العربي وفقدان الهوية
بقلم حسام الثورة
[rtl]أخطر ما تتعرض له الأمم هو فقدان هويتها , قد تتعرض الأمة لحروب تهزم فيها ثم تعود بعد عقود لتنتصر والأمثلة في التاريخ كثيرة , أمم كبيرة انقرضت لإنها فقدت هويتها واليوم نقرأ عنها في التاريخ ، والتاريخ يحدثنا عن عظم هذه الحضارات التي انقرضت ولو عدنا لأسباب انقراضها لوجدنا السبب الرئيس هو أن هذه الأمم أضاعت هويتها التي بنت على أساسها حضارتها التي نكتشف مع كل كشف أثري كم كانت هذه الحضارات كبيرة ولا أريد التعرض لأسماء هذه الأمم وهذه الحضارات في هذا المقال المتواضع .
وجماعات متفرقة مقهورة منبوذة لم تكن في يوم من الأيام صاحبة حضارة استمرت ولا أدل على ذلك من اليهود الذين يبحثون عن هيكل سليمان المزعوم فلم يجدوا له حجر أو أثر بل يجدون عظم الحضارات التي مرت على هذه الأرض والتي لا ننكر أنهم مروا عليها ولكن لم يكونوا أصحاب حضارة ولا حملة حضارة . ولعل معترض يقول ولكنهم مازالوا وهاهم يسيطرون على العالم , أقول نعم لأنهم حافظوا على هويتهم الخبيثة. حافظوا على لغتهم ليبقوا مجتمعاً مغلق وحافظوا على حقدهم على البشرية وحافظوا على تعاليمهم الدينية التي تعتبر البشر كلهم عبيداً لهم إنها هوية اليهودي
وبعد هذه المقدمة الطويلة تعالوا بنا لنرى هويتنا العربية وماذا حل بها ... الهوية هي مجموعة من القيم والمميزات التي يتمسك بها الأفراد والمجتمعات لتميزهم عمن سواهم ، ولعلي أقول أن الهوية العربية هي ما يلي : اللغة – التاريخ والأخلاق . والتي تضم هنا مجموعة كبيرة من العوامل أهمها الدين والرسالة الحضارية وتعالوا لنتعرض لكل منها بإيجاز وماذا حل به :
اللغة :
وهنا تحضرني قصة صغيرة ولكنها ذات مغزى كبير ففي يوم ومنذ أربعين عاما كنت في إحدى المدن السويسرية والذين يتحدثون اللغة الألمانية وأنا أتحدث حينها الفرنسية ولا أعرف اللغة الألمانية ودخلت إلى أحدى المحلات لشراء حاجة وبدأت أكلم البائعة وهي تقوم بتلبية طلبي بدون أن تجيبني بكلمة وشعرت بالغضب وقلت لها من الواضح أنك تفهمين ما أقول فهل يمكن أن تعلميني لماذا لا تجيبين بكلمة فقالت إن لي لغة أعتز بها وهي الألمانية فلو كلمتني بالألمانية لأجبتك وصدقوني لقد واجهت مثل هذا الموقف في دول أخرى واحترمت أصحابها مع عنصريتهم الضيقة .
اما في عالمنا العربي المترامي الأطراف فمن يعتبر نفسه مثقف - ولا أتحدث عن الناس العاديين - يشعر بالعظمة عند ما يتحدث بلغة أخرى قد لا يحسنها ، ويستخدم كلمات أجنبية لا يفهمها ، ولو كان يقصد الأدب والأخلاق لوجد في اللغة العربية خيراً منها بعشرات المرات , كنت يوما في إحدى الدول العربية وذهبت لمقابلة رجل بعمل وعندما جاءني الرجل أعتذر عن الكلام بالعربية لأنه لا يتكلمها وتم اللقاء بيننا باللغة الأجنبية ولكني ألتقيته بعد أيام فإذا به يتحدث كباقي أبناء بلده فعلمت أنها عقدة النقص وكنت أعلم ذلك من اللحظة الأولى ..
