بها هم مجلس شورى الأمة ، أو بتعبير الفقهاء هم " أهل الحل والعقد " .. وأنه يجب أن يكونوا معروفين لعامة المسلمين بالعدالة والعلم والخبرة والحكمة ، بحيث تثق بهم الأمة وترضخ لاختيارهم .. ليختاروا من واحدا من أنفسهم خليفة للمسلمين ، يكون متصفا بالعلم والعدالة وسلامة الحواس والشجاعة والنسب .. 
فتعالوا نَمْشِ مع بنود هذه المقدمة بهدوء .. ونقارن بين أهل الحل والعقد كما علمنا من صفاتهم ، وحال الذين اختاروا البغدادي لمنصب الخلافة ..
هل هم من المعروفين بالعدالة والعلم والحكمة على مستوى الأمة .؟ هل هم من ذوي الأسماء اللامعة بين الناس .؟ ماذا عن سيرتهم الذاتية .؟ ماذا عن سمعتهم .؟ ماذا عن عدالتهم .؟ ثم ماذا عن علمهم بالدين .؟ ماذا عن حكمتهم .؟ وهل هم ممن إذا قالوا أصغى الناس لقولهم ، وإذا اختاروا خليفة لهم عمل المسلمون باختيارهم .؟ 
لو استعرضنا حال من اختاروا البغدادي خليفة ، فلن نجد فيهم أياً من صفات " أهل الحل والعقد " ولن نجد سوى حفنة من الشباب حدثاء الأسنان ، المغمورين غير المشهورين ، لا يُعرفون بعدالة ولا علم ولا حكمة ، ثم إنهم ليسوا من وجوه الأمة الذين يُستَمَعُ لكلامهم ، ويُطاع أمرُهم ، ويُعمل بمشورتهم .. وهذه الجهالة وحدها كفيلة بإخراجهم من عداد أهل الحل والعقد . إذ الأصل فيهم أن يكون كل واحد منهم أهلا لأن ينتخب خليفة للمسلمين .. وأول شرط في الخليفة وجوب كونه معروفا للناس ، معظما في نفوسهم . فهو خليفة لرسول الله في حراسة الدين وسياسة الدنيا .. وليس من العقل ولا من الحكمة ولا المنطق أن تختار الأمة رجلا نكرة لهذا المنصب الخطير . 
فقد اعتادت البشرية أن لا تسلم زمام أمرها إلا لعَلَم بارز فيها ، مشهود له بالعدالة والعلم والحكمة والشجاعة .. ليسوس الناس سياسة تحقق لهم الكفاية والأمان . 
ولو استعرضنا سيرة الخلفاء الراشدين ، لوجدنا أنهم لم يخرجوا قيد أنملة عن هذه الشروط . ففي مقدمتهم العشرة المبشرون بالجنة ، الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ .. وعلى رأسهم أبو بكر وعمر . وهما اللذان كانت لهما كلمة الفصل يوم السقيفة ، فما خرج الناس منها حتى تمت البيعة لأبي بكر بالخلافة ، وحيل دون وقوع فتنة بين المهاجرين والأنصار . 
لقد اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، وهي لأهل المدينة بمثابة دار الندوة لأهل مكة ، يجتمع فيهما وجوه القوم لتداول الرأي في كل نازلة تهم الناس في زمانهم ..
فما إن توفي رسول الله ، وأفاق أصحابه من صدمة الحدث ، حتى تداعى الأنصارُ إلى سقيفة بني ساعدة ، لتداول أمر الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسمع أبو بكر وسمع عمر باجتماعهم ، فأسرعا إليهم ، فوجدا الأنصار مجتمعين يطالبون باستخلاف سعد بن عبادة بعد رسول الله ، لأنهم هم الذين آووا وهم الذين نصروا ، فاحتجوا بذلك على أحقيتهم بالخلافة ..
فقال لهم أبو بكر : : إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش ، فهم أوسط العرب نسبا ودارا ، وأن المهاجرين هم أهل السابقة في الإسلام ، وهم المقدمون بالذكر على من سواهم في القرآن الكريم . قال تعالى في سورة الحشر [ لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * ] .. وهذا فضل يعرفه لهم السلف والخلف .. وقد احتج به أبو بكر أيضا وأضاف إليه ، أنه قال لسعد بن عبادة : " والله لقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد : " قريش ولاة هذا الأمر" فقال له سعد : صدقت " .
