أركان الإسلام في المعتقد النصيري:
بداية لا بد من توضيح نقطة في غاية الأهمية, ألا وهي اعتماد جميع الفرق الباطنية على التأويل المنحرف لنصوص الوحي الإلهي من قرآن وسنة, فلكل شيء في المعتقد النصيري -عقيدة وعبادة - ظاهر وباطن, فالظاهر لعوام الناس كما يزعمون, والباطن للخواص, ومن هذا الباب نجد الشاعر النصيري "المكزون السنجاري" يعلل ذلك الانحراف والتأويل الباطني بقوله:
قالوا تحدث بالصحيح من الحديث بغير رمز *** فأجبتهم هل عاقل يرمي الكنوز بغير حرز(3)
ويرمي المكزون بهذه الأبيات إلى الزعم بأن علوم أهل البيت غير معلومة لعامة المسلمين, وأن لهم - آل البيت - علوماً خفية كالجفر مثلاً, وينسبون لأئمة آل البيت كلاماً لم يذكروه ولم ينطقوا به البتة, وإنما هي أساطير ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان.
ولعل خير مثال على ظاهرة الباطن والظاهر في العبادات عند النصيرية, ما ذكره حسن المكزون السنجاري النصيري المتوفى سنة 638هجرية في رسالته التي سماها "تزكية النفس في معرفة بواطن العبادات الخمس", حيث ذكر فيها مقدمة وسبعة أبواب هي:
الباب الأول: في معرفة العبادة وبواطنها وأقسامها.
الباب الثاني: في معرفة باطن الإسلام وأقسامه ومستقر الإيمان ومستودعه.
الباب الثالث: في بواطن الصلاة ولوازمها ومعرفة أشخاصها.
الباب الرابع: في معرفة بواطن الصيام ولوازمه ومعرفة أشخاصه.
الباب الخامس: في معرفة بواطن الزكاة ولوازمها وأقسامها.
الباب السادس: في معرفة باطن الحج ولوازمه وأشخاصه.
الباب السابع: في معرفة الجهاد ولوازمه وأقسامه.
ومن غرائب وعجائب هذه الرسالة: أن المكزون في معرض ذكره بواطن الصلاة والصيام والحج جعل لكل فريضة شخصاً أو أشخاصاً, ترتبط هذه الصلاة أو تلك بهم بشكل أو بآخر, وهو نفس الأمر الذي ينسحب على الصيام والحج, وبالعودة لفحوى الفصل الأول من هذه الرسالة التي جعلها المكزون لمعرفة أقسام العبادة وصفة باطنها, يستطيع القارئ أن يلحظ النزعة الباطنية في تأويله أركان الإسلام وعباداته الخمس, فالمعرفة الحقيقة عند النصيرية - كما يعرضها المكزون - هي شجرة ذات أصل ثابت وفرع باسق, لا تنال ثمرتها إلا برفع أيدي السؤال إلى فروعها الزكية: (فأصلها الأزل, وفرعها الأبد, وثمرها السرمد) ويستطرد المكزون قائلاً: (وهذه الرتب الثلاث هي التي عبر عنها أهل التوحيد "بالمعنى" و "الحجاب" و "الباب").
"فالمعنى" من هذه الرتب الثلاث هو الحق الأول حسب زعم المكزون, والحق الأول هو الذي ابتدع "الحجاب" الأول, والحجاب الأول هو الذي خلق "الباب", والباب هو الذي اختص "الأيتام" بقدرة المشيئة الظاهرة فيه, وكذلك ظهرت "المقامات الخمس" من العالم الكبير النوراني رتبة رتبة, وعن الرتب الأخيرة تكونت سائر الموجودات مما دونهم.
يذكر أن المقصود بالأيتام الخمسة عند النصيرية بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: المقداد وأبو ذر وعبد الله بن رواحة وعثمان بن مظعون, إضافة لقنبر بن دكان غلام علي رضي الله عنه, معتبرين أن سلمان الفارسي والأيتام الخمسة هم من خلق العالم والموكلون بأموره, فسلمان الفارسي رضي الله عنه - حسب زعمهم - هو النفس الكلية التي انبثقت من العقل - محمد صلى الله عليه وسلم - ويعتقدون أن سلمان أو النفس الكلية هي التي خلقت السماوات والأرض وخلقت كذلك الأيتام الخمسة, والمقداد باعتباره أول الأيتام الخمسة فقد خلق الناس ولذلك فهو رب الناس - تعالى الله عما يقولون - علواً كبيراً(4).
...............................................
(3) معرفة الله والمكزون السنجاري 2/346.
(4) معرفة الله والمكزون السنجاري 2/283-289.