ماذا يُدبّر للشام وأهلها ؟
المصدر: د. زياد الشامي/
بعد مئات الآلاف من الشهداء الذين سقطوا على أرض الشام بفعل براميل الطاغية , وبعد تدمير هولاكو العصر لقراها وبلداتها ومحافظاتها حتى لم يبق حجر فيها على حجر , ناهيك عن مشاهد التجويع والتعذيب في زنازينه وسجونه التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا من فظاعتها ......يتذكر الدبلوماسيون الغربيون منهم والعرب أنه لا بد من حل لما يسمى "الأزمة في سورية" .
وحين تنصت جيدا لمقترحات هذا الحل وتصوراته الأولية بعد كل هذا القتل والإجرام والدمار والخراب الذي تسبب به طاغية الشام , تستنتج أن الحل ليس لإيقاف نزيف الدم السوري المستمر منذ أكثر من أربع سنوات , وليس لإيقاف دمار ما تبقى من أرض الشام المباركة ....وإنما لإنقاذ الطاغية وإعادة تأهيله من جديد , بعد أن منيت قواته والمرتزقة الذين استجلبهم من كل أصقاع الدنيا بهزائم متتالية , لعل آخرها ما تداولته وسائل الإعلام بالأمس عن سيطرة جيش الفتح على عدة قرى في سهل الغاب , ناهيك عن صمود الزبداني الأسطوري الذي أرغم حزب اللات وأعوانه من قوات النظام على القبول بتهدئة جديدة ليومين تبدأ من صباح اليوم الخميس .
إن ما يُراد بالشام وأهلها من قبل كل من روسيا وإيران والصهاينة بالدرجة الأولى , ومن قبل القوى الغربية التي تزعم مساندة مطالب الشعب السوري ثانيا , بل ومن قبل بعض الدول العربية التي لا يبدو أنها تريد انتصار المعارضة السورية , وترغب في بقاء الأسد رغم كل مجازره وجرائمه...... جد خطير , ولا بد من كشفه أولا , ومواجهته ومنع حدوثه ثانيا .
1- أولى السيناريوهات الخطيرة التي يخطط لها كل من الرافضة وروسيا الشيوعية , ويتم تسويقها دوليا هو سيناريو ما يسمى "سورية المفيدة" , والتي تقضي بإبقاء المنطقة الممتدة من دمشق جنوبا , وصولا إلى حمص وحماة والساحل السوري شمالا وغربا , بما في ذلك منطقة القلمون والحدود الللبنانية السورية ...في قبضة الطاغية , وبذلك تضمن طهران حماية مليشياتها في لبنان ومصالحها ومشروعها الصفوي في سورية .
ولعل أخطر ما في هذا السيناريو هو تهجير المسلمين من أهل السنة من جميع المناطق التي كانت تخضع للمعارضة السورية , وخصوصا ريف دمشق و أهالي الزبداني والقرى والبلدات المحاذية للحدود اللبنانية , واستبدالهم بالرافضة الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم , خصوصا بعد أنباء عن منحهم الجنسية السورية , بل وهيمنتهم على بعض المناطق في قلب العاصمة دمشق .
2- موقف الصهاينة من بقاء طاغية الشام على رأس الحكم في سورية يزداد وضوحا يوما بعد يوم , ومخاوفهم من ذهاب الحكم النصيري الذي حفظ حدودهم الشمالية طوال أربعة عقود ليحل محله حكمم الجماعات السنية يزداد .
ولا أدل على ذلك من قول المعلق العسكري في قناة التلفزة العاشرة "ألون بن دافيد" أول أمس : "إن كان هناك فريق تتمنى "إسرائيل" له النجاح في المواجهة فهو بكل تأكيد نظام الأسد وحلفاؤه"، مشددا على أن آخر ما يخدم المصالح "الإسرائيلية" هو سقوط النظام في الوقت الحالي وسيطرة الجماعات الإسلامية السنية ... وهو بطبيعة الحال ما أكده أكثر من سياسي ودبلوماسي وخبير عسكري صهيوني منذ مدة .
3- لا يبدو أن الموقف الأمريكي والغربي يعارض حلا سياسيا في سورية مع بقاء الأسد , خصوصا بعد توقيع الاتفاق النووي بين الرافضة والغرب , والذي يبدو أنه منح الروس والصفويين حق الاستئثار بطريقة حل الأزمة السورية , بل يمكن القول بأن الغرب يدعم ذلك لمنع وصول التيار الإسلامي السني للحكم في سورية , ولا أدل على ذلك من قصف التحالف الدولي لمواقع أحرار الشام والنصرة – وليس تنظيم الدولة كما تزعم - .
والحقيقة أنه لم يعد أحد ينخدع بتلك التصريحات التي تخرج بين الحين والآخر من بعض ساسة الغرب بأنه "لا دور للأسد في مستقبل سورية" والتي أعلنها منذ أيام الرئيس الفرنسي هولاند , لأن الأحداث أثبتت أنها لمجرد الاستهلاك الإعلامي لا أكثر .
الجديد ربما في هذا الملف هو تصريحات وتحركات بعض الدول العربية التي تبدو موافقة – وربما داعمة – لإبقاء الطاغية أو إشراكه في الحل السياسي السوري , وفي هذا الإطار يرى مراقبون أن زيارة ثلاثة قادة عرب لروسيا أمس , وهيمنة الملف السوري على محادثاتهم مع الرئيس الروسي بوتين , وتأكيدهم على الدور الروسي المهم جدا في حل الأزمة السورية , والذي ينطلق – كما نعلم – من مبدأ الإبقاء على الطاغية ...... هو في الحقيقة مؤشر خطير لما يدبّر للشام وأهلها .
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تصريح الطاغية منذ أيام في حوار له مع قناة "المنار" التابعة لحزب اللات حرصه على العلاقة مع مصر , مضيفا أنه يريد من مصر أن تلعب دور "الدولة الهامة الفاعلة الشقيقة التي تساعد بقية الدول العربية انطلاقا من تاريخها العريق" , وتصريح وزير خارجيته من قبل بدور فاعل لمصر في حل الأزمة السورية .... فإن ذلك مما يؤكد السعي الحثيث من طهران وروسيا لتسويق رؤيتها للحل في سورية .
إن ما يُدبّر للشام وأهلها من مكائد ومخططات لا بد أن يقابل بمواجهة من الدول السنية الداعمة , والحقيقة أن إصرار المملكة السعودية وتركيا على استبعاد الطاغية من أي حل في سورية ما زال يعرقل مخططات الغرب والرافضة , كما أن الأهم هو إصرار المجاهدين في الشام على اسقاط الطاغية بأنفسهم , واضعين نصب أعينهم قول الله تعالى : { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } الأنفال/30 .