المصيبة بسيطة إذا كانت على مستوى عدد قليل من الأفراد وتصبح أعظم إذا كانت على مستوى نسبة عالية من السكان وتصبح أكبر بل أخطر عندما تكون على مستوى الأنظمة والدول فتصوروا معي أن وزير خارجية بلد عربي لا يتكلم العربية , تصوروا معي انكم في بعض البلدان العربية لا بد من معرفة اللغة الإنكليزية أو الفرنسية للتفاهم مع الناس أو لتوجيه كتاب إلى جهة عامة أو خاصة وأنا لا أبلغ ولا أحب التخصيص لنبقى في الإطار العام , والأخطر من هذا وذاك أن يأتيك جاهل يدعي الثقافة والعلم والحضارة ويقول لك أو يكتب أن اللغة العربية عاجزة أن تكون لغة علم وحضارة ولوعاد هذا المدعي إلى اللغات التي يقدسها لرأى أن كثيراً من كلماتها العلمية جاءت من اللغة العربية فاللغة العربية أكثر لغات العالم قدرة على التعبير وإيجاد المفردات اللازمة , فمتى نشعر كأمة ولا أتحدث عن الحكام أن اللغة من أهم عناصر هويتنا ولا بد لنا من المحافظة عليها .
التاريخ :
وهنا أيضا تعود بي الذاكرة إلى عقود خلت قبل أن يسقط جدار برلين كنت عندها في ألمانيا الغربية واستغربت من أفلام القنوات التلفزيونية وأذكر أنها كانت سبعة قنوات فلاحظت أنه في كل يوم يوجد فلم من أفلام الحرب العالمية التي تمجد الجيش الألماني والذي كان على رأسه هتلر الذي يقف وقفته المشهورة ليحيي الجيوش المنطلقة للحرب علما أن العالم كله يتحدث عن هتلر النازي المجرم بما في ذلك المدارس الألمانية , في اليوم التالي سألت صاحبي الألماني فقلت له هناك شيء لم أفهمه فاشرحه لي , أجابني إن هذا تاريخ عظيم من تاريخ ألمانيا ويجدب أن لا ننساه وأعلم أنه عندما يعود أطفالنا من المدارس نقول لهم لا تصدقوا ما يقال عن هتلر فإنه رجل عظيم بنا مجداً لألمانيا لذا بقي الشعب الألماني حي لغة وتاريخ
أما نحن العرب ولا سيما في ظروفنا الحالية فلم أحدث عربيا عما يحصل في سوريا إلا من رحم ربي وربط ما يحصل بحقد المجوس وعلاقة اليهود بالمجوس إلا وجاءني الجواب باستغراب هل هذا صحيح لا أنت تبالغ بل هي فتنة وتدخلات أجنبية وإرهابيين ومقاومة وممانعة كل ذلك لأنه بعيد عن التاريخ , دعونا من تاريخنا القديم ومن قتل عمر ومن قتل الحسين وووووووو وغيرها حتى في تاريخنا الحديث الكثير لا يحفظ من التاريخ إلا ما يمجد القائد ’ لن ابالغ إذا قلت أن في سوريا ربما من الشباب من لا يعرف إبراهيم هنانوا وحسن الخراط ولكنه يعرف قصص كذب كثيرة عن صالح العلي قاطع الطريق , شبابنا اليوم يحدثك عن كرة القدم وهو على استعداد أن يذكر لك الفرق المشاركة في جميع البطولات مع اسماء اللاعبين والأهداف والترتيب ........ ولكنه لا يعرف شيء عن عمر المختار أو صلاح الدين الأيوبي والخطر الحقيق عندما تكون سياسة الدول العربية قائمة على هذا حتى إذا أراد مخلص أن يتحدث عن شيء من هذا أو عن معركة من معارك الأمة وتاريخها المجيد وجهوا له التهمة الجاهزة الطائفية والتطرف والإرهاب ......... فمتى يصحوا شباب الأمة ويعرفوا أن حاضرهم مستمد من ماضيهم وإن من لا تاريخ لا مستقبل له وإمامنا المثل التركي قائما فعندما أرادوا ضرب تركيا غيروا الأحرف فضربوا اللغة وأنسوهم التاريخ .
مجموعة القيم والأخلاق :
وهنا فضلت أن أتحدث عن مجموعة القيم والأخلاق ولم أذكر الدين الذي هو سنام الأخلاق لأنني أتكلم عن الأمة العربية التي تضم المسلمين وغير المسلمين فالعربي قبل الاسلام وبعد الاسلام كان يتحلى بالأخلاق والرسول صلى الله عليه وسلم قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ولم يقل لأسس للأخلاق أو لأوجد الأخلاق وهذا عنترة العبسي يقول :
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي : حتى يواري جارتي مأواها
وهذا زهير يقول :
ومن يك ذا مال ويبخل بماله : على قومه يستغن عنه ويذمم
والرسول صلى الله عليه وسلم امتدح الأشعريين لتضامنهم , ثم جاء الاسلام ليتمم مكارم الأخلاق .
