جايمي ديتمر- دايلي بيست: مركز الشرق العربي
إنها تصارع الشياطين. لا زالت ذكريات السجن الذي استمر تسعة أشهر والضرب وسوء المعاملة التي عانت منهم على أيد المحقيين السوريين حاضرين في داخلها. الآن هي موجودة في جنوب تركيا, وتعمل كصحفية تحت اسم مستعار. وتفضل العيش مع نساء أخريات يفهمن المعاناة التي مرت بها. أخريات, كما تعلم تماما, يعانين مما هو أسوأ مما تعرضت له هي شخصيا في ظل نظام سجون بشار الأسد القاسية ومراكز الاعتقال السرية.
كانت رويدة يوسف, كما تسمي نفسها, تعمل كمعلمة رياضيات وصحفية مواطنة (هاوية) في دمشق. تعمل رويدة لصالح إذاعة روزانا المستقلة منذ أن أطلق سراحها من سجون الأسد في مارس. لقد كان التحول سرياليا.
تقول, عندما كانت في السجن :” كنت أحاول دائما تذكر ما أخبرته لهم خلال التحقيقات بحيث تبقى كذباتي كما هي”.
وهي تحاول الآن انتزاع الحقائق من الناس الذي يخافون من الكلام – لا يخشون من النظام الذي اعتقلهم فقط, ولكن يخشون من أسرهم عندما يتم إطلاق سراحهم.
بالاعتماد على تجربتها الشخصية المباشرة المروعة وما رأته, فإن الكثير مما تكتبه يوسف يركز على الأثر الذي تركته الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات على المرأة – وخصوصا ما يحصل مع النساء داخل سجون الأسد.
تحاول يوسف كتابة تحليل مفصل حول الاعتداء الجنسي والاغتصاب الذي تتعرض له النساء المعتقلات, والذي كما تعتقد يحدث بصورة أكبر في مدن حمص وحلب, وبصورة أقل في مراكز الاعتقال في دمشق. في العاصمة, نظام الأسد أكثر حذرا. ربما كان يخشى من أنه ربما يخسر دعم طبقة المسلمين السنة المتوسطة إذا سمح لأتباعه هناك في العاصمة أن يمارسوا عمليات الاغتصاب على نحو واسع.
يمكن للمنظمات الحقوقية أن تخمن فقط ولا يمكن لها أن تجزم بعدد المعتقلين الحقيقي منذ بداية الحرب. رفضت الحكومة السورية السماح للمراقبين المستقلين بزيارة مراكز الاعتقال, ولكن وطول فترة الصيف قام مركز توثيق الانتهاكات, وهو مجموعة مراقبة سورية, بتسجيل 52674 معقتل, من بينهم 1477 امرأة منهن 55 فتاة تحت سن ال 18. أكثر من 40000 منهم لا زالوا قيد الاعتقال.
يرجح معظم المراقبين بأن الأرقام أكثر من ذلك بكثير وأن هذ الرقم لا يشمل على سبيل المثال أولئك الذين يتم اعتقالهم على يد المسلحين الموالين للأسد الذين يطلق عليهم الشبيحة, والذين يعتبرون قوة تنفيذية موالية بشدة للنظام. بعض منظمات حقوق الإنسان يقدرون بأن العدد يتجاوز ال 200000 معتقل, من بينهم نساء وأطفال.
تشير الإحصائيات إلى استمرار المأساة. الأرقام لا تبرز قذارة ووحشية مراكز الاعتقال التابعة للأسد, وعدم الإنسانية والانتهاكات التي تمارس على المتمردين وأولئك الذين يشك في أنهم خصوم للنظام.
تستذكر يوسف وهي جالسة في مكتب مؤقت لا يمكن وصفه لإذاعة روزانا جنوب مدينة غازي عنتاب التركية تجربة اعتقالها, والأسئلة الأساسية الأولى حول متى وكيف تم اعتقالها.
تم اعتقالها على حاجز للتفتيش في دمشق في يونيو 2013, وذلك عندما وجد أحد الجنود مسجل صوت في حقيبتها. وكان ذلك كافيا لإثارة الشكوك حولها, حيث تم سحبها وإيداعها في عهدة ضابط في المخابرات الجوية اسمه الضابط فراس. كان أخوها وابن عمها قتلا قبل أسبوع على ذلك, كما أخبرها. وتتذكر مرارا بأن الردود الميكانيكية انتهت منذ زمن بعيد لأنها عادت إلى الحياة في ذلك الأسبوع في مطار المزة العسكرية, وأضافت :” لقد كان يشعر بالانتقام بينما كان يضربني”.
