الشيعة في سوريا والصيد في الماء العكر


منذ انقلاب حافظ الأسد وانفراده بمقاليد الحكم في سوريا عام 1970، وسعي نظامه لم يتوقف يوماً عن ترسيخ قواعد حكمه داخلياً وخارجياً، وإن أثر ذلك سلبياً على بنية الشعب السوري، ومستقبل علاقة أبنائه فيما بينهم.

الطائفة الأداة
ففي الداخل السوري وضع النظام جلّ ثقته في الطائفة العلوية التي تنتمي لها عائلة الأسد، حيث استجلب الآلاف من الأسر العلوية من قرى جبال الساحل السوري إلى المدن الداخلية السورية وفي مقدمتها العاصمة دمشق.
ومع مرور السنوات تمكن النظام من صبغ الدولة بهذه الصبغة الطائفية في كل مفاصل الحياة، في التعليم والثقافة ،الأمور الخدمية والطبية، القيادات الأمنية والعسكرية، وبهذا ضمن الولاء التام من مؤسسات الدولة، حتى ترسخت صورة الإداري أو القيادي في الدولة في العقل الجمعي للشعب على أنه ذاك الرجل المنحدر من جبال الساحل والمنطوي تحت راية طائفة الأسد.

إيران حليفٌ استراتيجي
أما على الصعيد الخارجي فانحاز حافظ الأسد للثورة الإيرانية الشيعية في حربها ضد حزب البعث العراقي ورمزه صدام حسين، حيث رأى النظام أن دولةً شيعيةً بقوة إيران هي الخيار الأمثل لدعم النظام الأقلوي العلوي في سوريا والمحاط بالأكثرية السنية.
وكان ثمن هذا التقارب هو تمكين إيران من افتتاح العشرات من الحوز الشيعية في سوريا والتي هاجر إليها مئات رجال الدين الشيعة واستقطبت الآلاف من الطلاب من سوريا ومن كل أنحاء العالم.



التشييع العسكري

في حين لعبت إيران والحكومة الشيعية في العراق وحزب الله اللبناني دوراً رئيسياً في الحفاظ على تماسك نظام الأسد منذ انطلاقة الثورة السورية في أوائل عام 2011، فكانوا له سنداً مالياً متيناً، وأمدوه بالكوادر البشرية عبر عشرات الآلاف من المقاتلين من أفغانستان والعراق ولبنان، كما أشرف الضباط الإيرانيون على سير المعارك الهامة وقدموا أحدث أسلحتهم في سبيل بقاء النظام.
وتشير التقارير الاخبارية إلى أن النظام اعتمد على هذه الميليشيات الشيعية لتأمين العاصمة، كما خاض مستعيناً بها عشرات المعارك الهامة على امتداد التراب السوري مما أكسبها نفوذاً متزايداً طغى في كثيرٍ من الأحيان على نفوذ القيادات السورية العسكرية والأمنية.
وبعد عودة الآلاف من هؤلاء المقاتلين الشيعة العراقيين إلى بلادهم لتشكيل ما يسمى الحشد الشعبي هناك، بدى واضحاً اعتماد النظام على قوات حزب الله اللبناني لخوض المعارك الاستراتيجية كما حدث في القلمون والزبداني، في حين تمركز من بقي من المقاتلين الشيعة العراقيين في بلدة السيدة زينب جنوب دمشق.

ويفرض هؤلاء المقاتلون سلطة الأمر الواقع على المناطق الخاضعة لسيطرتهم وما جاورها، فمنذ أيام قاموا بقطع طريق مطار دمشق نتيجة مظاهرتهم، كما يستمرون برفض الهدنة مع بلدات جنوب دمشق، حيث لا يتورع المقاتلون الشيعة عن استهداف هذه البلدات بالقذائف مع كثرة حالات القنص كلما سنحت لهم الفرصة.



الصيد في الماء العكر
ليزداد وبشكلٍ ملحوظ النشاط الشيعي في سوريا بعد وصول الأسد الابن للسلطة، حيث سعت الجمعيات الشيعية لتشييع عشرات العائلات في المناطق الفقيرة في سوريا مثل دير الزور ودرعا عبر منحهم رواتب وامتيازات، بالإضافة إلى تشييع الكثير من أبناء الطائفة العلوية.

ونتيجة زيادة الضغوطات على النشاطات الدينية السنية وهجرة الكثير من الدعاة والعلماء منها وتخاذل الكثير من رجال الدين عن قول كلمة الحق بل ورضوخهم للباطل، أدى ذلك كله لزيادة النشاط الديني الشيعي، حيث انتشرت أغاني اللطميات الشيعية بين الشباب، وزادت جرأة الوفود الشيعية بالجهر بشعائرهم المستفزة لمشاعر أهل السنة الدينية، كما حدث في آخر احتفالاتهم أمام المسجد الأموي في دمشق، حيث تجهر المئات منهم في الساحة المقابلة له رافعين راياتهم، حتى تطاول نفرٌ منهم ورفعوا أعلام حزب الله اللبناني والعلم الإيراني.
ونتيجةً لتزايد الخسائر البشرية في صفوف أبناء الطائفة العلوية دفاعاً عن الأسد، سعى النظام لتجنيد أبناء السنة في المناطق الخاضعة لسيطرته،ومن أجل ضمان الحصول على الولاء الكامل لهؤلاء الشباب، اختار النظام اللعب على الوتر العقائدي عبر إجبارهم على اعتناق المذهب الشيعي.

ويُعد حزب الله السوري أبرز الألوية العسكرية الشيعية السورية والتي يسعى النظام لتجنيد المتشيعين الجدد ضمنها مستفيداً من الخبرات التنظيمية والعسكرية للضباط الإيرانيين والميليشيات الشيعية.

ويتم استهداف الشباب صغيرة السن بين ال 15 و18 عاماً لسهولة التأثير على عقيدتهم في هذه المرحلة العمرية، حيث يغروهم بالرواتب والتعويضات المرتفعة والتي تعد أضعاف ما يتلقاه المقاتل في الجيش السوري، كما يحفزونهم بالصلاحيات الواسعة التي ستمنح لهم عبر وقوفهم في حواجز مناطقهم، ولك أن تتخيل شاباً في مقتبل العمر وقد أتيحت له الفرصة لكسب مبلغٍ ماليٍ ضخم مع نفوذٍ واسع، ولكن يُفاجئ المقاتل بخلاف ما وُعد به، فبعد أن ينهي المقاتل المتشيع تدريبه العسكري السريع، يزج به في أعنف الجبهات بدل البقاء في منطقته.

وكثيراً ما قُتل العديد من الشباب بعد أقل من شهر من انضمامهم لإحدى تشكيلات النظام نتيجة استهتار قادتهم بأرواحهم، أو لربما تعرضوا لإصابة أقعدتهم عن القتال فمنع عنهم النظام مستحقاتهم.

ويحذر متابعون من مخطط التشييع في سوريا عامةً ودمشق على وجه الخصوص، ويصفونه بـ "المخطط الخبيث" والذي يسعى فيه النظام لتحقيق عدة مصالح استراتيجية، فهو يؤمن له مقاتلين جدد في وقت كثر فيه القتلى والجرحى والفارين من جيشه، كما أن تشييع أعداد كبيرة سيؤدي لتغيير ديموغرافي خطير في المدينة، وقد نصحوا ذات صباح لنرى دمشق شيعيةً خالصة.

مجاهدو جيش الاسلام بعد سيطرتهم على أحد مواقع النظام على أطراف الغوطة

واغتنام عربات مدرعة و أسلحة وذخائر أخرى