شبكة #شام الإخبارية||
فلسطينيو سوريا على وقع النكبة الثانية… سيناريو التهجير الأخير….
مقالة بقلم: أيمن أبو هاشم
------------------------------
الأرقام ليست لغة كافية لمن لديه شكوك بوجود خطة سياسية لتصفية الوجود الفلسطيني في سوريا، ثمة وقائع وحيثيات لم تظهر نتائجها الكلية بعد، ويتعذر إحصاؤها في بيانات وتقارير صحافية وإعلامية، لكنها تفيض بكل ما يسوغ القول، إن حصاد الفلسطينيين من حرب النظام غير الممانع والمُمعن في إبادة شعبه، هو تهجير أكثر ما يمكن من أسرهم وعوائلهم وتجمعاتهم، بالقدر الذي يقوض أي إمكانية لبقائهم عقبة كأداء في وجه الحلول والتسويات المرسومة لفلسطين وجوارها.
لم يكن تدمير مخيمات اللاجئين وحصارها وتجويع مخيم اليرموك، الأكبر بينها، إلا وصولاً لهدف أساسي، يتمثل في إزاحتهم إلى أقصى بقاع الأرض، كي تستريح المخيلة الإسرائيلية، من خطر هذه الكتلة المتمترسة خلف حقها بالعودة، ومن ذاكرتها المزمنة بالشهادات الحية الموروثة جيلاً بعد جيل. وما كان محضُ صدفة، أن يتولى نظام الأسد ترتيب مسرح العمليات كي تمحو النكبة الثانية على يديه كافة شواهد وآثار النكبة الأولى، وهو ما يحدث فعلياً في متواليات الاستهداف اليومي المدروس، لمن تبقى من اللاجئين الفلسطينيين داخل مخيماتهم، وبخطوات مكثفة يُراد منها إغلاق كل أفق ممكن أمام هؤلاء ودفعهم قسراً للهجرة، طالما أن زمن الاستبداد الأسدي وسياسات التطفيش العروبي، يتكاتفان كي يؤديا المهمة بكل عسف وفجور.
تتضاءل ثقة الجماعة البشرية بقدرة المكان على تأمين شروط البقاء، حين تستحوذ فكرة الهلاك على حياة أفرادها، وفي مثل تحديات كالتي واجهت الفلسطينيين في سوريا، تزاحمت مسببات الهلاك، والأعتى من ذلك أنهم خلال مجريات الكارثة السورية، استفاقوا على انكشافات صارخة، من بؤس الهوية المُستضعفة، وخواء الوطنية الفلسطينية في حقبة الابتذال والعهر السياسي، إلى ما يفعله التنكر والخذلان من نكوص الفكرة والقضية. هنا انصهر الشقاء الفلسطيني بالعذاب السوري، على وقع الفواجع والمصائب التي لم تميز بينهما، بقدر ما أكدت خصوصية اللجوء الفلسطيني، تجليات اليُتم السوري بأقسى صوره المأساوية.
لم تحجُبْ هذه العلاقة المضمخة بالدم بين ضحايا التنكيل الأسدي – السؤال الفلسطيني الخاص- حول جدوى اللجوء وجحيم العيش تحت كنفه، بعد أن أحالته النكبة الثانية إلى شهادات نعي على جدران المخيمات المدمرة… لا جواب يهدئ من هواجس المنكوبين، سوى توغل آلة الإجرام في استباحة واغتيال كل ممكنات البقاء، والعقاب الفاشي لمن يعاند قدر السفاح.
