نداء إلى علماء سوريا الأوفياء
بقلم : أبو ياسر السوري
بقلم : أبو ياسر السوري
أِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ... أما بعد :
فليست هذه كلمة وعظ أتوجه بها إلى عامة القراء ، وإنما هي تذكير بأمانة مضيَّعة ، أتوجه بها إلى إخوتي علماء سوريا الأوفياء ، وإياهم أعني قبل الآخرين ، مذكّراً إياهم بأن الله حين شرفهم بالعلم ، ناط هذا الشرف بواجب التبليغ والبيان ... وأذكِّرُهم كذلك بأنهم ورثة أنبياء ، وأن أخص مهام الأنبياء هو البيان وعدم الكتمان . قال تعالى لخاتم أنبيائه ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ* ) وقال تعالى لعلماء بني إسرائيل ولكل من أوتي علماً بكتاب الله من بعدهم : ( وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ* لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *) ومما أثر لنا من كلام الحكماء : ( طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع . ) .
يا علماء سوريا الأوفياء :
إن بلدنا وأهلنا في سوريا يمرُّون بمحنة عصيبة ، اجتمع العالم كله لصنعها والمشاركة فيها ، وقد مضى عليها الأن ثلاث سنوات إلَّا (38) يوما بالضبط .. وليس هنالك أي بصيص من نور لخروجنا – نحن السوريين - من هذا النفق المظلم ، الذي زجنا العالم المتآمر فيه ... والذي كان النظام السوري الحاكم هو رأس الحربة في أيدي أولئك المتآمرين .. وكان قسم كبير من علماء سوريا – بكل أسف - أبواقا لهذا النظام المجرم ، وها هي سوريا باتت غارقة في بحار من الدماء ، وجبال من جماجم الأبرياء ، وأشلاء الشهداء .. وما زال القتل مُستحِرَّاً ، وما زال المجرمون والغين في لحوم الضحايا ، وما زال علماؤنا الموالون للسلطان مقيمين على ولائهم للسلطان وللشيطان، وما زال الخرق يتسع على الراقع يوما بعد يوم، بل ساعة في إثر ساعة..
يا علماء سوريا الأوفياء :
أنتم تعلمون أن هذه الثورة لم يخطط لها من قبل ، وإنما قامت بقدر من الله ، لتحررنا من العبودية ، وتعيد إلينا ما استلب منا من العزة والكرامة ، ومخطئ كل من يسمح لنفسه أن يفكر خلافا لذلك ، فيتخاذل أو يدعو إلى التخاذل أو الاستسلام .. إن ثورتنا هذه هي معركة فاصلة أشبه ما تكون بمعركة ذي قار ، التي انتصف فيها العرب من الفرس لأول مرة في التاريخ ، وكان يومها قد تخلف عنها بعض قبائل معدّ، فقال الأعشى يندِّمُ كل عربي تخلف عن ذلك الشرف :
لـو أن كـل معـدٍّ كان شاركنا : في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرفُ
وأخشى ما أخشاه أن تنتصر هذه الثورة ولا يكون للعلماء فيها بصمة ظاهرة ، ووقفة مُشرّفة . أين نحن من هذه الثورة .؟ وماذا صنعنا من أجلها .؟ هل يكفي أن يقتصر جهادنا على جمع المال للدعوة إلى نشر تعاليم الإسلام ، وأعمال الإغاثة من طبابة ودواء وإيواء وغذاء وكساء .؟ هذه الأعمال كلها ضرورية ، والناس بأمس الحاجة إليها ، ولكن ليس وقتها الآن .. أين علماؤنا من ميادين القتال .؟ ولماذا لم يختاروا أن يتواجدوا في مقدمة صفوف المقاتلين ، لقيادة المعارك من الأمام وليس من الخلف .؟ أليس كان هذا هو التصرف الأولى والأعلى .!؟ لماذا لم نتخذ قرارا حتى الآن بدخول سوريا والخروج من كل بلاد الخليج ، ونلتحق بصفوف المجاهدين في سبيل الله ، ونكون على رأس المجاهدين في الميادين .؟ لماذا لا نطلب الشهادة كما طلبها ونالها الشباب العادي ، الذي لم يسبق له أي نشاط إسلامي معروف .؟ بل إننا شاهدنا وشاهد العالم معنا ، أن فتى يافعاً من عامة الناس في الخامسة عشرة من عمره ، وكأني به لم يركع بعد لله ركعة ، فلما أمره الجلاد بالسجود لصورة بشار ، ما كان منه إلا أن بصق عليها ، وآثر أن يموت تحت التعذيب وأن لا يسجد لغير الله . لماذا يكون الصغير والجاهل والعلماني ، والقريب والغريب أجرأ منا – نحن العلماء - على مقارعة هذا النظام المجرم ، والتصدي لظلمه وبغيه وجبروته ؟
إن تخلي العلماء المخلصين عن قيادة الجهاد في داخل سوريا ، هو الذي هيأ للناس أن يتفرقوا شذر مذر ، وهو الذي سمح لداعش أن تتشكل باسم الجهاد في سبيل الله ، والزعم بإقامة دولة إسلامية في سوريا ، مما جعل العالم بأجمعه يقف إلى جانب بشار ، بذريعة حرب الإرهاب . حتى صارت داعش رأس حربة للقضاء على الثورة قضاء لا يخدم سوى النظام ، وباسم الإسلام .!!