يوسف التي تبلغ ال 35 من العمر وذات الجسم الممتلئ والشعر الأسود, تصبح بعيدة عني معظم الوقت حينما تصف الضرب الذي تعرضت له. وكانت تتوقف أحيانا عندما تتذكر. ضابط المخابرات كان مصصما على معرفة من أين حصلت على مسجل الصوت ولماذا استخدمته, استمرت في الكذب إلى أن بدأ الضرب يسوء أكثر. تقول أنه وخلال إحدى جلسات التحقيق :” شعرت وكأن رأسي سوف ينفجر”, حيث ربط الضابط ساقيها بطريقة متباعدة وبدأوا بضرب أحد المعتقلين الذكور بوحشية أمام عينيها بينما كان رأسها يترنح باتجاه ساقيها المتباعدتيين.
في أكثر الأحيان لم يكن الضابط فراس ينتظرها لترد على أسئلته وصرخاته واتهاماته الغاضية. كان الهدف من الأسبوع الذي قضته معه هو كسر إرادتها في إدارة المخابرات الجوية بحيث يمكنهم الحصول على المعلومات المفصلة التي يريدونها.
نقلت يوسف إلى فرع التحقيقات في مطار المزة. لم تعاني من المزيد من الضرب – فقط حبس انفرادي في زنزانة مظلمة تحت الأرض تنتشر فيها الصراصير. تقول يوسف :”كان توجههم أنني سوف أبقي هناك إلى الأبد إلى أن أخبرهم بالمعلومات التي يريدون سماعها”.
وفي النهاية استسلمت, وأعطتهم كلمة سر صفحة الفيسبوك التي تعطيهم تفاصيل عن عملها الصحفي وأصدقاءها والشبكات والمادة الدسمة لساعات طويلة لمزيد من جلسات التحقيق لمدة أسبوعين. بعد أن استخلصوا منها كل المعلومات – أو ذلك ما اعتقد المحققون- تم نقلها إلى سجن عدرا, وهو منشاة تديرها الشرطة العسكرية في ضواحي دمشق حيث أدركت هناك, كما تقول “كم كانت محظوظة مقارنة بالفتيات الأخريات”.
المخابرات الجوية السورية ليست أكثر أجهزة مخابرات الأسد كثيرة العدد وحشية. يعتبر عناصرها أنفسهم فوق مستوى إدارة الأمن السياسي وإدارة الأمن العام وشعبة المخابرات العسكرية. الآخرون يمكن أن يكونوا أكثر وحشية. ومن ثم هناك المسلحون الموالون للنظام والذين يعرفون باسم الشبيحة.
في سجن عدرا, سنحت ليوسف الفرصة لتسمع روايات أكثر من مئة امرأة. تقول “سمعت الكثير من القصص حول نساء اغتصبن في دمشق على يد الشبيحة بعد أن تم اعتقالهن على حواجز تفتيش أو في المباني التي يسيطرون عليها وذلك قبل تسليمهن للأفرع الأمنية. ولكني لم أسمع روايات عن عمليات اغتصاب في مراكز اعتقال الأمن الرسمية في دمشق” ولكن الصورة مختلفة في حمص وحلب كما تقول.
تستخدم يوسف الآن ما تعلمته في الوقت الذي أمضته في سجن عدرا لجمع قصص الانتهاكات الجنسية التي تعرضت لها النساء, في محاولة منها لكشف الفظائع وحوادث الاغتصاب التي يتم إخفاؤها. هذا النوع من القصص ليس من السهل الحصول عليها. جرح الاعتداء الجنسي له أثر عميق في الثقافة السورية كما هو الحال في الشرق الأوسط؛ الاغتصاب يعتبر بمثابة فضيحة تصم صاحبها بالعار.
تشكل ادعاءات الاغتصاب تحديا دائما أمام منظمات حقوق الإنسان. – المتقاتلون من المتمردين إلى الحكومات- عادة ما يتهمون الطرف الآخر بارتكاب الاغتصاب, وذلك من أجل شيطنة الخصوم وكسب ميزة دعائية.
تقييم مزاعم الاغتصاب تصبح أكثر تحديا في الشرق الأوسط, حيث حتى شبهة الاغتصاب يمكن أن تؤدي إلى تفتيت الأسر.
أخبرتني طبيبة نفسية من مدينة اللاذقية مؤخرا إنهاعالجت 15 امرأة أطلق سراحهن من المعتقلات. ثلاثة منهن تعرضن للاغتصاب وجميعهن تعرضن للتحرش الجنسي بدرجة أو بأخرى. أربعة ممن أطلق سراحهن انتحرن, لعدم قدرتهن على التعامل مع الاكتئاب الشديد بسبب شعورهن بالعار.
تقول الطبيبة :” يمكن أن تكون العائلات غير متعاطفة تماما وبعض النساء يطلقن – يطلب الازواج ذلك, ويوجهون اللوم لزوجاتهن وأنهن ألحقوا العار بهم ولا يصدقونهم حتى لو لم يتعرضن للاغتصاب”.
بالنسبة ليوسف فإن مهمتها واضحة. عاشت تجربة الاعتقال في سجون الأسد وهي عازمة على رواية أكبر قدر من القصص التي توضح تجربة المرأة السورية. العار يجب أن يلحق سجانيهم, لا أن يلحقهن.