خذلان السوريين جريمة عامة قد تعرض الأمة لعقاب إلهي عام (4)
بقلم : أبو ياسر السوري
لقد تحدثنا في المقال الماضي عن فساد أمراء المسلمين ، وهم أحد الصنفين اللذين يتوقف على صلاحهما صلاح المسلمين ، وعلى فسادهما فساد المسلمين ، ولكي نحافظ على سياق الفكرة في موضوعها ، فيلزمنا أيضا أن نتحدث عن فساد العلماء ، وتحولهم إلى معاول هدم في كيان الأمة العربية والإسلامية .. بحكم أنهم هم الصنف الثاني الذي يتوقف عليه صلاح الأمة أو فسادها . كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، الذي أشرنا إليه في المقال السابق ( صنفان من الناس إذا صلحا الناس ... ) .
ولعلنا ومن خلال المقال السابق أصبحنا على علم بأن فساد قياداتنا ، جعلهم دمى في أيدي قيادات الدول الكبرى ، يحركونهم كما يشاؤون . لأنهم هم الذين وضعوهم في مناصبهم ، وهم الذين حكموهم في شؤون البلاد ورقاب العباد . مما جعل هذه القيادات محكومة لقادة الغرب والشرق ، وصار قادتنا يشعرون في قرارة أنفسهم أن عصيانهم لأوامر الدول الكبرى ، يعرضهم لضياع الحكم من أيديهم ، بل وقد يعرضهم للموت والهلاك ، فإنه من الممكن أن تلفق للعاصي تهمة ما ، تحوله من حاكم ملء السمع والبصر ، إلى ضحية غير مأسوف عليه ...
وأما علماؤنا ، فلم يبتعدوا كثيرا عن حكامنا ، فقد ولى زمن علماء الأمة الربانيين ، وصار علماؤنا حواسين في أعتاب السلاطين المستعبدين .. مما صير هؤلاء العلماء عبيدا للعبيد من السلاطين .. لذلك كان ذلهم مضاعفا ، فهم مهزومون فكريا ، ومهزومون في ميدانيا . ولهذا صار الدين لدى هؤلاء المنهزمين دينا لا يغضب الحكام ، ولا يقلق أمريكا ولا الغرب الصليبي ، ولا الشرق الشيوعي والمجوسي والبوذي .. فلا بأس لدى هؤلاء أن تبنى المساجد ويصلى فيها . ولا بأس أن يتعلم المسلمون أحكام الطهارة والاستجمار والاستنجاء . ولا بأس أن تفتتح زوايا الصوفية لتخدير جماهير الأمة ، ونقلها إلى حال أشبه بحال الأموات ، الذين لا يمكن أن يكونوا شركاء في بناء الحياة .
ولهذا فضحتهم الثورة السورية فضيحة بجلاجل ، وظهروا فيها على حقيقتهم ، فهم ما بين متطفل على موائد الحاكم ضارب بسيفه ، مسبح بحمده مع المسبحين . أو سلبي لا يهش ولا ينش ، ولا يقدم ولا يؤخر . أو عالم غير قابل لمماشاة الزمن ، وإنما هو شيء جامد على حالة لا تقبل التغيير ، فهو لذلك يعمل بعد قيام الثورة بنفس الأسلوب الذي كان يعمل به قبلها . وهو غير مستعد لأن يتكلم في الدين ، إلا بكلام لا يحاسب عليه من جانب المخابرات ... وأحسن علمائنا طريقة من ترك سوريا ، ولاذ بأكناف بلد عربي ما ، يمكن أن ينافق فيه للحاكم ويدعو على بشار الأسد فقط ، فيضمن بذلك الإبقاء على ولاء أتباعه له ، والهيمنة على عقولهم ، دون إغضاب البلد المضيف الذي سمح له أن يقيم فيه ..