ثم لم ينفض اجتماعهم هذا إلا وقد بايعوا أبا بكر الصديق ، نظرا لكونه أولهم إسلاما ، وثاني اثنين إذ هما في الغار . والمقدم عليهم لإمامة المسلمين في الصلاة ، فحين ثقل المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم قال " مروا أبا بكر فليصل بالناس " ولهذا قال عمر : يا أبا بكر رضيك رسول الله لآخرتنا أفلا نرضاك لدنيانا ؟؟ ثم بايعه بالخلافة وبايع الناس وراءه لم يتخلف عن البيعة منهم أحد ..
إن الذين بايعوا أبا بكر في السقيفة ، حسموا جرثومة الشر بحكمة ، وجنبوا المسلمين فتنة كان يمكن أن يَصْلَوا نارها ، ويقتتل بسببها المهاجرون والأنصار. ولو لم يكن الذين بايعوا ابا بكر في السقيفة من وجوه القوم وعدولهم وذوي العلم والحكمة والرأي فيهم ، لما انصاع الناس لأمرهم ، ولا قبلوا خيارهم ..
فهل الذين اختاروا البغدادي هم أهل حل وعقد ؟ وهل كلمتهم نافذة بين المسلمين اليوم ؟ ولعمر الحق إنهم لو كانوا كذلك ، لما اعترض على خليفتهم جمهور المسلمين، ولما رموهم بالسفه ، والاعتداء على الأمة بمصادرة رأيها في هذه القضية التي تهم ملياراً و600 مليون مسلم .. إن الذين بايعوا البغدادي تنطحوا لأمر ليس لهم ، ولا هم رجاله ، لذلك لم تقبل الأمة باختيارهم ، ولا بايعوا خليفتهم ..
قال الفقهاء : أهل الحل والعقد: هم العلماء والرؤساء ووجوه الناس زاد في المنهاج للنووي الذين يتيسر اجتماعهم . لأن الأمر ينتظم بهم ويتبعهم سائر الناس . فإذا لم يكن المبايِعُون بحيث تتبعهم الأمة فلا تنعقد الإمامة بمبايعتهم . وهذا مستفاد من عمل الصحابة ( رضي الله عنهم ) في تولية الخلفاء الراشدين .
وهنا لا بد من دفع شبهة يتمسك بها الجاهلون ، وهي قولهم : إن المقاتلين في الخنادق هم الأحق بأن يكونوا " أهل الحل والعقد " ويزعمون أنهم أولى من سواهم .. وهذا أكبر وأشنع خطأ في تقرير هذا الحكم في أخطر قضايا الأمة .. ولست أدري من أين جاؤوا بهذه الفتوى الشيطانية .؟ 
فإن الذين خاضوا المعارك وحققوا الانتصارات في القادسية واليرموك ، لم يرجعوا فيقولوا للناس نحن خلفاؤكم . ولم يزعموا لأنفسهم الحق في أن يكونوا أمراء على المؤمنين ، ولا خلفاء على الأمة .. وإن خالد بن الوليد خاض حروب الردة ، وخضد شوكة المرتدين ، وأعاد الحق إلى نصابه بجهاده وجلاده ، ولم يقل لأبي بكر أنا أولى بالخلافة من عمر ..
ليت شعري من قال إن المقاتلين هم أصحاب الحل والعقد .؟ هذه فكرة اخترعها الشيطان ونشرها بين السوريين ، وعملت داعش على نشرها واعتمادها وتبنيها . واتخذوها وسيلة للطعن في عقلاء الأمة وعلمائهم ومفكريهم .. ليستبدوا بالأمر من دون الناس ..
ما كل من يصلح للقتال يصلح للخلافة ، ولا كل خبير باستخدام السلاح في المعارك أهل لأن يتولى إدارة شؤون الأمة، وسياستها في قضايا دينها ودنياها . فرب شاب جلد قادر على مواصلة القتال أياما ، دون كلل ولا ملل ، وهو جاهل بأحكام الإسلام ، لا يعرف استنباط حكم شرعي واحد من مظانه .. فأي منطق أهبل هذا الذي يريدنا الجاهلون أن نسير عليه في اعتماد أن يكون المقاتلون هم أهل الحل والعقد .؟؟ سبحانك هذا ضلال كبير ..