وقفات حول الخلافة الإسلامية
الوقفة السابعة : تعدد ولاة الأمر للضرورة
21 / 4 / 2016
بقلم : أبو ياسر
============
الأصلُ في خليفة المسلمين أو إمامهم الأعظم أن يكون واحدا ، وهو هكذا بإجماع الفقهاء ، وهذا عرفٌ عامٌّ بين سائر الأمم ، لأن ذلك أضبط للنظام ، وأضمنُ لتجنب الفوضى ، وأعونُ على وحدة كلمة المسلمين وأحرزُ لهم من الفتن . ولو جاز تعدد الخليفة لأدَّى ذلك إلى وجوب امتثال أحكام متضادة . وقبل هذا وذاك ، فقد جاء النهي النبوي عن مبايعة أكثر من خليفة بقوله صلى الله عليه وسلم : [ إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ] رواه مسلم
قال الماوردي : " وإذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين لم تنعقد إمامتهما ، لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد " وقال العضد في المواقف : ولا يجوز العقد لإمامين في صقع متضايق الأقطار " .
وأجاز بعضهم التعدد للضرورة كما لو كان القطر متسعا ، ولا يمكن لخليفة واحد تدبيرُه .. ومهما يكن من أمر ، فإنه إذا كان كل إمام منهم مستجمعاً للشروط مقيما للعدل في قطره .. فإن القول بالتعدد للضرورة في هذه الحال ، هو أقوى من قول الجمهور بإمامة المتغلب للضرورة .. يعني يجوز أن يكون في دولة الإسلام ، المترامية الأطراف ، أكثر من رئيس أو أمير أو إمام ، سمه ما شئت ..
على أن هذه النصوص الفقهية، التي تدور حول هذه المسالة ، قد مضى على بعضها 850 سنة وبعضها مضى عليه ألف عام . وقد تغيرت رقعة دار الإسلام اليوم عما كانت عليه في ذلك الزمن السحيق ، وتقلصت وتعرضت للقضم والتمزيق ، فهي مقسمة الآن إلى بضع وخمسين دولة ، لكل دولة منها زعيمٌ يقود الحكم فيها ، ولم يعد بين هذه الدول أية رابطة تربط بعضها ببعض . ثم إن هذه الدول الإسلامية ، العربي منها وغير العربي ، ليس فيها دولة تحكم بالكتاب والسنة سوى السعودية حاليا . وكلها تعتمد في حكمها على القوانين الوضعية .. هذا هو واقع حال المسلمين وبلدانهم في أيامنا هذه ونحن نكتب هذه السطور . وهذا يعني أن البحث في موضوع " وجوب تعيين خليفة واحد لكافة ديار المسلمين " أصبح في ذمة التاريخ .. ولا محل له الآن من الإعراب ..
لقد سقطت آخر خلافة إسلامية – كما نعلم - عام 1924 م على يد كمال أتاتورك . وانفرط عقد الأمة منذ ذلك الحين ، وتبعثرت أرضها أشلاء ، وليس بالإمكان استرداد الخلافة بالسفة وطول اللسان على حكام العرب والمسلمين ، وكيل الإهانات لهم بالحق والباطل . فهذا مما يعين الشيطان عليهم ، ويدفعهم إلى قمع شعوبهم ، ويعرض الأمة للإبادة . ولا تجني من ذلك سوى النكوس والتردي والهوان . عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رحم الله عبدا قال خيرا فغنم ، أو سكت عن شر فسلم " . قال الماوردي : يشير به إلى أن الكلام ترجمانٌ ، يُعبّر عن مستودعات الضمائر ، ويخبر بمكنونات السرائر ، لا يمكن استرجاع بوادره ، ولا يُقدَرُ على دفع شوارده ، فحقٌّ على العاقل أن يحترز من زللـه ، بالإمساك عنه ، أو الإقلال منه . قال علي رضي الله عنه : اللسان معيارٌ ، أطاشَهُ الجهلُ ، وأرجَحَهُ العقلُ .
ونحن الآن لسنا أمام مشكلة واحدة ، مطالبين بحلها وحسبُ ، وإنما نحن أمام مشكلات جمّة ، لا يمكن حلها كما قلت آنفاً بالسباب والشتائم ، أو طول اللسان وقلة الحياء ، أو دوام الشكوى من الحكام .. فالحكام هم منا ونحن منهم " فكما تكونون يولى عليكم " و " الناس مجزيون بأعمالهم " " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " . حكامنا لم يجيئوا من المريخ ليحكمونا ، وإنما هم أبناء جلدتنا ، وأبناء ملتنا ، ويعيشون على أرض الإسلام ، فإن كانوا فاسدين ، فقد نبتوا في تربة فاسدة ، وإن كانوا أشراراً فالمجتمع الذي أنتجهم شر منهم .. وقمة الشرور أن يتصدر صغار الأسنان وسفهاء الأحلام للحديث في أمر العامة . أو أن يَفرِضَ الجاهلُ رأيه على العالم . وسحقا لمجتمع لا يُحترم فيه الكبير ولا يُرحم فيه الصغير ولا يُعرف للعالم حقه ...