وأما العلماء الفارون من الزحف منذ أحداث الستينات .. والفارون من الزحف في أعقاب أحداث الثمانينيات من القرن الماضي ، أما هؤلاء فلهم شأن آخر ، إنهم ما زالوا يجترون أمجادهم الماضية ، ويملؤون المجالس بعنترياتهم البائدة ، ويتمدحون بتلك الخطب النارية ، التي كانوا ألقوها من فوق المنابر ، ويدلُّون بما مضى من جهادهم ونضالهم ، ويحاولون جهدهم إقناع جلسائهم بانهم فارون بدينهم كما يزعمون .. وكل ذلك كان يمكن أن يكون مقبولا قبل الثورة ، ولكنه لم يعد كذلك بعدها ... ومن المؤلم حقا ، أن هذا الصنف من علماء الدين ما زال متخلفا في السياسة ، جاهلا بإعداد أتباعه إعدادا يرشحهم لأن يكونوا البديل من حكم آل الأسد الطائفي ، فقد اكتفى هؤلاء الفارون بدينهم خلال الستين سنة الماضية بالقشور عن اللباب ، فاكتفوا بالتوسط لمنح أتباعهم إقامة في السعودية أو عملا في إحدى دول الخليج .. وكان هؤلاء الوسطاء يضطرون إلى الإشادة بالمسؤول فلان ، والوجيه علان ، ليرضوهم بذلك ، ويؤمنوا عن طريقهم تلك الخدمات البسيطة لأتباعهم ومحبيهم ... ولم يكن لهذا الرعيل من العلماء خلال تلك الفترة أي نشاط ديني أو سياسي ، سوى التحدث في المآتم والأفراح ، أو فض النزاعات التي تحدث بين السوريين أحيانا ... وكان كل شيخ منهم يلتف حوله مجموعة من أتباعه ، والمستفيدين من وجاهته لدى إدارة الجوازات في بلد الإقامة ، أو المستفيدين منه في السعي بتأمين عمل لهم لدى رجال الأعمال الخليجيين ...
فلما قامت الثورة السورية ، بدأ النشاط لدى هؤلاء العلماء يأخذ منحى آخر ، فبعضهم بدأ يجمع الأموال لأعمال الإغاثة ، كتأمين الطعام والشراب والدواء والكساء للسوريين في داخل سوريا وخارجها .. وبعضهم الآخر صار يجمع الأموال لفتح مراكز للدعوة إلى الله ، وتعليم السوريين المشردين أمور دينهم .. وبعضهم وهم أفضل الموجود على الساحة ، وهم القلة القليلة من المشايخ ، الذين كانوا يجمعون المال لشراء السلاح والذخيرة للمقاتلين ، ولكنهم ما لبثوا أن توقفوا عن ذلك ، لأن الدول المضيفة لم تسمح لهم بذلك ، فحولوا مجهودهم الحربي ، إلى مجهود إغاثي ...
ومما يحز في النفس ، أن هؤلاء المشايخ ، لم توحد المصائب بينهم ، فبقي الشامي منهم على عصبيته للشاميين . والحلبي على اهتمامه بالحلبيين دون غيرهم ، والحمصي بالحمصيين ، والحموي بالحمويين ، والإدلبي بالإدلبيين ... وهكذا ... دوليك .
وبدأت بدعة إحداث الرابطات العلمية ، الرابطات وليس الرابطة الواحدة التي تجمع كل علماء سوريا ... كما بدأت البيوت المتعددة إلى الظهور على الساحة .. فالبيت الشامي .. والبيت الحبي ... إلى آخر القائمة وهي طويلة .. ولم نر البيت السوري ، الذي يجمع شتات السوريين ، ويشعرهم أنهم في الهم سواء ...
كان ينبغي لعلماء سوريا منذ بداية الثورة ، أن يعملوا لعهد جديد ، وأن يجتمعوا جميعا على نصرة الثورة بشكل مؤسساتي منظم ، بأن يكون لهم صندوق مالي موحد أشبه بخزينة الدولة ، تجمع إليه الأموال من كل المصادر الخاصة والعامة ، وتنفق على تزويد الثوار بالسلاح والذخائر والعتاد بحسب الحاجة ، وتكون الأولوية لهذا الجانب ، لأنه هو الذي يحسم المعركة على الأرض .. وكان ينبغي أن يسارع العلماء إلى تأليف اللجان العاملة في كافة المجالات الضرورية لنجاح الثورة ... لجان للتسليح .. ولجان للإغاثة .. ولجان للدعاية وتعريف العالم بجرائم النظام .. ولجنة لتمثيل الثورة في المحافل الدولية .. ولجان عسكرية .. ووزير دفاع ورئيس أركان ومجلس حرب .. وهكذا .. هكذا .. وأن لا يتكلم أحد باسم الثورة سوى شخص واحد يصطلح عليه بالانتخاب أو التوافق ، شريطة أن يكون ملما بالسياسة ، عالما بمداخلها ومخارجها ، مدركا أنه يتكلم مطالبا بإسقاط هذا النظام الاستبدادي الفاسد ، لإقامة نظام ديمقراطي يستظل بظله جميع السوريين ، بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم المذهبي ، ليعلم كل سوري أنه يقاتل من أجل نفسه ، ودفاعا عن بلده وحياته وماله عرضه ، وأن هدف الجميع هو اللعودة بسوريا إلى ما قبل عام 1958 ..
