بقلم : ابو ياسر السوري
8 / 12 / 2014
يا أخ حكيم . مثلك لا يهمل كلامه ، وإنما يحاور بكل احترام :
أولا : ذكرك الرئيس مرسي ليس هنا محله ، وليس صحيحا ما نسبته إليَّ تجاه الرجل . وما أظن أن فرحك بفوزه كان أشد من فرحي ، وما أظن أن تقديرك لتأثير مصر على الأمة العربية والإسلامية بأكبر من تقديري ، وأنا الذي قلت : إن لمصر دورها القيادي والريادي ، ومتى صلح أمر مصر صلح أمرنا في سوريا ، بل وصلح أمر الأمة العربية بأسرها .. ولكني عتبت يومها على الرئيس مرسي زيارته لإيران ، وما زلت أخالفه فيها ، وأخطئ كل من وافقه على تلك الزيارة المشؤومة .. ولا زلت أدعو الله أن يفرج عنه ، ويصلح الحال في مصر ، ويردها إلى أحضان العروبة والإسلام .. فمتى كانت أرض الكنانة بخير كنا بخير ..
ثانيا : وأما أني أشحذ السكاكين تجاه البغدادي ، ودولته ، فليت شعري وهل ترك جماعة البغدادي سكينا لغيرهم يستخدمها في مطبخه ؟ إن السكاكين لغة الدواعش الذين تدافع أنت عنهم ، ولعلك تنكر أنك منهم ، كما أنكرت من قبل أنك من الإخوان ودافعت عنهم ضدي ، وأنا لا أعاديهم ، ولا أعادي مرسي عجل الله فرجه .. ولكنك اتهمتني بعداوتهم ، وانبريت للدفاع عنهم ، كما تدافع الآن عن داعش ... وحبذا لو كان ذلك في سبيل الله .!؟
ثالثا : وأما عدم اعترافي بما تسمونه " دولة البغدادي " التي تصفونها بالباقية .. فقد نقضتموها أنتم بأيديكم ، فلم تبقوا عليها بهذه التسمية سوى بضع شهور . ثم حولتموها إلى " خلافته " ، ومن يدري فربما عنَّ لكم في المستقبل القريب ، فأطلقتم عليها لقب " امبراطورية " .. فالقذافي قبلكم أطلق على ليبيا أسماء لا حصر لها ، التماسا منه للشرف من خلال تعدد الأسماء ، لأنه سمع أن لملك الغابة الأسد أسماء كثيرة ، وأن كثرة أسمائه دلت على شرفه ، وما علم المسكين أن للكلب سبعين اسما ، فلم تنفعه كثرة الأسماء ، ولم ترفع له خسيسة ..
رابعا : أراك استخدمت عبارة " القياس الفاسد " والظاهر أنك لا تعرف معناها .. وإلا لما استخدمتها هنا .. لأنها عبارة في غير محلها .. فهل تمنع من انعقاد الخلافة على صورة من تلك الصور التي ذكرتها أنا مما وقع مثلها لسلفنا الصالح .؟ لا قائلَ بالمنع من ذلك .. فتعيَّن أن قياسي عليها كان صحيحا وليس بفاسد ...
ثم اراك استدللت على فساد القياس الذي حشرته هنا من غير مناسبة ، بأربعة أمور لا يستدل بأي منها على فساد القياس أصلا ، لأنها لا تمت إليه بصلة ، لا من قريب ولا من بعيد .!!
وجوابي على (أولا ) : إن عدم ورود كيفية بيعة الخليفة لا في الكتاب ولا في السنة ، ليس دليلا على فساد القياس ، ولا على صحته .. وإنما هو دليل على أن لا حرج في ترك أمر الخلافة لما يصطلح عليه المسلمون . قياسا على أن النبي ترك الأمر دون تعيين خليفة يلي أمر المسلمين من بعده . ولو كان هنالك نص في هذه القضية ، لعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ترك المسلمين هملا .
وجوابي على ( ثانيا ) : إن موت رسول الله بدون استخلاف ، لا يمنع المسلمين أن يتأسوا به ، ويأخذوا بسنته في ترك الاستخلاف .. وهذا ما فعله عثمان رضي الله عنه .
وجوابي على ( ثالثا ) : أن كلامك إنشائي ليس له معنى محدد ، ولا يقوم به دليل لفساد القياس .. فأنت قلت " كل الخلفاء بعد رسول الله اختاروا طرقا ... " والواقع ليس الأمر كذلك ، لأن الخلافة الراشدة لم تخرج عن الصور التي ذكرتها أنا في مقالي السابق .. وأما ما كان بعد الخلافة الراشدة ، فإنما هو ملك عضوض ، ولم يكن فيه من الخلافة إلا مسماها .. فالأمويون قتلوا ابن الزبير واستأثروا بالخلافة يتوارثونها فيما بينهم .. والعباسيون قتلوا الأمويين ، واستأثروا بالخلافة يتداولونها أيضا بالوراثة ... وهكذا .. وأما قولك " والباب مفتوح لكل احتمال " فهو كلام غامض عام ، لا يصلح معيارا للحكم ، ولا علاقة له كذلك بفساد القياس ..
وجوابي على ( رابعا ) : بأن استخلاف الحسن لمعاوية ، هو من باب استخلاف أبي بكر لعمر . سواء بسواء .. وهذا دليل لي ، وليس لك .
وجوابي على (خامسا): فأيضا هو دليل لي وليس لك . فأنا مَنْ ذكر صنيع عمر كصورة من صور تعيين الخليفة. وليس أنت..