فتعالوا معي لنرى ماذا حل بالأخلاق حتى أن الدستور المصري الحالي حذفت منه كلمة الأخلاق ، كان العربي يفتخر برجولته وشنبه وعصاه وسيفه وغيرته على عرضه ودفاعه عن أهل حييه وجيرانه فأصبح اليوم مخنث يضع في أذنه الحلق ويلبس البنطال الهابط ويسرح شعره على آخر شكل رآه لمخنث في المحطات الهابطة ولو استطاع أن يبدل جلده لفعل حتى أن كلمة رجل فقدت جميع معانيها ، ما عدا الذكورة التي يتساوي فيها جميع المخلوقات ، أما الغيرة والشهامة وإلى ما هنالك من هذه الاصطلاحات فهذا أصبح كلام يدل على التخلف حتى الأنظمة والدساتير الراقية لدولنا العربية تحاربه بصراحة فجرائم الشرف يعاقب عليها القانون ودفاعك عن امرأة تهان في الشارع قد يعرضك للسجن حتى إن في دستور بعض دولنا العربية لا يجوز لك أن تضرب السارق إذا دخل إلى غرفة نومك ( صدقوني لا أبالغ ولا أريد التسمية ) فهل بعد هذه الرجولة من رجولة .
أما أخلاق المرأة التي هي الأم والأخت والبنت المحتشمة فحدث ولا حرج فقد تخلت اليوم عن جميع هذه الأدوار فهمها الوحيد أن تخرج بآخر موضة رأتها في التلفزيون أو اطلعت عليها في مجلات الأزياء الخليعة لم يعد يعني لها البيت إلا مكان موجود عندما تريد العودة إليه ولم يعد الزوج يعني لها أكثر من مصدر دخل في كثير من الأحيان حتى أن نسبة الطلاق وصلت معدلات مخيفة في بعض البلدان وأصبح الاعراض عن الزواج ظاهرو طبيعية في بعض البلدان الأخرى .
أما العبارة القديمة ( خادش للحياء ) فقد شطبت من قاموس حياتنا اليومي فكل ما تراه على التلفاز خادش للحياء وكل ما تراه على الجدران خادش للحياء وكل ما تسمعه في الشارع خادش للحياة حتى أنه أصبح يقال عن البنت الشريفة الخلوقة أنها بنت معقدة وعن الشاب الخلوق الطيب أنه أهبل وأصبحت عبارات شتم الآباء بين الأصدقاء للدعابة أو التسلية والتطاول على الرسل والذات الإلهية تحرر من المفاهيم البالية .
كل منظومتنا الأخلاقية أصابها الضرر , أسرنا أصبحت مفككة وإن لم نتدارك الوضع فسيفرط عقدنا الاجتماعي بشكل كامل , منذ سنوات كان يقول أحد الفاسدين من دعاة التغريب لماذا لا نعالج ظاهرة الأولاد بدون آباء فكنت أضحك وأقول له انت تبحث عن مشكلة يعيشها الغرب المنحل لتعالجها في مجتمعنا الذي يمتلك من الضوابط الأخلاقية ما تجنبه هذه المشكلة لكن بعد تفكك هذه المنظومة قد نسبق الغرب في هذه المشكلة , والحديث في منظومة الأخلاق حديث طويل وذا شجون .
بعد كل هذا هل بقي من عناصر الهوية شيء يعتمد عليه أو يستحق الذكر .
إنها أجراس الخطر تدق فلنستمع لها ولنبادر للعودة قبل فوات الأوان فهويتنا في البيت الصغير مهددة وفي القرية مهددة وفي المدينة مهددة وفي الدول والأمة مهددة , هويتنا العربية مهددة , هويتنا الإسلامية مهددة ونحن إما غائبون أو مغيبون وإن لم نرى السيل القادم فسيجرفنا هذا السيل ونكون غثاء لا وزن ولا قيمة , ولن ينقذنا من هذا الخطر القادم إلا العودة للتمسك بعناصر هويتنا ومصادر قوتنا وعزتنا وعلى كل منا ألا يقول وماذا أفعل إنما أنا فرد واحد فهل بنيت القصور والأهرامات إلا من لبنات صغيرة تشد بعضها بعضاً .
9-12-2013[/rtl]