لو كان للثورة قيادة سياسية موحدة ، ولو كان للثورة صندوق مالي موحد ، ولو كان لها قيادة عسكرية موحدة .. ولو كانت الثورة تمشي وفق خطوات مدروسة ، وإعلام مدروس ، وعسكرة مدروسة .. لما تأخر النصر ، ولما احتجنا إلى تسليم قضيتنا للجامعة العربية التي أضاعت فلسطين فيما مضى ، وهي بصدد تضييع سوريا الآن .. ولو فعلنا ذلك لما احتجنا إلى تدويل القضية ، وتسليمها لمنظمات الأمم المتحدة ، التي لم تصنع شيئا للفلسطينيين قبلنا ، سوى أنهارسخت أقدام اليهود المحتلين ، وأذلت العرب والفلسطينيين معا .. وهي تقوم بنفس السياسة تجاه السوريين ..
لقد تخلى علماؤنا عن نصرة الثورة ، بعضهم تخلى عنها وخذلها خذلانا كاملا ، وبعضهم تخلى عن دوره المطلوب ، ليقوم بدور غير مطلوب من أمثاله ، ويمكن أن يقوم به غيره من عامة الناس .. فنحن لم يكن يرضينا من علمائنا الأفاضل ، أن يكتفوا بعد الثورة بجمع الأموال لتأمين الغذاء والدواء والمأوى للمشردين من السوريين .. كنا نأمل أن يقوموا بدور أهم وأعظم وأنفع من هذا الدور الثانوي الذي قاموا به كل على حدة ... كنا نريد أن نرى منهم شيخ المجاهدين عمر المختار .. وشيخ الإسلام ابن تيمية .. وشيخ الأمة العز بن عبد السلام ... كنا نتمنى أن يرجع علماؤنا إلى سوريا هم وأتباعهم ، وأن يُكَفِّرُوا عن تخاذلهم في الماضي ، وخروجهم من سوريا ، تاركين الدار من بعدهم خلاء من الرعاة الأمناء ، لترعاها ذئاب النصيرية والبعثية .. كنا نتمنى أن يتولى علماؤنا قيادة المعارك على أرض الواقع ، وأن يكونوا في مقدمة الصفوف . ووالله لو أنهم فعلوا ذلك لما تلاعب بنا المنافقون ، ولما خسرنا معشار ما خسرناه من الأرواح والأعراض والأموال ... ووالله مرة أخرى وأقسم عليها ، لو اجتمعت كلمة هؤلاء العلماء لما كان السوريون بحاجة إلى امتداح من يساعدنا بمليم ، ويساعد النظام بالملايين ...
هذه حقيقة لا مراء فيها ، ولولا الإمداد المالي العربي لنظام بشار .. لسقط منذ زمن وانهار .. لو اجتمعت كلمة علمائنا على قلب رجل واحد لما تلاعب بنا المتلاعبون .. ألا ترون ما أنتم فيه أيها السوريون .. إن العرب لم يعترفوا حتى الآن بالائتلاف الوطني كممثل وحيد للسوريين ، ولم يعطوه مجلسا في الجامعة العربية ، ولم يخول الائتلاف بإصدار جوازات للسوريين ... وحتى الآن يكذب علينا العرب ، فيزعمون أنهم معنا ، وهم علينا .. ويزعمون أنهم ضد بشار ، وهم يدعمون بشار . ويسكتون عما تقوم به إيران من إجرام لنصرة بشار ..