هكذا اكتملت الرسالة البليغة، بدون ضجيج التصريحات العلنية، وفحواها تصفية الوجود الفلسطيني في سوريا، وحث الخطى لإنهاء المهمة قبل أي حل سياسي يحدد مصير البلد، وهو ما انجلى في وقائع متتالية، منها تصعيد النظام في الآونة الأخيرة ضد المحاصرين في مخيم اليرموك، ووضعهم في دوامة جحيم يومئ بتنوع بين الحصار والتجويع والاغتيال والقصف بمختلف أشكاله، وتصميمه على منع عودة نازحي مخيمي الحسينية والسبينة إلى ما تبقى من بيوتهم، بعد أن استعاد النظام سيطرته عليهما منذ أشهر طويلة، مصحوباً ذلك بتدمير براميله المتفجرة لمخيم حندرات الفارغ من سكانه منذ عامين، وتحويل مخيم درعا إلى بقايا أطلال وسواتر علّها تقي الصامدين فيه من مسلسل القنص اليومي. علاوةً على ذلك لجأ النظام إلى أساليب متعددة تصب في الاتجاه ذاته، كإغماض عينيه عن رحلات تهريب اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التركية، وبث إشاعات بداعي التخويف، تعتبر كل فلسطيني غادر البلد بحكم المطلوب للجهات الأمنية، كي لا يفكر أحد بالعودة إلى زنازين الموت، بالتزامن مع ارتفاع حالات تصفية المعتقلين الفلسطينيين في أقبية النظام خلال الأشهر الأخيرة، بل أن نظام المتاجرة، لم يتوانَ حتى عن منع الفلسطينيين من إبرامهم لعقود إيجار في عدة أحياء دمشقية يسيطر عليها أمنياً ما يُعرف (بفرع الأربعين). في ضوء ذلك وغيره، لعلَ البعض لا يجد مبرراً لتخصيص النظام استهداف الفلسطينيين، طالما أنه لا يميز في أشكال ونوعية الاستهداف بين السوريين والفلسطينيين على حدٍ سواء. بيدَ أن التناظر في مقاربة المأساة لا يكفي، طالما أن النظام يسعى لما هو أشد من التنكيل الثأري بالفلسطينيين بسبب انحيازهم للشعب السوري المظلوم، عبر توظيفه نكبتهم الثانية في سياق التصفية السياسية، ودفعهم إلى تهجير جماعي يؤدي إلى تغيير في هويتهم السياسية والقانونية، كي يتحولوا من صفة لاجئين، إلى أشتات مهاجرين في دول تضعهم تحت خانة «بلا وطن» توطئةً لإدماجهم في مجتمعاتها. بدلالة سيناريو حاشد بتفاصيل الهروب عبر مسالك خطرة ومميتة، يتوج سردية اللجوء الفلسطيني كفضيحة صارخة، في ظل صمت وتواطئ لا سابق لهما.
مفارقات مصيرية تدعونا اليوم لاستحضار أزمنة الأجيال الفلسطينية، التي واجهت النكبة الأولى، وتناوبت طيلة محطاتها المريرة، على التشبث بالحياة والتمسك بحلم العودة، في مخيمات أوقدوا فيها قناديل الثورة، وقدموا أغلى ما لديهم كي لا تخبو شعلة الأمل. فيما تواصل نكبتهم الثانية تخليع ما زرعته تلك الأزمنة والمحطات، من ثوابت ويقينيات، ومن حيوات لم تعد تحتمل مزيداً من الصفع والخيانات وخيبات الأمل، ولا يجد فلسطينيو سوريا اليوم من خيار يُوقف مسلسل تهجيرهم الأخير، سوى استعجال الخلاص السوري قبل أن يُفرّغ سيناريو التصفية، من تبقى منهم داخل أسوار القهر.
فلسطينيو سوريا على وقع النكبة الثانية… سيناريو التهجير الأخير….
مقالة بقلم: أيمن أبو هاشم
------------------------------
الأرقام ليست لغة كافية لمن لديه شكوك بوجود خطة سياسية لتصفية الوجود الفلسطيني في سوريا، ثمة وقائع وحيثيات لم تظهر نتائجها الكلية بعد، ويتعذر إحصاؤها في بيانات وتقارير صحافية وإعلامية، لكنها تفيض بكل ما يسوغ القول، إن حصاد الفلسطينيين من حرب النظام غير الممانع والمُمعن في إبادة شعبه، هو تهجير أكثر ما يمكن من أسرهم وعوائلهم وتجمعاتهم، بالقدر الذي يقوض أي إمكانية لبقائهم عقبة كأداء في وجه الحلول والتسويات المرسومة لفلسطين وجوارها.
لم يكن تدمير مخيمات اللاجئين وحصارها وتجويع مخيم اليرموك، الأكبر بينها، إلا وصولاً لهدف أساسي، يتمثل في إزاحتهم إلى أقصى بقاع الأرض، كي تستريح المخيلة الإسرائيلية، من خطر هذه الكتلة المتمترسة خلف حقها بالعودة، ومن ذاكرتها المزمنة بالشهادات الحية الموروثة جيلاً بعد جيل. وما كان محضُ صدفة، أن يتولى نظام الأسد ترتيب مسرح العمليات كي تمحو النكبة الثانية على يديه كافة شواهد وآثار النكبة الأولى، وهو ما يحدث فعلياً في متواليات الاستهداف اليومي المدروس، لمن تبقى من اللاجئين الفلسطينيين داخل مخيماتهم، وبخطوات مكثفة يُراد منها إغلاق كل أفق ممكن أمام هؤلاء ودفعهم قسراً للهجرة، طالما أن زمن الاستبداد الأسدي وسياسات التطفيش العروبي، يتكاتفان كي يؤديا المهمة بكل عسف وفجور.