ومما يحز في النفس ، أننا يا سادة ، ما زلنا بعيدين عن جوهر المشكلة ، ومتشبثين بالقشور... فجوهرُ المشكلة ، أنكم أحد الصنفين اللذين يتوقف عليهما صلاح الأمة عند فسادها ، وهم العلماء والأمراء ... فأما أمراؤنا في الشام فقد فسدوا ، وقرروا تدمير الشعب .. وبات لزاما على علمائنا أن يواجهوا طاغوت أولئك الحكام المارقين ، والاجتماع على إسقاطهم بكل السبل ، ولكنهم لم يفعلوا حتى الآن ...
لو جلس النبي صلى الله عليه وسلم كما نجلس الآن ، لما انتصر ولما انتشر الدين في شبه الجزيرة العربية كلها ، في غضون بضع وعشرين سنة ... لو تباطأ النبي صلى الله عليه وسلم عن نصرة الدين كما نتباطأ لما قامت للإسلام قائمة ، ولما فتحت مكة ، ولا دخل الناس في دين الله افواجا .. وكلكم يعلم أن فتح مكة كان بسبب نصرة رسول الله لحلفائه من بني خزاعة ، يوم غدرت بهم قريش وبنو بكر .. فخفَّ النبيُّ إلى نصرتهم قائلاً لعمرو بن سالم الخزاعي : لا نصرني الله إن لم أنصرك يا عمرو بن سالم .. وما لبث أن تجهز رسول الله بأبي هو وأمي ، وقاد الجيش بنفسه ، ومضى على رأسه ففتح الله عليه مكة ، ومكن له من رقاب المشركين ...
جوهرُ المشكلة يا سادة ، أنكم رضيتم بأن تكونوا مع الخوالف ، أو أن تكونوا في مؤخرة الركب دائما ، أو أن تعملوا في الظل ، مما جعل العلمانيين والفتيان وأحداث الأسنان هم الذين يقودون القافلة .. وهم الذين يُنظّرون ، ويخططون ، بل ويتصدرون للفتيا وإبداء الرأي أحياناً ، وهذا كله مخالف لسنته عليه الصلاة والسلام وسنة خلفائه الراشدين رضي الله عنهم .. فما كان أحد من الصغار يتقدم الكبار في إبداء الرأي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا حدث مثل ذلك أيام خلفائه الراشدين .. فما كان يفصل في الشأن العام إلا كبار القوم والعقلاء الثقات ..
نحن الآن يُقصَى فينا العالم عن الفتيا ، ولا يستفتى فينا سوى صاحب قلم ، أوتي لَسَناً يكتبُ في مدونات الإنترنيت ، أو غنيٍّ أوتي مالاً فهو الذي يتصدر الحديث في المجالس ، أو وجيه أوتي حظوةً عند بعض المسؤولين فهو الذي تتعلق به الأنظار .. وهذا كله بداهةً مخالف للسنة النبوية ، ولن يقود السوريين إلى برِّ السلامة ولا إلى شاطئ الأمان .. وقد سبق أن حذر الأفوه الأودي من عاقبة ذلك فقال :
لا يَصلُحُ الناسُ فوضَى لا سراةَ لهمْ : ولا ســـراةَ إذا جُهَّالُهم سادواتبقَى الأمور بأهل الرأي ما صَلُحَتْ : فإن تــولَّـتْ فبالأشــرارِ تـنقــادُ
إذا تـولَّى ســَراةُ الـقَـوْمِ أَمْـرَهُـمُ : نَمَا على ذاكَ أَمْرُ القوم فازدادوا
أمارةُ الغيِّ أَن تلقَى الجميعَ لدى الـ : إِبـرامِ للأمـرِ والأذنــابُ أَكْتــادُ
ــــــــــــــــــــــــــ
وسراة القوم رؤوسهم . وأكتاد : مفردها ( كَتِد ) هو مُجْتَمَعُ الكَتِفَيْنِ .