بقلم : أبو ياسر السوري
لقد تحدثنا في المقال الماضي عن فساد أمراء المسلمين ، وهم أحد الصنفين اللذين يتوقف على صلاحهما صلاح المسلمين ، وعلى فسادهما فساد المسلمين ، ولكي نحافظ على سياق الفكرة في موضوعها ، فيلزمنا أيضا أن نتحدث عن فساد العلماء ، وتحولهم إلى معاول هدم في كيان الأمة العربية والإسلامية .. بحكم أنهم هم الصنف الثاني الذي يتوقف عليه صلاح الأمة أو فسادها . كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، الذي أشرنا إليه في المقال السابق ( صنفان من الناس إذا صلحا الناس ... ) .
ولعلنا ومن خلال المقال السابق أصبحنا على علم بأن فساد قياداتنا ، جعلهم دمى في أيدي قيادات الدول الكبرى ، يحركونهم كما يشاؤون . لأنهم هم الذين وضعوهم في مناصبهم ، وهم الذين حكموهم في شؤون البلاد ورقاب العباد . مما جعل هذه القيادات محكومة لقادة الغرب والشرق ، وصار قادتنا يشعرون في قرارة أنفسهم أن عصيانهم لأوامر الدول الكبرى ، يعرضهم لضياع الحكم من أيديهم ، بل وقد يعرضهم للموت والهلاك ، فإنه من الممكن أن تلفق للعاصي تهمة ما ، تحوله من حاكم ملء السمع والبصر ، إلى ضحية غير مأسوف عليه ...
وأما علماؤنا ، فلم يبتعدوا كثيرا عن حكامنا ، فقد ولى زمن علماء الأمة الربانيين ، وصار علماؤنا حواسين في أعتاب السلاطين المستعبدين .. مما صير هؤلاء العلماء عبيدا للعبيد من السلاطين .. لذلك كان ذلهم مضاعفا ، فهم مهزومون فكريا ، ومهزومون في ميدانيا . ولهذا صار الدين لدى هؤلاء المنهزمين دينا لا يغضب الحكام ، ولا يقلق أمريكا ولا الغرب الصليبي ، ولا الشرق الشيوعي والمجوسي والبوذي .. فلا بأس لدى هؤلاء أن تبنى المساجد ويصلى فيها . ولا بأس أن يتعلم المسلمون أحكام الطهارة والاستجمار والاستنجاء . ولا بأس أن تفتتح زوايا الصوفية لتخدير جماهير الأمة ، ونقلها إلى حال أشبه بحال الأموات ، الذين لا يمكن أن يكونوا شركاء في بناء الحياة .
ولهذا فضحتهم الثورة السورية فضيحة بجلاجل ، وظهروا فيها على حقيقتهم ، فهم ما بين متطفل على موائد الحاكم ضارب بسيفه ، مسبح بحمده مع المسبحين . أو سلبي لا يهش ولا ينش ، ولا يقدم ولا يؤخر . أو عالم غير قابل لمماشاة الزمن ، وإنما هو شيء جامد على حالة لا تقبل التغيير ، فهو لذلك يعمل بعد قيام الثورة بنفس الأسلوب الذي كان يعمل به قبلها . وهو غير مستعد لأن يتكلم في الدين ، إلا بكلام لا يحاسب عليه من جانب المخابرات ... وأحسن علمائنا طريقة من ترك سوريا ، ولاذ بأكناف بلد عربي ما ، يمكن أن ينافق فيه للحاكم ويدعو على بشار الأسد فقط ، فيضمن بذلك الإبقاء على ولاء أتباعه له ، والهيمنة على عقولهم ، دون إغضاب البلد المضيف الذي سمح له أن يقيم فيه ..