تتضاءل ثقة الجماعة البشرية بقدرة المكان على تأمين شروط البقاء، حين تستحوذ فكرة الهلاك على حياة أفرادها، وفي مثل تحديات كالتي واجهت الفلسطينيين في سوريا، تزاحمت مسببات الهلاك، والأعتى من ذلك أنهم خلال مجريات الكارثة السورية، استفاقوا على انكشافات صارخة، من بؤس الهوية المُستضعفة، وخواء الوطنية الفلسطينية في حقبة الابتذال والعهر السياسي، إلى ما يفعله التنكر والخذلان من نكوص الفكرة والقضية. هنا انصهر الشقاء الفلسطيني بالعذاب السوري، على وقع الفواجع والمصائب التي لم تميز بينهما، بقدر ما أكدت خصوصية اللجوء الفلسطيني، تجليات اليُتم السوري بأقسى صوره المأساوية.
لم تحجُبْ هذه العلاقة المضمخة بالدم بين ضحايا التنكيل الأسدي – السؤال الفلسطيني الخاص- حول جدوى اللجوء وجحيم العيش تحت كنفه، بعد أن أحالته النكبة الثانية إلى شهادات نعي على جدران المخيمات المدمرة… لا جواب يهدئ من هواجس المنكوبين، سوى توغل آلة الإجرام في استباحة واغتيال كل ممكنات البقاء، والعقاب الفاشي لمن يعاند قدر السفاح.
هكذا اكتملت الرسالة البليغة، بدون ضجيج التصريحات العلنية، وفحواها تصفية الوجود الفلسطيني في سوريا، وحث الخطى لإنهاء المهمة قبل أي حل سياسي يحدد مصير البلد، وهو ما انجلى في وقائع متتالية، منها تصعيد النظام في الآونة الأخيرة ضد المحاصرين في مخيم اليرموك، ووضعهم في دوامة جحيم يومئ بتنوع بين الحصار والتجويع والاغتيال والقصف بمختلف أشكاله، وتصميمه على منع عودة نازحي مخيمي الحسينية والسبينة إلى ما تبقى من بيوتهم، بعد أن استعاد النظام سيطرته عليهما منذ أشهر طويلة، مصحوباً ذلك بتدمير براميله المتفجرة لمخيم حندرات الفارغ من سكانه منذ عامين، وتحويل مخيم درعا إلى بقايا أطلال وسواتر علّها تقي الصامدين فيه من مسلسل القنص اليومي. علاوةً على ذلك لجأ النظام إلى أساليب متعددة تصب في الاتجاه ذاته، كإغماض عينيه عن رحلات تهريب اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التركية، وبث إشاعات بداعي التخويف، تعتبر كل فلسطيني غادر البلد بحكم المطلوب للجهات الأمنية، كي لا يفكر أحد بالعودة إلى زنازين الموت، بالتزامن مع ارتفاع حالات تصفية المعتقلين الفلسطينيين في أقبية النظام خلال الأشهر الأخيرة، بل أن نظام المتاجرة، لم يتوانَ حتى عن منع الفلسطينيين من إبرامهم لعقود إيجار في عدة أحياء دمشقية يسيطر عليها أمنياً ما يُعرف (بفرع الأربعين). في ضوء ذلك وغيره، لعلَ البعض لا يجد مبرراً لتخصيص النظام استهداف الفلسطينيين، طالما أنه لا يميز في أشكال ونوعية الاستهداف بين السوريين والفلسطينيين على حدٍ سواء. بيدَ أن التناظر في مقاربة المأساة لا يكفي، طالما أن النظام يسعى لما هو أشد من التنكيل الثأري بالفلسطينيين بسبب انحيازهم للشعب السوري المظلوم، عبر توظيفه نكبتهم الثانية في سياق التصفية السياسية، ودفعهم إلى تهجير جماعي يؤدي إلى تغيير في هويتهم السياسية والقانونية، كي يتحولوا من صفة لاجئين، إلى أشتات مهاجرين في دول تضعهم تحت خانة «بلا وطن» توطئةً لإدماجهم في مجتمعاتها. بدلالة سيناريو حاشد بتفاصيل الهروب عبر مسالك خطرة ومميتة، يتوج سردية اللجوء الفلسطيني كفضيحة صارخة، في ظل صمت وتواطئ لا سابق لهما.
مفارقات مصيرية تدعونا اليوم لاستحضار أزمنة الأجيال الفلسطينية، التي واجهت النكبة الأولى، وتناوبت طيلة محطاتها المريرة، على التشبث بالحياة والتمسك بحلم العودة، في مخيمات أوقدوا فيها قناديل الثورة، وقدموا أغلى ما لديهم كي لا تخبو شعلة الأمل. فيما تواصل نكبتهم الثانية تخليع ما زرعته تلك الأزمنة والمحطات، من ثوابت ويقينيات، ومن حيوات لم تعد تحتمل مزيداً من الصفع والخيانات وخيبات الأمل، ولا يجد فلسطينيو سوريا اليوم من خيار يُوقف مسلسل تهجيرهم الأخير، سوى استعجال الخلاص السوري قبل أن يُفرّغ سيناريو التصفية، من تبقى منهم داخل أسوار القهر.