يا علماء سوريا الأوفياء :
لا تحاولوا الدفاع عن أنفسكم ، فإذا أمكنكم اليوم إقناعنا باللسن وفصاحة الكلام ، فلا يصح عند الله إلا الصحيح ، ولا ينفع هنالك اللدد في الجدل العقيم، لا ينفع يوم الحساب إلا الجهاد بحق ، والوقوف مع الثورة بصدق ، ونبذ كل الحظوظ الشخصية وراء ظهورنا .. لن ينفعنا غدا صور التقطناها بمدينة الريحانية التركية ، لتسجيل حضور بين أسر المجاهدين في المخيمات ، ولتكون شهادة لصاحبها عند الناس ، بأن صاحب هذه الصورة مجاهد بماله ، وأنه ممن يتجشم الأسفار لمساندة حماة الديار .. ولن ينفع غدا ما نقوم به من اتصالات بالجوال مع بعض الناشطين في الداخل ، لإيهام الآخرين أن المتحدث ، هو أحد أكتاد الثورة ومنظريها وموجهيها .. ولن تنفعنا الاجتماعات ولا اللقاءات في أروقة الأمم المتحدة ، فليس في تلك الأروقة سوى الظلمة والكفرة والمتآمرين ، وإن الله تعالى قد حذر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام من أمثال هؤلاء الظلمة ، فقال سبحانه وتعالى : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ*) . ليس ما نفعله الآن هو سبيل النصر ، ولا هو سبيل الفوز برضوان الله تعالى .. فلنبحث عن الطريقة الصحيحة ، ولنغير في مدخلات المعادلة ، ليحدث تغيير في النتيجة ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) .
يا علماء سوريا الأوفياء :
إن داعش ليسوا دولة إسلامية ، وليسوا من البغاة ، وإنما هم فصيل من النظام ، صنعته إيران والمالكي وبشار . وفيه عناصر من الشباب الجهلة المُغرَّر بهم .. وعناصر هذا التنظيم المشبوه ، فيه ملامح من سيرة ( البغاة ) فهم يشبهون ( الخوارج ) في استباحة دماء المسلمين ، وقتل من ليس منهم على الشبهة ، وتكفير المخالفين لهم في الرأي ، وعدم الاحتكام لغير أتباعهم في المنازعات .. وهم يشبهون ( المفسدين في الأرض ) في قيامهم بقطع الطرق وإثارة الرعب في قلوب المدنيين ، وقيامهم باختطاف قيادات الثورة السورية من الجيش الحر ، وقتل عدد كبير من خيرتهم بتهمة الردة ... وهم ( تنظيم مشبوه ) يجزمُ عارفوهم بأنهم متواطئون مع النظام وإيران ... لذلك لا تراهم يدخلون في أي صراع مع النظام ، وإنما هم يحتلون المواقع المحررة ، ويتسلطون على غنائم الثوار فينتهبونها ، وعلى آبار البترول المحررة فيستولون ويستأثرون بها ... بل وإن داعش ليتعاونون مع النظام تعاونا بات مكشوفا ، فهم يسلمون الناشطين والإعلاميين للمخابرات السورية ...
كل هذا بات واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار ، وما زلتم أيها العلماء مترددين في الحكم بقتالهم .. حتى جنينا من هذا التردد أن 8000 مقاتل من داعش ، استطاعوا هزيمة مقاتلينا من أغلب المناطق المحررة في الشمال ، لأن عناصر كتائبنا لم يتبينوا الحكم الشرعي في قتالهم ، ويتحاشى أغلبهم أن يجابههم بالسلاح حتى الآن ...
وهذا يعني أنكم يا سادتنا مشاركون في ضياع سوريا ، بسكوتكم وترددكم بالفتيا وعدم إعلام الناس بحقيقة داعش .. فـ ( قيادة داعش ) نقولها ونرددها مئات المرات بأنهم عملاء لإيران وللنظام المجرم .. ومآل عملهم إحباط الثورة وإسقاطها ، خدمة للنصيرية ولشيعة إيران المجوس، وتمكينهم من حكم سوريا لعشرات السنين القادمة لا سمح الله . وتلك طامة الطامات ، فيا سبحان الله .!! ماذا تنتظرون أخطر من ذلك ؟
أفتوا بوجوب قتال داعش ، ولا تكونوا كأولئك الذين فشَّلوا أمير المؤمنين على بن أبي طالب ، وماطلوه في قتال خصومه ، حتى خاطبهم من على المنبر فقال لهم : ( أشباه الرجال ولا رجال * عقول ربات الحجال * إذا دعوتكم لقتال هؤلاء في الصيف ، قلتم دعنا من الصيف وحَرِّه . وإذا دعوتكم لقتالهم في الشتاء ، قلتم : دعنا من الشتاء وقَرِّه . لقد ملأتم قلبي غيظا ، ملأ الله قلوبكم قيحا ودما .. ) ...
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( موتٌ في طاعة ، خيرٌ من حياة في معصية ) .
عدل سابقا من قبل أبو ياسر السوري في الجمعة فبراير 28, 2014 9:22 pm عدل 1 مرات