وأما العلماء الفارون من الزحف منذ أحداث الستينات .. والفارون من الزحف في أعقاب أحداث الثمانينيات من القرن الماضي ، أما هؤلاء فلهم شأن آخر ، إنهم ما زالوا يجترون أمجادهم الماضية ، ويملؤون المجالس بعنترياتهم البائدة ، ويتمدحون بتلك الخطب النارية ، التي كانوا ألقوها من فوق المنابر ، ويدلُّون بما مضى من جهادهم ونضالهم ، ويحاولون جهدهم إقناع جلسائهم بانهم فارون بدينهم كما يزعمون .. وكل ذلك كان يمكن أن يكون مقبولا قبل الثورة ، ولكنه لم يعد كذلك بعدها ... ومن المؤلم حقا ، أن هذا الصنف من علماء الدين ما زال متخلفا في السياسة ، جاهلا بإعداد أتباعه إعدادا يرشحهم لأن يكونوا البديل من حكم آل الأسد الطائفي ، فقد اكتفى هؤلاء الفارون بدينهم خلال الستين سنة الماضية بالقشور عن اللباب ، فاكتفوا بالتوسط لمنح أتباعهم إقامة في السعودية أو عملا في إحدى دول الخليج .. وكان هؤلاء الوسطاء يضطرون إلى الإشادة بالمسؤول فلان ، والوجيه علان ، ليرضوهم بذلك ، ويؤمنوا عن طريقهم تلك الخدمات البسيطة لأتباعهم ومحبيهم ... ولم يكن لهذا الرعيل من العلماء خلال تلك الفترة أي نشاط ديني أو سياسي ، سوى التحدث في المآتم والأفراح ، أو فض النزاعات التي تحدث بين السوريين أحيانا ... وكان كل شيخ منهم يلتف حوله مجموعة من أتباعه ، والمستفيدين من وجاهته لدى إدارة الجوازات في بلد الإقامة ، أو المستفيدين منه في السعي بتأمين عمل لهم لدى رجال الأعمال الخليجيين ...
فلما قامت الثورة السورية ، بدأ النشاط لدى هؤلاء العلماء يأخذ منحى آخر ، فبعضهم بدأ يجمع الأموال لأعمال الإغاثة ، كتأمين الطعام والشراب والدواء والكساء للسوريين في داخل سوريا وخارجها .. وبعضهم الآخر صار يجمع الأموال لفتح مراكز للدعوة إلى الله ، وتعليم السوريين المشردين أمور دينهم .. وبعضهم وهم أفضل الموجود على الساحة ، وهم القلة القليلة من المشايخ ، الذين كانوا يجمعون المال لشراء السلاح والذخيرة للمقاتلين ، ولكنهم ما لبثوا أن توقفوا عن ذلك ، لأن الدول المضيفة لم تسمح لهم بذلك ، فحولوا مجهودهم الحربي ، إلى مجهود إغاثي ...
ومما يحز في النفس ، أن هؤلاء المشايخ ، لم توحد المصائب بينهم ، فبقي الشامي منهم على عصبيته للشاميين . والحلبي على اهتمامه بالحلبيين دون غيرهم ، والحمصي بالحمصيين ، والحموي بالحمويين ، والإدلبي بالإدلبيين ... وهكذا ... دوليك .
وبدأت بدعة إحداث الرابطات العلمية ، الرابطات وليس الرابطة الواحدة التي تجمع كل علماء سوريا ... كما بدأت البيوت المتعددة إلى الظهور على الساحة .. فالبيت الشامي .. والبيت الحبي ... إلى آخر القائمة وهي طويلة .. ولم نر البيت السوري ، الذي يجمع شتات السوريين ، ويشعرهم أنهم في الهم سواء ...
كان ينبغي لعلماء سوريا منذ بداية الثورة ، أن يعملوا لعهد جديد ، وأن يجتمعوا جميعا على نصرة الثورة بشكل مؤسساتي منظم ، بأن يكون لهم صندوق مالي موحد أشبه بخزينة الدولة ، تجمع إليه الأموال من كل المصادر الخاصة والعامة ، وتنفق على تزويد الثوار بالسلاح والذخائر والعتاد بحسب الحاجة ، وتكون الأولوية لهذا الجانب ، لأنه هو الذي يحسم المعركة على الأرض .. وكان ينبغي أن يسارع العلماء إلى تأليف اللجان العاملة في كافة المجالات الضرورية لنجاح الثورة ... لجان للتسليح .. ولجان للإغاثة .. ولجان للدعاية وتعريف العالم بجرائم النظام .. ولجنة لتمثيل الثورة في المحافل الدولية .. ولجان عسكرية .. ووزير دفاع ورئيس أركان ومجلس حرب .. وهكذا .. هكذا .. وأن لا يتكلم أحد باسم الثورة سوى شخص واحد يصطلح عليه بالانتخاب أو التوافق ، شريطة أن يكون ملما بالسياسة ، عالما بمداخلها ومخارجها ، مدركا أنه يتكلم مطالبا بإسقاط هذا النظام الاستبدادي الفاسد ، لإقامة نظام ديمقراطي يستظل بظله جميع السوريين ، بغض النظر عن دينهم أو انتمائهم المذهبي ، ليعلم كل سوري أنه يقاتل من أجل نفسه ، ودفاعا عن بلده وحياته وماله عرضه ، وأن هدف الجميع هو اللعودة بسوريا إلى ما قبل عام 1958 ..