أيها الناس : إن الأمة الآن تتعرض لأخطار لا تُعدُّ ولا تُحصَى . ولا يمكن إنقاذُها من أوحالها بالجهل والحمق والعشوائية ، فنحن الآن بأمس الحاجة إلى عقلاء يأخذون بأيدي الناس إلى برِّ السلامة وشاطئ النجاة .. نحن الآن بحاجة إلى توحيد تراب الأمة الممزَّق ، وتوحيد الكلمة بين قادتها ، وتوحيد جيوشها ، واقتصادها ، واسترداد هويتها الدينية .. والتحرر من الأغلال التي تكبلها .. نحن بحاجة لإقامة صناعات مدنية تقدم لنا السيارات والسفن والطائرات ، وصناعات حربية تمدنا بالدبابات والصواريخ والطيران الحربي ، لنرهب بذلك عدو الله وعدونا وآخرين من دونهم لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم .. نحن بحاجة للمِّ شعث الأمة ، وجمع كلمتها ، ووحدة صفها وإلزام المجتمع الدولي بالاعتراف بها ، فتعدادنا اليوم مليار و700 مليون مسلم يعيشون فوق الكرة الأرضية ، وينتشرون على قاراتها الست في العالم ..
إن هذا الكوكب الذي نعيش عليه اليوم ، هو محكوم بنظام عالمي لا سبيل لنا إلى تخطيه ، ولا يمكننا الخروجُ عليه بالقوة ، فنحن الآن في حال من الضعف ، لا تسمح لنا بشن حروب على أهل الأرض كلها .. فهتلر الذي كان يملك قوة أكبر مما نملك آلاف المرات ، أخطأ في إعلان الحرب على العالم كله ، وكان أحمق مغرورا حين ظن أنه سوف يملك العالم كله ، ويتحكم في البشرية ومقدراتها .. لذلك كانت نهايته تدمير بلده ، وتسبب بمقتل 60 مليون إنسان ، ثم طواه التاريخ فيمن طوى من الجبابرة والمستكبرين ..
وبنفس منطق هتلر يتكلم الدواعش اليوم ، فيزعمون أنهم سوف يحكمون العالم كله خلال سنوات ، ويراهنون على أنهم سوف يحتلون أمريكا وروسيا وأوربا وكل قارات العالم في زمن ليس بالبعيد ..
سبحان الله ، ما هذا المنطق . وكيف يراهنون على ذلك ، وهم يشترون سلاحهم من عدوهم ، كيف يراهنون على ذلك وهم عالة على غيرهم في كل شيء .؟ حقيقة أقولها " إنه ليس في عقل المجنون إلا جنون العاقل " ..
أيها السادة :
إن الخلافة التي تنادي بها داعش سوف تستعدي علينا دول العالم كلها ، وسوف تجر علينا مفاسد أكبر ألف مرة من المصالح التي ننشدهمن هذه الخلافة الآن ..
ومما لا شك فيه أن طلب الخلافة بطريقة داعش هو أمر أشبه بالمستحيل ، فلن تعود الخلافة بالأماني المعسولة ، ولا بالأحلام الوردية ، ولا بالعنتريات الفارغة .. لو قيل لك أن قزما مقطوع اليدين والرجلين أعمى البصر ، سيخوض حربا ويحتل العالم .. هل تصدقه .؟؟ إن ادعاء داعش يشبه ادعاء هذا القزم الأرعن الكذاب ...
أيها السادة :
إن العودة بالأمة إلى ما كانت عليه من عز ومجد وسؤدد ، يتطلب إعدادا متكاملا ، وجهادا متواصلا ، وعملا دؤوبا ، وتضحيات بالوقت والمال والأنفس، ويحتاج لتخطيط وتقدير وتدبير . ولا يمكن التغيير بالحل الداعشي الأخرق ، الذي يسير خبط عشواء ، ويعتمد طريقة " ركبت جحشا ومشيت طحشا " فهذا لن يجر على داعش ولا على المسلمين إلا الوبال والخبال في مشارق الأرض ومغاربها ..
إن العودة بالأمة إلى ما كانت عليه من عز ومجد وسؤدد ، يتطلب إعدادا متكاملا ، وجهادا متواصلا ، وعملا دؤوبا ، وتضحيات بالوقت والمال والأنفس، ويحتاج لتخطيط وتقدير وتدبير . ولا يمكن التغيير بالحل الداعشي الأخرق ، الذي يسير خبط عشواء ، ويعتمد طريقة " ركبت جحشا ومشيت طحشا " فهذا لن يجر على داعش ولا على المسلمين إلا الوبال والخبال في مشارق الأرض ومغاربها ..
أما مسالة " تعدد الحكام في الدول الإسلامية والعربية " فهذا من الواقع ، الذي لا يمكن تغييره في الوقت الحاضر .. ويجب التعامل معه على مبدأ القبول به للضرورة .. وأن تتصالح الشعوب وحكامها ، وأن يكونوا معا كاليدين تغسل إحداهما الأخرى ..
إن داعش تكفر كل حكام الأمة وشعوبها ، وتعاديهم ، وتحاربهم قبل محاربة اليهود والنصارى والمجوس .. وهذا منتهى الغباء في التصرف .. ولن يؤدي في النهاية إلى أي خير ، سوى تصفية شبابنا ، وجلب الفقر والجهل والمرض إلى بلداننا . وإغراء بعضنا بقتل بعض .. وأعداؤنا سعداء بما يجري لنا من شقاء وعناء وموت وتشريد ..
..... يتبع .....