قالت العرب : إنَّ الْحَديِدَ بالْحَدِيِدِ يُفْلَحُ :
20 / 11 / 2014
بقلم : ابو ياسر السوري
============
وقالت العرب : لا يفل الحديد إلا الحديد
وقال علي : رُدُّوا اَلْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ اَلشَّرَّ لاَ يَدْفَعُهُ إِلاَّ اَلشَّرُّ
وقال شاعر حكيم في هذا المعنى :
فلما صرَّح الشرُّ : فأمسى وهـــو عُريانُ
و لم يَبْقَ سوى العُدْوَا نِ دنَّــاهمْ كمــا دانوا
و بعض الحلم عند الجهــــــ ـــــل للذلة إذعانُ
و في الشر نجاة حـيـ ـــن لا ينجيك إحسانُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هكذا كانت العرب تعالج مشاكلها ، وتداوي جراحها . فكانوا يرون أنه لا يُسْتعان في دفع الأمر الشديد إلا بما يشاكله ويماثله في القوة ، ليقينهم بأن الحلم في غير موضعه مهانة لا ينبغي أن يحتملها كريم ..
كلُّ حِلْمٍ أتى بغيرِ اقتدارٍ : حُجَّــــــةٌ لاجئٌ إلــيـهـــــــا اللـئــــــــامُ
ثم جاء الإسلام فأقر محاسن الأخلاق وتمم مكارمها .. وشرع معالم لا تسعد البشرية بدونها .. فأمر بالقصاص العادل ، وأباح معاملة العدو بالمثل .. ووضع الدواء المناسب لكل داء طلبا للشفاء .. وأنزل العقوبة الرادعة حسما لجرثومة الإجرام في المجتمع ، فأمر بقتل القاتل ، وقطع السارق ، وصلب المفسد في الأرض بعد قطع أطرافه من خلاف ... وعلى قسوة هذه العقوبات فقد حكم بها الإسلام على الأفراد ، حفاظا على أمن المجتمع وسعادته ...
وحين نمعن النظر في معالجتنا للمشكلات التي نشأت بعد الثورة ، نجد أننا لا نعالجها بأسلوب عربي ، ولا بأسلوب إسلامي ..فمنذ قيام الثورة ونحن نتعرض لصور من القمع ، لم يسمع بمثلها السابقون وما أظن أنه سوف يسمع بمثلها اللاحقون.
لقد سمعنا قبلاً بمن قَتَلَ وسرقَ ونَهَبَ وشرَّد ودمَّر وأحرق .. ولكننا لم نسمع قطُّ قبل عهد هذه العصابة الطائفية قاتلا يمنع أهل القتيل من دفن فقيدهم .!! ولا أحداً هاجم القبور فنبشها وسرق منها جثامين الأموات .؟ وما كنا نتصور أن هنالك من يحرق طفلا رضيعا من رجليه ، ولا يجهز عليه ، بل يلقيه في مكان ناء ليموت موتا بطيئا .؟ ولم نسمع قبلا بمن اغتصب امرأة ثم غرز خنجره في صدرها بعد اغتصابها ، وطعنها عدة مرات حتى فارقت الحياة ، ثم قطع كفها ليأخذ سوارها ، وقطع رقبتها ليأخذ الطوق من عنقها .؟ وما كنا نتصور أن يعذب المعتقل حتى الموت ، حتى رأينا أشرطة الفيديو لبعض المعتقلين في سجون الأسد ، حيث يتعرضون قبل قتلهم لبتر الأصابع ، وفقء العيون ، والضرب بمواسير الحديد إلى أن تكسر كل عظام المعتقل ، ثم يُرضَخُ رأسه بالحجارة ، ويُبْصَقُ عليه بعدما يفارق الحياة تشفيا وحقدا ..!!!
نحن لم نرتكب خطيئة تستوجب كل هذا العنف في العقاب ، ولم يكن منا سوى المطالبة بحريتنا ، التي سُلبت منا على مدار أربعين سنة ، وكنا نحيا في ظل هذا النظام كما لو كنا من العبيد .. ولما انتفضنا مطالبين بحريتنا ، قوبلنا بكل هذا العنف الوحشي .. الذي بات عدد ضحاياه بمئات الآلاف ، وجرحاه بالملايين ، ومشرديه 15 مليون سوري .
والذي يحز في النفس حقا ، هو أنه على الرغم من تمادي هذا النظام في الإجرام ، ما زلنا نسمع من يسكت عن جرائمه ، وينتقد كل من يعاقبه مثلا بمثل .. والمثليةُ في العقوبة مبدأ إسلامي نزل به القرآن ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ولكن العلمانيين مثلا ، يغمضون الطرف عن جرائم العصابة الأسدية ، ويفتحون أعينهم على كل هناة صغيرة صدرت من بعض أفراد الثوار الأحرار ، ويسلطون عليها الأضواء ، ويرشقون مرتكبها بالوحشية والهمجية .. وينسون أن هذه الحادثة الفردية يقابلها من الطرف الآخر المعادي مئات بل آلاف الحوادث الأليمة ..
ولسنا نعتب على ملائكة الرحمة من العلمانيين ، بمقدار ما نشكو من بعض أدعياء العلم ، أو جهلة الوعاظ ، الذين ينهون عن معاملة العصابة الأسدية بالمثل ، ويلزموننا بأن نُعطَى الدنيَّةَ في ديننا .. بل ويأمروننا أن نحسن لمن وقع منهم أسيرا في أيدينا ...
والأغيظ من هذا وذاك أن المجتمع الدولي أيضا هو قلق جدا لمستقبل هؤلاء القتلة لأنهم أقلية ، ويخشى أن يتعرضوا للإبادة فيما بعد على يد الأكثرية .!! لذلك فهو يرى أن الحل الأمثل هو عدم الحل .. والسماح للقتلة بالاستمرار في القتل ، إلى أن تذعن الأكثرية الضحية المظلومة لأمر الأقلية الظالمة ، وتعود إلى بيت الطاعة من جديد .!!
ولو أننا عاملنا أعداءنا بالمثل منذ البداية ، لما ارتكبوا كل هذا الكمِّ الهائل من الإجرام ، ولكننا تركناهم فتمادوا .. وما زال فينا من يدعو إلى مسالمة هؤلاء العقارب والثعابين .. ورحم الله أبا الطيب حيث قال :
إذا أنـتَ أكْــرَمـتَ الكَـريـمَ مَـلَكْـتَــــهُ : وَإنْ أنْــتَ أكْــرَمــــــتَ الـلّـئـيـمَ تَــمَـرّدَاوَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى :مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى
***