وقفات حول الخلافة الإسلامية
الوقفة السادسة : حكم المتغلب ليس خلافة وإنما هو ملك :
21 / 4 / 2016
بقلم : أبو ياسر
==============
روى أبو داود والترمذي من حديث سعيد بن جهمان عن سفينة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الخلافة في أمتي ثلاثون سنة ، ثم هي ملك بعد ذلك " .
قال سعيد ثم قال لي سفينة : أمسك خلافة أبي بكر وخلافة عمر وخلافة عثمان ثم أمسك خلافة علي وخلافة الحسن فوجدناها ثلاثين سنة" قال سعيد : فقلت له إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم ؟ قال سفينة : كذب بنو الزرقاء ، هم ملوك من شر الملوك .
وقد ذكر السيوطي وغيره أن خلافة أبي بكر كانت سنتين .. وخلافة عمر كانت عشر سنين ، وأن خلافة عثمان كانت اثنتا عشرة سنة ، وأن خلافة علي وابنه الحسن كانتا ست سنين .. ومجموع ذلك 30 سنة ...
وحقق المسعودي في مروجه : هذه المدة بقوله " وجدت في بعض كتب التواريخ في أخبار الحسن ومعاوية أن بخلافة الحسن صَحَّ الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " لأن أبا بكر الصديق رضي اللّه عنه تَقَلَّدَهَا سنتين وثلاثة أشهر وثمانية أيام، وعمر رضي اللّه عنه عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال، وعثمان رضي اللّه عنه إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وثلاثة عشر يوماً، وعلي رضي اللهّ عنه أربع سنين وسبعة أشهر إلا يوماً، والحسن رضي الله عنه ثمانية أشهر وعشرة أيام، فذلك ثلاثون " انتهى كلام المسعودي .
ثم هي ملك متدرج من الرحمة إلى الجبرية إلى العضود .. مصداق قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( ستكون خلافة نبوة ورحمة ، ثم يكون ملك ورحمة ، ثم يكون ملك وجبرية ، ثم يكون ملك عضوض ) وقوله [ ملك وجبرية ] أي ملك استبدادي ، وقوله [عَضُوضٌ ] أي يُصِيبُ الرَّعيَّة فيه عسْفٌ وظُلْم كأنَّهم يُعَضُّون فيه عَضًّا .
وعلى هذا فخلافة  معاوية رضي الله عنه ، بدأ بها عهد الملك ، ولكنه ملك يتسم بالرحمة ، لما عرف من حلم معاوية وأناته وصبره على مخالفيه ..
قال ابن الأثير في تاريخه :" .. ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه سعد بن أبي وقاص فقال : السلام عليك أيها الملك .!! فضحك معاوية وقال: ما كان عليك يا أبا إسحاق لو قلت : يا أمير المؤمنين؟ فقال سعد : أتقولها جذلان ضاحكاً يا معاوية .؟ والله ما أحبُّ أني وُلّيتُها بما وُلّيتَها به .!!
ومما يؤيد كون عهد معاوية هو بداية فترة الملك ، أنه حولها من خلافة تنال بالشورى ، وتصدر عن رأي أهل الحل والعقد ، إلى ملك ينتقل من الأصل إلى الفرع وكأنها ميراث ، فإن معاوية رضي الله عنه قد جعلها من بعده لابنه يزيد ، وانتزع له البيعة بالخلافة من بعده ترهيباً وترغيباً قبل أن يموت .. وهو يعلم رضي الله عنه أن في زمانه من هم أولى ألف مرة من ابنه يزيد .. ولعل معاوية رضي الله عنه كان آثر هذا التصرف ، رغبة منه في المحافظة على استقرار أمر الأمة،  وخوفا من المخاطرة بخروج الخلافة من بعده إلى رجلٍ ، يطلبها ولا يتفق المسلمون عليه ، فتختلف بسبب ذلك كلمتهم ، وتضطرب أحوالهم وينفرط عقدهم .. ويعودون إلى سفك الدماء فيما بينهم من جديد . فكأنه رأى باستخلاف يزيد حسما لجرثومة النزاع بين الناس .
ومهما يكن من أمر ، فكما أكره المسلمون على طاعة المتغلب ، أكرهوا على تسميته بـ ( الخليفة وأمير المؤمنين ) . وهو في حقيقة الأمر ملك يقفو سيرة الملوك في الغلبة على الحكم وتوريثه لذويه .
......  يتبع .......