لو كان للثورة قيادة سياسية موحدة ، ولو كان للثورة صندوق مالي موحد ، ولو كان لها قيادة عسكرية موحدة .. ولو كانت الثورة تمشي وفق خطوات مدروسة ، وإعلام مدروس ، وعسكرة مدروسة .. لما تأخر النصر ، ولما احتجنا إلى تسليم قضيتنا للجامعة العربية التي أضاعت فلسطين فيما مضى ، وهي بصدد تضييع سوريا الآن .. ولو فعلنا ذلك لما احتجنا إلى تدويل القضية ، وتسليمها لمنظمات الأمم المتحدة ، التي لم تصنع شيئا للفلسطينيين قبلنا ، سوى أنهارسخت أقدام اليهود المحتلين ، وأذلت العرب والفلسطينيين معا .. وهي تقوم بنفس السياسة تجاه السوريين ..
لقد تخلى علماؤنا عن نصرة الثورة ، بعضهم تخلى عنها وخذلها خذلانا كاملا ، وبعضهم تخلى عن دوره المطلوب ، ليقوم بدور غير مطلوب من أمثاله ، ويمكن أن يقوم به غيره من عامة الناس .. فنحن لم يكن يرضينا من علمائنا الأفاضل ، أن يكتفوا بعد الثورة بجمع الأموال لتأمين الغذاء والدواء والمأوى للمشردين من السوريين .. كنا نأمل أن يقوموا بدور أهم وأعظم وأنفع من هذا الدور الثانوي الذي قاموا به كل على حدة ... كنا نريد أن نرى منهم شيخ المجاهدين عمر المختار .. وشيخ الإسلام ابن تيمية .. وشيخ الأمة العز بن عبد السلام ... كنا نتمنى أن يرجع علماؤنا إلى سوريا هم وأتباعهم ، وأن يُكَفِّرُوا عن تخاذلهم في الماضي ، وخروجهم من سوريا ، تاركين الدار من بعدهم خلاء من الرعاة الأمناء ، لترعاها ذئاب النصيرية والبعثية .. كنا نتمنى أن يتولى علماؤنا قيادة المعارك على أرض الواقع ، وأن يكونوا في مقدمة الصفوف . ووالله لو أنهم فعلوا ذلك لما تلاعب بنا المنافقون ، ولما خسرنا معشار ما خسرناه من الأرواح والأعراض والأموال ... ووالله مرة أخرى وأقسم عليها ، لو اجتمعت كلمة هؤلاء العلماء لما كان السوريون بحاجة إلى امتداح من يساعدنا بمليم ، ويساعد النظام بالملايين ...
هذه حقيقة لا مراء فيها ، ولولا الإمداد المالي العربي لنظام بشار .. لسقط منذ زمن وانهار .. لو اجتمعت كلمة علمائنا على قلب رجل واحد لما تلاعب بنا المتلاعبون .. ألا ترون ما أنتم فيه أيها السوريون .. إن العرب لم يعترفوا حتى الآن بالائتلاف الوطني كممثل وحيد للسوريين ، ولم يعطوه مجلسا في الجامعة العربية ، ولم يخول الائتلاف بإصدار جوازات للسوريين ... وحتى الآن يكذب علينا العرب ، فيزعمون أنهم معنا ، وهم علينا .. ويزعمون أنهم ضد بشار ، وهم يدعمون بشار . ويسكتون عما تقوم به إيران من إجرام لنصرة بشار ..