والحاصل :
أن استدلالك بالقياس الفاسد ، هو الفاسد .. لأنه لم يقم لك به دليل ، لا من حيث المبنى ولا من حيث المعنى .. وقد علمتَ أن ما ذكرته كله لا علاقة له بالقياس الفاسد أصلا . ولهذا يلزمك أن تضبط عبارتك الفقهية ، وأنت تتحدث في قضية أصولية ، تحاسَبُ فيها على اللفظة ..
وبهذا نكون انتهينا من دحض ما سميته أنت ( شكلا ) .
وبقيت أدلتي على بطلان خلافة البغدادي قائمة ، لم تنقض .. فلا المسلمون أجمعوا على خلافة البغدادي .. ولا هو مستخلف من قبل خليفة سابق .. ولا هو ممن أجمع أهل الحل والعقد على استخلافه ..
وبناء على هذه المعطيات فخلافته باطلة وغير صحيحة .. أضف إلى ذلك أن أغلب المسلمين اليوم غير مقرين له بالخلافة ، بل إنهم يحثون المسلمين على محاربته لأنه في التوصيف الفقهي لديهم هو ( خارجي ) ونبينا أوصى بقتال الخوارج ، وقال طوبى لمن قتلهم أو قتلوه ..
وأما ( موضوعاً ) :
فالحقيقة ، لا أدري كيف أدور مع أفكارك المبعثرة من غير خطام .؟ أنت تريد أن تنازع في ( بيعة المتغلب ) .. وتحكم بجوازها مطلقا وبدون شروط ، لأن البغدادي في نظرك هو ( شخص متغلب على الخلافة ) .. وأنا لا أراه كذلك ، فهو حتى الآن ( يريد أن يتغلب على منصب الخلافة ولم يتمكن من ذلك بعد ) ..
ثم إنه لم تنطبق عليه الشروط التي اشترطها الفقهاء في ( الخليفة المتغلب ) وهي التالية :
1 - أن يبسط سلطانه على الناس طوعا أو كرها .
2 - أن يستقر له الأمر .
3 - أن يستتب به الأمن وأن تحفظ به الأموال والحرمات ، وتحقن به دماء المسلمين ..
والبغدادي يدعي أنه خليفة على المسلمين ، ولم يبايعه من المسلمين سوى حفنة من المرتزقة أو مجموعة من المغرر بهم من قبل المخابرات الإيرانية ، والأسدية .. وحتى هنالك من يشكك في شخص هذا الخليفة المزعوم ، ويراه دسيسة على المسلمين .. ولا عبرة ببيعة صغار طلبة العلم له ، مع إجماع أهل الحل والعقد على خلافهم ..
وأما إنكارك أن داعش يحكمون بردة أهل سوريا ويكفرون الجيش الحر ، ويحكمون بردة كل من لم يبايع البغدادي .. فأنت هنا تكابر ، وتنكر الشمس طالعة في وضح النهار .. فداعش قتلت من أقرباء لي أكثر من 187 شخص بتهمة الردة ومن قتلتهم هم صائمون مصلون ..
وداعش استحلت سبي نساء المخالفين لهم ، واستحلت مضاجعتهن بملك اليمين ، وأنت تنكر ذلك . والواقع يشهد به .
بقيت قضية تقديم قتل المرتدين على قتل الكفرة الأصليين ... وهنا نحن بحاجة لتفصيل أكتفي بذكره باختصار ...
1 – كان في زمان النبي منافقون ، ولم يقتلهم رسول الله ، لئلا يقال إن محمدا يقتل أصحابه .
2 – حتى المنافق لو رأى السيف وقال أشهد أن لا إله إلا الله ، وجب الكف عنه ، وعدم قتله .. ولما خالف في ذلك أسامة وقتل المنافق ، قال له " أين تذهب بلا إله إلا الله ؟ " قال ما قالها إلا اتقاء لسيفي ." قال صلى الله عليه وسلم : " هل شققت عن قلبه .؟ "
ولكن داعش تقتل كل من يقول لا إله إلا الله .. ولا تتردد ..
3 – في زمان أبي بكر الصديق ، لم يكن في جزيرة العرب كفار يتهددون الإسلام والمسلمين ، فما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل الناس في دين الله افواجا ، واستتب الأمن ، وأصبحت القوة للمسلمين على من سواهم في كل جزيرة العرب .. ولم يكن هنالك سوى المرتدين ، فناجزهم أبو بكر القتال ، وأرسل إليهم من يكف خطرهم ..
4 – وصنيع صلاح الدين الأيوبي، أنت اختزلته اختزالا معيبا . فصلاح الدين وحَّد كلمة المسلمين ، ثم نظر فوجد النصيرية تطعنه من الخلف وتؤازر الصليبيين على المسلمين .. فلذلك بدأ بهم ، ليومن ظهر المسلمين ، ثم يتفرغ لقتال النصارى ..
أما داعش فبدأت بقتل المسلمين ، وتصفية قيادات الجيش الحر .. وتركوا بشار الأسد يعيث في الأرض فسادا .. وقدموا له بقتل الجيش الحر أعظم الخدمات ، لذلك عاقبهم الله أخيرا فسلط بشارا عليهم . فقد جاء في الأثر " من أعان ظالما سلطه الله عليه " .
وختاما :
أبو بكر البغدادي لم تنعقد له بيعة بعد .. وليس بخليفة للمسلمين ، وهو زعيم خوارج هذا العصر ، وهو وجماعته كما عهدناهم ، يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان والمجوس والنصيرية ...